خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة غيرت العقيدة الألمانية تجاه الحرب الروسية مع “أوكرانيا”، وافق “مجلس النواب” في “البرلمان الألماني”؛ بأغلبية ساحقة، على اقتراح بشأن دعم “أوكرانيا” يؤيد تسليم معدات عسكرية تشمل أسلحة ثقيلة إلى البلاد لمساعدتها في صدّ الهجمات الروسية.
وجاء في الاقتراح: “إلى جانب العزلة الاقتصادية الواسعة وفصل روسيا عن الأسواق الدولية، فإن الوسيلة الأكثر أهمية وفاعلية لوقف الغزو الروسي هي تكثيف وتسريع تسليم أسلحة فعالة وأنظمة متطورة بما في ذلك الأسلحة الثقيلة”.
وأيد الاقتراح كل من الأحزاب الثلاثة في الائتلاف الحاكم؛ إلى جانب نواب المعارضة المحافظين. حيث صوت: 586 عضوًا لصالحه مقابل: 100؛ وامتنع سبعة أعضاء عن التصويت، بحسب “فولفجانغ كوبيكي”؛ نائب رئيس البرلمان.
وناشد نواب البرلمان بأغلبية الحكومة الاتحادية: “مواصلة توريد أية أسلحة ضرورية إلى أوكرانيا والإسراع في ذلك، حيثما يكون ذلك ممكنًا، مع توسيع نطاق توريد أسلحة ثقيلة وأنظمة معقدة في إطار عمليات تبادل مثلاً”.
لكن تم التأكيد أنه يجب ألا يتم تهديد قدرات “ألمانيا” الدفاعية داخل حلف الـ (ناتو)؛ من خلال هذا الإجراء.
تدعيم “أوكرانيا” دون تعريض قدرات الـ”ناتو” للخطر..
وقال وزير المالية الألماني؛ “كريستيان ليندنر”، في وقت سابق، إنّ على بلاده أن تبذل كل ما في وسعها لمساعدة “أوكرانيا” على: “الانتصار” على “روسيا”، ولكن من دون تعريض أمنها وقدرات “حلف شمال الأطلسي”؛ الـ (ناتو)، الدفاعية للخطر”.
وأفادت وسائل إعلام ألمانية، بأنّ شركة (راينميتال) الألمانية لإنتاج الأسلحة؛ طلبت من المستشار الألماني؛ “أولاف شولتز”، الموافقة على بيعها: 100 مدرعة من طراز (ماردر) إلى الحكومة الأوكرانية.
يُذكر أن الإعلام السويسري تحدث عن أنّ السلطات السويسرية رفضت السماح لـ”ألمانيا” بتصدير أسلحة وذخيرة سويسرية الصنع إلى “أوكرانيا”، فيما تبذل “ألمانيا” قصارى جهدها بمساعدة “أوكرانيا” عسكريًا للانتصار في الحرب.
مباركة أميركية للقرار الألماني..
ووصف وزير الدفاع الأميركي؛ “لويد أوستن”، الخطوة بأنها إعلان مهم من شأنه أن يُعزز القدرات العسكرية لـ”أوكرانيا”.
وجاء ذلك خلال اجتماع ضم وزراء: 40 من دولة حليفة لـ”الولايات المتحدة”، في قاعدة (رامشتاين) الجوية الأميركية في “ألمانيا”.
وقال “أوستن”؛ إن المجموعة ستجتمع الآن شهريًا لتقديم: “دعم قوي على المدى الطويل” للجيش الأوكراني.
وأضاف: “تقف دول العالم متحدة في عزمنا على دعم أوكرانيا في حربها ضد العدوان الإمبريالي لروسيا”.
وكانت “ألمانيا” قد انتهجت سياسة عدم تزويد مناطق النزاع بالأسلحة الثقيلة، بيد أن حكومة المستشار؛ “أولاف شولتز”، واجهت انتقادات متزايدة بسبب إحجامها عن تسليح القوات الأوكرانية بمعدات أكثر قوة.
كما جاءت الخطوة الجديدة على الرغم من تحذيرات “روسيا” من أن دعم الدول لـ”كييف”، قد يؤدي إلى تصعيد الصراع مع: “عواقب لا يمكن التنبؤ بها”.
الـ”ناتو” منخرط في حرب مع “روسيا”..
وقال وزير الخارجية الروسي؛ “سيرغي لافروف”، إن تسليم أسلحة غربية إلى “أوكرانيا” يعني أن “حلف شمال الأطلسي”؛ الـ (ناتو): “منخرط جوهريًا في حرب مع روسيا”.
وقال في مقابلة؛ أذيعت يوم الإثنين، إن: “هذه الأسلحة ستكون هدفًا مشروعًا للجيش الروسي الذي يتصرف في سياق العملية الخاصة”.
