11 مارس، 2024 6:08 م
Search
Close this search box.

“التايمز” تزعم الإجابة .. لماذا يُصر “ماكرون” على إغضاب أميركا والـ”ناتو” بتقربه من “بوتين” ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

وكالات – كتابات :

يبدو الرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، أقل زعماء “أوروبا” حماسًا في مساعدة “أوكرانيا”، بل إن هناك اتهامات؛ لـ”باريس”، بأنها ساهمت عبر سياستها مع “موسكو” في تشجيع غزو “أوكرانيا”، فما هو سر العلاقة ذات الطبيعة الخاصة بين “فرنسا” و”روسيا” التي تُثير سخط حلفاء “باريس” ؟

يقود “ماكرون” مجموعة من الدول الأوروبية الأقل حماسًا في دعم “أوكرانيا”، والتي ما زالت ترغب في الحفاظ على شعرة معاوية مع الروس، وهو الأمر الذي يُغضب شركاءهم في الـ (ناتو)؛ سواء الكبار مثل: “الولايات المتحدة وبريطانيا”، أو الصغار في “أوروبا الشرقية”.

وتبدو زيارة الرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، والمستشار الألماني؛ “أولاف شولتس”، ورئيس الوزراء الإيطالي؛ “ماريو دراغي”، الخميس الماضي، لـ”أوكرانيا”، كأنها زيارة إعتذار من قادة الدول الثلاث على ضعف مواقفهم؛ كما يصفها النقاد ومنهم الأوكرانيون أنفسهم، فهي زيارة متأخرة جدًا مقارنة مثلاً بزيارة رئيس الوزراء البريطاني؛ “بوريس جونسون”، الذي ذهب لـ”كييف” مرتين.

هل شجعت فرنسا وألمانيا “بوتين” على غزو أوكرانيا ؟

يعتقد على نطاقٍ واسع أن رد الفعل الغربي الضعيف على ضم “روسيا”؛ لـ”القِرم”؛ عام 2014، كان نتيجة رفض “ألمانيا وفرنسا”، لاقتراح أميركي بفرض عقوبات قوية على “موسكو”؛ آنذاك، وقبل ذلك في عام 2008، قادت “فرنسا وألمانيا” تيار الرفض لضم “أوكرانيا وجورجيا”؛ لحلف الـ (ناتو)، وهو الأمر الذي كان لو تم لكان صعبًا على “موسكو” مهاجمة “أوكرانيا” خوفًا من الإنخراط في صراع مع الـ (ناتو)؛ كما يزعم تقرير بريطاني.

وبعد حرب “أوكرانيا”، واصل الرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، اتصالاته بالرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، وقد طالب بعدم إذلال “روسيا”، وهو التصريح الذي اعتبرته “أوكرانيا” إذلالاً من “فرنسا” لنفسها، كما دعا “ماكرون”؛ “أوكرانيا”، للتفاوض بطريقة فُهم منها أن يُريد من “كييف” أن تقبل التنازل عن جزء من أراضيها.

ولكن أصر “إيمانويل ماكرون”، الذي ظهر في “كييف” بجوار؛ “فولوديمير زيلينسكي”، الأسبوع الماضي، على أن “فرنسا” وقفت إلى جانب “أوكرانيا”: “منذ اليوم الأول” للهجوم الروسي. لكن هل زيارته مع ثلاثة من زملائه من قادة “الاتحاد الأوروبي”، فعلت ما يكفي لتبديد القلق من أنه وبلاده كانا متساهلين مع “فلاديمير بوتين” ؟

مساعدات دفاعية محدودة..

بالنسبة للأوكرانيين، والحلفاء الغربيين، فإن ما يُغضبهم ليس فقط، تواصل “ماكرون” مع “بوتين”، أو طلبه عدم إذلال “روسيا”؛ (كما تحب الآلة الدعائية الغربية والأميركية ترديد هذه الكلمة وتلك العبارات)، وحرصه على أن يؤهل نفسه للوساطة، ولكن أيضًا ضعف المساعدات العسكرية المُقدمة من “فرنسا”؛ الدولة الأقوى في “أوروبا”، إلى “كييف”.

فتقديم “ماكرون” لستة مدافع من طراز (قيصر) فرنسية الصُنع إلى “أوكرانيا”؛ كمساعدة لـ”كييف”، كان أمرًا مُحرجًا لـ”باريس”، وأظهر مدى ضآلة المساعدات العسكرية الفرنسية؛ مقارنة بـ”بريطانيا” أو حتى “ألمانيا”، التي تعرضت للتشهير بسبب شُحها، حسب وصف صحيفة (التايمز) البريطانية.

تتناقض هذه المواقف الباهتة مع دعوة “ماكرون” لسياسة دفاعية أوروبية، والاستقلال الإستراتيجي عن “أميركا”، وحديثه عن السيادة الأوروبية، ومحاولة خلق توتر بين “أوروبا” و”تركيا”؛ بسبب الخلافات الحدودية بين “أنقرة” و”آثينا”، بما في ذلك إرساله طائرات حربية لـ”اليونان”.

على الأرجح؛ فإن أغلب الأوروبيين يجدون أنه من حُسن حظهم أنهم لم يسيروا وراء إستراتيجيات “ماكرون”؛ التي كانت تسعى لإيجاد كيان دفاعي أوروبي رديف لـ (الناتو)؛ تحت قيادة “فرنسا”، فلو حدث ذلك لكانت الجيوش الروسية قد تجرأت الآن في مواجهة جيران “أوكرانيا” الغربيين؛ كما يدعي التقرير البريطاني.

وقبل غزو “أوكرانيا” تجاهل “ماكرون” الخطر الواضح لـ”روسيا” على “أوروبا”، بينما ركز كل مواقفه السلبية على المسلمين؛ سواء من خلال التوتر مع “تركيا” أو العداء للحجاب أو حتى وصف الإسلام بأنه دين يُعاني من أزمة.

سعى لصداقة “بوتين”..

وتستمر الصحيفة البريطانية في استعراض مزاعمها: كانت العلاقات بين “ماكرون” و”زيلينسكي” متقاربة في الماضي. جاء الزعيم الأوكراني إلى “باريس” للتشاور مع “ماكرون”؛ في منتصف حملته الانتخابية للرئاسة، في نيسان/إبريل 2019. ومثل مضيفه، كان الممثل الكوميدي السابق دخيلاً سياسيًا. بعد عدة أشهر، رتب “ماكرون” وأدار لقاء “زيلينسكي” الأول – والوحيد – مع “بوتين” في “قصر الإليزيه”.

ومع ذلك؛ كانت تعاملات “ماكرون”؛ مع زعيم (الكرملين) أشمل. لقد جعل تحسين العلاقات مع “موسكو” إحدى الركائز الأساسية لرئاسته – فقط ليرى جهوده لإخراج “روسيا” من الجمود الذي تسبب فيه هجوم شباط/فبراير على “أوكرانيا”. ومع ذلك، حتى منذ ذلك الحين، واصل التحدث عبر الهاتف مع “بوتين”.

كانت رغبة “ماكرون” في التواصل مع زعيم (الكرملين) مفاجئة للوهلة الأولى. قبل انتخابات آيار/مايو 2017، التي أوصلته إلى السلطة، أُلقِيَ اللوم على “روسيا” لنشرها شائعات لا أساس لها على وسائل التواصل الاجتماعي مفادها أن “ماكرون” كان على علاقة بالمثليين. واشتُبِه في أن “موسكو” لها يد في اإدعاءات غريبة – وكاذبة – تُدوولَت العام الماضي؛ بأن زوجته، “بريغيت”، ولدت في هيئة رجل، بحسب إدعاءات التقرير البريطاني.

ولكن هناك مؤشرات على أن الميل لـ”روسيا” مسألة ليست فقط مسألة شخصية متعلقة؛ بـ”ماكرون”، بل باتت جزءًا من التركيبة السياسة الفرنسية.

فخلال انتخابات الرئاسة الفرنسية الأخيرة، كان نسبة كبيرة من المرشحين للرئاسة الفرنسية متعاطفون مع “روسيا” بشكل أو بآخر، بل يتبارون في إظهار تفهمهم لأسباب الحرب الروسية على “أوكرانيا”، ومن بينهم مرشح اليسار الراديكالي؛ “جان لوك ميلينشون”، الحاصل على نحو: 21.1%.

وبدا كل ذلك مؤشرًا واضحًا على أن المزاج الفرنسي قريب من “روسيا”، وأن “باريس” بمثابة طابور خامس في خاصرة الغرب لصالح “روسيا”؛ بحسب تعبير (التايمز).

كان “بوتين” بلا شك يُفضل انتخاب منافسة “ماكرون” اليمينية المتطرفة؛ “مارين لوبان”، التي مُوِّلَت حملتها بقرض من بنك روسي، أو “فرانسوا فيون”، من جمهوريين اليمين الوسط، اللذين طور الزعيم الروسي علاقات وثيقة معهما. عندما كانا كلاهما رئيس وزراء في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

ولكنه لم يخسر كثيرًا بإعادة انتخاب “ماكرون”، لأن الأخير هو الأكثر ميلاً لـ”بوتين”؛ بين كل زعماء “أوروبا”.

في الانتخابات البرلمانية الفرنسية الحالية، تحظى “روسيا” بأهمية خاصة لكلا الخصمين الرئيسيين لـ”ماكرون”، وإن كان ذلك لأسباب مختلفة، إذ ترى “لوبان”؛ أن البلاد هي حصن للقيم المحافظة التقليدية. وكان “جان لوك ميلينشون”، زعيم حزب (فرنسا الأبية) اليساري الراديكالي، قد دعا في الماضي إلى مغادرة الـ (ناتو)، بل ودعم ضم “بوتين”؛ لشبه جزيرة “القِرم”، في عام 2014؛ ورفض “أوكرانيا” ووصفها بأنها: “دولة تُكافح من أجل أن تكون بلدًا بحق”.

زار “روسيا” رغم الغضب الأوروبي !

وبعد أسبوعين فقط من تنصيبه في عام 2017، استضاف “ماكرون”؛ “بوتين”، في “فرساي”، حيث افتتحا معرضًا بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لإقامة القيصر “بطرس الأكبر”؛ في “فرنسا”. في العام التالي، مضى في رحلة إلى “سان بطرسبورغ”؛ رغم الغضب الأوروبي من تسميم العميل الروسي المزدوج السابق؛ “سيرغي سكريبال”، في مدينة “سالزبوري” الإنكليزية.

وبعد ذلك، في آب/أغسطس 2019، دعا “ماكرون”؛ “بوتين”، إلى “فرنسا” لمناقشة: “هندسة ثقة وأمان” جديدة لـ”أوروبا” تهدف إلى إخراج “روسيا” من الجمود.

ومن بين الذين جلسوا على العشاء في ذلك المساء؛ “سيلفي بيرمان”، سفيرة فرنسا في “موسكو” آنذاك. وقالت: “يعتقد ماكرون أنه إذا لم تكن هناك سياسة أوروبية تجاه روسيا، فإنها ستقع في أحضان الصين”، مشيرة إلى أن العلاقات المتنامية بين “موسكو” و”بكين”؛ منذ الهجوم الروسي على “أوكرانيا”، أثبتت إلى حدٍ كبير مثل هذه المخاوف.

تعتقد “بيرمان” أن الأفكار التي نوقِشَت بين “ماكرون” و”بوتين”؛ ربما كانت ستؤدي إلى نتيجةٍ ما لولا جائحة (كوفيد-19)، التي جعلت “بوتين” ينسحب من العالم وينغمس في “هوسه” بالتاريخ الروسي؛ (بحسب تعبيرها). قالت: “كان للعزلة تأثيرٌ حقيقي عليه”.

تُجادل “بيرمان” بأنه إذا كان هناك فرق الآن بين “فرنسا” وبعض حلفائها، فإن الأمر لا يتعلق بالحرب نفسها – التي تُدينها “فرنسا” وتُريد أن تفوز “أوكرانيا” بها. إنها مسألة أكبر من أن يجلس الطرفان ويتحدثا بشأنها. قالت: “علينا أن نقبل أن روسيا حقيقية على المسرح العالمي، وحقيقية في أوروبا، وأنه لا جدوى من محاولة التخلص منها، والتظاهر بأنها غير موجودة”.

سر هذا التقارب بين فرنسا وروسيا.. حلف قديم بين البلدين..

هذه المواقف الفرنسية تُثير السخط لدى الساسة البريطانيين والأميركيين؛ الذين يقودون المواقف المتشددة ضد “روسيا” في الـ (ناتو)، ولكن تُثير غضبًا أشد في “بولندا” ودول وسط “أوروبا” الأخرى، التي عاشت لقرون إلى جانب “روسيا”؛ وكانت دولاً تابعة لـ”الاتحاد السوفياتي” لمدة أربعة عقود، وهي دولٌ من بين أشد المؤيدين لـ”أوكرانيا”، إلى جانب “الولايات المتحدة” و”بريطانيا”.

عندما حذر “ماكرون” مؤخرًا؛ للمرة الثانية، من مخاطر: “إذلال بوتين”، أجرى “أندريه دودا”، الرئيس البولندي، مقارنة بالحرب العالمية الثانية. وتساءل: “هل قال أحد إن على هتلر أن يحفظ ماء الوجه ؟”.

ولكن بالنسبة لـ”فرنسا” فإن نظرتها لـ”روسيا” مختلفة.

فالتوسع الروسي على مدار التاريخ؛ كان يستهدف دول وسط وشرق وشمال “أوروبا”، وكذلك “تركيا” ومسلمي آسيا الوسطى و”إيران” وأحيانًا “الصين”.

ولكن في المقابل؛ لم تُمثل “روسيا” خطرًا كبيرًا على “فرنسا” في معظم فترات تاريخها، باستثناء “الحرب الباردة”، وحتى في ذلك الوقت كان خطرًا نظريًا، وبامتلاكها قوة نووية مستقلة حصنت “باريس” نفسها ضده.

جعلت الجغرافيا الحروب نادرة بين “فرنسا” و”روسيا”، فـ”ألمانيا” و”أوروبا الشرقية” تفصل بينهما، و”باريس” في الأغلب لم يكن لديها مستعمرات كبيرة وبعيدة فيما وراء البحار بما يكفي لكي تُنافس “روسيا” في محيطها؛ مثلما حدث الأمر مع “بريطانيا”، وفي كثير من الأحيان كان البلدين حليفين مثلما حدث في الحربين العالمية الاولى بشكل واضح، حيث دخلت “باريس” الحرب ردًا على مهاجمة “روسيا القيصرية” لـ”ألمانيا”؛ بعد دعم الأخيرة للإمبراطورية النمساوية المجرية ضد “صربيا”؛ حليفة “موسكو”.

وأشهر حربين بين البلدين؛ عندما هُزم “نابليون”، على أعتاب “موسكو”، وكان هو الغازي لـ”روسيا”، والثانية في “حرب القِرم”، وهي الحرب التي شهدت تدخلاً “فرنسيًا-بريطانيًا” لدعم السلطنة العثمانية في مواجهة الصعود الروسي.

وفي أوقات طويلة من التاريخ كان لـ”فرنسا” و”روسيا” أعداء مشتركون، أشهرهم: “ألمانيا وبريطانيا”. وفي أوقات كثيرة استفادت “باريس” من الهجمات الروسية على الممتلكات العثمانية في “أوروبا”، لتحتل البلدان العربية، وليس مفارقة أن “فرنسا وروسيا القيصرية” تبارتا في أوقات ضعف الدولة العثمانية في انتزاع حق حماية المسيحيين الكاثوليك بالنسبة لـ”باريس”؛ والأرثوذكس بالنسبة لـ”موسكو”، كأداة لبسط النفوذ في الدول العربية؛ بحسب الصحيفة البريطانية التي تصر على إبراز النزاعات الطائفية لتأصيلها.

“باريس” ليست وحدها..

وبالطبع “فرنسا”، ليست وحدها التي تبدو ميالة لعدم التصعيد مع “موسكو”، فـ”ألمانيا” تسير على نفس المنوال، حتى ولو بطريقة أقل إثارة لغضب حلفائها في الـ (ناتو).

فلقد تشكلت علاقات “ألمانيا” مع “موسكو” من خلال مزيج من شعور “برلين” بالذنب بسبب الحرب العالمية الثانية والإمتنان؛ لـ”ميخائيل غورباتشوف”، الرئيس السوفياتي، لتمهيده الطريق لإعادة توحيد الألمانيتين.

كما أن العلاقات الاقتصادية الواسعة بين البلدين – بما في ذلك الاعتماد الألماني المتزايد على الطاقة الروسية الرخيصة – هي امتداد لسياسة سياسة “أوستبوليتيك”، التي أطلقها المستشار “ويلي براندت”؛ في عام 1969، والتي رأت أن توثيق العلاقات هو المفتاح للحفاظ على السلام.

كان هناك تعاطف مع “روسيا” أيضًا في “إيطاليا”؛ وليس فقط بين أعضاء حزبها الشيوعي، الذي كان يتمتع بقوة في السابق، والذي كان أكبر قوة سياسية في البلاد خلال فترات طويلة من “الحرب الباردة”. وكانت السوق الروسية مهمةً للمزارعين والشركات الصغيرة وعمالقة الطاقة الإيطاليين.

تصور رومانسي لروسيا وأيضًا هناك مصالح اقتصادية..

تتمتع “فرنسا” أيضًا بروابط تجارية كبيرة مع “روسيا”: قبل اندلاع الحرب، وبفضل شركة صناعة السيارات؛ (رينو)، وسوبر ماركت؛ (أوشان)، وسلسلة الأعمال اليدوية؛ (DIY)، “ليروي ميرلين”، كانت الشركات الفرنسية أكبر صاحب عمل أجنبي في البلاد، حيث وفرت فرص عمل: لـ 160 ألف شخص. كما أنهم كانوا الأبطأ في الانسحاب من “روسيا”.

فبما أن “فرنسا” ليست ناجحة كثيرًا في علاقتها الاقتصادية بـ”الصين” وغيرها من الدول الآسيوية، كـ”ألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا”، فإن السوق الروسي، الذي كان دومًا أقل صعوبة من حيث شروط التقنية والجودة، كان يُقدم فرصة بديلة لـ”باريس”، مثلما كان الحال مع السوق الإيراني قبل سنوات.

تكمن وراء هذه العلاقة اللافتة للانتباه بين: “فرنسا وروسيا”، روابط ثقافية بين نخب البلدين التي نمت في العقود التي أعقبت زيارة “بطرس الأكبر”؛ في عام 1717م – والتي استشهد بها مؤخرًا؛ “بوتين”، كنموذج يُحتذى به. بحلول القرن التاسع عشر، تحدث العديد من النبلاء الروس بالفرنسية فيما بينهم – غالبًا ما كان يدرّسهم معلمون فروا من الثورة الفرنسية.

عندما قامت “روسيا” بثورة خاصة بها؛ في عام 1917، كان الآلاف من الفارين من البلاشفة موطنهم الجديد في “باريس” – ومن بينهم لم يكونوا فقط إرستقراطيين ورجال أعمال؛ ولكن أيضًا شخصيات من الفنانين مثل: “سيرغي دياغيليف”، زعيم فرقة الباليه روس، والكاتب “إيفان بونين”.

قال “مارك ليونارد”، مدير “المجلس الأوروبي” للعلاقات الخارجية؛ وهو مؤسسة بحثية: “تقليديًا، كانت هناك قصة حب معينة حول روسيا بين النخبة الفرنسية”. “إذا تحدثت إلى الفرنسيين، فستسمع الكثير عن الأهمية الثقافية لروسيا ودوستويفسكي وتولستوي أكثر مما تسمعه في البلدان الأخرى”.

كان لمثل هذه المواقف تأثير على السياسة الفرنسية: عندما سعى “شارل ديغول”؛ في منتصف الستينيات، للحد من النفوذ الأميركي في “أوروبا”، فعل ذلك جزئيًا بالتقارب مع “الاتحاد السوفياتي”، والسفر إلى “موسكو”؛ في عام 1966، وإبرام مجموعة واسعة النطاق من المعاهدات بشأن التعاون.

كما أصبح الرئيس السابق الآخر؛ “جاك شيراك” – الذي كان يتحدث الروسية جيدًا – قريبًا أيضًا من “بوتين”؛ في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، بسبب معارضتهما المشتركة للغزو الذي قادته “الولايات المتحدة”؛ لـ”العراق”. عندما توفي “شيراك”؛ في عام 2019، سافر “بوتين” إلى “باريس” لحضور جنازته.

قد يكون جزء من هذا التضامن الخفي مع “روسيا” تقليديًا، نابعًا من غيرة الفرنسيين والروس على السواء من النجاح التكنولوجي والاستعماري البريطاني ثم الأميركي، والتي أعقبتها الهيمنة الثقافية “الأنغلوساكسونية” على العالم، والتي همشت الثقافتين الفرنسية والروسية، وجعلت الأولى تبدو كثقافة نخبة متكلفة ومعزولة، بينما الثانية ثقافة متراجعة في عقر دارها؛ حيث ينفر منها أقرب الشعوب للروس مثل الأوكرانيين، حيث تبدو للراغبين في التخلص من تأثيراتها مرتبطة بالفظاظة السوفياتية، والإمبريالية القيصرية؛ بحسب إدعاءات الصحيفة البريطانية.

موقف “ماكرون” قد يكون مفيدًا لـ”أوكرانيا” !

ولكن موقف “ماكرون”؛ الذي حافظ على العلاقة مع “بوتين”، رغم أنه أغضب حلفاءه، قد يكون مفيدًا لهم.

فالقتال الذي بدا في بداية الحرب يسير في صالح “أوكرانيا”؛ (كما تصر الآلة الدعائية البريطانية والأميركية في ترويج التدليس والإدعاءات التي تخالف كافة الحقائق الميدانية حول الصراع المسلح)، تحول إلى معارك مدفعية شرسة، حيث تمتلك “روسيا” عددًا أكبر من الوحدات القتالية المناسبة وقوة نيران أكبر بكثير من خصمها.

واعترف “زيلينسكي” بتعرض قواته لخسائر كبيرة، وإذا قرر الرئيس الأوكراني التسوية مع “بوتين”، فسيكون “ماكرون” مستعدًا للعب دور صانع السلام.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب