التقارب السعودي العراقي .. يثير تكهنات الجميع ويقلق إيران !

التقارب السعودي العراقي .. يثير تكهنات الجميع ويقلق إيران !

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

كثير من المراقبين يتساءلون الآن حول التقارب المتسارع الذي حدث فجأة بين العراق والمملكة العربية السعودية.. فمنذ زيارة الزعيم الشيعي “مقتدى الصدر” للمملكة السعودية في 31 تموز/يوليو الماضي, وأبو ظبي في 14 آب/أغسطس الجاري، ومراقبو الِعلاقات الخليجية ـ العراقية يبحثون عن الأسباب التي تجمع “الصدر” وولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” وولي عهد أبو ظبي الشيخ “محمد بن زايد”، حيث تم تسويق زيارة الزعيم الشيعي على أنها جزء من محاولات الرياض وأبو ظبي, بالضرورة, لإعادة العراق إلى سياقه العربي ومواجهة التأثير الإيراني هناك، وصَور البعض الزيارة على أنها جزء من تحالف سعودي – عراقي يجري العمل على بنائه منذ ستة أشهر ومحاولة لإذابة الجليد في العلاقات المتوترة بين البلدين.

من أجل إعادة العراق إلى الصف العربي..

بحسب “سعد الجبري”، أحد مستشاري “محمد بن سلمان”، فالزيارة هي “خطوة مهمة لإعادة العراق إلى الصف العربي، ودعمه للحصول على أصدقاء شركاء لتحقيق هذا الأمر”، وأن “هذا يقتضي الحد من محاولات طهران المستمرة للسيطرة على العراق ونشر الطائفية، فتواصل واسع بين الرياض وبغداد سيؤدي إلى تعزيز الدعم الإقليمي للعراق، خاصة من دول الخليج، وهذا مهم، خاصة بعد السيطرة على الموصل من تنظيم الدولة، وبحث العراق عن طرق لإعادة الإعمار الوطني”.

من أجل إبعاده عن إيران..

بهذا الصدد قالت  صحيفة “الغارديان” البريطانية، إن المملكة العربية السعودية تجري عدداً من المباحثات مع الأطراف العراقية سعياً من جانبها لإعادة العراق إلى الحضن العربي، وإبعاده عن إيران.

وأضافت الصحيفة البريطانية, في تقرير تحت عنوان: “السعوديون في محادثات لإعادة بناء العراق وإعادته إلى الحضن العربي”، أن من شأن تلك التحالفات الجديدة أن تعطي السعودية دوراً رائداً في إعادة بناء البلاد التي مزقتها الحرب، والسماح لها بتوجيه العراق بعيداً عن منافسته إيران.

تحالف جديد..

نوهت الصحيفة البريطانية، إلى أن العراق والسعودية يتفاوضان على تشكيل تحالف جديد من شأنه أن يعطي الرياض دوراً رائداً في إعادة بناء المدن التي مزقتها الحروب في العراق، مع تعزيز أوراق بغداد في الإقليم.

إبعاد العراق عن جارته..

مشيرة الصحيفة البريطانية إلى أن الاجتماعات, التي جرت بين كبار المسؤولين من الجانبين على مدى الشهور الستة الماضية, تركزت على إبعاد العراق عن جارته القوية والمنافسة القوية للسعودية، “إيران”، تلك التي ازداد نفوذها في الشؤون العراقية بشكل حاد منذ الإطاحة بنظام الرئيس الراحل “صدام حسين” بالعام 2003.

ورأت “الغارديان” أن الجمهورية العراقية والمملكة العربية السعودية كانتا تعتبران خصمين منذ فترة طويلة في المنطقة، لكن زيارة رجل الدين الشيعي العراقي “مقتدى الصدر” إلى الرياض، ورحلته إلى الإمارات العربية المتحدة، زادت من وتيرة العلاقات التي تم تحسينها بالفعل عن طريق الزيارات رفيعة المستوى التي جرت بين البلدين.

بغداد في طريقها للحصول على الاستقلال السياسي..

من جانبه، سلط موقع “المونيتور” الأميركي الضوء على العديد من الشواهد التي تشير إلى استطاعة المملكة تحرير العراق من قبضة إيران على المستوى السياسي والدبلوماسي، حيث قال إن بغداد في طريقها للحصول على استقلالها السياسي بعيداً عن النفوذ الإيراني، مشيراً إلى أن العراق بات يواجه واقعاً جديداً, على حد تعبير الموقع.

وقال الموقع الأميركي, المتخصص في شؤون الشرق الأوسط, إن “زيارات رجل الدين الشيعي “مقتدي الصدر” لكل من المملكة والإمارات على مدار الأسبوع الماضي، فتحت الباب على مصراعيه أمام تقدم بلاده، وخاصة الفئات الشيعية نحو الاستقلال عن التبعية لإيران”، مؤكداً على أن “الصدر” تم استقباله بصفته زعيماً عراقياً على المستوى الديني والسياسي.

تطور العلاقات بشكل ينهي التدخل الإيراني..

أشار الموقع الأميركي إلى تطور العلاقات بين السعودية والعراق, على النحو الذي ينهي أي تدخل لإيران في البلاد، حيث تبعت الزيارات إجراءات سعودية متعددة تجاه العراق، منها الإعلان عن فتح قنصلية للرياض في “مدينة النجف” حيث يقيم “الصدر”، في ظل عدم رفض المرجع الشيعي الأبرز في العراق وهو السيد “علي السيستاني”، الأمر الذي يعني أنه موافق على مثل هذا الانفتاح، كما أنه دعا إليه سابقاً في مناسبات عدة.

انتقادات إيرانية..

واجهت زيارات “الصدر” للسعودية والإمارات انتقادات لاذعة من قبل إيران، حيث اعتبرتها وسائل الإعلام في طهران خيانة لبلادها، لا سيما وأن المملكة باتت تتمتع بعلاقات أقوى مع بغداد خلال الفترة الماضية.

محطة لتغليب إرادة العراق على إرادة العملاء..

دافع إمام وخطيب الجمعة في مسجد الكوفة “ضياء الشوكي”، الجمعة الماضي، عن “الصدر”  ورفض أن يكون العراق “تبعاً” لأي بلد في العالم، لافتاً إلى أن زيارات زعيم التيار الصدري إلى بعض الدول الإقليمية “ما هي إلا محطة أولية لتغليب إرادة العراق على إرادة العملاء”، قائلاً: إن “حراك السيد مقتدى الصّدر والاستجابة إلى دعوات زيارة السعودية والإمارات تأتي لخلق مناخ جديد, ولتفكيك بؤر التوتر والقطيعة وفتح عهد جديد من العلاقات بين الشعب العراقي وشعوب المنطقة تقوم على الاحترام والصداقة والتعاون”.

ضربة موجعة..

وصف “الشوكي”، حراك “الصدر” بأنه: “يشكّل ضربة موجعة وقاصمة للتبعية والذل”، موضحاً أن “الصّدر استطاع أن يكشف للعالم اجمع ولدول المحيط العربي ولأبناء الشعب العراقي في المناطق الغربية صدقه وتعامله الإنساني والوطني واعتداله”.

تراجع الخطاب الهجومي..

في إطار التقارب, لوحظ أن الخطاب الهجومي ضد الرياض في بغداد واتهامها بدعم الجهاديين قد تراجع, وظلت العلاقات السعودية – العراقية متوقفة منذ 25 عاماً, وبعد عودة السفير السعودي إلى بغداد عام 2015 شنت عليه حملات متكررة واتهمت بلاده بدعم التمرد في العراق وإثارة الفوضى فيه. إلا أن زيارة “العبادي” والرئيس “فؤاد معصوم” كان إشارة عن تحسن في العلاقات, حيث تبع زيارة كل منهما تبادل في الوفود بين البلدين.

محاولة لموضعة نفسها..

مدير مركز الفكر السياسي في بغداد “إحسان الشمري”, يقول: “كانت العلاقات متوترة في الماضي، خاصة خلال فترة “المالكي”، إلا أن السعوديين وجدوا في “العبادي” شخصية سياسية غير طائفية، وهم مستعدون للعمل معاً، ولم يعودوا يركزون على الخلاف الشيعي السني، ويريد للعراق العودة إلى الصف العربي، ونافذة العالم العربي هي السعودية”. ومن هنا فمساهمة السعودية في إعادة الإعمار هي محاولة لموضعة نفسها كقوة مؤثرة في العراق بمرحلة ما بعد تنظيم “الدولة”.

ويعلق “الشمري” أن العراق مهم “في المجال الأمني والاقتصادي والسياسي, ومن الطبيعي أن تبحث القيادة السعودية عن مسارات في السياسة الخارجية تقود إلى هذا الاتجاه، ويعد “مقتدى الصدر” شخصية محترمة، وله تأثير واضح، وهو يفهم أن مستقبل العراق في العالم العربي، وعادة ما عبر عن قلقه، وبشكل مستمر، من زيادة التأثير الإيراني في العراق”.

الحضور بعد القطيعة..

سبق وأن قال الصحافي العراقي “هاشم الشماع”, لـ(كتابات), أن زيارات السيد “مقتدى الصدر” تحدث بسبب عودة العراق إلى الواجهة العربية, وعدم الإمكان تخطيه في قضايا الشرق أوسطية, خاصة بعد الانتصارات التي حققها على أرض المعركة ضد تنظيم “داعش”.

مضيفاً “الشماع” أن هذه الزيارات هي بمثابة الحضور العربي في العراق بعد القطيعة التي دامت لسنوات, مما أحدث فراغاً كبيراً في الساحة.

وحول ما يدور عن أن هذه الزيارات هي بمثابة الابتعاد عن المحور الإيراني, يقول “الشماع” أن هذا لا يعني أنه قطع علاقته بإيران أو يقلل من المصالح بينها وبين العراق, بل بالعكس السيد “مقتدى” علاقته متوازنه مع جميع الأطراف, وربما سيعلب دوراً كبيراً في إنهاء ملفات الشرق الأوسط, لا سيما الخليجية, بطرق سلمية ترضي الجميع.

خطط لتأمين السلام ورفض الطائفية..

هو ما أكده أيضاً “الصدر”, لصحيفة “الشرق الأوسط” المملوكة للعائلة السعودية، بعد لقائه بولي عهد المملكة “محمد بن سلمان”، أن “هناك خطط لتأمين السلام ورفض الطائفية في المنطقة”، وقال: “من الضروري إعادة العراق إلى الطية العربية”.

ستبقى اللاعب الرئيس في العراق..

في حين قال “واثق الهاشمي”، رئيس مجموعة الدراسات الاستراتيجية العراقية في العراق، إن “إيران ستبقى اللاعب الرئيس في العراق، على الأقل خلال السنوات العشر المقبلة مهما تفعل السعودية ودول الخليج”.

نظام الملالي وضع حدوده في العراق والشام..

ما أكده تصريح لممثل “الخميني” عضو مجلس خبراء النظام الإيراني، الملا “أحمد علم الهدى”، في خطبة الجمعة الماضي بمدينة “مشهد” الإيرانية، إن نظام الملالي وضع حدوده في العراق والشام وسواحل البحر الأبيض المتوسط.

مضيفاً أن “اليوم ليس الأمر أن تكون بادية العراق والشام وسواحل البحر الأبيض المتوسط نقطة خارج هذه الدولة وهذه الحدود، إن جبهة الإسلام تم تشكيلها هناك”، متابعاً: “القوات التي تنطلق من هنا كمدافعين عن الحرم, وتقوم في تلك الجبهة بالتضحية والإيثار, هي في الواقع قوة الإمام الرضا التي تنطلق من هذه النقطة لنشر الدين إلى العراق وسوريا”، حسبما ذكرت صحيفة “الرياض” السعودية.

يجب مضاعفة الجهود لطرد “الحرس الثوري” والميليشيات..

الأمر الذي جعل لجنة الشؤون الخارجية في “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية”, أن تعتبر التصريحات العلنية لأحد كبار عناصر نظام الملالي, بما تضمنته من تطاول على العراق وسوريا، تؤكد على أهمية مضاعفة الجهود لطرد قوات “الحرس الثوري” والميليشيات العميلة لها من سوريا والعراق وغيرهما من دول المنطقة.

السعودية في وضع حرج..

مدير مركز دراسات جنوب العراق الدكتور “علي رمضان الأوسي”، له رأي مختلف, فيقول: أن “السعودية توجد الآن في وضع حرج جداً داخلياً وإقليمياً. كما أن حوالي نصف ترليون دولار الذي ستخصصه للسعودية لشراء الأسلحة الأميركية أثقلها اقتصادياً، وهي تريد أن تهرب إلى الأمام من هذه المشاكل”.

تكريس تفعيل التناقضات والانقسامات..

أما مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية في القاهرة “مصطفى اللباد”، فيرى أن التحرك السعودي يهدف إلى “تكريس تفعيل التناقضات والانقسامات داخل الأطراف الشيعية العراقية”، مضيفاً أن ما يؤكد على هذا المعطى هو: “وجود تيارات شيعية تريد الانفتاح على السعودية وأخرى تعارضه، خصوصاً التيارات الموالية لإيران”. كما يعتبر “اللباد” التقارب بين الجانبين بأنه محاولة من الرياض “للتصعيد ضد طهران وتحالفاتها بالعراق عن طريق مبادرة التهدئة العراقية”.

لا يوجد حسابات سياسية..

لكن “محمد عبد الله آل زلفى”, العضو السابق في مجلس الشورى السعودي، نفى وجود حسابات سياسية وراء التقارب السعودي مع إيران. وبالنسبة له فهذا التقارب يعد “أمراً طبيعياً”.

وأضاف أن “تأسيس العراق الحديث كان متزامناً مع تأسيس السعودية الحديثة, وكان دائماً هناك تعاون كبير بين شعبي البلدين وحكامهما”. وقلل “آل زلفى” من تأثير “غزو” العراق للكويت على العلاقات بين البلدين.

في المقابل يرى “آل زلفى” أن التباعد “بدأ عام 2003 بعد سقوط نظام صدام حسين”, لأنه جاء  بـ”المد الشيعي في العراق”، على حد وصفه.

تدعيم أميركي.. بحذر..

تدعم واشنطن التقارب السعودي العراقي, لكن دعم “الصدر” يثير تساؤلات بشأن ما إذا كانت واشنطن ترى رجلاً معروفاً بعدائه للأميركيين شخصية موثوقاً بها !

وقال مسؤول أميركي عن الزيارة: “ربما هي شر لابد منه”, غير أنه أضاف: إنه “وضع غير مريح للغاية بالنسبة لنا”, بسبب عداء “الصدر” للولايات المتحدة الذي أفضى إلى مقتل مواطنين أميركيين.

واصفاً زياراته للمنطقة, وبشكل أشمل الزيارات الرفيعة المستوى من العراق. جيدة بوجه عام لأنها تضع العراق وجهاً لوجه مع الدول الخليجية, وتساعد في صرف الانتباه عن إيران.

وقال مسؤول ثان, إن واشنطن تنظر إلى الزيارات بإيجابية, “ليس لأننا من أنصار الصدر لكن لأننا ندفع السعودية لإصلاح العلاقات وفتح أبواب مع العراق”.

تعزيز العلاقات..

في الشهر الماضي أعلن العراق والسعودية أنهما بصدد إنشاء مجلس لتعزيز العلاقات الاستراتيجية. وأقر مجلس الوزراء السعودي إنشاء لجنة تجارية مشتركة لبحث الاستثمارات في العراق.

ومؤخراً أعادت الدولتان فتح معبر حدودي مغلق منذ أكثر من 25 عاماً. إضافة إلى ذلك اتفق الجانبان على زيادة الرحلات الجوية المباشرة لتكون يومية. وبعد اجتماع جدة أعلن مكتب “الصدر” عن أنه “جرى التوصل إلى اتفاق لدراسة الاستثمارات في المناطق الشيعية في جنوب العراق”. ومن جانبها تدرس الرياض فتح قنصلية في “مدينة النجف” المقدسة لدى الشيعة والتي تعد قاعدة “الصدر”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة