خاص : كتبت – نشوى الحفني :
يوجه العالم أنظاره الآن إلى الحراك الشعبي العراقي الذي سرعان ما تحول لانتفاضة تتزايد رقعتها بشكل سريع يومًا بعد يوم، وتتزايد معها كلفتها، خاصة البشرية، حيث ترتفع أرقام الضحايا من قتلى وجرحى على يد الشرطة التي تتعامل معها بعنف، وهو الأمر الذي يجعلها تكبر بشكل طردي، فكلما زاد العنف زاد عدد المتظاهرين وارتفع سقف مطالبهم بل وأصبحوا ينظرون للأمر بصورة أكثر تحدٍ، وما زاد ذلك تعامل الحكومة العراقية معهم؛ خاصة بعد خطاب رئيس الوزراء العراقي، “عادل عبدالمهدي”، الذي لم يكن ملبيًا للطموحات، بل كان دون المستوى، حتى وصل الأمر إلى أن يُقابل بالمطالبة بالتنحية واتهامه بالفساد والعمالة لـ”إيران”.
الصحف الأجنبية والعربية أيضًا كان لها رأيًا فيما يدور في الداخل العراقي وعلاقته بالمؤثرات الخارجية، الأمر الذي جعل العديد منهم يضع رؤية تحليلية من وجهة نظره للأزمة.
نهبت أكثر من 450 مليار دولار..
فقد أوضح تقرير لمراسل الشؤون الدولية بصحيفة (الإندبندنت) البريطانية، “باتريك كوكبيرن”، أن الاحتجاجات التي واجهت ردًا شرسًا من السلطات إجتاحت “بغداد” وانتشرت، منذ الخميس، إلى المحافظات الجنوبية.
وسرعان ما تحولت المطالب من القضاء على الفساد، إلى إسقاط الحكومة بالكامل، وتشكيل أخرى لتسيير الأعمال.
وأشار التقرير إلى أن حجب “الإنترنت” لم يوقف الاحتجاجات، ولكنه دفعها لتصبح أكثر عشوائية وتركيزًا في المناطق البعيدة عن وسط “بغداد”.
لافتًا إلى أن المحتجين في منطقة “مدينة الصدر”، ذات الأغلبية الشيعية، هاجموا مكاتب البلدية وأشعلوا النيران في مقر حزب (الدعوة)، المقرب من “إيران”.
ونوه الكاتب بما قاله الأطباء حول إصابة نحو 600 شخص، يوم الخميس، وحده، كانت معظمها جراء الرصاص المطاطي الذي أُطلق على الرقبة والصدر.
وأكد “كوكبيرن”، أن الحكومة العراقية نهبت ما يصل إلى 450 مليار دولار، منذ إسقاط “الولايات المتحدة”، نظام “صدام حسين”، في غزو العراق عام 2003، مضيفًا أن سجل الحكومة الاتحادية حافلٍ بالفساد المالي والإداري.
لمواجهة الغضب الشعبي، أعلن “عادل عبدالمهدي”، رئيس الوزراء العراقي، فصل أكثر من 1000 موظف بمختلف الدرجات من العاملين في القطاع العام، بقضايا الفساد المالي، إلا أن تلك الخطوة، بحسب الكاتب البريطاني، لم تكن كافية لإخماد لهيب المحتجين.
يملك “العراق” ثروة نفطية ضخمة، تجلب للبلد 6.5 مليار دولار شهريًا، إلا أن الشعب نفسه لا يزال يعاني من البطالة، وتردي الأوضاع الاقتصادية، والإنقطاع المستمر للكهرباء والمياه، وفساد واسع في جميع النواحي، فضلًا عن تردي النظام الصحي والتعليمي.
من نقاط القوة أنه حراك بلا قيادة !
وتتمثل إحدى نقاط القوة في الحراك الحالي بـ”العراق”، أنه لا يوجد له قائد، فهو شبه تلقائي بالكامل، وذلك وفقًا لـ”كوكبيرن”، الذي أكد على أن ذلك لا يجعله خاليًا من المسؤولة في التحدث للشعب، حيث يمكنه إنتقاء قادة بين المتظاهرين للتحدث معهم حول المشاكل التي يعاني منها الشعب.
المعلّق العراقي، “هيوا عثمان”، قال لصحيفة (الإندبندنت): “كُنت بساحة التحرير أتحدّث مع المحتجّين، وهم يطالبون بالمطالب نفسها التي يطالب بها الناس منذ 2003.. مطالب محاربة الفساد والأحزاب السياسية ونظام الكوتا، (لمختلف الطوائف والمجموعات العرقية)، والإفتقار إلى التعليم والمخاوف الصحية والوظائف”.
وذكر التقرير أن معظم المحتجين بعمر العشرين أو دون ذلك، ما يعني أنهم لا يتذكرون الفترة قبل سقوط “صدام حسين” عام 2003، لافتًا إلى أنه ليست للانتفاضة قيادة واضحة، باستثناء المستوى المحلّي، ما يعني أن الحكومة ليس لديها من تتحدث معه، حتى وإن أرادت ذلك.
وبحسب التقرير؛ يبدو أن المحتجين يجدون دعمًا قويًا بين جميع قطاعات المجتمع من أحياء الطبقات الكادحة للشيعة، في شرق “بغداد”، إلى الأطباء والمهندسين الذين يبعثون برسائل الدعم.
لا تراجع من جانب الحكومة والمتظاهرين..
من جانبها؛ ذكرت وكالة (أسوشيتد برس) الأميركية أن قوات الأمن فتحت النار مباشرة على مئات المتظاهرين ضد الحكومة، يوم الجمعة، وسط “بغداد”، ما أسفر عن مقتل 17 محتجًا على الأقل وإصابة العشرات، وذلك بعد ساعات على تحذير رجل ديني شيعي بارز كلا الجانبين بضرورة إنهاء أربعة أيام من العنف “قبل فوات الأوان”.
وكشفت الوكالة أنه بسقوط هؤلاء القتلى أرتفع عدد من قُتلوا في الاشتباكات، خلال الاحتجاجات المستمرة، إلى 59، ومثل هذا تصعيدًا حادًا في استخدام القوة ضد محتجين غير مسلحين.
وترى أنه لا يبدو أن الحكومة أو المحتجين مستعدون للتراجع عن المظاهرات التي مثلت أخطر تحدٍ لـ”العراق”، منذ هزيمة تنظيم (داعش)، قبل عامين.
تدق ناقوس الخطر في واشنطن..
فيما قال الصحافي الأميركي الهندي، “بوبي غوش”، إن رد رئيس الوزراء العراقي، “عادل عبدالمهدي”، على أيام من الاحتجاجات الغاضبة؛ كان بإطلاق قواته الأمنية وفرض حظر تجوال ومحاولة حجب “الإنترنت”، وهي أوامر تقليدية لقائد فقد السيطرة على الوضع.
موضحًا – خلال مقال منشور عبر وكالة (بلومبرغ) الأميركية – أن قمع المحتجين لا يمكن أن يستمر، مشيرًا إلى أن “عبدالمهدي” سياسي ضعيف حصل على وظيفته بسبب عدم قدرة أي حزب على تشكيل تحالف، وحال استمرار العنف، فإن الأحزاب التي رأت فيه مرشحًا توافقيًا مفيدًا؛ ستنظر إليه مجددًا على أنه كبش فداء.
وأشار الصحافي الأميركي، خلال مقاله، إلى أن هذه التطورات ستدق ناقوس الخطر في “واشنطن”، إذ سيكون هناك قلق حيال أن يحل محل “مهدي” شخصية مؤيدة أكثر لـ”إيران”.
لكنه أكد أن أي محاولة من الإدارة الأميركية للتدخل ودعم رئيس الوزراء ستكون خطأ فادحًا، وأنه يجب عليها بدلًا من ذلك دفعه لإجراء الإصلاحات التي تسعى إليها المظاهرات.
دمية في يد طهران..
وفي تقرير تحليلي لصحيفة (واشنطن إكسامينر)، أكدت أن “إيران” تمكنت من السيطرة بشكل شبه كامل على “العراق”، في ظل حكومة أصبحت مثل الدمية في يد “طهران”، فضلًا عن انتشار الكثير من البيرقراطيين في البلاد.
وأوضحت الصحيفة الأميركية، أن “إيران” تريد أن تحول “العراق” إلى “لبنان” جديد، حيث تتمتع المصالح الإيرانية بالنصيب الأكبر في البلاد.
وكشفت عن الضعف الكبير في الحكومة الحالية، خاصة بعدما أقال “عبدالمهدي”، أعداد كبيرة في الحكومة بناءً على طلب من “إيران”.
مخطط أميركي لعمل انقلاب..
وعلى مستوى تناول الصحف العربية، علقت صحيفة (الأخبار) اللبنانية على المشهد العراقي؛ ولكن من زاوية مغايرة تمامًا، وقالت الصحيفة البيروتية، أن ما يدور في هذه الأيام، في “بغداد” والمحافظات الجنوبية، يبدو أقرب إلى ترجمة لمخطط أميركي لتوظيف مطالب المحتجين من خلال انقلاب أو حكومة إنقاذ.
وقالت مصادر للصحيفة اللبنانية أن الهدف في نهاية الأمر يكمن في إخماد الأزمة المفتعلة بخروج قائد عسكري محبوب جماهيريًا بالتعاون مع الأميركيين، ليتصدر المشهد ويكون قائدًا لحكومة إنقاذ، وبذلك تُعيد “الولايات المتحدة” إحكام قبضتها على “العراق”، مستندة على تهديد الحكومة الأميركية منذ شهور، أن ثمة مشروع سيقلب الدنيا على رأس “طهران”.
غضب عراقي على إيران..
أما صحيفة (العرب)، في مقال للكاتب، “سلام السعدي”، الذي ربط بين ما يجري من مظاهرات وتطورات سياسية في “العراق” من جهة؛ وبين “إيران” من جهة أخرى.
وقال “السعدي” إن التظاهرات الشعبية تتواصل في “العراق” ويتواصل معها ارتفاع أعداد القتلى في كل يوم وبصورة غير متوقعة.
وأعاد الكاتب دوافع استخدام السلطات العراقية للقوة المفرطة مع التظاهرات لعدة أسباب، منها مطالبة المتظاهرين بالتصدي للنفوذ الإيراني في البلاد، موضحًا أن التركيز على “إيران” جاء ليحل مشكلة طالما واجهتها التظاهرات العراقية في السابق، وهي غياب رمزية معينة يجري توجيه النقمة الشعبية والتظاهرات ضدّها.
مشيرًا الكاتب إلى أن اختيار “إيران”، كرمز للوضع البائس القائم، ومهاجمتها في التظاهرات يُعتبر أمرًا طبيعيًا، في ظل تصاعد النفوذ السياسي والاقتصادي لـ”إيران” على “العراق”، منذ الاحتلال الأميركي، فضلاً عن تعزيز “طهران” من هيمنتها على “العراق” بذريعة الحرب على (داعش)، الأمر الذي دفعها إلى إنشاء ميليشيات (الحشد الشعبي)، التي يتهمها الكثيرون اليوم بالمسؤولية عن العنف المفرط ضد المتظاهرين.
وتوقع الكاتب استمرار المظاهرات بلا توقف، مشيرًا إلى أن “عبدالمهدي” لا يبدو أنه قادرًا على إجراء الإصلاحات الموعودة، كما أنّه عاجز عن ضبط ميليشيات (الحشد الشعبي)، وهو ما عزز نظرة الشارع العراقي، للحكومة، كجهاز عديم السلطة وتابع للهيمنة الإيرانية ومهمته الوحيدة هي توزيع غنائم السلطة على الأطراف المشاركة، موضحًا أن “إيران” باتت أحد أسباب المشكلة العراقية.