وكالات – كتابات :
يُعد شنُّ “الولايات المتحدة” غارةً برمائية ضد “إيران” عمليةً خطيرةً جدًّا، مع إمكانية تعرض قوات مشاة البحرية الأميركية لأسلحة الدفاع الجوي والأسلحة المضادة للسفن والمدفعية، بالإضافة إلى الاشتباك مع المشاة، وذلك حسبما خلُص إليه الكاتب الصحافي، “كايل ميزوكامي”، المهتم بشؤون الدفاع والأمن القومي، في مقاله المنشور في مجلة (ناشيونال إنترست) الأميركية، الذي أوضح أن الغارة البرمائية الأميركية ستشمل انتشار مجموعة برمائية جاهزة من السفن الهجومية البرمائية والمدمرات المرافقة لها بدعمٍ من مجموعة واحدة على الأقل من حاملات الطائرات.
وفي مستهل المقال، يُؤكد الكاتب أن أحد أكبر الحقائق البديهية في الحياة؛ هي أن الحروب البرية في قارة “آسيا” حروب عبثية لا طائل من ورائها؛ إذ تسمح ضخامة مساحة القارة واتساعها؛ للقوات الدفاعية؛ استغلال المساحة لكسب مزيد من الوقت، مما يُطيل سلسلة إمدادات شريان الحياة للغزاة حتى يصلوا إلى نقطة الإنهيار، وينطبق هذا الافتراض على “إيران”، التي يبلغ عدد سكانها ربع سكان “الولايات المتحدة”؛ وحجم ساحلها الغربي أكبر من أن تحتله حتى أعتى الجيوش الحديثة.
ويستدرك الكاتب متسائلًا: لكن ماذا عن شنِّ غارة برمائية على مجموعة محددة من الأهداف على طول الساحل الإيراني ؟
ويوضح أنه على الرغم من أن تنفيذ “الولايات المتحدة” أي عملية عسكرية ضد “الجمهورية الإسلامية الإيرانية”؛ ليس وشيكًا بأي حال من الأحوال أو يلوح في الأفق حتى، لكن من المهم أن يفهم الجمهور الأدوات التي تعتقد “وزارة الدفاع” الأميركية؛ (البنتاغون)، و”البيت الأبيض” أنهم يحتفظون بها في جعبتهم.
سلاح ذو حدين !
لدى “إيران” ساحل مترامي الأطراف، حيث يبلغ طول ساحلها الجنوبي نحو: 1550 ميلًا؛ (2495 كم)، وهو أطول من مجموع سواحل ولايات: “كاليفورنيا وأُوريغون وواشنطن” مجتمعةً؛ وفي الوقت الذي يبدو فيه أن مثل هذه الحدود البحرية الطويلة مفيدة لإبراز القوة في “الخليج العربي” الضيق، فإنها أيضًا سلاح ذو حدين، ويكمن الجانب السلبي في قدرة “إيران” على الدفاع عن شريطها الساحلي، الذي يبلغ طوله: 1550 ميلًا، ضد هجمات تُشنها قوة برمائية على درجة عالية من الكفاءة؛ مثل “سلاح البحرية الأميركية”.
ويتدرب “سلاح مشاة البحرية” الأميركية على مجموعة واسعة من العمليات، بدايةً من استعادة طاقم الطيارين وأفراد الطائرات ووصولًا إلى شنِّ هجمات برمائية وهجمات جوية واسعة النطاق. ويُجرِي “سلاح البحرية” الأميركية تدريباتٍ متخصصة على أحد أهم أنواع العمليات وهي الهجوم البرمائي: استخدام قوة إنزال صغيرة للوصول إلى الهدف، والاستحواذ عليه لمدة قصيرة لغرض محدد، وبعد ذلك الإخلاء والعودة مرةً أخرى إلى البحر.
ويُوضح “ميزوكامي” أنه إذا استمر تصعيد التوترات من جانب “إيران”، فسيكون أحد الخيارات التي تلجأ إليها “الولايات المتحدة” هو شنَّ هجوم برمائي ضد منشأة عسكرية إيرانية برية أو بحرية، و”إيران” لديها عدد هائل من المنشآت العسكرية التابعة لـ”البحرية الإيرانية” والقوات البحرية التابعة لـ (الحرس الثوري) الإيراني على طول سواحلها، وتعمل “البحرية الإيرانية” عادةً شرق “مضيق هرمز”، بينما يعمل (الحرس الثوري) غرب المضيق وعبر “الخليج العربي” بصفةٍ عامةٍ، وفي الوقت الذي تكون فيه السفن التابعة لـ”البحرية الإيرانية” أكبر حجمًا وأكثر قدرة، تميل القوات البحرية التابعة لـ (الحرس الثوري) إلى تشغيل زوارق مائية أصغر حجمًا، على غرار القوارب السريعة المدنية المزوَّدة بأسلحة مشاة ثقيلة.
ويُمكن أن يستهدف الهجوم البرمائي جزيرةً أو منشأةً نفطيةً أو مرفقًا ساحليًّا ذا أغراض عسكرية، ونظريًّا سيكون هذا المُستَهدِف مسؤولًا مسؤولية مباشرة عن بعض الاستفزازات، مثل زرع الألغام البحرية أو أسْر أفراد القوات البحرية الغربية أو شن هجمات بالقوارب الصغيرة؛ ونظرًا إلى أن (الحرس الثوري)، تاريخيًّا، كان أكثر رغبة في التحريض على استفزاز القوات البحرية الغربية في البحر، فقد يجعل هذا قاعدة (الحرس الثوري) الهدف الأكثر احتمالًا، ويمكن أن تُفضِّل “الولايات المتحدة” عمدًا أيضًا استهداف (الحرس الثوري)؛ الأكثر عدوانية، على استهداف “البحرية الإيرانية” الأكثر تحفظًا، من أجل إذلالهم وإضعافهم سياسيًّا.
