خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في حادثة هي الأولى من نوعها، يواجه “البرلمان التونسي”، المنتخب في 2019، أزمة سياسية عاصفة، حيث طالب ممثلو خمس كتل برلمانية في ندوة صحافية، رئيس المجلس، “راشد الغنوشي”، برفع الحصانة البرلمانية عن كتلة ائتلاف (الكرامة) الحليفة لـ”حركة النهضة”، وتقديم قضية عدلية ضدها.
التصدي لمحاولات إسقاط الدولة..
وهو الأمر الذي جعل الرئيس التونسي، “قيس سعيد”، يؤكد لدى لقائه وفدًا من أعضاء مجلس نواب الشعب عن (الكتلة الديمقراطية)، التي تعرض أحد أعضائها إلى اعتداء من نواب (ائتلاف الكرامة) في البرلمان، الموالي لـ”حركة النهضة”: “رفض كل أشكال العنف حيثما كان، خاصة داخل مؤسسات الدولة”، مشددًا على: “احترام الشرعية والقانون، والتصدي بكل الوسائٔل القانونية المتاحة لمن يحاول إسقاط الدولة”.
وشدد “سعيد”، وفق شريط فيديو نقله موقع رئاسة الجمهوية على (فيس بوك)، على أن: “تونس تعيش أدق وأخطر المراحل التي عرفتها بعد الاستقلال، لكن من يعتقد أنه سيسقط الدولة التونسية واهم”، متابعًا أنه: “لن يقبل بأي تصرف غير مسؤول”، وفقًا لما ذكرته وكالة الأنباء الرسمية.
لا تفاوض مع المجرمين..
وأضاف “سعيد” أن: “قوى مضادة للثورة تعمل، منذ 2011، على إسقاط مطالب التونسيين”، وأنه: “يوجد من تحالف مع هذه القوى ويريد إسقاط الدولة، لكن ليعلموا أن ترتيباتهم معلومة… ولا حوار مع المجرمين”.
وبعد أن أكد أنه: “لا مبرر لأي كان للخروج عن القانون، الذي يجب أن يطبق على الجميع وعلى قدم المساواة”، شدد “قيس سعيد” على أنه: “يتحمل مسؤوليته ولن يجره أحد إلى المستنقع الذي يريد”، وفق تعبيره.
وأضاف الرئيس التونسي: “لا مجال للإبتزاز والمقايضة بمصالح الشعب التونسي”، مؤكدًا أن: “تونس وطن الجميع، وستبقى فوق كل الاعتبارات الظرفية والانتماءات الحزبية”.
وأشار الرئيس التونسي، إلى أنّه وجه: “الإنذار تلو الإنذار والتحذير تلو التحذير”، وأنه يحترم “الشرعية والقانون”، لكنه لن يترك تونس ومؤسساتها تتهاوى وتسقط، “ولن أقبل بأن تسيل الدماء، وأن يمهّد البعض لإسقاط الدولة”. ومضى “سعيد” يقول: “سنردّ بأكثر مما يتصورون لإنقاذ الدولة من كل اعتداء على أمنها”.
مطالب باستقالة “الغنوشي” لدفاعه عن خطاب التكفير وإهانة المرأة..
ويشهد مبنى البرلمان مشاحنات وتصعيد وتبادل اتهامات وحتى مواجهات لفظية، وشتائم ومطالبات بإستقالة “الغنوشي”؛ بسبب إنحيازه ودفاعه عن خطاب التكفير وإهانة النساء.
غير أن الأمر تطور في جلسة، الأحد الماضي، إلى العنف بعد تعرض النائب عن (الكتلة الديمقراطية)، “أنور بالشاهد”، إلى الإعتداء بالضرب بواسطة قارورة ما تسبب في جرحه على مستوى الوجه، كما تعرضت النائبة، “سامية عبو”، للإغماء، وشهدت الجلسة العامة المخصصة للنظر في مشروع قانون المالية لعام 2021؛ حالة من الهلع والفوضى وتعطلت أشغالها.
مرتكبو الإعتداء هم نواب (ائتلاف الكرامة)، حلفاء “حركة النهضة”، وجناحها العنيف الذين أثاروا الفوضى في مدخل قاعة الجلسة العامة؛ بعد أن تسببوا في تعطل أشغال لجنة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والمسنين المجتمعة للنظر في تصريحات أحد نواب (ائتلاف الكرامة) المسيئة للنساء، والتي تضمنت، بحسب الحقوقيين والمراقبين؛ خطابًا تحريضيًا على النساء في البلاد ومجانبًا لمنطق الدولة المدنية ومخالفًا لدستور البلاد.
وسبق وطالب عدد من النواب، “راشد الغنوشي”، بإصدار بيان يُدين تصريحات النائب عن (ائتلاف الكرامة)، غير أن رئاسة مجلس النواب لم ترد الفعل حيال خطاب النائب التحريضي والمعادي لحرية النساء، ما اعتبره النواب إنحيازًا واضحًا.
فيما أكتفت رئاسة المجلس، مساء الإثنين، بإصدار بيان دعت فيه لضبط النفس وتهدئة الأوضاع وتجاوز الخلافات داخل البرلمان.
إدارة كارثية ومنحازة..
وقال النائب، “أنور بالشاهد”، إن أحد نواب (ائتلاف الكرامة) اعتدى عليه بالضرب مسببًا له جروحًا على مستوى الوجه، فضلاً عن التهجم اللفظي الذي تعرض له كل نواب (الكتلة الديمقراطية) بعد تعمد نواب (الكرامة) إيقاف إجتماع لجنة المرأة وعرقلة اجتماعها.
ودعا النائب، “هشام العجبوني”، في تدوينة له، “الغنوشي”، إلى الإستقالة من منصبه بسبب ما سماه إدارة كارثية ومنحازة، قائلاً إنه: “تسبب في توتير الأجواء بسبب حماية حلفائه”.
بينما وصف النائب، “حسونة الناصفي”، في مؤتمر صحافي، نواب (كتلة الكرامة)، بالدواعش، قائلاً إنهم تعرضو لتهديد مباشر منهم وتوعد بجرهم لمربع العنف.
وأكد النائب، “محمد عمار”، أن: “ميليشيات الكرامة تقوم بعمل ممنهج لضرب مخالفيها”، ووصفهم بـ”أعداء الله”؛ وأن رئيس البرلمان يتحمل مسؤولية ذلك بعد مماطلته في منح جلسة عامة للتداول في تصريحات مسيئة للمرأة التونسية ومقسمة للشعب التونسي ولا تحترم دستور البلاد.
نائب التكفير أهان المرأة بتواطؤ من رئيس البرلمان..
وفي فيديو نشرته رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر، “عبير موسى”، وصفت نائب (ائتلاف الكرامة)، “محمد العفاس”، بنائب التكفير. وقالت إنه أهان المرأة بتواطؤ من “الغنوشي”، الذي رفض طلب عدد من النواب مناقشة فحوى تصريحات “العفاس” في جلسة عامة، بإضافة نقطة في جدول الأعمال وتم ترحيل الطلب إلى لجنة المرأة، ثم تمت مقاطعة أعمال اللجنة والتشويش عليها؛ ولدى إصرار النواب على رفع الأمر لرئاسة المجلس واجهو عنف نواب (ائتلاف الكرامة).
وقالت “موسى” إن: “القناع سقط عن (حركة النهضة) وحلفاؤهم في علاقة بإدعاء المدنية وإحترام حقوق النساء”.
وأضافت أنهم تقدمو بمشروع لائحة تدين العنف المسلط ضد النساء وتتصدى لمحاولات التراجع عن النموذج المجتمعي التونسي، وعن مكاسب مجلة الأحوال الشخصية وستعرض اللائحة للنقاش والمصادقة في جلسة عامة بما يعنيه التصويت عليها من إلتزام مادي ومعنوي بحقوق المرأة ودعمها.
“حركة النهضة” مسؤولة عن تشجيع العنف..
في سياق ذلك، دان “الاتحاد العام التونسي للشغل”، في بيان له: “الإعتداء على نواب (الكتلة الديمقراطية) من الكتلة الإرهابية للكرامة”، وقال إنهم يتبنون خطابًا مهينًا ضد المرأة التونسية في مخالفة للدستور والتشريعات والقيم الأخلاقية.
وندد الاتحاد بالتواطؤ المفضوح لرئيس البرلمان، “راشد الغنوشي”، ودفاعه عن خطاب التكفير والعنف داخل البرلمان، مدينًا سلوك (كتلة الكرامة) المتخفية بالحصانة البرلمانية.
كما حملت المنظمة الأعرق في البلاد، كل الأطراف الداعمين لـ (كتلة الكرامة) ومن بينها “حركة النهضة”؛ مسؤولية التشجيع على العنف، وقالت: “إن مؤسسة البرلمان بقيادة الغنوشي صارت مصدرًا لإنتاج الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية”.
تبني مشروع إسقاط المنظومة السياسية..
وبسبب استهانة “الغنوشي” بما حدث بالبرلمان، تصاعدت المطالب الشعبية والحزبية التي تنادي بحل “مجلس نواب الشعب”، (البرلمان)، وتنحية رئيسه، “راشد الغنوشي”، بعد تفاقم مظاهر العنف اللفظي والجسدي في ساحته وتحوله إلى حلبة صراع بين الكتل البرلمانية؛ عوضًا عن إنشغاله باستحقاقات الشعب.
فدعا “حزب التيار الشعبي” (يسار)، جميع القوى الوطنية الفاعلة في تونس، أحزابًا وكتلاً برلمانية ومنظمات وجمعيات ونخب وطنية، إلى تبني مشروع يهدف إلى إسقاط المنظومة السياسية الحالية وتعويضها بحكومة انتقالية إلى حين إجراء انتخابات جديدة.
كما تتبنى هذه المبادرة؛ مقترح إسقاط البرلمان باعتباره قد تحول إلى حجر عثرة أمام تقدم الإصلاحات في البلاد والإلتفات إلى مشاغل المواطنين التي من أجلها انتفض التونسيون ضد حكم الرئيس السابق، “زين العابدين بن علي”، أواخر 2010.
تلويح بسحب الثقة..
كذلك وقعت كتلة “قلب تونس” على بيان يلوح بسحب الثقة من “الغنوشي” في رئاسة البرلمان.
وأنضم حزب “قلب تونس”، مساء الإثنين، إلى قائمة الكتل البرلمانية الموقعة على بيان يمُهل رئيس البرلمان، “راشد الغنوشي”، إلى حين الإنتهاء من مناقشة مشروع قانون المالية، لرفع الحصانة عن نواب (ائتلاف الكرامة).
وأشار البيان إلى أن الموقعين عليه سيلجؤون إلى مختلف الأشكال الاحتجاجية إذا تواصل العنف في البرلمان، بما في ذلك سحب الثقة من رئيسه.
ويضع البيان علاقة الحركة الإسلامية بحليفها، حزب “قلب تونس”، موضع تساؤل، بعد إنضمام الحزب إلى الشق الذي يحمّل رئيس البرلمان، ورئيس الحركة، “راشد الغنوشي”، المسؤولية عن تفشي العنف داخل البرلمان، ويدفع نحو إعادة طرح لائحة لسحب الثقة منه إذا فشل في إيقاف هذا “النزيف”.
واتهم نواب، “الغنوشي”، بـ”توفير الحماية لنواب (ائتلاف الكرامة)، الذين يواجهون اتهامات واسعة ببث خطاب العنف والكراهية داخل البرلمان؛ ما تطور إلى عنف مادي استهدف أحد نواب المعارضة”.
تراجع “الغنوشي” بعد المواقف المعارضة له..
وفي محاولة منه لإحتواء الأمر بالتراجع عن موقفه، وهو ما قد يكون مؤشر على القطيعة بين “حركة النهضة” والائتلاف وخطابه، وصف “الغنوشي” ما حصل: بـ”العدوان”، وأكد أنه: “لن يسمح باستمراره”.
واعتبر النائب عن “حركة النهضة” وعضو لجنة المالية بالبرلمان، “محمد القوماني”، من جانبه؛ أن ما حصل غير مقبول، وأن الخطاب الذي روجه “محمد العفاس”، أحد نواب (ائتلاف الكرامة)، “لا يمثله”.
وعلّق “القوماني”، على تصريحات “العفاس” الأخيرة؛ بالتأكيد على أنه: “مع المساواة”، وأنه: “مناصر لقضايا النساء ومتبنّ للخطاب التنويري”.
وأدان “القوماني”: “الخطاب التكفيري”؛ الذي اعتبر أنه يتغذى من خطابات أخرى، وفق قوله.
سيضحي بحلفائه لضمان موقعه..
تعليقًا على تلك الأحداث، اعتبر المحلل السياسي، “محمد صالح العبيدي”؛ أن: “تطور العنف السياسي إلى عنف مادي داخل البرلمان، أحرج الغنوشي إلى حد بعيد، إذ يجد رئيس البرلمان نفسه بين خياري الدفاع عن حليفه (ائتلاف الكرامة)، ومِن ثَمَّ تعميق الأزمة وتأجيج مناخ التوتر في البرلمان وفي الساحة السياسية بشكل عام، أو أن يضحي بحلفائه ضمانًا لموقعه في رئاسة البرلمان”.
مضيفًا أن: “الغنوشي سيختار على الأرجح الحل الثاني، لأنه يعلم أن إعادة طرح لائحة سحب الثقة منه مرة ثانية ستُضعِف مِن موقعه ومِن مِصداقيته، وقد تؤدي فعليًا إلى إزاحته من منصبه؛ ما قد تكون له تداعيات كبيرة على المشهد البرلماني والمشهد السياسي، حتى داخل حركة النهضة”.
قد يسقط الحكومة بسهولة..
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي، “هشام الحاجي”، أن: “حادثة العنف بالبرلمان ستكون لها تداعيات حتى على الخريطة البرلمانية وعلى مستقبل الحكومة الحالية وحزامها السياسي، في حال حصل فك إرتباط بين حركة النهضة وائتلاف الكرامة أو تأكدت القطيعة بين النهضة وحزب قلب تونس؛ ما يعني إنهيار الائتلاف الحاكم أو المشكّل للحزام البرلماني للحكومة؛ ما قد يؤدي إلى إسقاطها بسهولة”، مضيفًا أن: “تصاعد العنف خطابًا وممارسة داخل البرلمان، يثقل المسؤولية الملقاة على كاهل الغنوشي الذي يواجه أصلاً اتهامات بضعف الأداء وبالإنحياز وعدم القدرة على إدارة الخلافات داخل البرلمان، ومن ثَمَّ تبدو الضغوط المسلّطة عليه مدفوعة بهاجس سحب الثقة منه، ووضعه موضع مساءلة عن كل الإنحرافات التي يعرفها البرلمان”.
تقارب ومفاجأة..
فيما يرى الباحث في العلوم السياسية، “محمد أمين العاقل”، في المقابل؛ أن: “تصاعد وتيرة العنف قد يضعف موقف الغنوشي وموقف الائتلاف داخل البرلمان، لكنه لن يؤدي إلى إنهيار التحالف الثلاثي بين النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة”، موضحًا أن: “الغنوشي قد يجد مخرجًا يرضي به خصومه ويتفادى به سيناريو سحب الثقة منه، دون أن يخسر حلفاءه في ائتلاف الكرامة”.
وأضاف “العاقل” أنه: “بخصوص العلاقة مع حزب قلب تونس؛ فهي محكومة بالمصالح المشتركة بين الحزبين، وقد لا يعني توقيع قلب تونس على بيان الكتل البرلمانية، الإثنين، تنصلاً من التحالف مع النهضة أو انقلابًا عليها أو قطيعة معها، لأنه قد لا يكون ملزمًا للحزب إذا تعلق الأمر بالتقارب مع النهضة التي يحتاجها إذا ما سقطت حكومة المشيشي وعاد الأمل إلى قلب تونس للدخول في أي حكومة جديدة يتم تشكيلها، وهو يعلم أن التقارب مع النهضة يمثل مِفتاحًا لذلك”.