خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بلغ التوتر بين “الجزائر” و”المغرب” مستوى جديدًا مع إعلان وزير الخارجية الجزائري، “رمطان لعمامرة”، الثلاثاء، قطع العلاقات الدبلوماسية مع “المغرب”.
وقال “لعمامرة”؛ إن قطع العلاقات لا يعني تضرر مواطني البلدين، مشيرًا إلى أن البعثات القنصلية ستواصل عملها كالمعتاد.
وتم الإعلان عن قطع العلاقات، خلال مؤتمر صحافي عقده وزير الخارجية الجزائري، “رمطان لعمامرة”، متهمًا، المملكة المجاورة؛ بارتكاب أعمال وصفها بغير: “الودية والعدائية” ضد “الجزائر”.
وصرح “لعمامرة”، خلال مؤتمر صحافي: “لقد ثبت تاريخيًا أن المغرب لم يتوقف عن القيام بأعمال غير ودية وعدائية ضد الجزائر”.
أسف مغربي لقطع العلاقات..
وعلى الفور، أعربت “الخارجية المغربية” عن أسفها عن قرار “الجزائر” بقطع العلاقات الدبلوماسية مع “المغرب”.
وقال بيان لـ”الخارجية المغربية”: “أخذت المملكة المغربية علمًا بالقرار الأحادي الذي اتخذته السلطات الجزائرية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب اعتبارًا من اليوم”.
وأضاف البيان: “ويأسف المغرب على هذا القرار؛ غير المبرر تمامًا والمتوقع – في ضوء منطق التصعيد الذي لوحظ في الأسابيع الأخيرة – ويأسف كذلك لتأثيره على الشعب الجزائري. المغرب يرفض رفضًا قاطعًا الذرائع المغلوطة، وحتى العبثية، الكامنة وراءه”.
وختم البيان بالقول: “وستظل المملكة المغربية، من جهتها؛ شريكًا صادقًا ومخلصًا للشعب الجزائري وستواصل العمل بحكمة ومسؤولية من أجل تنمية علاقات مغاربية سليمة ومثمرة”.
من جهة أخرى، قال رئيس الحكومة المغربية، “سعد الدين العثماني”، إنه يأسف لإعلان “الجزائر” قطع علاقاتها الدبلوماسية مع بلاده، مضيفًا أن المملكة تتمنى تجاوز هذا الوضع قريبًا.
وأضاف، في مقابلة مع موقع (أصوات مغاربية)؛ أن خطاب العاهل المغربي الأخير؛ تضمن دعوة إلى الحوار والتأكيد على أن: “المغرب يعتبر أن استقرار الجزائر وأمنها من استقرار المغرب وأمنه، واستقرار المغرب وأمنه من استقرار الجزائر وأمنها”.
وتابع قائلاً: “لا زلت أتمنى أن نصل إلى تطبيق هذه الدعوة، دعوة الملك محمد السادس، على أرض الواقع”، لافتًا إلى أن: “المغرب ينظر إلى المصالح العليا للشعوب المغاربية؛ عمومًا وللشعبين: المغربي والجزائري على وجه الخصوص”.
بناء “الاتحاد المغاربي” وعودة العلاقات قدر محتوم..
وعن احتمال عودة العلاقات إلى طبيعتها مع “الجزائر”، قال “العثماني”: “في رأيي الشخصي، إن بناء الاتحاد المغاربي وعودة العلاقات إلى طبيعتها، بين الجارين: المغرب والجزائر؛ هو قدر محتوم ضروري تمليه أولاً، وقبل كل شيء؛ المصالح المشتركة وبناء المستقبل المشترك”، كما تُمليه: “التحديات الكبرى التي يعيشها عالم اليوم، والتي تنبني على تجمعات إقليمية قوية ذات مصالح مشتركة”.
وكان العاهل المغربي، الملك “محمد السادس”؛ قد دعا، في شهر تموز/يوليو الماضي، إلى تجاوز الخلافات مع الجارة، “الجزائر”، وفتح الحدود المغلقة بين البلدين، منذ 1994.
ضبط النفس وتجنب المزيد من التصعيد..
من جانبه؛ أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية، “أحمد أبوالغيط”، عن أسفه البالغ حيال ما آلت إليه العلاقات بين: “الجزائر” و”المغرب”؛ عقب إعلان “الجزائر” عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع “المغرب”، ودعا البلدين إلى ضبط النفس وتجنب المزيد من التصعيد.
