17 أغسطس، 2025 11:31 ص

الاندبيندنت: الحرب الأهلية في سوريا تتسرب للعراق ‏

الاندبيندنت: الحرب الأهلية في سوريا تتسرب للعراق ‏

ينظر الرأي العام إلى الولايات المتحدة و بريطانيا اليوم كدولتين غازيتين وليستا محررتين. دعمهما ‏الحالي لمقاتلي القاعدة في سوريا وإدانتهما للقاعدة في العراق، قد زادا من حرارة الحمى السياسية. 
الحرب الأهلية السورية تتسرب إلى العراق حاملة معها مخاطر عنف جديد، حيث قتل ثمانية واربعون ‏جندياً سورياً وتسعة عراقيين خلال الأسبوع الماضي على يد مقاتلي القاعدة في كمين نصبوه لهم في ‏محافظة الأنبار. 
كان الجنود السوريون على أرض عراقية بعد هروبهم عبر الحدود من معركة مع الثوار السوريين ‏شمال سوريا. تمت مهاجمتهم في طريق عودتهم إلى بلدهم. وأدى مقتلهم إلى انتشار مخاوف بين ‏العراقيين من تجدد حرب أهلية داخل بلدهم كانت قد ماتت قبل خمس سنوات. وفي هذا السياق يقول ‏هادي العامري، وزير النقل العراقي، المسؤول السابق لقوات بدر المسلحة، إن ” نقل المال والسلاح ‏إلى سوريا من قطر وتركيا هو بمثابة إعلان حرب ضد العراق. إذا ما قمنا (الشيعة) بتشكيل مليشيات ‏وقاموا هم (السنة) أيضاً بذلك فالعراق سيضيع”. 
ربما يكون الأوان قد فات، فالقادة العراقيون من مختلف الأطياف متوترون ويخشون من أن انتقال ‏الحرب الأهلية الطائفية من سوريا إلى العراق وبقية المنطقة قد صار حتمياً. 
وقال سياسي عراقي رفيع “الفقرة التالية في الأجندة هي الصراع الشيعي – السني. كنا نعتقد أن لبنان ‏هو أول من سيتأثر بالأحداث في سوريا، لكن في الحقيقة إن العراق هو الذي سيتأثر أولا. والوسيلة ‏الوحيدة للحفاظ على استقرار العراق هي إطفاء الحريق في سوريا فورا”. 
العراقيون يسخرون من دوافع الولايات المتحدة و بريطانيا في إدانتهما لمقاتلي القاعدة في العراق، لكن ‏نفس هؤلاء المقاتلين بمجرد عبورهم الحدود السورية يقاتلون الجيش النظامي السوري، فيتحولون إلى ‏مقاتلين في سبيل الحرية وقد يستفيدون من المساعدات الأميركية والبريطانية. 
ويمكن رسم نفس المتوازيات بين الأزمة السورية الحالية وأزمة العراق قبل عشر سنوات. فقد تلطخت ‏يد صدام بالدماء أكثر من بشار الأسد، مع ذلك فهما يتعرضان لنفس التشويه من قبل الحكومات ‏ووسائل الإعلام الغربية، وان مناقشة طرق إنهاء أو تعديل هذا الحكم تتعرض للاستهجان على أنها ‏تعاون مع الشر. 
كل الأمور السيئة التي جرت في العراق عام 2003 وفي سوريا في 2013 يقع اللوم فيها على سوء ‏الحكم، لذا فان أي تغيير يقوم به المعارضون لذلك يعدّ غير شرعي. الحملات الدعائية و الشعارات ‏تحل محل السياسة العقلانية و تمنع المفاوضات و الحلول الوسط. 
ففي سنوات التسعينات كان العراقيون الشرفاء يقولون إن الخلافات بين الشِيعة والسنّة والكُرد يغذيها ‏النظام وأنها ستتبخر بمجرد إسقاطه. وان نهج “القبعات السوداء” و”القبعات البيضاء” قد فتح الباب ‏واسعاً أمام الانتهازيين والمبتزين كي يستحوذوا على السلطة و المال في العراق الجديد. 
وبعد مرور عقد من الزمان على الاجتياح الأميركي و البريطاني، على كل مراقب للأفعال الأميركية ‏و البريطانية أن ينظر إلى حجم الخير والشر الذي جلبوه إلى العراق. فقد كانت الضغينة بين المؤيدين ‏للحرب ومعارضيها بحيث أن تاريخها يستخدم كوسيلة لإيقاع اللوم. والأهم في تقرير ما حدث بعد ذلك ‏هو أن الحملة العسكرية لإسقاط الحكومة العراقية قد بدأت يوم 19 آذار 2003 ، إلا أن الحرب ‏الاقتصادية ضد العراق بدأت قبل 13 سنة من ذلك وكانت لها نتائج مدمرة لشعبه. 
في الواقع أن الكارثة الأسوأ للشعب العراقي ككل قد حدثت قبل الاجتياح وليس بعده. فعقوبات الأمم ‏المتحدة ما بين 1990 و2003 كانت ترقى إلى حصار اقتصادي غير مسبوق بقساوته، تسبب في ‏تدمير الاقتصاد العراقي ودفع الملايين إلى الفقر، فأصحاب الوظائف الجيدة صاروا يبيعون أثاث ‏بيوتهم في الشوارع. 
وفي 1998 كشف مسح لليونيسيف إن ربع أطفال العراق دون سن الخامسة كانوا يعانون من سوء ‏التغذية، وان نصف مليون طفل ماتوا خلال الفترة من 1991 حتى 1998″. 
معاناة الشعب العراقي لم تضعف صدام حسين، الذي كان مسروراً وهو يبني قصورا عملاقة ومساجد ‏من أجل مجده الشخصي. وكانت الخدمات الصحية والتعليمية قريبة من الانهيار، وانقطعت الرواتب ‏عن المسؤولين فراحوا يعتمدون على الرشاوى، بينما لجأ الشباب العاطلون إلى الجريمة. كانت بغداد ‏آمنة، إلا انه بحلول 1994 بدأ سائقو سيارات الأجرة يحملون مسدسات ليستخدموها في حال تعرضهم ‏للسرقة. 
ويقول دينيس هاليداي، أحد كبار مسؤولي الأمم المتحدة في العراق والذي استقال احتجاجاً على ‏العقوبات، أن جيلا من العراقيين نشأ بوحشية منفتحا على معتقدات متعصبة. 
لم تقر الولايات المتحدة وبريطانيا بقساوة وظلم العقوبات، إلا أن الفوضى والعنف الذي اكتشفاه عندما ‏حاولا حكم العراق كانت لهما علاقة بالخراب الاقتصادي والاجتماعي الذي ألحقاه بالعراقيين. ورحب ‏الكثير من العراقيين بالاجتياح الأميركي لأنه أنهى العقوبات الدولية إضافة إلى الحكم الكارثي لصدام، ‏إلا أن مؤيدي ومعارضي الاجتياح لم يميزوا بين الاجتياح والاحتلال كما لو أن أميركا أو بريطانيا هي ‏التي ستحكم العراق بعد إسقاط صدام. 
وربما كان القصد من دمج حدثين مختلفين هو إعطاء دافع للاجتياح – إسقاط الدكتاتور – دون تفسير ‏وتبرير فرض حكم أجنبي على غرار المشاريع الامبريالية بداية القرنين التاسع عشر والعشرين. ولم ‏يهتم الاحتلال بجلب الخير للشعب العراقي، بل كان لصالح سعي واشنطن ولندن لمنع إيران من ملء ‏الفراغ السياسي في العراق بعد سقوط صدام. 
والحكم الامبريالي أو الدكتاتوري غالبا ما يعدّ ضرورياً لإعادة استتباب القانون والنظام، إلا أن ذلك ‏فشل في العراق. كما أن مجمل التسوية السياسية ما بعد صدام كانت غير شرعية في نظر العراقيين ‏على أنها مفروضة من قوى خارجية. 
وكانت الولايات المتحدة تريد تشجيع القومية العربية، لكنها قومية من نوع غريب حساس ومعادي ‏للنفوذ الإيراني لكنه متسامح مع السيطرة الأميركية. بالمقابل فان للكُرد تجربتهم الخاصة ولديهم ‏زعماء ماهرون، أما الزعماء من السنة والشيعة الذين ازدهر مستقبلهم فأنهم يتظاهرون بأنهم ‏متعاونون تماماً مع الولايات المتحدة وبريطانيا ، ولحد اليوم سمعتهم ملطخة في عيون العراقيين لهذا ‏السبب. 
وتعليقاً على ذلك يقول أحد شيوخ الفلوجة، المحتجين ضد رئيس الوزراء نوري المالكي، عن القادة ‏السياسيين من السنة والشيعة “أنهم جميعا مدينون للأميركان في تبوئهم للمناصب”. 
وأسهمت بريطانيا في الاجتياح بخمسة وأربعين ألف جندي، لكنهم لم يتركوا ما يتذكرهم به العراقيون. ‏ولازال أحد رموز الفشل البريطاني شاخصاً و يتمثل بقسم شرطة المجر الكبير شمال البصرة. إذ كانت ‏الجدران الخارجية للقسم ملطخة باللون الأسود من آثار النيران ومليئة بثقوب الرصاص، أما الداخل ‏فإنه متآكل والأرضية مغطاة بالزجاج المهشم والدماء الجافة. أما اليوم فقد تغير شكله الخارجي ‏والداخلي. 
ويقول احد القادة المحليين “يعتقد جميع العراقيين أن البريطانيين كانوا يريدون نزع السلاح عنا لأنهم ‏كانوا يريدون البقاء لفترة طويلة في البلاد”. 
بدورها المدن الشيعية جنوب العراق كانت أوضاعها جيدة في السنوات العشرة الماضية. و مثل الكرد ‏في إقليم كردستان الذين استفادوا من سكنهم في منطقة ذات أغلبية واحدة والوضع الأمني جيد برغم قلة ‏فرص العمل. فقد استفاد الشيعة من أحزابهم السائدة في الحكومة المركزية برغم عدم فاعليتها. أما ‏بغداد ووسط البلاد والمناطق السنية فان العنف أسوأ مما هو في المناطق الأخرى وان أية أزمة يمكن ‏أن تتفجر فيها .
ما مدى احتمال حدوث انفجار سياسي جديد في العراق ؟ كان هناك توازن قوى دموي لكن مستقر بين ‏المجتمعات ومسانديها من الخارج من 2008 حتى نهاية 2011 . ومنذ ذلك الحين ساعدت الحرب ‏الأهلية في سوريا، ورحيل الولايات المتحدة عن العراق، والصراع السني- الشيعي الإقليمي، والهجوم ‏الذي تقوده الولايات المتحدة على إيران، على زعزعة بلد منقسم مثل العراق. 
قادته متشائمون و يتوقعون إن تزداد الأمور سوءاً. ربما يكونوا على حق. لكن الأطراف العراقية لديها ‏الكثير لتخسره وتربحه من نوبة العنف الجديدة التي قد تدمر البلاد تماما. وحال الكرد أفضل من ‏غيرهم من العراقيين إلا أن ازدهارهم لن ينجو طويلا من حرب تدور على طول “خط الزناد” . 
أما السنة ، فبدلا من تحسين أوضاعهم، قد يتم إخراجهم أخيراً من بغداد. وسيضعف الشيعة بسبب ‏فشلهم في لم شمل العراق و يصبحون أكثر اعتماداً على إيران. جميع الأطراف لديها ما يكفي من القوة ‏للقتال، لكنها غير واثقة من النجاح. 
الحرارة السياسية ترتفع في العراق إلى مستويات خطيرة في منطقة هزتها التغييرات السياسية و ربما ‏لن يكون الانفجار بعيداً .‏

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة