خاص : كتبت – نشوى الحفني :
صرحت التقارير الدولية المختصة بالمناخ أن “العراق” يُعتبر خامس أكثر دولة في العالم تأثرًا بالتغّير المناخي، كما تُعد “بغداد” ثالث أكثر عاصمة تلوثًا في العالم.
وهو ما جعل المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء العراقي؛ “مظهر محمد صالح”، يكشف أسباب تأثر “العراق” بالتغّيرات المناخية، قائلاً إن “العراق” من الدول المتأثرة بالتغّيرات المناخية والمتلقية لأسباب التصّحر والتلوث وليس المؤثرة لسببين، الأول لأنه يُعاني من شّبه حصّارات مائية من مشّاريع دول المنبع وتقليل مستمر لحصة بلادنا من المياه؛ ما زاد من معدلات التصّحر “الإجباري” وتوليد مناطق متصّحرة مثيرة للتلوث من الأتربة المستمرة والتي تؤثر على “العراق” والجوار نفسه، والثاني فإن بلادنا هي متلقية لمشكلات الاحتبّاس الحراري والتلوث الكربوني كظاهرة صناعية عابرة للحدود؛ تأتي من دول العالم الأول الكثيفة الصناعة، بحسب ما ذكر لوكالة الأنباء العراقية.
وأضاف المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء العراقي؛ أن التنمية الخضراء المسّتدامة لمواجهة تكيفات المناخ ومواجهة عدم ارتفاع درجات الحرارة في العالم، عن طريق خفض الانبعاثات الكربونية والتصّحر لغاية العام 2030، ستُكلف مبالغ تُقدرها أوساط “الأمم المتحدة” بنحو: 06 تريليونات دولار.
دور المجتمع الدولي..
وأكد أن “العراق” يمتلك حقوقًا عامة تجاه المجتمع الدولي بمسّألتين: الأولى تعويضه عن أضرار البيئة بسبب نقص المياه الحالي، فضلاً عن دور المجتمع الدولي في تأمين حصص “العراق” المائية بموجب القانون الدولي ومقاومة سياسات التصّحر “الإجبارية”، والثانية تعويضه ماليًا بكونه متلقيًا للانبعاثات الكربونية التي تولدها البلدان الصناعية.
وأوضح أن المبالغ المذكورة في تقرير “البنك الدولي” في موضوع الاسّتدامة الخضراء والتصّدي للتصّحر الإجباري والتلوث هي تقع بالغالب على عاتق المجتمع الدولي في جانب كبير منها، لذلك يجب أن تؤسس بلادنا (دبلوماسية للمناخ والتصّحر) تدافع عن حقوق “العراق” المائية والمناخية بكونه بلدًا متلقيًا لمشكلات المناخ أولاً، والعمل على توفير بيئة وطنية سليمة خالية من الانبعاثات الكربونية والتصّحر الإجباري المفروض على “العراق” مؤخرًا.
الاتجاه لنموذج تنمية أكثر اخضرارًا..
وكان “البنك الدولي” قد ذكر في تقريرٍ له في وقتٍ سابق، أن “العراق” يواجه تحديًا مناخيًا طارئًا، ومن أجل مواجهته، عليه التوجه نحو نموذج تنمية: “أكثر اخضرارًا و مراعاة للبيئة”، لا سيما عبر تنويع اقتصاده وتقليل اعتماده على الكربون.
ووفقًا للتقرير، فإنه وبحلول العام 2040، سيكون “العراق” بحاجة إلى: 233 مليار دولار كاستثمارات للاستجابة إلى حاجاته التنموية الأكثر إلحاحًا، بينما هو بصّدد الشروع في مجال نمو أخضر وشامل.
وأكد “البنك الدولي”، أن تغّير المناخ يُشّكل تحديًا أمام الازدهار الاقتصادي والاجتماعي في “العراق”؛ لا سيما أنه يترافق مع مستويات عالية من الهشاشة والتقلبات الاقتصادية واستنفاد القدرات البشرية والمؤسّسية، ويُمثل نموذج التنمية غير المتوازن المعتمد على “النفط” في “العراق”، وخصائصه الاجتماعية والبيئية، مكونات انفجار محتوم، وبالفعل تُشّكل مخاطر تغّير المناح مسّار التنمية في “العراق” من خلال التأثير على نموه وإمكانية التنويع الاقتصادي، فضلًا عن زيادة الضغط على العقد الاجتماعي الهش في البلاد.
تُسجل أعلى معدلات الفقر..
وأضاف “البنك الدولي”؛ أن “العراق” يندرج ضمن الشريحة العُليا من البلدان المتوسطة الدخل التي تُسجل أعلى معدلات الفقر، بالتوازي مع تسجيل تفاوتات كبيرة ومستمرة بين المناطق والجماعات بسبب تغير المناخ، وتسجل المناطق الريفية في “العراق” ضعف معدلات الفقر النقدي المُسّجلة في المناطق الحضرية، وهو ما يُعبر عن تفاوت واضح بين الريف والمدن.
وفيما يتعلق بالرفاهية غير النقدية، يُسّجل تفاوت بين الشمال والجنوب، ويعود ذلك لكون أداء المحافظات الكُردية أفضل من المتوسط الوطني ومن الجنوب غير النامي؛ وتُعتبر الأجزاء الجنوبية من البلاد الأكثر فقرًا والأقل نموًا، والتي تُعاني بالفعل من عدم كفاية كميات المياه الصالحة للاستخدام، الأكثر عُرضة لتأثيرات تغّير المناخ المتمثلة في زيادة ندرة المياه وارتفاع درجات الحرارة.
وأوضح “البنك الدولي”، أن الشعب العراقي بدأ يلمس آثار ندرة المياه الناجمة عن تغير المناخ من خلال تدهور رفاهيته ورأس ماله البشري، فإن الأدلة العالمية المائلة على الآثار السلبية الطويلة الأمد للصدمات المناخية قوية ومتينة، ولا سيما في المراحل الأولى من حياة الناس. على سبيل المثال، تؤثر ندرة المياه الشديدة على زيادة حالات التقزم لدى الأطفال، التي تُضّعف صحة الطفل وإنتاجيته في المستقبل، وقد تؤدي إدارة هذه الصدمات إلى بروز سلوكيات لدى الفقراء والضعفاء تزيد من تآكل رأس المال البشري.
طرح حلول لخفض انبعاثات “النفط”..
وكان ممثل البنك الدولي؛ “ريتشارد عبدالنور”، قد أكد قبل أيام، في تصريحات لوكالة الأنباء العراقية، أن “العراق” يُعد ثاني بلدان العالم من حيث احتراق الغاز، فيما طرح حلولاً لخفض انبعاثات “النفط” والاحتراق الغازي.
وقال إن: “التقرير بشأن التحول المناخي والتنمية في العراق، أشار إلى تأثر البلاد بالتغّير المناخي وارتفاع درجات الحرارة وانخفاض الموارد المائية التي تعتمد عليها البلاد؛ ليس لأغراض الشرب فقط، وإنما في الجانب الاقتصادي والزراعي والأمن الغذائي”.
وأضاف أن: “العراق يمتلك موارد نفطية كبيرة ومهمة، وبالتالي لديه انبعاثات كربونية على مستوى عالٍ، وهناك حلول كبيرة لخفض الانبعاثات في الجانب النفطي والاحتراق الغازي”، مبينًا أن: “العراق؛ يُعد ثاني بلد في العالم لديه نسبة عالية لاحتراق الغاز”.
وأشار ممثل “البنك الدولي” إلى أن: “الحلول تتضمن الاستفادة من الغاز في إنتاج الكهرباء، وخلق فرص عمل، فضلاً عن استعمال الطاقة المتجددة والنظيفة”، لافتًا إلى: “وجود فرص كبيرة في العراق لتنمية هذا القطاع؛ والذي سيؤدي لانخفاض الانبعاثات وخلق نمو قطاع غير نفطي ومهم لاقتصاد العراق”.
وضع النقاط على الحروف..
بعض الخبراء البيئيون يرون أن تشّخيص “البنك الدولي” ومقترحاته لتدارك الخطر البيئي والمناخي العاصف بـ”بلاد الرافدين”، يُقدم فرصة لتضافر الجهدين المحلي والدولي لمكافحة تأثيرات التغيّر المناخي الشديدة على “العراق”، والتي تُهدد مختلف قطاعات الحياة والإنتاج في البلاد.
فيقول الخبير البيئي والمناخي العراقي؛ “أيمن هيثم قدوري”، في حديث مع موقع (سكاي نيوز عربية)؛ أن “البنك الدولي” وضع النقاط على الحروف، وأكد الحقائق المثبتة حول التدهور البيئي والمناخي العراقي، من خلال تقرير المناخ والتنمية الصادر عنه؛ في تشرين ثان/نوفمبر الماضي.
مضيفًا أن “العراق” يُعاني أزمة تنمية متعددة الأوجه، أخطرها الأزمة المناخية الحادة التي تُهدد الأمن الغذائي والسّلم الأهلي والتنوع المجتمعي فيه، وظهور حركة تنمية غير مستقرة ترتكز على اقتصاد ريعي نفطي بنسبة: 98 في المئة.
وضمور قطاعات إنتاجية أخرى كالزراعة، بسبب شُح المياه وانعدام السياسات المائية المتوازنة، وكالصناعة بسبب إهمال الجانب الصناعي على مستوى القطاعين الخاص والحكومي.
كما أن نموذج النمو العراقي يقوده “النفط”، وطالما شّكل ذلك مصدرًا للهشّاشة والتقلب الاقتصادي والبيئي والاجتماعي.
وأصبحت الطاقات البشرية الشّابة التي تُشّكل أكثر من: 60 في المئة من السّكان، باتت شّبه مهدورة على وقع تدهور حركة التنمية التي انعكست سّلبًا على مستوى التعليم والإنتاج.
التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة..
والآن يسّير العالم بشّكلٍ حثيث نحو هجر المنتجات النفطية الثقيلة، والتحول التدريجي نحو الطاقة النظيفة، بغية التقليل من انبعاثات الكربون للوصول لمسّتويات تحد من ظاهرة التسّارع في عملية الاحتباس الحراري على المدى الطويل.
ويحصل هذا التوجه نحو الطاقة النظيفة بالرغم من تمنع بعض الدول الصناعية الكبرى، لكنها سّرعان ما ستستجيب للمقررات والقوانين الدولية، لأن التغير المناخي خطر وجودي يُهدد الكوكب برمته.
ويمتلك “العراق” من الإمكانات ما يمكنه من التحول التدريجي نحو “الطاقة الخضراء”، إذا ما شّرع بحلحلة أزماته المتراكمة عبر استحصال الحقوق المائية من دول المنبع، وصولاً لإعادة هيكلة مؤسسّات الدولة المنتجة وتعظيم الاستثمارات منخفضة الكربون.
وينصح الخبراء، “العراق”؛ بإعادة بناء المؤسسّات العامة والحكومية لتعزيز الثقة ومعالجة الانقسامات العميقة، وكل ذلك يمر من بوابة معالجة الأزمات السياسية المتناسلة.