“عيناه بنيتان ومطلوب لاختلاسه المال العام والاستفادة من منصبه كعضو في الجمعية الوطنية العراقية”، هذا هو الوصف الذي وضع لمشعان ركاض ضامن الجبوري في مذكرة إلقاء قبض صادرة بحقه عن الشرطة الدولية (الانتربول)، والتي تطلب أيضا من أي شخص يعرف بمكان وجوده الإبلاغ عنه فورا.
وربما ستكون الحكومة العراقية أكثر الجهات المعنية بطلب الانتربول الإبلاغ عن مكان وجود مشعان الجبوري الشخصية المثيرة للجدل، كما يؤكد سياسيون، خصوصا بعد أن تبنت عبر وسطائها منذ أكثر من سنة قضية إرجاع الجبوري من خارج البلاد بعد ان غادرها في العام 2006 على خلفية تهم بالفساد ودعم الإرهاب وجهت إليه من القضاء العراقي بناء على طلب رئيس الحكومة آنذاك والذي يرأس الحكومة الحالية.
فعضو الجمعية الوطنية السابق مشعان الجبوري الذي ظهر يوم الأحد (31 اذار 2013) في مؤتمر صحافي عقده بالعاصمة بغداد أصاب الكثير من المواطنين والمراقبين بالصدمة، أولا بظهوره العلني في العاصمة التي كان مطلوبا فيها على مدى سنين، وثانيا بإعلان ترشحه للانتخابات في محافظة صلاح الدين، وتاكيده أن كافة التهم الموجهة إليه والأحكام الصادرة غيابيا بحقه تم إسقاطها، مطلقا في أول إطلالة علنية له تأييده لانفصال الكرد عن العراق وتشكيل حكومة أغلبية سياسية في البلاد.
إعلان الجبوري عن إسقاط التهم عنه جاء من قبله فحسب، في حين لم يصدر أي شيء عن القضاء العراقي ولا حتى عن الحكومة، التي كانت أحاديث الجبوري من على شاشتي فضائيتيه (الزوراء، والرأي) تثيران أرقها على مدى سنين عدة خصوصا الافلام الوثائقية التي كانت تبثها وتعلم كيفية صنع العبوات الناسفة للمتمردين في العراق، أما الشرطة الدولية فموقعها على الانترنيت http://www.interpol.int/Wanted-Persons/%28wanted_id%29/2007-34170 يشير بوضوح إلى أن مشعان الجبوري لا يزال مطلوبا دوليا.
الشابندر: التهم اسقطت عن الجبوري قانونيا
لكن كبير مفاوضي رئيس الحكومة عزت الشابندر الذي يعتبر عراب ومهندس عودة الجبوري إلى العراق، يؤكد أن الجبوري تمكن “نفسه بنفسه” من إسقاط جميع التهم عنه عبر القضاء، ويؤكد أنه ”حتى رئيس الحكومة نوري المالكي لم يكن يعلم أي شيء عن الجبوري ولا يعرف حتى أنه داخل العراق!”.
ويقول الشابندر في حديث إلى (المدى برس) إن “المحكمة اسقطت الحكم الغيابي عن مشعان الجبوري خلال زيارته الأولى للعراق بموجب مادة في القانون العراقي تسقط الحكم الغيابي اذا اتى المتهم بنفسه”، مبينا أن “المحكمة اطلقت سراح الجبوري وقتها بكفالة لحين تحديد موعد جديد للمحاكمة”.
ويوضح الشابندر أن “الجبوري مثل مرتين أمام القضاء الأولى العام الماضي واسقط عنه الحكم الغيابي تلقائيا ومن ثم تم تعيين موعد جديد لمحاكمته في أيار 2013، واطلق سراحه بكفالة لكن بعض العراقيين الوطنيين طعنوا بالكفالة في هذه الفترة ونجحوا”، لافتا الى أن “الجبوري ميز بالطعن وربح القضية قبل شهر”.
وظهر مشعان الجبوري في مطلع العام 2012 كسياسي قريب من رئيس الحكومة نوري المالكي وهو ظهور أصاب مراقبين عديدين بالذهول لأنه توجه يناقض ما كان الجبوري يبشر به خلال السنوات التي سبقت هذا الظهور، ويقول مراقبون إن المالكي استطاع استقطاب الجبوري للوقوف بوجه مشروع إقليم صلاح الدين الذي كانت المحافظة تهدد بإقامته احتجاجا على سياسة الحكومة المركزية، ويؤكد هؤلاء أنه كان للجبوري دور كبير في الإطاحة بهذا المشروع.
ويشدد الشابندر على أن إسقاط التهم عن الجبوري لم يتم بصفقة سياسية، ويؤكد أن “رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي ليس له علم بقضية الجبوري ولا يعرف أنه خارج او داخل العراق”، مشيرا الى أن “مشعان الجبوري عالج قضيته مع القضاء بنفسه بنسبة مئة في المئة”.
ويلفت كبير مستشاري المالكي إلى أن “الجبوري عاد الى العراق قبل أيام مكفولا وليس مطلوبا لأي جهة”، ويبين أنه “تمت أيضا تبرئته من القضية الثانية المرفوعة بحقه بشأن دعمه للإرهاب والتي صدر على اثرها امر قضائي باعتقاله”.
ويؤكد عزت الشابندر أن “مشعان الجبوري اثبت للقاضي أنه ليس داعما للإرهاب وتم اطلاق سراحه بكفالة”، مبينا أن “أي عراقي يقول أنه تعرض للضرر من قبل مشعان الجبوري من حقه تقديم شكوى عليه لأنه موجود في العراق وهو مكفول”.
المفوضية: ساحة الجبوري خالية
ولا يبدو إعلان الجبوري خوض الانتخابات مجرد ادعاء، فهو يحمل الرقم (1) في قائمة (الانصاف) التي يتزعمها في محافظة صلاح الدين ولديه 58 مرشحا من بينهم اساتذة جامعات وشيوخ عشائر وهو متحالف فيها مع عضو مجلس النواب علي الصجري.
ويقول مدير مفوضية صلاح الدين حاتم هذال عبد الحميد في حديث إلى (المدى برس) إن “مشعان الجبوري هو مرشح للانتخابات المحلية المؤمل إجراؤها في 20 نيسان المقبل وهو المرشح رقم واحد في القائمة التي يرأسها في المحافظة”.
ويضيف عبد الحميد أن “الجبوري قد عالج موضوع التهم المنسوبة إليه عبر القضاء وأرسل للمفوضية كتبا بذلك تخلي ساحته القانونية”، لكنه يلفت إلى أنه لم يطلع على تلك الكتب، ويوضح أن “هذه الكتب أرسلت إلى المفوضية – المقر العام في بغداد ولم ترسل إلى صلاح الدين”.
ويؤكد عبد الحميد أنه “وفقا لقانون المفوضية فإن أي مرشح حتى ولو كان متهما ومطلق سراحه بكفالة يحق له الترشح للانتخابات ما لم يكن هناك حكم قضائي نافذ بحقه”، ويبين أنه في حالة “الجبوري فإن وضعه قانوني، لأن القضاء الغى الحكم القضائي السابق بحقه ويقوم بإعادة محاكمته حاليا وهو طليق بكفالة ومعناه أن لا حكما نافذا بحقه”.
من جانبه، يقول مدير الدائرة الانتخابية في المفوضية مقداد الشريفي في حديث الى (المدى برس) إن ”المفوضية جهة تنفيذية ولا تنظر في القضايا ولا تستلم ملفات من القضاء”، مبينا أن “أحد موانع أهلية المرشح واستبعاده هو ان يكون محكوما بقضية مخله بالشرف او عليه قيد جنائي”.
ويضيف الشريفي ان “المفوضية تتعامل مع قضايا محسومة ومصادق عليها من قبل القضاء بغض النظر عن الاسماء”، مبينا أن “المفوضية لا تتدخل في قضية مذكرة اعتقال صادرة بحق شخص أو تحري لأن المتهم بريء حتى تثبت ادانته”.
وسبق للجبوري أن اعلن في (22 اذار من العام 2012) في تصريحات صحفية من سوريا التي كان يقيم فيها الغاء الاحكام السابقة الصادرة بحقه من قبل القضاء العراقي واكد انه ذهب بنفسه الى بغداد، من دون يحدد وقت للزيارة، وسلم نفسه طوعا الى محكمة الجنايات المركزية، لافتا الى أنه تمكن من الدفاع عن نفسه والغاء جميع الاحكام الصادرة بحقه خصوصا عقوبة سجنه لخمسة عشر عام ومجموعة اخرى من التهم التي كانت موجهة ضده، ورفع الحجز عن ممتلكاته في العراق.
وكان القضاء العراقي اصدر احكاما بحق الجبوري لمدة 15 سنة تتعلق بالفساد الاداري اثر اتهامه بالاستيلاء على مبالغ إطعام أفواج حماية المنشآت النفطية التابعة لوزارة الدفاع منذ خلال عامي 2004و2005، وتأسيسه شركة وهمية للأطعمة.
وقرر مجلس النواب العراقي الغاء عضوية الجبوري في الدورة الاولى لمجلس النواب العراقي في شهر ايلول من عام 2007 بسبب عرض قناته الزوراء التي اسسها في عام 2005 لمشاهد تظهر العمليات العسكرية التي تقوم بها الجماعات المسلحة ضد القوات الامريكية والعراقية وتمجيدها للرئيس السابق صدام حسين.
وبعد مغادرة الجبوري للعراق في العام 2006 اسس قناة الرأي واستمرت القناة في نهج قناة الملغاة الزوراء المساند للجماعات المسلحة في العراق وتاييدها فيما بعد للتظاهرات في العراق قبل ان تقوم في عام 2011 بمساندة نظام العقيد معمر القذافي قبل سقوطه واتهامه للثوار الليبيين بالعملاء، وفي شهر كانون الاول من العام نفسه قررت الحكومة السورية اغلاق القناة بشكل نهائي، ليخرج بعدها الجبوري بمواقف مؤيدة للحكومة العراقية خصوصا في رفضها لتشكيل الاقاليم خصوصا في محافظة صلاح الدين من خلال تأسيس قناة جديدة باسم الشعب تؤيد كل توجهات الحكومة العراقية.
استغراب سياسي وعدم معرفة من دولة القانون
ووسط استغراب شديد تبديه الكتل السياسية من قضية اسقاط التهم بحق الجبوري وتشكيك بصحة آليه اسقاطها، يظهر ائتلاف دولة القانون الذي يتبع له النائب عزت الشابندر ليؤكد أن لا علم له بأي شيء يتعلق بالجبوري وكيفية اسقاط التهم عنه.
ويقول القيادي في دولة القانون عباس البياتي في حديث إلى (المدى برس) ان “مشعان الجبوري لا ينتمي إلى دولة القانون وهو ليس جزءا منها”، ويضيف “أما مسألة تبرئته من القضاء فهي مسألة قضائية ولا اعرف شيئا عنها أيضا”.
من جهته، يكشف النائب عن كتلة المواطن عزيز العكيلي في حديث إلى (المدى برس) عن “وجود وساطة تمت من قبل بأحد الاشخاص المقربين من رئيس الوزراء من أجل دخول مشعان الجبوري إلى العراق ومواجهة القضاء وتبرئته”، ويشدد على أن “هذا الأمر مستغرب جدا وتبرئته تثير استغرابا أكثر”.
ويؤكد العكيلي أنه لا علم له بكيفية تبرئة الجبوري من قبل القضاء، ويستدرك متخوفا “لكني أعلم جيدا أن مشعان الجبوري يمكن أن يكون عضوا في مجلس المحافظة أو ربما مجلس النواب اذا رشح نفسه لذلك”، ويعلق بالقول “هذه المسألة تمت تسويتها سياسيا وهذا كثيرا ما يحدث بالعراق، خصوصا الذين يكونون قريبين من الحكومة ويطيعون السلطة يتم التجاوز عن تهمهم كما حدث مع الكثير من البعثيين ذوي التاريخ الاسود”.
أما القيادي الكردي محمود عثمان فيؤكد أن “القضاء العراقي مسيس، ويوضح “المذكرات القضائية تلغى عندما تؤيد جهة معينة وهذه الجهة تبرزها لك عندما تعارضها”، ويضيف عثمان في حديث إلى (المدى برس) “القضاء مسيس وغير مستقل ونتوقع منه كل شيء”.