وقال “لافروف” أيضًا للتلفزيون الحكومي إن: “الـ (ناتو)، جوهريًا، يخوض حربًا مع روسيا من خلال وكيل، وهو يُسلح ذلك الوكيل. الحرب تعني الحرب”.
ورأى “لافروف” أيضًا أن هناك احتمالاً بأن يتصاعد الصراع ليشمل استخدام أسلحة نووية، على الرغم من أنه استخدم نبرة أمل بشأن احتمالات التوصل إلى اتفاق سلام.
وفي حديثه إلى (القناة الأولى) الروسية، قال إن “موسكو” تُريد تجنب المخاطر المتزايدة: “المصطنعة” لمثل هذا الصراع.
وقال “لافروف”: “هذا هو موقفنا الرئيس الذي نبني عليه كل شيء. المخاطر الآن كبيرة”، مضيفًا: “لا أريد زيادة هذه المخاطر بشكل مصطنع. يرغب الكثيرون في ذلك. الخطر حقيقي ويجب ألا نقلل من شأنه”.
حل وسط لتسوية الانقسامات الداخلية..
فيما قالت صحيفة (غلوبال تايمز)؛ إن قرار “برلين” تسليم مدافع (غيبارد) المضادة للطائرات، التي كان: “عصرها الذهبي” في السبعينيات، إلى “أوكرانيا” هو حل وسط لتسوية الانقسامات الداخلية في البلاد.
وقال الخبير العسكري الصيني؛ “سونغ تشونغ بينغ”، لصحيفة (غلوبال تايمز): “قرار برلين تسليم مدافع (غيبارد) المضادة للطائرات إلى أوكرانيا هو حل وسط لتسوية الانقسامات الداخلية في ألمانيا”.
وأضاف الخبير، أن: “العصر الذهبي” لمدافع (غيبارد) بمدافعها المضادة للطائرات؛ كان في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وقبل تسليم هذه المدافع إلى الجيش الأوكراني، سيتعين إصلاحها على حساب “ألمانيا”.
مشيرًا إلى أنه حتى في حالة الإصلاح، هناك شكوك في أن هذه الأنظمة سيتم إدخالها إلى ساحة المعركة في “دونباس”، كما يعتقد حسب رأيه، أن توريدها من المستودعات، وليس من ما لدى “البوندسفير”؛ (الجيش الألماني)، هو حل وسط بين الأحزاب الحاكمة في “ألمانيا”، والتي توجهت: “لإرضاء”؛ “الولايات المتحدة” و”بريطانيا”.
وفي وقت سابق، ذكرت صحيفة (Süddeutsche Zeitung) الألمانية، نقلاً عن مصادر، أن “ألمانيا” في اجتماع دولي بدعوة من “الولايات المتحدة” في قاعدة (رامشتاين) الجوية؛ وعدت بتزويد “أوكرانيا” بمنظومات (غيبارد).. وهذا ما أكدته لاحقًا وزيرة الدفاع الألمانية؛ “كريستينا لامبرخت”.
تغير خطير في موقف “ألمانيا”..
وبذلك تكون “ألمانيا” قد اتخذت، لأول مرة، قرارًا بتزويد “أوكرانيا” بالأسلحة الثقيلة، وأشارت وسائل الإعلام الغربية إلى أن هذا يُعد تغييرًا خطيرًا في موقف “ألمانيا”، التي كانت شديدة الحذر بشأن إمداد “كييف” بالأسلحة.
أسباب أخرى غير الأزمة الأوكرانية..
وتعليقًا على ذلك؛ يقول “ماهر الحمداني”، الباحث والخبير في الشؤون الألمانية، في حوار مع (سكاي نيوز عربية): “تصويت (البوندستاغ) على تزويد كييف بالأسلحة الثقيلة خلفه جملة أسباب ومستويات لفهم دوافعه، أولها تلك المتعلقة بالحسابات الداخلية والتي لا علاقة لها بالأزمة الأوكرانية، لكنها ترتبط بالانتخابات المحلية التي تُجرى تباعًا في الولايات الألمانية المختلفة، حيث أن لهذه الانتخابات حسابات دعائية كبيرة، تتعلق بالحرب (الروسية-الأوكرانية)، والموقف الألماني منها”.
مضيفًا أن: “هناك ضغط هائل على الحزب الاشتراكي الديمقراطي الرئيس الحاكم، وإظهار موقفه من تلك الحرب من قبل أحزاب وقوى المعارضة بالضعيف، لكن الحزب الحاكم قلب الطاولة على المعارضة وصوت معها لصالح تمرير هذا القرار تحت قبة (البوندستاغ)، وهكذا تم اعتماده بالتشارك، حيث صوتت معظم الأحزاب الممثلة بالبرلمان على القرار، باستثناء حزبي اليسار الراديكالي وحزب (ف. د. ب) اليميني المتطرف”.
ضغوط أوروبية..
أما عن الحسابات الإقليمية، يقول “الحمداني”: “تتعلق بمواجهة برلين لضغوط من العديد من الدول الأوروبية الأخرى المنتقدة لموقفها من حرب أوكرانيا، كونها الاقتصاد الأم والأكبر في منطقة اليورو، وبالتالي هي مطالبة باتخاذ مواقف أكثر تقدمًا من الجميع في أوروبا ضد روسيا، خاصة وأنها لم توقف واردتها من الغاز الروسي وغيرها من موارد الطاقة، وبالتالي فبرلين عمليًا تمول يوميًا الحرب بأوكرانيا وفق منتقديها بمليار دولار أميركي تذهب للخزينة الروسية”.
بُعد دولي له حسابات معقدة..
أما البُعد الثالث وراء صدور هذا القرار، كما يُبيّن “الحمداني”: “فهو البُعد الدولي وحساباته المعقدة والكبرى، والتي تتعلق خصوصًا بأن الولايات المتحدة تعتبر الدول الأوروبية؛ وفي مقدمتها ألمانيا، كما ولو أنها محميات – لكي لا نقول مستعمرات – تابعة لواشنطن ولقراراتها، وعليها تبعًا لذلك مجاراة الموقف الأميركي والاحتذاء به، وبالفعل أثبتت أميركا أن لديها القدرة لحد كبير على إجبار الاتحاد الأوروبي على اتخاذ خطوات وسياسات ربما تضر بمصالحه وتناقضها، لكنه مضطر على الإقدام عليها نظرًا لتبعيته السياسية لواشنطن، والتي تُحتم عليه عدم التغريد خارج سرب العم سام”.
مخاوف من رد فعل “روسيا”..
ويُضيف الخبير في الشؤون الألمانية: “علمًا أن هذا الموقف الجديد للبرلمان الألماني، جاء بالضد من رغبة وتوجهات المستشار شولتز، وبالضد من رغبة قادة الجيش الألماني، الذين يرون أن مثل هذه الخطوة قد تُقحم البلاد في أتون حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، حيث إن أوكرانيا ليست حتى عضوًا بالاتحاد الأوروبي ولا بالـ (ناتو)؛ لكي يكون هناك إلتزامات قانونية لألمانيا بالتدخل لصالحها في الحرب”.
علاوة على أن الكثير من المصالح الألمانية ترتبط بالاقتصاد والأمن القومي الروسيين، كما يوضح “الحمداني”، متابعًا: “وأبرزها أمن الطاقة، حيث ثمة تخوف واسع الآن في ألمانيا من ردة فعل (الكرملين) على هذا القرار لـ (البوندستاغ)، وهل يمكن أن يذهب لحد مثلاً قطع إمدادات الغاز الروسي عن ألمانيا كما فعل مع بولندا وبلغاريا”.
“شولتز” في موقف محرج..
وعن آليات تطبيق القرار، يقول المتحدث: “القرار مُلزم طبعًا للمستشار؛ شولتز، وهذا ما يضعه في موقف حرج، حيث إن فكرة القرار طرحت أساسًا في البرلمان من قبل حزب (الاتحاد الديمقراطي المسيحي)؛ الذي تنتمي له المستشارة السابقة؛ ميركل، لإحراج حكومة شولتز وحتى محاولة إسقاطها عبر شق صف الائتلاف الحاكم والمتكون من: 03 أحزاب، يؤيد حزبان منهما تزويد كييف بالسلاح الثقيل، فيما كان يعارضه حزب شولتز، والعمل على تأسيس تحالف لتشكيل حكومة جديدة بين (الاتحاد المسيحي) وحزبي (الخضر) و(الليبرالي)، شريكا حزب شولتز الحاليين في الحكومة، لكن الحزب (الاشتراكي الديمقراطي) الحاكم، ولإجهاض هذا السيناريو، بادر للتصويت والموافقة على القرار”.
يُذكر أن الكتلتين البرلمانيتين لحزب اليسار المعارض وحزب (البديل من أجل ألمانيا) اليميني المعارض، لم تؤيدا توريد أسلحة ثقيلة لـ”أوكرانيا”، وحذر زعيم الكتلة البرلمانية لحزب (اليسار)؛ “ديتمار بارتش”، من نشوب حرب نووية نتيجة توريدات الأسلحة لـ”أوكرانيا”.
وقال “بارتش” أن “شولتز” استبعد توريد أسلحة ثقيلة لأسباب، منها الخوف من نشوب حرب نووية، وأكد أنه محق في ذلك، وأشار إلى أن هذا ما توقعه المواطنون من الحكومة الألمانية، مضيفًا: “ينبغي أن يكون ذلك هو الهدف الأسمى في ظل هذا التطور المأساوي”.