وقال مصدر مسؤول في الأمانة العامة للجامعة؛ إن “الجزائر” و”المغرب”؛ بلدان رئيسيان في منظومة العمل العربي المشترك، وأن الأمل لا يزال معقودًا على استعادة الحد الأدنى من العلاقات؛ بما يحافظ على استقرارهما ومصالحهما واستقرار المنطقة.
موقف متوقع..
تعليقًا على تلك الخطوة، اعتبر “محمد تاج الدين الحسيني”، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة “محمد الخامس”؛ أن الموقف الجزائري كان متوقعًا، لأن المؤسسة العسكرية سارت باتجاه لا يُصدقه عقل؛ مع اتهام “المغرب” بوقوفه خلف حرائق “الجزائر”. وتوقع “الحسيني” ألا يدخل الرد المغربي الرسمي بالنقاشات: “الفارغة” التي لا تؤدي إلى نتيجة، وسيكون دبلوماسيًا.
استبعاد تطور التوتر إلى المواجهة العسكرية..
كما استبعد السيناتور الجزائري، “فؤاد سبوتة”، تطور التوتر بين: “الجزائر” و”المغرب” إلى مواجهة عسكرية على الحدود، مؤكدًا أن “الرباط” تدعم حركة انفصالية وأخرى صنفتها، “الجزائر”: “إرهابية”.
وأوضح، في حوار مع موقع (القاهرة 24)، أن تحقيقات السلطات الأمنية في “الجزائر”؛ مع كثير من عناصر منظمة (ماك) الانفصالية؛ و(رشاد)، أفضت إلى: “ضلوع المغرب في دعم هاتين المنظمتين الإرهابيتين”.
وأضاف أن: “الكرة الآن في مرمى، المملكة المغربية، إذا أرادت أن تصحح الوضع، عبر تجنب التدخل في الشأن الجزائري والتوقف عن دعم الحركتين”.
وشدد “سبوته” على وجوب أن: “يعلو صوت الخيّرين في البلدين، وعلى الخيّرين، في المغرب، أن يتحملوا مسؤولياتهم ويقودوا دورًا أساسيًا في هذه المرحلة من أجل التهدئة أولاً، والذهاب إلى مفاوضات المرحلة الثانية لإعادة الأمور إلى ما كانت سابقًا”.
ولفت “سبوتة” إلى أن خطوة قطع العلاقات الدبلوماسية؛ هي: “أصعب خطوة تمت حتى الآن؛ وصعبتها على الطرفين، ولا ينكر أحد أن الإخوة المغاربة أشقاء وتربطنا بهم الكثير من علاقات المصاهرة والعلاقات التجارية”.
مواقف عدائية سابقة..
وحول أسباب وصول الوضع الحالي بين البلدين، إلى ما هو عليه اليوم، قال الأستاذ الجامعي الجزائري، “عمر هارون”، في حديث مع وكالة (سبوتنيك)، إن المشاكل بين البلدين ليست بالجديدة، لكن الجو المشحون الحالي: “خلقته المغرب، بدايةً من تصريح القنصل المغربي، العام الماضي، حيث قال في لقاء مع أبناء جاليته المتواجدين في الجزائر، بأنهم في بلد عدو”.
ومنذ ذلك الحين، يضيف “هارون”: “بدأ مسار من الأخطاء، التي لا تُرتكب من طرف دولة، تعتبر شقيقة وصديقة”.
ويرى أن الأيام الأخيرة حملت العديد من التجاوزات الملموسة، كان: “أولها دعوة ممثل المملكة لدى الأمم المتحدة، لاستقلال منطقة القبائل، مساندًا بهذا حركة مصنفة في الجزائر: كحركة إرهابية، في موقف غير مفهوم، يُضاف إلى ذلك فضيحة: (بيغاسوس)؛ وثبوت تجسس المملكة على مسؤولين جزائريين، حالهم حال مسؤولين أوروبيين، بالإضافة لموافقة المغرب، للكيان الصهيوني، للإنضمام إلى الاتحاد الإفريقي كعضو مراقب”.
بقاء التمثيل الدبلوماسي في أدنى مستوياته..
وعن أوجه مراجعة العلاقات؛ الذي قد تلجأ إليه “الجزائر”، يُضيف الأستاذ الجامعي: “قد تُبقي الجزائر في المرحلة القادمة التمثيل الدبلوماسي، بينها وبين الرباط في أدنى مستوياته، مع احتمال إعادة فرض التأشيرة على المغاربة الراغبين في دخول الأراضي الجزائرية”.