كيف تُنفذ “أميركا” غارةً برمائيةً ضد “إيران” ؟
يُنوِّه الكاتب إلى أن الهجوم البرمائي سينطوي على انتشار مجموعة برمائية جاهزة من السفن الهجومية البرمائية والمدمرات المرافقة لها بدعم من مجموعة واحدة من حاملات الطائرات على الأقل، وتُسافر كل مجموعة برمائية جاهزة برفقة كتيبة من سلاح مشاة البحرية والمعدات الجوية والبرمائية لإيصالها إلى الشاطيء، إلى جانب تزويدهم بالدروع والمدفعية والاتصالات والإمدادات الطبية وغيرها؛ وبوجه عام، يمكن أن تتكون القوة المُغِيرَة؛ من أكثر من: 16 ألفًا من أفراد سلاح مشاة البحرية والبحارة الأميركيين.
وتنطلق العملية بتحييد الدفاعات الجوية المحلية للعدو، وتُدمر صواريخ (كروز توماهوك) الدفاعات الجوية المحددة ومراكز القيادة والسيطرة التي قد تُنظم هجومًا مضادًا، بينما يمكن للمدافع ذات الخمس بوصات الخاصة بالمدمرات، التي تُبحر مع المجموعة البرمائية الجاهزة، ضرب الهدف نفسه.
وفي الآونة الأخيرة، كانت قوات (المارينز) تُجرِّب إطلاق صواريخ بنظام الإطلاق المتعدد الموجَّه؛ (أو الصواريخ الموجهة بنظام تحديد المواقع العالمي)، من أسطح طيران السفن البرمائية، وهو ما يمنح القوات البحرية، بصورة أساسية، سلاحًا موجَّهًا بدقة على متن السفن، ويمكن للطائرات المقاتلة المتعددة المهام التابعة لـ”البحرية الأميركية”؛ مثل (إف إيه- 18 إي إف سوبر هورنت)، ومقاتلة (إف-35 سي) و(إف-35 بي)؛ أن تستهدف أهدافًا تبُعد مسافات عنها لإسقاط قنبلة انزلاق موجهة بدقة من طراز (استورم بريكر-Storm breaker) الجديدة الصالحة للعمل في جميع أحوال الطقس.
ويتابع “ميزوكامي” موضحًا أنه بمجرد إضعاف الهدف بالصواريخ والمدفعية والضربات الجوية، يحين وقت شنِّ الغارة نفسها، ويمكن لوحدة استطلاعية بحرية الإغارة على الهدف عن طريق الجو باستخدام مروحية (إم ڤي-22 أوسبري) ومروحة (سيكورسكي سي إتش-53 إي سوبر ستاليون)، بدعم من مروحيات (إيه إتش – 1 زد) الهجومية. وعن طريق البحر، سيكون (المارينز) بدأوا عملية الإنزال بمركبة هجومية برمائية ومعهم حوامات؛ (مركبات الوسادة الهوائية LCAC)، وزوارق إنزال معدات؛ (LCU)، وجلبوا معهم المدفعية والعربات المدرعة، وربما يحضرون معهم في بعض الحالات عددًا صغيرًا من دبابات (أبرامز) القتالية الأميركية، وعلى مدار عدة ساعات، يمكن لوحدة الاستطلاع البحرية إنزال ألف فرد من مشاة البحرية على الهدف، وبعد فترة زمنية محددة مسبقًا، تنسحب القوة المهاجمة إلى سفن المجموعة البرمائية الجاهزة.
خيار مفيد على الرغم من خسائره..
يُؤكد الكاتب أن تنفيذ “الولايات المتحدة” هجومًا برمائيًّا سيكون عملية خطيرة جدًّا، مع إمكانية تعرض قوات “مشاة البحرية الأميركية” لأسلحة الدفاع الجوي والأسلحة المضادة للسفن والمدفعية، بالإضافة إلى القتال المتلاحم مع المشاة، وستكون الخسائر مؤكدة، سواء بنيران العدو أو بسبب ضباب الحرب، كما أن تنفيذ عملية الإنزال على الأراضي الإيرانية والاستيلاء عليها، حتى لو كان بصورةٍ مؤقتةٍ، يُعد تصعيدًا خطيرًا في حد ذاته. ولم تفعل “إيران” شيئًا في هذه المرحلة، أو خلال الثلاثين سنة الماضية، يُمكن أن يُبرر تنفيذ مثل هذه العملية.
ومع ذلك، يظل الهجوم البرمائي خيارًا مفيدًا في حالة تصعيد “إيران” للتوترات؛ وتفكيرها في تنفيذ عملية عسكرية كبيرة. وبالقدر ذاته من المواقف التي تُبرزها “إيران” من العدوانية واستعراض القوة، لا تزال قواتها المسلحة غير مجهزة بالقدر الكافي؛ وستجد أن قدراتها أقل من مواجهة تحدٍّ خطير من جهة البحر، بل إن التهديد بشن غارة برمائية قد يُجبر الإيرانيين على الإسراع للدفاع عن ساحلهم الطويل جدًّا، وهو أمر عالي التكلفة ويستغرق وقتًا طويلًا من شأنه أن يشغل اهتمام “إيران” عن مهامها في الدول الأخرى.
وفي النهاية، يقول “ميزوكامي”؛ إن مجرد تهديد “الولايات المتحدة” بشنِّ غارة برمائية قد ينفعها أكثر من الغارة نفسها، لأن التهديد سيُردع “إيران” عن القيام بأي عمل قد يُؤدي إلى إثارة “الولايات المتحدة” لتنفيذ مثل هذه العملية المعقَّدة.