25 سبتمبر، 2024 7:30 ص
Search
Close this search box.

الانسّحاب الفرنسي النهائي من “النيجر” .. هل يفتح الباب لصراع النفوذ بين أميركا وروسيا والصين في المنطقة ؟

الانسّحاب الفرنسي النهائي من “النيجر” .. هل يفتح الباب لصراع النفوذ بين أميركا وروسيا والصين في المنطقة ؟

خاص: كتبت- نشوى الحفني:

بعد شهور من التوتر؛ أكملت القوات الفرنسية؛ أمس الجمعة، انسّحابها من “النيجر”، وفق ما أعلن الجيش النيجري في احتفال أقيم في “نيامي”؛ لإنهاء وجود عسكري امتد عشرة أعوام كان مخصصًا لمكافحة الجهاديين.

وقال الملازم “سليم إبراهيم”؛ إن: “تاريخ اليوم… يُمثّل نهاية عملية فك ارتباط مع القوات الفرنسية في منطقة الساحل” الإفريقي”.

وأقيّمت المراسم في قاعدة (نيامي) الجوية؛ التي كانت تضم في أنحائها قاعدة جوية مؤقتة للقوات الفرنسية، استضافت قسّمًا من الجنود والملاحين: الـ (1500) الذين نشرتهم “باريس” في البلاد.

وغادرت الدفعة الأخيرة من الجنود في طائرتين عسكريتين؛ بحسّب ما شاهد صحافي في وكالة الأنباء الفرنسية. ولم تُعلن الجهات المختصة وجهة الطائرتين.

توقيع وثيقة مشتركة..

واختتمت المراسّم بتوقيع “وثيقة مشتركة” من قبل قائد القوات البرية النيجرية؛ العقيد “مامان ساني كياو”، وقائد القوات الفرنسية في الساحل؛ الجنرال “إريك أوزان”، وفق “إبراهيم”.

وحضر مراسّم التوقيع ممثلون عسكريون لكل من “توغو” و”الولايات المتحدة”. وسلّمت “فرنسا” القاعدة الجوية المؤقتة إلى سلطات “النيجر”.

وأوضح “إبراهيم” أن عملية فك الارتباط شملت: “(145) رحلة جوية” و”(15) قافلة برية”، نقلت: “زُهاء (1500) عسكري”. وأشاد: بـ”السّير الحسّن” لعملية فك الارتباط، مشيرًا إلى عدم وقوع أي: “حادث يُذكر”.

تُنهي عشرات الأعوام من مكافحة الجهاديين..

وتُنهي مغادرة الجنود الفرنسيين؛ عشرة أعوام، من عمليات مكافحة الجهاديين في منطقة “الساحل الإفريقي”، حيث كانت “النيجر” أحد آخر حلفاء “فرنسا”، قبل الانقلاب العسكري أواخر تموز/يوليو؛ الذي أطاح بالرئيس؛ “محمد بازوم”.

وبعد توتر على مدى شهرين مع السلطات العسكرية المنبثقة عن الانقلاب؛ التي ألغت العمل بعدد من اتفاقيات التعاون العسكري مع “باريس”، أعلن الرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، في أيلول/سبتمبر الماضي، أن قوات بلاده ستنسّحب من “نيامي” بحلول نهاية العام.

إغلاق السفارة الفرنسية في “النيجر”..

والخميس؛ قررت “باريس” إغلاق سفارتها في “النيجر”، حيث: “لم تُعد قادرة على العمل بشكلٍ طبيعي”، حسّبما ذكرت مصادر دبلوماسية، مما يُمثل قطيعة نهائية بين البلدين.

وجاء في وثيقة مُرسّلة إلى الموظفين النيجريين في السفارة الفرنسية؛ بتاريخ 19 كانون أول/ديسمبر 2023، ووقّعها السفير الفرنسي لدى النيجر؛ “سيلفان إيتي”، أن: “وزارة أوروبا والشؤون الخارجية في الجمهورية الفرنسية؛ مضطرة للأسف إلى إغلاق السفارة لفترة غير محددة”.

واعترفت مصادر دبلوماسية فرنسية بصحة الرسالة؛ التي تبلغ الموظفين النيجيريين، بأنه سيتم فصلهم اعتبارًا من 30 نيسان/إبريل 2024.

وتعّرضت السفارة الفرنسية في “النيجر” لهجوم من قبل متظاهرين؛ في 30 تموز/يوليو 2023، وأعلن المجلس العسكري الحاكم في البلاد أن السفير الفرنسي في “النيجر” شخص غير مرغوب فيه قبل فرض حصار حول السفارة الفرنسية.

وقال مصدر دبلوماسي فرنسي؛ طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مسّموح له بالتحدث إلى الصحافة: “لذلك لم تُعد السفارة الفرنسية في النيجر قادرة على العمل بشكلٍ طبيعي أو القيام بمهامها”.

الانسّحاب الثالث من دول غرب إفريقيا..