قد يؤثر على الشق الاقتصادي..
ويرى “هارون”؛ قد يلقي التوتر السياسي بظلاله على الشق الاقتصادي، أن: “هناك احتمال كبير أن تتخلى الجزائر، عن تزويد أوروبا بالغاز مرورًا بالمغرب، وهذا لصالح أنبوب جديد يربط الجزائر بأوروبا على مسافة: 192 كلمة والمعرف: بـ (ميديا غاز)”.
وبخصوص حجم المبادلات “الجزائرية-المغربية”، رأى أنها ضعيفة؛ مقارنة بما يمكن تجسيده: “المبادلات بلغت سنة 2020؛ حدود: 600 مليون دولار أميركي، وهو رقم ضعيف، مقارنة بما يمكن القيام به، لو تعامل النظام المغربي، مع الجزائر بما يليق مع الجيرة والتاريخ المشترك، لكن دائمًا ما برر النظام المغربي كل ما يقوم به بقضية الصحراء الغربية، التي تُعتبر قضية أممية بإمتياز، لا علاقة للجزائر بها، إلا من خلال ما تقره المؤسسات الأممية الدولية”.
حلقة في سلسلة طويلة من التوترات..
من جانبه؛ قلل مدير تحرير مجلة (السياسة الدولية)، بمؤسسة “الأهرام” المصرية، “أبوالفضل الإسناوي”، من العوامل العارضة في التوتر الحالي بين: “الجزائر” و”المغرب”؛ ويعتبره حلقة في سلسلة طويلة من التوترات.
وأكد “الإسناوي”؛ أنه: “لا يمكن أن نعتبر مثلاً أن العلاقات (المغربية-الإسرائيلية) ذات أثر مهم في التوتر بين الجزائر والمغرب، فالتوتر بين البلدين دائم، وناتج بالأساس عن قضية الصحراء المغاربية؛ وما يتم في منطقة العيون بالصحراء الغربية، والدعم العربي والأوروبي لمغربية الصحراء”.
وأضاف “الإسناوي”؛ أن: “التنافس بين الجزائر والمغرب؛ أصبح قوي فيما يتعلق بمنطقة الغرب الإفريقي وغيره، هناك إدراك من الجزائر بأن الاعترافات المتتالية بمغربية الصحراء، من دول عربية وغربية؛ يؤدي لفشل الدور الجزائري في دعم (البوليساريو)، وهو ما يخلق رد الفعل الجزائري ضمن أزمة ممتدة لعشرات السنين”.
دور الدبلوماسية الروحية..
وعن أفق الأزمة الحالية؛ أوضح “الإسناوي”؛ أن: “البلدين مدركين أنه على المستوى الشعبي؛ العلاقات في المستوى المعقول، والقيادات تدرك ذلك، وهناك طرق صوفية قوية تربط بين البلدين، وتنتشر على الحدود، وهذه الطرق تلعب دور دائم في حلحلة الأزمة ووقف تصاعدها، الجزائر لها دور قوي وسط الطرق الصوفية، والرئيس الجزائري له ظهير قوي من التيار الصوفي، وملك المغرب يدعم الصوفية بشدة في إفريقيا والمغرب، لذا لا أتوقع أن تتدهور الأمور أكثر من الوضع الحالي، يمكن اعتبار أن الدبلوماسية الروحية ستلعب دورًا”.
قطع العلاقات مسبقًا..
وسبق لـ”المغرب” أن قطع علاقاته مع “الجزائر”؛ سنة 1976، بعد اعتراف “الجزائر” بقيام “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”. ولم تُستأنف العلاقات إلا، في 1988، بعد وساطة سعودية.
تُجدر الإشارة إلى أن الحدود بين: “الجزائر” و”المغرب”؛ مغلقة رسميًا، منذ 16 آب/أغسطس 1994.
واتهمت الرئاسة الجزائرية، في بيانها، “المغرب” و”إسرائيل”؛ بالتآمر ضدها. وقالت إن الاجتماع بحث: “الأحداث الأليمة الأخيرة والأعمال العدائية المتواصلة من طرف المغرب وحليفه الكيان الصهيوني؛ ضد الجزائر”.
وبحسب السلطات الجزائرية، فإن معظم الحرائق التي اندلعت في “الجزائر” مفتعلة؛ على الرغم من أنها لم تقدّم أي دليل على ذلك حتى الآن.