خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
في الماضي غير البعيد، ترسخ في أذهان شعوب العالم أن “الهند” دولة فقيرة؛ يعاني شعبها الفقر والتشرد، لكن هذا الشعب الفقير تمكن من الإنضمام إلى مصاف الدول الاقتصادية القوية، بسبب سياسات الإصلاح الاقتصادي الحكومية واهتمام الحكومة بالاستثمارات الأجنبية والاعتماد على القدرات الداخلية، ومن المتوقع أن تتحول “الهند”، قريبًا، إلى واحدة من الأقطاب الاقتصادية.
وفي هذا الصدد؛ أجرت أسبوعية (صبح صادق) الإيرانية الأصولية المتشددة، الحوار التالي مع، الدكتور “نوذر شفيعي”، خبير العلاقات الدولية…
فشل “الهند” الاشتراكية..
“صبح صادق” : بالنظر إلى فقر دولة “الهند”، نسبيًا، مع ارتفاع الكثافة السكانية، مع مسارات التطورات التي أفضت إلى الإزدهار والتقدم الاقتصادي الهندي ؟
“نوذر شفيعي” : عاشت دولة “الهند” مرحلتين من التطورات، الأولى: بدأت مع استقلال الدولة، وربما حتى إنتهاء فترة الحرب الباردة، والسمة الأساسية للسياسة والحكومة الهندية، في تلكم الفترة، المعروفة باسم: “مرحلة نهرو”، تبني سلوكيات اقتصادية اشتراكية.
وفي هذه الفترة؛ لم تشهد “الهند” تطورات اقتصادية مهمة. وفي التسعينيات؛ إنهارت كل الدول التي تتبنى نظام الاقتصاد الاشتراكي، في حين لم تحقق الدول التي ماتزال تحرص على تبني هذا النموذج أي إنجاز يُذكر وتتحول باتجاه الاقتصاد الليبرالي.
وتمثل “الصين” استثناءًا؛ فقد تبنت أنموذج اقتصاد السوق مع وجود حكومة خاصة، أو ما يُعرف باسم الاشتراكية المطعمة بالسمات الصينية.
وقد تسببت هذه التجربة المريرة، لاسيما بعد سقوط “الاتحاد السوفياتي”، أن تطرح الأوساط السياسية والاقتصادية والإستراتيجية، في “الهند”، مقترح بضرورة التحرك صوب الليبرالية واقتصاد السوق، وهو ما نراه حاليًا في السياسات الهندية الداخلية والخارجية على السواء.
إستراتيجية الانفتاح الهندية..
“صبح صادق” : ما الإجراءات الداخلية التي شرعت، “الهند”، في تنفيذها وساعدتها في الوصول إلى هذا المستوى من التطور ؟
“نوذر شفيعي” : اتخذت “الهند”، على الصعيد الداخلي، عدد من الخطوات بالغة الأهمية، أحدها: ذلكم المشروع الذي يعتبر المحرك الأساس للاقتصاد الهندي، ويتضمن إنشاء مجموعة من الموانيء الكبرى مع ترميم الموانيء الموجودة بالفعل، بخلاف تطوير عدد 14 منطقة؛ والوحدات الساحلية، ووصل هذه الموانيء الجديدة والمحدثة بمجموعة من الطرق الرئيسة، بطول 7500 كيلومتر، بتكلفة بلغت 120 مليار دولار تقريبًا.
والهدف الرئيس من هذه المشروع، هو توسيع مسارات التجارة البحرية “الهندية-الدولية”، وكذلك تطوير المجامع الساحلية الهندية؛ وتوفير 10 مليون فرصة عمل.
الثانية: مشروع “مائوسام”، أو “الموسم”، والذي يُعتبر جزء من السياسة الخارجية الهندية. وفي الماضي حدث تبادل ثقافي بين بعض المناطق الهندية الساحلية مع المناطق الساحلية للدول الأخرى، في “إفريقيا” و”آسيا”، وقد اكتسب هذا التيار التاريخي بُعدًا ثقافيًا، قبل أن يستحيل تيارًا “ثقافيًا-اقتصاديًا”، بل و”سياسي-أمني”.
وفي إطار هذا المشروع؛ تسعى الحكومة الهندية إلى إحياء علاقاتها القديمة مع المناطق الساحلية للدول الأخرى في “المحيط الهندي”، والمعروف باسم: “عالم المحيط الهندي”.
كذا تسعى “الهند” إلى إقامة علاقات مع دول “شرق إفريقيا” و”جنوب إيران” و”سريلانكا” و”جنوب شرق آسيا”، حتى تتمكن من تحقيق نجاحات اقتصادية.
الثالثة: مشروع الطريق السريع؛ وهو أحد أكبر مشاريع شق الطرق في “الهند”، بطول 50 ألف كيلومتر تقريبًا، ويربط بين عدد من المناطق الهندية المختلفة، لاسيما المناطق الحدودية، ويخلق ترابط بين المناطق الساحلية وغيرها من المناطق الهندية الأخرى.
وهذا المشروع؛ في طور التنفيذ وسوف يوفر طوال فترة العمل، حوالي 22 مليون فرصة عمل. وكل هذه المشاريع من المبادرات العملية التي يقوم بها الهنود بشكل يساعد في إزدهار الاقتصاد الهندي ومد جسور التعامل البناء مع دول الجوار؛ على نحو يساعد على الإزدهار التجاري وجلب الاستثمارات الأجنبية.
الطموح الهندي..
“صبح صادق” : هذه النظرة على الحقائق وتجاهل الاستمرار في الطريق الخاطيء، كيف يجعل دولة ما قوية إلى هذا الحد ؟
“نوذر شفيعي” : “الهند”؛ كالكثير من الدول المتقدمة، لا تعاني مخاوف من تغيير سياساتها بما يتناسب والوقائع، وهي لم تصر على الاستمرار في السياسات القديمة الخاطئة، وسعت إلى تغيير سياساتها بما يواكب الوقائع القائمة، وهي حاليًا بصدد التحول إلى قوة كبرى.
لكن تلعب العديد من المتغيرات دورًا في هذه المسألة، كالزيادة السكانية والدوافع القوية للتقدم والأمل في المستقبل، ومن المتوقع أن تتحول “الهند”، في العام 2050م، إلى واحدة من أكبر الاقتصاديات العالمية.