ويُعتبر قرار سّحب القوات؛ وإن حاولت “باريس” تصّويره على أنه قرارها، إلا أنه كان أيضًا مطلبًا لقادة انقلاب “النيجر”، الذين أعلنوا إلغاء اتفاقيات التعاون العسكري الموقعة مع “فرنسا”.

وتنتشر القوة الفرنسية في قاعدة عسكرية قرب “مطار نيامي الدولي” وتتولى تدريب ومساعدة جيش “النيجر” في مكافحة الإرهاب.

وأرجع البعض سّحب القوات، لتأخر التدخل العسكري الذي أعلنته المجموعة الاقتصادية لغرب “إفريقيا”؛ (إيكواس).

الانسّحاب؛ هو الثالث لـ”فرنسا” من دول “غرب إفريقيا”، فقد سبقه الانسّحاب من: “مالي وبوركينا فاسو”، وهو ما يُثير تساؤلات بشأن تراجع الدور الفرنسي في “إفريقيا”.

واقتصر الوجود الفرنسي على قاعدتين عسكريتين فقط في المنطقة، هبوطًا من: (10) قواعد قبل الانقلابات التي وقعت في تلك البلدان. وهو ما يُعطي مؤشرًا، على تراجع دور ونفوذ “فرنسا” في تلك الدول التي كانت معاقل نفوذ تاريخية لها لعقود.

ويعود الوجود الفرنسي إلى عام 2013، ونشرت “باريس” ما يصل إلى: (5500) عسكري في إطار عملية (برخان)؛ بالتعاون مع القوات المسلحة في “مالي وبوركينا فاسو والنيجر”.

وانضمت إليها قوات خاصة أوروبية؛ ونالت دعمًا استخباريًا ولوجستيًا من “واشنطن” انطلاقًا من قاعدة أميركية في “نيامي”.

لكن الأنظمة العسكرية التي انبثقت بعد انقلابات عسكرية متتالية في: “مالي وبوركينا فاسو والنيجر”، طلبت مغادرة الفرنسيين، ما يعكس تراجعًا كبيرًا للنفوذ الغربي في هذه المنطقة.

وتتطلب عمليات مكافحة الإرهاب اتفاقات ثنائية؛ خصوصًا مع “ألمانيا وإيطاليا”.

التدخل العسكري الروسي بعيد..

تعليقًا على الانسّحاب الفرنسي؛ يقول الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية؛ “جان بيار ميلالي”، في حديث لبرنامج (غرفة الأخبار) على (سكاي نيوز عربية)، إن “فرنسا” وصلت إلى منعطف، شاءت أم أبت، في مجال حضورها العسكري في “النيجر”، و”ماكرون” اغتنم فرصة المقابلة الصحافية؛ الأحد الماضي، ليعلن عن سّحب السفير ثم القوات العسكرية قبل نهاية العام الجاري.

واعتبر أن هذا يُشّكل خاتمة للوجود العسكري الفرنسي في “النيجر وإفريقيا”، وعبارة عن نتيجة لسلسلة من الانقلابات التي شاهدناها في الأعوام الأخيرة.

لافتًا إلى أن الوجود العسكري الفرنسي اليوم؛ في “إفريقيا” يتجسّد في قاعدتين؛ الأولى في “تشاد” والثانية في “جيبوتي”، مع وجود عسكري في (03) دول أخرى، لكنه يُعد أصغر نسّبيًا.

موضحًا أنه لا يعتقد أن “روسيا” ستحل محل الفرنسيين في “النيجر”، ذلك أن “الولايات المتحدة”؛ التي صّارت تهتم بـ”إفريقيا” لمواجهة الروس والصينيين. وأن التدخل العسكري الروسي يبدو بعيدًا.

كما تعامل العسكريون في “النيجر” بشكلٍ مختلف مع الأميركيين؛ فأتاحوا لهم التحرك بحرية بخلاف حصر الفرنسيين داخل قاعدة واحدة.

منطقة ذات أهمية لـ”واشنطن” لمواجهة النفوذ الصيني..

ومن “لندن”؛ يقول مسؤول وحدة الدراسات الإفريقية في مركز (تقدم) للسياسات؛ “علي هندي””، إن “فرنسا” والقوى الغربية كانت تُدرك أن “إفريقيا” ذاهبة باتجاه نقطة تحول، تسّتدعي ترتيبات مختلفة عن تلك المعمول بها منذ الحقبة الاستعمارية.

وأن الوجود الفرنسي في “النيجر” ودول “جنوب الصحراء” كان مرتبطًا بالوجود الفرنسي على سواحل “البحر الأبيض المتوسط”، ولم تُنافسه عليه قوى غربية أخرى.

لكن القوى الغربية لم تتفق بشأن تصورات التحول في “إفريقيا”، فعلى سبيل المثال أصبحت منطقة ذات أهمية بالنسّبة إلى “الولايات المتحدة” في سّياق مواجهة النفوذ الصيني؛ فضلاً عن الوجود الروسي المتزايد.

