خاص: كتبت- نشوى الحفني:
في خطوة مقَّلقة بالنسبة لـ”أوروبا” بسبب التقارب “الروسي-الأميركي”؛ الذي سعى إليه الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، فور دخوله “البيت الأبيض”، حيث أعلن وزير الخارجية الأميركي؛ “ماركو روبيو”، الثلاثاء، أن “الولايات المتحدة” و”روسيا” اتفقتا على (04) مباديء عقب المحادثات التي استمرت أكثر من أربع ساعات في “الرياض”.
وأوضح “روبيون” أن تلك المباديء هي:
- “إعادة تأسيس وظائف بعثاتنا في واشنطن وموسكو. ولكي نتمكن من الاستمرار في التحرك على هذا الطريق، نحتاج إلى وجود مرافق دبلوماسية تعمل وتؤدي بشكلٍ طبيعي”.
- “سنقوم بتعيّين فريق رفيع المستوى من طرفنا للمساعدة في التفاوض والعمل على إنهاء الصراع في أوكرانيا بطريقة دائمة ومقبولة لجميع الأطراف المعنية”.
- “البدء في مناقشة ودراسة التعاون الجيوسياسي والاقتصادي الذي قد ينُّتج عن إنهاء الصراع في أوكرانيا”.
- “نحن الخمسة الذين حضرنا هنا اليوم (من البلدين)، سنظل منخرطين في هذه العملية للتأكد من أنها تمضي قُدمًا بطريقة مثمرة”.
والأشخاص الخمسة الذين أشار إليهم؛ “ماركو روبيو”، هم: هو نفسه، ومستشار الأمن القومي الأميركي؛ “مايك والتز”، والمبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط؛ “ستيف ويتكوف”، بالإضافة إلى وزير الخارجية الروسي؛ “سيرغي لافروف”، و”يوري أوشاكوف”؛ مساعد الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”.
دفع الحرب إلى نهايتها..
وفي الوقت نفسه؛ قال “روبيو” إن الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، هو الوحيد الذي تمكن من: “دفع الحرب (في أوكرانيا) إلى نهايتها”.
وأضاف وزير الخارجية الأميركي؛ بعد محادثات “الرياض” مع المسؤولين الروس: “في غضون أشهر قليلة فقط، حوّل الرئيس ترمب النقاش العالمي بأكمله من مجرد ما إذا كانت الحرب ستنتهي أم لا، إلى كيف ستنتهي. والرئيس ترمب هو الوحيد القادر على القيام بذلك”.
وأكد “ماركو روبيو”؛ أن: “فرصًا استثنائية” قد تكون متاحة لكل من “الولايات المتحدة” و”روسيا” إذا انتهت حرب “أوكرانيا”.
وقال “روبيو” إن “الولايات المتحدة” و”روسيا”: “بدأتا في الانخراط في تحديد الفرص الاستثنائية المتاحة إذا انتهى هذا الصراع إلى نهاية مقبولة”، عقب المحادثات في “الرياض”.
وأوضح “ماركو روبيو”؛ أن هناك: “فرصًا موثوقة” للولايات المتحدة “للشراكة مع الروس جيوسياسًا في القضايا ذات الاهتمام المشترك، واقتصاديًا”.
محو أوروبا من الشؤون العالمية..
وفي تحليلاتهم؛ يؤكد كبار السياسيين والمفكرين الفرنسيين، على خطورة التقارب بين “واشنطن” و”موسكو” على القارة الأوروبية، مطلقين تحذيرات من سّعي الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، ونظيره الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، لإنهاء الحرب في “أوكرانيا” على حساب الأوروبيين، الذين سيكلّفهم ضمان أمنها وإعادة إعمارها الكثير.
الخاسر الأكبر..
وبحسّب “بيير ليلوش”؛ النائب الفرنسي ووزير الدولة السابق، فإن الأوروبيين، إلى جانب الأوكرانيين بالطبع، هم الغائبون والخاسرون الأكبر من المحادثات “الأميركية-الروسية” حول “أوكرانيا”، والتي تُعتبر نقطة تحوّل تاريخية تُشير إلى محو “أوروبا” من الشؤون العالمية الكبرى، بعد أن فقدت الوصول إلى الغاز الروسي الرخيص، وخسّرت عشرات المليارات من الدولارات كاستثمارات في “روسيا”.
تحقيق هدفين رئيسيين لـ”روسيا”..
ويرى “ليلوش” أن “موسكو” بذلك تُحقق هدفيها الرئيسيين من الحرب، فـ”أوكرانيا” لن تنضم أبدًا إلى “حلف شمال الأطلسي”، بينما ستحتفظ “روسيا” بالأراضي التي احتلتها عسكريًا في “شبه جزيرة القرم ودونباس”. ومن المَّقرر أيضًا أن تستأنف العلاقات الاقتصادية بين الأميركيين والروس مع رفع العقوبات، بينما تتم دعوة الدول الأوروبية فقط إلى تحمل مسؤولية إعادة إعمار “أوكرانيا”، بما يصل إلى (700) مليار يورو لا يملكونها.
وقال السياسي الفرنسي المعروف؛ إن الأوروبيين دخلوا هذه الحرب تحت تأثير العاطفة والسّخط، ولم يتبعوا، ودون أن يحدَّدوا أدنى استراتيجية، إلا إدارة الرئيس الأميركي السابق؛ “جو بايدن”، التي كانت متردَّدة ومحتضّرة، وكانت هي نفسها غير قادرة على تحديد أهداف حربها الخاصة.
مفاوضات أوكرانيا.. ساعة أوروبا..
من جهتها؛ اعتبرت صحيفة الـ (لوموند) الفرنسية، وتحت عنوان “مفاوضات أوكرانيا: ساعة أوروبا”، في افتتاحيتها أن الأمر الأكثر خطورة هو الطريقة التي يتعامل بها “ترمب” مع عملية السلام هذه من خلال الحوار مع المعتدي، وفي غياب ليس فقط البلد المعتدى عليه، بل أيضًا أولئك الذين يدعمونه. ومن الواضح أن هؤلاء الحلفاء الأوروبيين سوف يضطرون فقط إلى تحمّل مسؤولية إعادة إعمار “أوكرانيا” وتنفيذ الاتفاق الذي ليسوا طرفًا فيه.
واستنكرت اليومية الفرنسية؛ ما سمّته الغطرسة والازدراء من قبل الرئيس الأميركي تجاه الأوروبيين في الأيام الأخيرة، وكذلك من نائبه؛ “جيه. دي. فانس”، ووزير دفاعه؛ “بيت هيغسيث”، وهو ما شكّل، برأيها، إذلالًا حقيقيًا لـ”أوروبا”.
ودعت الـ (لوموند) إلى مواجهة هذا التحدي؛ وشدّدت على أنه حان الوقت لتكثيف الجهد الأوروبي المشترك حتى يتم الضغط على “الولايات المتحدة” من أجل الارتباط بهذه العملية. واختتمت بالقول: “لقد حان وقت أوروبا. وإن أوكرانيا هي، قبل كل شيء، شأن أوروبي. وإن السلام غير المتوازن لن يؤدّي إلا إلى إطالة أمد الحرب، ودفع روسيا إلى فتح جبهات أخرى”.
إيقاظ بيت “أوروبا” القديم..
وقال الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي؛ “إيمانويل بيريتا”، رئيس تحرير القسم الأوروبي في مجلة (لو بوان): “نحن لم نُعدّ نمزح.. فقد تغيّرت الأجواء بين الزعماء الأوروبيين ودونالد ترمب”، مشيرًا إلى أن استبعاد الأوروبيين والرئيس؛ “زيلينسكي”، من محادثات السلام المحتملة في “أوكرانيا”، قد أيقظ بيت “أوروبا” القديم. خاصة أن الرئيس الأميركي كشف عن أوراقه أكثر مما ينبغي عندما وافق على الفور على استبعاد “أوكرانيا” نهائيًا من “حلف شمال الأطلسي”، واعتبر الاستحواذات الإقليمية التي نفذها “بوتين” في “شبه جزيرة القرم ودونباس” أمرًا مفروغًا منه. ولكن بالمقابل لم يعترف “زيلينسكي” ولا الأوروبيون بالتفاوض بين “ترمب” و”بوتين”، لذا يجري تنظيم الرد الأوروبي بقيادة “فرنسا”.
شهادة وفاة “حلف الأطلسي”..
بدروها؛ اعتبرت يومية (ليبراسيون) الفرنسية، أن الإعلان عن مفاوضات السلام الثنائية بين “ترمب” و”بوتين” بشأن “أوكرانيا”، يؤكد أن المظلة الأمنية الأميركية لم تُعدّ ذات أهمية على الإطلاق.
ونقلت عن الدبلوماسي الفرنسي رفيع المستوى؛ “سيلفان كان”، أستاذ التاريخ في مركز (العلوم السياسية) ومؤلف كتاب (أوروبا تواجه أوكرانيا)، قوله إن: “الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن الأوروبيين يبدّون مندهشين مرة أخرى.. فبوحشيته المعتادة، فاجأ إعلان دونالد ترمب تخليه عن أوكرانيا وعن القارة العجوز، إذ كانت أوروبا لا تزال تحت الوهم بأن الرئيس الجمهوري سوف يُغيّر رأيه”.
وفي واقع الأمر؛ وفق “سيلفان كان”، فإن المعنى الحقيقي لما يحدث، والذي أعلنه “ترمب”، هو شهادة وفاة “الحلف الأطلسي”؛ الذي ضَمِن السلام في القارة العجوز منذ عام 1945، مؤكدًا أنه كان: “يجب على الأوروبيين الخروج من حالة الإنكار التي يعيشونها: فـ”الولايات المتحدة” لم تُعدّ حليفتهم وضمان أمنهم لم يُعدّ له أي قيمة”. وبعبارة أخرى، سوف يتعين على الأوروبيين تكثيف جهودهم لبناء نظام دفاع أوروبي يرتكز على قاعدة صناعية متينة لتحرير أنفسهم من السيطرة الأميركية.
سيّادة قانون الأقوى..
وأمام الحفل الموسيقي غير المتناغم؛ إلى حدٍّ ما، للإدارة الأميركية الجديدة، ترى مجلة (ماريان) الفرنسية أن مسألة نهاية الحرب في “أوكرانيا”، التي ستدخل عامها الرابع في 22 شباط/فبراير الجاري، تظل دون حل، في وقتٍ تُحقق فيه “روسيا” تقدمًا على الأرض وتُصبح “أوروبا” غير موحدة في مواجهة رئيس روسي أكثر تصميمًا من أيّ وقتٍ مضّى، يُعزّز عناده التقدّم الذي أحرزه على الأراضي الأوكرانية.
وذكرت (ماريان) أن اتفاق الرئيسين الأميركي والروسي على إطلاق مفاوضات “فورية” بشأن الحرب في “أوكرانيا”، مع استبعاد “كييف” و”الاتحاد الأوروبي” من هذه المحادثات في الوقت الراهن، يعني أن: “وجود فلاديمير بوتين ودونالد ترمب، يؤكد أن قانون الأقوى يسود اليوم على العلاقات الدولية”.