وكالات – كتابات :
رغم أن إعلان “واشنطن” الانسحاب من “أفغانستان” يُلح عليه كثير من الأميركيين منذ سنوات، إلا أن اتخاذ القرار فجأة، وتنفيذه في 4 شهور فقط؛ يُربك حسابات كثيرة داخل “أميركا” و”أفغانستان” معًا.
ورأى عدد من الخبراء، في القرار؛ مستقبلاً غامضًا ومُربكًا لـ”أميركا” و”أفغانستان”؛ يُنذر بتفاقم الإرهاب، فيما رأى آخرون أنه قرار: “عقلاني”؛ يضع حد للتكاليف المروعة في الأرواح والأموال.
تخوف الاستخبارات الأميركية..
وكان الرئيس الأميركي، “جو بايدن”، قد أعلن الأسبوع الماضي؛ أن: “القوات الأميركية، وكذلك القوات التي ينشرها حلفاؤنا في حلف شمال الأطلسي، (ناتو)، وشركاؤنا في العمليات ستكون خارج أفغانستان قبل أن نحيي الذكرى العشرين لهذا الهجوم الشنيع، في 11 أيلول/سبتمبر”.
وأبدت وزيرة الدفاع الألمانية، “أنغريت كرامب كارنباور”، تأييدها في حديث مع القناة الألمانية الأولى، (ARD)، قبيل اجتماع لوزراء الدفاع والخارجية لدول الـ (ناتو)، قائلة: “قلنا دائمًا: ندخل معًا (مع الأميركيين) ونخرج معًا”.
لكن هذه الخطوة المفاجئة أثارت مخاوف من انتشار الفوضى في “أفغانستان”؛ فبحسب تقرير المخابرات الأميركية؛ فإن الحكومة الأفغانية: “ستكافح” حتى يكون بمقدورها الثبات في مواجهة حركة (طالبان): “الواثقة من نفسها”.
وفي شباط/فبراير 2020، وقَّع الرئيس الأميركي السابق، “دونالد ترامب”، اتفاق سلام وصف: بـ”التاريخي”، بين “واشنطن” و(طالبان)، بعد 18 شهرًا من المحادثات، ومما نص عليه الاتفاق: “عدم استخدام الأراضي الأفغانية، من قِبل أي جماعة مسلحة أو عسكرية، لتهدد أمن الولايات المتحدة أو حلفائها، والإعلان عن خريطة طريق لانسحاب جميع القوات الأميركية، وقوات حلف الـ (ناتو)، من “أفغانستان”.
حسابات أخرى لإدارة “بايدن”..
ويبدو أن “وزارة الدفاع” الأميركية، (البنتاغون)، لديها حساباتها فيما يخص أمد وطريقة الانسحاب، ففي شباط/فبراير الماضي، قال وزير الدفاع الأميركي، “لويد أوستن”، في مؤتمر صحافي، بمبنى “وزارة الدفاع”، بـ”واشنطن”، عقب اجتماع وزراء دفاع الـ (ناتو)؛ إن: “الولايات المتحدة تجري مراجعة شاملة للوضع في أفغانستان، بما في ذلك عواقب الخطوات التي سنتخذها مستقبلاً، بالتزامن مع أعمال العنف المنتشرة في أرجاء البلاد”.
وهنا شدد على أن القوات الأميركية: “لن تنسحب من البلاد على عجل أو بطريقة تُعرض القوات للخطر وتؤدي إلى تشويه سمعة الـ (ناتو)”.
ولذلك، أوضح وزير الخارجية الأميركي، “آنتوني بلينكن”، أن إدارة “بايدن”: “تواصل مراجعة نهجها إزاء أفغانستان، وجميع الخيارات مطروحة بالنسبة إليها حاليًا”، مضيفًا: “ندرس انسحاب جميع قواتنا، حتى أيار/مايو 2021، كما ندرس خيارات أخرى”.
واعتبر “بلينكن”؛ أن الانسحاب الشامل من “أفغانستان”؛ قد تكون له تداعيات خطيرة، فقال: “قد يصبح الوضع الأمني أسوأ، وتستولي حركة (طالبان) على أراض بشكل سريع بعد الانسحاب الأميركي المحتمل”.
شبح السيناريو العراقي..
وبحسب “جاسم محمد”، مدير المركز “الأوروبي” لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، فإن القرار الأميركي، بالانسحاب من “أفغانستان”؛ جاء: “مستعجلاً ومباغتًا”، بالرغم من وجود نوايا سابقة بهذا الشأن.
وأوضح؛ أن: “الإعلان الأخير، بهذه الصيغة غير المشروطة والشاملة، في وقت تشهد فيه البلاد نزاعات وخلافات سياسية محتدمة بين الحكومة؛ بزعامة أشرف غني، و(طالبان)، التي ما تزال ترغب في الوصول للسلطة، سوف يُحدث فراغًا أمنيًا هائلاً، يترتب عليه عدة نتائج، من بينها الفوضى والإنفلات الأمني، وصعود جديد لـ (طالبان)، في واجهة المشهد السياسي للتحكم بمفاصله، فضلاً عن التمهيد لظهور قوي لجماعات متطرفة أخرى؛ مثل تنظيم (داعش)”.
ويرى المركز “الأوروبي” لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، أن ثمة انعكاسات لهذه الخطوة على دول إقليمية سوف: “تنفتح شهيتها للتدخل في الشأن الداخلي الأفغاني، مثل: إيران والصين والهند وباكستان، مدعومة بأطراف محلية، لا سيما في ظل تنامي التناحر بين القوى السياسية والمتوقع أن يتضاعف في فترة ما بعد الانسحاب، ما يذكرنا بالمشهد العراقي والفوضى السياسية والأمنية التي وقع تحت وطأتها، عام 2011، بعد قرار أميركي مماثل بالانسحاب”.
الخروج من المستنقع “الأفغاني”..
أما “سعود الشرفات”، الباحث المتخصص في شؤون الإرهاب، فينظر لأهمية القرار الأميركي من ناحية أخرى، وهي أنه يعكس رغبة في إنهاء أطول حرب خاضتها “أميركا” بالخارج، والتي سميت: بـ”فيتنام الثانية”، كما أنها كبدت “الولايات المتحدة” خسائر عديدة.
وأمتدت هذه الحرب، 20 سنة متواصلة، منذ الغزو الأميركي، لـ”أفغانستان”، في سنة 2001.
ويشير “الشرفات”؛ إلى أن إعلان “بايدن” جاء بالتزامن مع صدور دراسة أميركية عن جامعة “براون”، تقول إن: “الحرب المستمرة، منذ عقدين، في أفغانستان؛ أسفرت عن مقتل 241 ألف شخص، من بينهم أميركيون، وكلفت الولايات المتحدة: 2.26 تريليون دولار، حتى الآن”.
كما أن: “مشروع تكاليف الحرب”، المنشور في الدراسة الصادرة عن معهد “واتسون”، التابع لجامعة “براون” ومركز “باردي”، في جامعة “بوسطن”، يُشير إلى أن التكلفة المالية تشمل العمليات الأفغانية والعمليات في “باكستان” المجاورة، ويُقدر مشروع تكاليف الحرب أيضًا: بـ”241 ألف شخص لقوا حتفهم كنتيجة مباشرة لهذه الحرب، وهذا يشمل ما لا يقل عن: 71344 مدنيًا، و2442 من أفراد الخدمة الأميركية، و78314 من الجيش والشرطة الأفغانيين، و84191 من مقاتلي المعارضة”.
هذه التكاليف؛ جعلت خبراء آخرون يرون مزايا في الانسحاب الأميركي، ولو كان مفاجئًا أو في مدة قصيرة، منهم “كاثرين لوتز”، المديرة المشاركة في مشروع لتكاليف الحرب والأستاذة بجامعة “براون”، التي قالت إن: “إنهاء الحرب في أسرع وقت ممكن؛ هو الشيء العقلاني والإنساني الوحيد الذي يجب القيام به؛ إذ أن تكاليف حرب أفغانستان تسببت في ملايين اللاجئين والمشردين، وكذا الخسائر في أرواح المقاتلين وغير المقاتلين، ناهيك عن الحاجة إلى رعاية قدامى المحاربين الأميركيين”.