كذلك عّبرت “الولايات المتحدة” عن أهمية “إفريقيا” بتكتلات منافسّة للتكتلات الصينية، مثل تكتل دول “المحيط الأطلسي”، وصّارت قريبة من دول “إفريقيا”.

نهاية التدخلات الكبيرة..

وقال الأستاذ في جامعة “الأخوين” في المغرب؛ “جليل لوناس”، إن خروج العسكريين مؤشر على: “فشل، هو نهاية الانخراط الفرنسي في الساحل”، مضيفًا أن: “هذه نهاية التدخلات الكبيرة”.

وقال الباحث في المعهد الألماني للعلاقات الدولية والأمن؛ “دينيس تول”، لوكالة (فرانس برس)، إنه بالنسّبة للأوروبيين، فإن: “الانخراط العسكري يُختصر بالتعاون العسكري والأمني، مرورًا بالتجهيزات والتدريبات.. إلخ”.

روسيا” حاضرة..

وتساءل الخبير: “هل يُريد الأوروبيون وهل يرغبون في إقامة علاقات مع الأنظمة (العسكرية) القائمة ؟.. لا إجماع على ذلك”.

أما بالنسبة لـ”الولايات المتحدة” فالمهام التي تمّ تأديتها على مدى الأعوام الماضية ستكون موضع مراجعة.

توقيع اتفاق “روسي-نيجيري”..

وأوضح الباحث أن: “غالبية الجهود الأميركية في النيجر؛ كانت لدعم ما تقوم به فرنسا”.

ومن منظور قانوني لا يمكن لـ”واشنطن” التعاون أمنيًا مع أنظمة عسكرية، وفي حين لم تتخذ بعد قرارًا بإغلاق قاعدة الطائرات المُسيّرة العائدة لها في “النيجر”، وسّحب جنودها: الـ (1500) المنتشرين فيها، فإن: “الفائدة من هذه المساعدة ستكون ضعيفة؛ ولن تكون في أية حال من الأحوال بدلاً لتلك التي كانت تقدّمها فرنسا”.

وفي ظل ذلك ستُصبح “روسيا” الطرف الخارجي الوحيد، إذ إن مجموعة (فاغنر) الموجودة في “مالي” باتت هدفًا لعمليات من المجموعات الإرهابية.

وتُجري (فاغنر) بدورها عملية إعادة هيكلة منذ تمرّدها الفاشل على القيادة العسكرية بـ”موسكو”؛ في حزيران/يونيو الماضي، ومقتل زعيمها؛ “يفغيني بريغوجين”، في تحطم طائرة قرب العاصمة الروسية بعدها بأشهر.

وتُحافظ “روسيا” على وجودها الميداني في “إفريقيا”، ويوجد عشرات المدرّبين العسكريين الروس في العاصمة البوركينية؛ “واغادوغو”، على الرُغم من أن السلطات لا تؤكد ذلك رسّميًا، كذلك تمّ مؤخرًا توقيع اتفاق شراكة “روسي-نيجيري” لم تكشف تفاصيله.

لكن خبراء يستبعدون أن تتمكن: “(فاغنر)، مع بضع مئات من الرجال، من التأثير ما لم تقم الجيوش المحلية” بدور أساس.

مستقبل المنطقة متوقف على المفاوضات..

“جليل لوناس”؛ عاد ليقول إن مستقبل المنطقة سيتحدد بناءً على المواجهة بين تنظيمي (القاعدة) و(داعش) من جهة، والأنظمة العسكرية التي أعلنت في أيلول/سبتمبر الماضي؛ تشّكيل: “تحالف دول الساحل”، متعهدة من خلاله مكافحة الإرهاب والإيفاء: بـ”واجب المساعدة والإغاثة” ضد أي اعتداء.

وأبدى مدير مشروع الساحل في (مجموعة الأزمات الدولية)؛ “جان-إيرفيه جيزيكيل”، خشيته من إغفال الجوانب السياسية في عملية مكافحة الإرهابيين بالساحل.

وأشار إلى أن أنظمة المنطقة: “تستثمر كثيرًا في الردّ العسكري؛ (على هذا التهديد)، هذه كانت المشكلة على مدى العقود الماضية، وتزداد حدّة” حاليًا.

ويمكن للمفاوضات مع الإرهابيين أن تنُتج بإرقة أمل، وهو ما كان غير ممكن مع الغربيين.

وأشار الباحث في؛ (14 نورث ستراتيغيز)؛ “مايكل شوركين”، إلى أنه خلف الخطاب الصارم للأنظمة: “يتم عمليا ملاحظة بعض الانفتاح هناك وهناك، بشكل غير رسّمي”.

وأضاف أنه في حال: “اقتنعت الأنظمة بأن الحوار قد يكون وسيلة مكمّلة ستكون في حوزتها أوراق” للمناورة.

وشّدد على أنه إضافة لمبادرات وطنية ومحلية: “يمكن توقع مفاوضات مشتركة مع الدول الأعضاء في تحالف الساحل. لكن ما زلنا بعيدين جدًا عن ذلك”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة