خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في الزيارة التي قام بها قادة “الاتحاد الأوروبي” إلى “تركيا”، يوم الثلاثاء، والتي جاءت بعد عام من التوتر، قدم “الاتحاد الأوروبي” عرضًا إلى “تركيا” ببداية جديدة، لكنه في الوقت نفسه وجه انتقادات للسياسة الداخلية، كما وعد بتعاون اقتصادي قوي ودعم مالي من أجل مساعدة اللاجئين.
رئيس المجلس الأوروبي ورئيسة المفوضية الأوروبية أعربا للرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، عن قلقهما حيال ملف حقوق الإنسان في “تركيا”، وقال رئيس المجلس؛ إن: “دولة القانون واحترام الحقوق الأساسية هما قيمتان أساسيتان للاتحاد الأوروبي”، مشدّدين في المقابل على أهمية الشراكة معها.
مخاوف من انسحاب “أنقرة” من “اتفاقية إسطنبول“..
من جهتها، شدّدت رئيسة المفوضية الأوروبية، “أورزولا فون دير لاين”؛ على: “ضرورة أن تحترم تركيا حقوق الإنسان”، معربة خصوصًا عن أسفها لانسحاب “أنقرة” من “اتفاقية إسطنبول” لمكافحة العنف ضد المرأة. وقالت “فون دير لاين”: “أنا قلقة للغاية لانسحاب تركيا من اتفاقية إسطنبول. إنه مؤشر سييء”.
وبالإضافة إلى انسحاب “تركيا” من “اتفاقية إسطنبول”، تطرّقت “فون دير لاين” إلى قضية رجل الأعمال التركي، “عثمان كافالا”، والزعيم الكُردي، “صلاح الدين دميرتاش”، المعتقلين، مؤكدة أن: “الاتحاد الأوروبي” يعتبر أن قضية حقوق الإنسان “غير قابلة للتفاوض”.
شريك هام لحفاظها على اتفاقية اللاجئين..
لكن “ميشال” و”فون دير لاين”؛ أكدا أن “أنقرة” تبقى “شريكًا هامًا” للاتحاد الأوروبي، وشددا على دورها على صعيد استقبال اللاجئين، خصوصًا السوريين. وقال “ميشال” إن: “الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك لتركيا”، مضيفًا: “نحن ممتنون لاستقبال تركيا للاجئين”.
بدورها شددت “فون دير لاين” على أن “تركيا”: “شريك هام”، مؤكدة تصميم “الاتحاد الأوروبي” على مساعدة “أنقرة” في الاستجابة لاحتياجات اللاجئين.
وقالت “فون دير لاين”، بعد الاجتماع، إن المفوضية ستقدم مقترحًا إلى “تركيا”، خلال وقت قريب، لضمان تدفق الأموال للاجئين، مضيفة أن “أوروبا” تريد: “علاقات أفضل بكثير” مع “أنقرة”، لكن الأمر: “لا يزال “مبكرًا”.
وأضافت قائلة إن إلتزام “أنقرة” باتفاق الهجرة، المبرم في 2016، سيكون: “إظهارًا كبيرًا لحسن النوايا”، مؤكدة: “ستقدم المفوضية قريبًا مقترحًا يعكس.. مباديء” من بينها: “فرص أفضل للاجئين وإلتزام تركي بمنع الانتقال غير المنظم”. وتابعت قائلة: “أنا ملتزمة جدًا بضمان استمرار التمويل الأوروبي”.
مطالب بخطوات ذات مصداقية..
وكان “ميشال” و”فون دير لاين”؛ قد طالبا، “أنقرة”: بـ”خطوات ذات صدقية”؛ وبـ”جهود مستدامة”، ووضعا “تركيا” قيد المراقبة، حتى حزيران/يونيو المقبل، ملوّحين بفرض عقوبات عليها.
كذلك، طلبا من الرئيس التركي اتّخاذ خطوات فعلية لإثبات نيته بالتهدئة، خصوصًا بما يتصل بخلافاته مع “اليونان” و”قبرص”؛ وسحب قواته من “ليبيا”، واحترام الحقوق الأساسية في بلاده.
وفي “أنقرة”؛ قالت “فون دير لاين”: “نريد أن نمضي قدمًا معًا نحو علاقات أفضل في المستقبل، لكننا في بداية الطريق، والأسابيع والأشهر المقبلة ستبيّن إلى أين قد نصل”.
تحديث الاتحاد الجمركي..
وفي سبيل تشجيع “تركيا”، أبدى “الاتحاد الأوروبي” استعداده لمباشرة تحديث “الاتحاد الجمركي” واستئناف الحوار على مستوى عالٍ، بعد تعليقه العام 2019، بشأن بعض المسائل مثل: “الأمن والبيئة والصحة” ومنح بعض التسهيلات لإصدار تأشيرات دخول للاتراك.
وترغب “أنقرة” في تجديد الاتفاق الموقع، العام 2016، مع “الاتحاد الأوروبي”؛ والذي أتاح خفض عدد المهاجرين الوافدين من “تركيا” الى “أوروبا” بشكل كبير في مقابل مساعدة مالية كبرى. وقال “قالن” إن الرئيس التركي دعا، خلال المحادثات؛ إلى: “تمديد سريع” للاتفاق الذي انتهت مفاعيله، في آذار/مارس.
ومن جهتها؛ تنتقد “بروكسل”، “أنقرة”، لأنها أوقفت استرداد مهاجرين في أوضاع غير قانونية من الجزر اليونانية، منذ بدء وباء (كوفيد-19).
وقالت “فون دير لاين”: “نتوقّع من تركيا أن تحترم إلتزاماتها، ويعني ذلك أن تمنع إنطلاق (المهاجرين) بشكل غير نظامي (من أراضيها)، واستئناف استقبال أولئك الذين يتم ترحيلهم من الجزر اليونانية، من دون تأخير”.
تقديم تصور تركي للعلاقات المستقبلية مع الاتحاد..
في تعليقه على الاجتماع؛ شدّد المتحدث باسم الرئاسة التركية، “إبراهيم قالن”؛ على أن المحادثات جرت: “في جو إيجابي”، كاشفًا أن “إردوغان” قدّم، لـ”ميشال” و”فون دير لاين”: “تصوّر تركيا للعلاقات المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي”؛ وأبلغهما أن “أنقرة” لا تزال تسعى لنيل عضوية كاملة في “الاتحاد الأوروبي”.
يُذكر أن المسؤولون الأتراك كانوا قد كثفوا الدعوات للحوار مع الأوروبيين لتسوية القضايا الحساسة، لا سيما النزاع البحري مع “اليونان”، في “شرق المتوسط”، والدور الذي تؤديه “أنقرة” في “سوريا”، و”ليبيا”، ومؤخرًا في “ناغورني قره باغ”.
وفي 11 كانون أول/ديسمبر من عام 2019، قرر زعماء دول “الاتحاد الأوروبي” توسيع العقوبات ضد “تركيا” وتبني “قائمة سوداء”، إضافية بناء على قرار صدر، في 11 تشرين ثان/نوفمبر 2019، بشأن فرض قيود ضد “أنقرة” بسبب أنشطتها: “غير الشرعية”، في “البحر الأبيض المتوسط”.
تركيا تريد القوة للوقوف في وجه إدارة “بايدن“..
ويرى الدكتور “رامي الخليفة العلي”، الباحث في الفلسفة السياسية بجامعة “باريس”، في تعليقه على التقارب “التركي-الأوروبي”، أن “الاتحاد الأوروبي” يريد أن تظل علاقته مع “تركيا” إلى حد معين بعيدة عن التوتر، ويرغب في تجاوزها، حيث يدرك مدى أهمية “أنقرة” من الناحية الإستراتيجية والعسكرية.
وبحسب حديثه لـ (سبوتنيك)، تريد “تركيا” أيضًا هذه العلاقات وسط العاصفة الأميركية التي وضحت بقدوم، “جو بايدن”، والذي اتخذ سياسة مغايرة تجاه “أنقرة”، والرئيس “إردوغان”، ما دفع “تركيا” إلى التعويل على علاقاتها الجيدة مع “الاتحاد الأوروبي”؛ وبعض دول المنطقة، ما يفسر تقاربها مع بعض الدول العربية والأوروبية.
معتبرًا “العلي”؛ أن “تركيا” ترغب في تهدئة بعض الملفات، لكي تكون الإدارة التركية أكثر قوة في مواجهة الإدارة الأميركية، التي تثير عدة ملفات تجاه “أنقرة”.
وأكد أن رأب الصدع ممكن في الحفاظ على الحد الأدنى من العلاقات بين “تركيا” ودول “الاتحاد الأوروبي”، لكن لا يمكنه إعادتها لسابق عهدها وتجاهل كل الخلافات القائمة.
اختبار أوروبي لتركيا !
ويوضح “العلي” أن هناك ملفان مطروحان أوروبيًا، حيث ترغب “أوروبا” منهما اختبار إمكانية “تركيا” لإقامة علاقات جادة، وهما تقاسم الثروات في “البحر المتوسط”، وملف الهجرة غير الشرعية، وينتظر ليرى مدى التنازلات التي يمكن لـ”تركيا” تقديمها في هذا الأمر.
وفيما يخص حلم “أنقرة” بالدخول لـ”الاتحاد الأوروبي”، يرى الباحث في الفلسفة السياسية؛ أنه أصبح قديمًا، والحديث عنه للاستفادة داخليًا بالنسبة لـ”تركيا”، خاصة أن العديد من الدول الأوروبية حسمت خياراتها في هذا الإطار.
عودة العلاقات مرهون بعدد من الأوراق..
في السياق ذاته؛ يرى المحلل السياسي التركي، “جواد كوك”، أن عودة العلاقات بين “أوروبا” و”أنقرة” مرهون بعدة أوراق؛ أهمها ورقة اللاجئين ووقف إرسالهم لـ”أوروبا” وإبتزازهم بها، ووقف النشاط التركي في “البحر المتوسط”.
موضحًا أنه لا تزال هناك أزمة ثقة بين الجانبين، رغم المفاوضات القائمة، وإعلان “تركيا” رغبتها في فتح صفحة جديدة والتطبيع مع “الاتحاد الأوروبي”، لا سيما في ظل عدم وجود أي إشارات بتجاوب تركي في الملفات السابق ذكرها.
وتابع: “الترويكا تواجه الكثير من التهديدات، والرئيس إردوغان يعلم جيدًا أن بلاده ليست إيران، ولا يمكنها تحمل أي عقوبات اقتصادية يمكن أن تفرضها أوروبا، لا سيما في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها الاقتصاد التركي”.