التدخل السياسي المخابراتي التركي يعصف بتركمان العراق

التدخل السياسي المخابراتي التركي يعصف بتركمان العراق

ظل المجلس التركماني في العراق على حاله مؤسسة صورية مفرغة من مضمونها، تهيمن عليها السلطات التركية بواسطة رئيس المجلس المعطل حاليا يونس بيرقدار إلى جانب عدد آخر من السياسيين التركمان وتسخّره من أجل تنفيذ أجندة السياسة التركية غير مبالية بالتطهير العرقي الذي يتعرض له تركمان العراق.
وخضع المجلس منذ تأسيسه سنة 1994 لهيمنة الاستخبارات التركية التي سلبته استقلاليته وجعلته مؤسسة غير قادرة على اتخاذ قرارات بمعزل عن السلطات التركية عقب تدخل المخابرات في عملية تعيين أعضاء المجلس ورسم السياسة العامة له بما يتماشى مع مصلحة السلطات التركية بعيدا عن اهتماماته الأولية والرئيسية بالتركمان.
ويرى مراقبون أن قضبة أنقرة الحديدية على المجلس التركماني أفرغته من هدفه الذي بعث من أجله وهو معالجة قضايا التركمان والاهتمام بشؤونهم، وتحول بذلك إلى آلة لتطبيق السياسة التركية.
وإلى جانب التدخل المباشر في سياسة المجلس، قامت السلطات التركية بضرب التوازن المذهبي للمجلس وذلك بتهميشها للمجتمع السياسي التركماني الشيعي في تركيبة شورى التركمان وتشكيلة الجبهة التركمانية علما بان نصف نفوس تركمان العراق من المذهب الشيعي، الى جانب تهميش الاحزاب والسياسيين التركمان الذين لم يخضعوا للإدارة التركية.

دور الجيش التركي
سمي المجلس التركماني في البداية بشورى التركمان وكان يتكون انذاك ما بين 20 الى 30 عضوا معظمهم من الاكاديميين التركمان وبعض المثقفين من المقيمين في تركيا الموالين للحكومة التركية وخاضعين مكرها لسياستها الوطنية. في بدايات عام 1995 اسس شورى التركمان الجبهة التركمانية وتحت اشراف مباشر من الاستخبارات التركية التي هيمنت واشرفت عليها وموَّلتها قبل خضوعها لادارة الجيش التركي خلال المؤتمر التركماني العام الاول في عام 1197.
وتم اعتماد شورى التركمان في المؤتمر التركماني العام الاول في عام 1997 وتم تثبيت عدد اعضائه بثلاثين عضوا، منذ ذلك الحين. بقي شورى التركمان كمؤسسة صورية رمزية بدون صلاحية لها.
ويرى مراقبون أن تركيا قامت بضرب التماسك بين أعضاء المجلس وقامت بتعيين الأشخاص الموالين لها لجعل المجلس رمزي لا غير لا يشكل أي خطرا عليها، بل يخضع لأوامرها وقرارتها في ظل مراقبة كبيرة من الجيش التركي لدور المجلس التركماني العراقي.
في عام 2000 وفي المؤتمر التركماني العام الثاني تم انتخاب اعضاء الشورى بشكل روتيني صوري دون تغيير في عدده او وظيفته.
في عام 2003 وفي المؤتمر التركماني العام الثالث تحول شورى التركمان الى مجلس تركماني مع تغيير عدد اعضائه اذ اصبح واحد وسبعون عضوا وانتخب سعدالدين اركيج رئيسا للمجلس التركماني.
دور الجيش التركي في سياسة المجلس ظهر جليا وبوضوح في عام 2005 وفي المؤتمر التركماني العام الرابع عزل الجيش رئيس الجبهة التركمانية فاروق عبدالله وجاء برئيس المجلس انذاك سعدالدين اركيج الى رئاسة الجبهة وبانتخابات شبه صورية حل يونس بيرقدار، رئيس مجلس التركماني الحالي المعطل، محل اركيج رئيسا لمجلس التركمان. واخضع اركيج نفسه والجبهة التركمانية والمجلس التركماني تماما للإدارة التركية.

رفض للتدخل التركي
اثر انعقاد المؤتمر التركماني العام الخامس في 2008 باتت مسرحية تركيا مكشوفة فصولها للسياسيين والمثقفين التركمان وما كان الا استهتارا لكرامة الشعب التركماني، وشهدت هذه الفترة موقفا معارضا من جميع أعضاء اللجنة التنفيذية للجبهة التركمانية تقريبا ضد رئيس الجبهة سعدالدين اركيج واصدروا كتابا رسميا باقالته، جوبه طلبهم بالرفض من تركيا وعلى غرار ذلك قامت تركيا بتنظيم المؤتمر التركماني الخامس وباسلوب مسرحي، وفيه تم طرد جميع الاحزاب التركمانية ورؤسائها، الذين شاركوا في اقالة أركيج، بانتخابات مزورة من الجبهة التركمانية، فضلا عن اسكات الاخرين من اللجنة التنفيذية. على اثر ذلك بقي اركيج لفترة انتخابية ثانية رئيسا للجبهة مدعوما بقوة من قبل الجيش التركي، اذ كان الملف التركماني ضمن مسؤولية الجيش التركي في هذا الوقت، اما يونس بيرقدار فبقي في موقعه كرئيس للمجلس التركماني اثر هذه الانتخابات المزورة.
ويرى متابعون أن إصرار تركيا على تدخلها الصارخ في سياسية المجلس وتأثيرها على مسار عمله أن فاقم انتكاسات التركمان وأضعف المجلس التركماني الذي بُنِيَ على التزوير.
ونتيجة لضغوطات السياسيين والاحزاب التركمانية بدات اجتماعات الاحزاب التركمانية في منتصف عام 2010 لتجديد المجلس التركماني وتوسيعه ليشمل جميع الاطراف السياسية التركمانية. بقي يونس بيرقدار يدير الاجتماعات على الرغم من ان معظم الاحزاب التركمانية رفض إشراف يونس بيرقدار على الاجتماعات وشككوا في شرعيته معتبرا اياه طرفا غير محايد ويخدم مصالح أنقرة، بعد أن جاء بانتخابات مزورة.
وتبين للسياسيين والمثقفين التركمان بان يونس بيرقدار الذي يخضع ماليا واداريا للحكومة التركية صاحبة الجبهة التركمانية والمجلس التركماني، غير جاد في تحقيق مشروع احياء وتوسيع المجلس التركماني باستخدام سياسة المماطلة لاحتواء بعض الاحزاب السياسة التركمانية وارجاعها تحت مظلة الجبهة التركمانية ومجلسها والتي سبق وان تم استبعادهم بانتخابات صورية في المؤتمر التركماني الخامس الذي تم تنظيمه من قبل تركيا في عام 2008.
وتحقق معظم ما كان يتوقعه السياسيون والمثقفون التركمان وبطريقة لا تختلف عن حركة احجار الدامة، اذ اجريت عدة تغييرات في النظام السياسي التركماني (الجبهة التركمانية والمجلس التركماني) وبأوامر من السفارة التركية في بغداد.

استئصال الجبهة التركمانية
تمادت أنقرة في ضرب المجلس وتوظيفه لصالح أجندتها الخاصة وقامت رئاسة المجلس التركماني التي تتكون من رئيس المجلس ونائبيه في مايو/ايار 2011 بطرد رئيس الجبهة التركمانية وتعيين رئيس جديد للجبهة التركمانية اضافة الى لجنة تنفيذية جديدة والغاء المجلس التركماني.
كما ابقت كل من رئيس المجلس ونائبيه تحت اسم مصطنع جديد سمي بديوان المجلس التركماني، الذي لم يكن عنده اية وظيفة ولم يقم باي عمل.
ثم الغاء تنظيم المؤتمر التركماني العام الذي كان من المفترض تنظيمه كل ثلاثة سنوات.
وتم تعيين بعض السياسيين التركمان في اللجنة التنفيذية الجديدة للجبهة التركمانية بعد استئصالهم من احزابهم التركمانية.
علما بان كل هذه التغييرات واتخاذ القرارات بشانها كانت غير قانونية لا تسمح النظام الداخلي للجبهة بل كانت من اختصاص المؤتمر التركماني العام.
وهكذا فان الجهود الكبيرة للأحزاب التركمانية واجتماعاتهم الكثيرة من اجل تأسيس مجلس تركماني جديد وشامل ذهبت في ادراج الرياح وتوقف المشروع.
بعد مايو/ايار عام 2011، وبعد حل المجلس التركماني استمر عجز السياسة التركمانية امام التحديات الكبيرة والكثيرة التي واجهت تركمان العراق وبقيت السياسة التركمانية تفتقد العمل المؤسساتي للمجلس التركماني.
واثر الضغوطات المستمرة من السياسيين والمثقفين والشارع التركماني على يونس بيرقدار رئيس المجلس التركماني المعطل بدات الاجتماعات مرة اخرى لتعقد في اواسط عام 2013 بين السياسيين التركمان ويونس بيرقدار بهدف تأسيس مجلس تركماني موسع.
وفي اواخر عام 2013 توصل المجتمعون الى اتفاق حول النقاط المهمة في صياغة الدستور الجديد للمجلس على امل ان يتزامن ذلك باعلان تأسيس المجلس الموسع في بداية عام 2014. الّا ان يونس بيرقدار اختفى من كركوك وانقطعت اخباره وعلم فيما بعد بانه قد سافر الى تركيا، وعاد بعد عدة اشهر ممتنعا عن اعلان المجلس الجديد.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة