خاص : ترجمة – محمد بناية :
من المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية الأفغانية، (بعد تأخير دام ثلاث سنوات)، في تشرين أول/أكتوبر المقبل. في حين تحتل المفاوضات الأميركية مع “طالبان” صدارة الأعمال والتطورات الأفغانية.
لكن حقيقة؛ إلى أي مدى قد تتأثر الانتخابات المقبلة بهذه المفاوضات ؟.. وأين ستتجه الانتخابات البرلمانية الأفغانية حال فشل ملف المفاوضات ؟.. وكيف سيكون وضع الأحزاب والكيانات السياسية لدى الجماهير الأفغانية ؟..
يبحث موقع (الدبلوماسية الإيرانية)؛ عن إجابات لتلكم الأسئلة في حواره مع أول مستشار ثقافي للخارجية الإيرانية في “وزارة المعارف” الأفغانية، الدكتور “عبدالمحمد طاهري”، الخبير في شؤون غرب آسيا ومحلل الحوزة “الأفغانية-الباكستانية”…
لا انتخابات حقيقية إلا بالتفاوض مع “طالبان”..
“الدبلوماسية الإيرانية” : بالنظر إلى أننا على مشارف إجراء الانتخابات البرلمانية الأفغانية.. إلى أي مدى قد تؤثر مسألة المباحثات مع “طالبان” على الانتخابات ؟
“عبدالمحمد طاهري” : أميركا وصلت إلى قناعة بإستحالة السيطرة على التطورات الأفغانية دون مراعاة “طالبان”. والأوضاع المعقدة بـ”أفغانستان” حاليًا تسبب في عجز السياسات الداخلية عن التقدم دون حل هذه المشكلة.
وطالما لا يمكن التفكير بشأن “طالبان” وباقي الجماعات المسلحة الأفغانية، وغير الأفغانية، على الأراضي الأفغانية، ربما يثير التساؤلات بشأن العملية الانتخابية. وحاليًا تفقد الحكومة المركزية في “أفغانستان” السيطرة على ثلث الدولة. والعجز غير المسبوق للسلطة المركزية تسبب إثارة التساؤلات حتى في شرعية هذه الانتخابات جراء عدم مشاركة ثلث “أفغانستان” في العملية الانتخابية.
وأحد الأسباب الرئيسة للمفاوضات مع “طالبان” هو توصيل مسألة الانتخابات البرلمانية والرئاسية إلى النهاية، و”طالبان” تعي هذا الواقع جيدًا. لذا تريد المزيد من الإمتيازات. والتشتت الحالي بشمال “أفغانستان”، وكذلك عودة “عبدالرشيد دوستم” وميله إلى “تركيا” قد يزيد المسائل تعقيدًا. لذا فالمفاوضات مع “طالبان” هو مخطط للتهدئة المؤقتة لإجراء الانتخابات.
أميركا لن تسمح بعودة “قرضاي”..
“الدبلوماسية الإيرانية” : حال استمرار فشل مسار حكومة الوحدة الوطنية.. تبدو إمكانية الرهان على عودة “حامد قرضاي” في الانتخابات المقبلة ؟
“عبدالمحمد طاهري” : بالنظر إلى معرفتي القريبة بالسيد “حامد قرضاي”، وقد كان سياسي محنك وكان يبحث بوعي سياسي عالي عن حلول جذرية للمشكلات الأفغانية. كانت مشكلة “قرضاي” الرئيسة مع “الولايات المتحدة الأميركية”. ومشكلته مع “أميركا” هي ما سوف تمنعه من المشاركة مجددًا. ولا يمكن طالما لم تُحل هذه المشكلة التعويل على عودة “قرضاي” إلى المشهد السياسي الأفغاني.
من جهة أخرى يتمتع “قرضاي” بعلاقات جيدة جدًا مع جيرانه. ففي عهد كانت علاقات “كابل-طهران” إيجابية جدًا رغم الوجود الأميركي. كانت حكومة “قرضاي” تتبنى هذه الرؤية. ورغم إنتهاء سنوات حكم حكومة “الوحدة الوطنية”؛ لا توجد حتى الآن أي مؤشرات إيجابية على هذه المشاكل.
التاريخ الجهادي لـ”قرضاي” يحول دون تقاربه لروسيا..
“الدبلوماسية الإيرانية” : مع الأخذ في الاعتبار لاختلاف وجهات نظر “قرضاي” مع “أميركا”.. فقد تابعنا لقاء “قرضاي” مع المسؤولين الروس. هذا اللقاء يعكس ميول “قرضاي” إلى المعسكر الشرقي.. هل في ظل الظرف التاريخي للشعب الأفغاني يتقبل “قرضاي” مخاطرة الدعم الروسي ؟
“عبدالمحمد طاهري” : رغم الاختلاف الشديد بين الملفين السوري والأفغاني بالنسبة للدولة الروسية، إلا أن “موسكو” تهدف مؤخرًا إلى تكرار نجاحها بـ”أفغانستان”. نجاح على غرار “الملف السوري”.
لذا وفي ضوء هذه المسألة تسعى إلى تصعيد القوى السياسية الموالية بهدف تكوين سلطة إقليمية مركزية روسية. لكن يبدو مستبعدًا حتى الآن أن يكون “قرضاي” جزءً من هذه القوى، لأن له سابقة مشاركة ضمن “قوات المجاهدين” والمناضلين ضد الاتحاد السوفياتي. كذلك فقد قُتل والده في هذه الحروب. لذا من المستبعد تقارب روسيا مع “قرضاي”.
الشعب لا يثق في المعارضة..
“الدبلوماسية الإيرانية” : ما هو رأيكم بالنسبة للمعارضة الأفغانية التي طالت حتى وزير الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية ؟
“عبدالمحمد طاهري” : يفتقر جميع السياسيين وعدد من القلة القليلة من التكنوقرات الأفغان، الذي يسيطرون على الاستثمارات في هذا البلد، إلى القوة والنفوذ بين الشعب. وبالتالي لا يؤمن الشعب الأفغاني في المعارضة. لكن محتمل أن يبحث الشعب عن شخصيات بديلة خارج المعارضة والحكومة.
“الدبلوماسية الإيرانية” : من منظوركم من ستشمل هذه الشخصيات ؟
“عبدالمحمد طاهري” : نسبيًا يمكن بنظرة بسيطة أنها أشتملت على رجال “يونس” القانونية في “پنغشیر”. وبلا شك يمكن أن يكون جزء من رجال “حامد قرضاي” محل آمال قطاع من المجتمع الأفغاني. ولا يجب نسيان أنه لا يمكن للشخصيات المدعومة بشكل مباشر من الأحزاب أو المعارضة أن تمتلك شعبية بين الشعب استعدادًا للانتخابات البرلمانية أو حتى الرئاسية.
لأن هذه الشخصيات إرتبطت بالفساد والفشل وعدم الجدارة ولا يمكن أن تشارك مجددًا في مستقبل “أفغانستان”.
بينما لا الوضع الأمني ولا الاقتصادي والمعيشي للشعب الأفغاني سيء والأوضاع الراهنة أسوأ بمراحل من السنوات السابقة. لذا فأي تيار وحزب يريد الإمساك بالمستقبل السياسي الأفغاني فإنه يتناول عملاً شديد الصعوبة. لأن المجتمع الأفغاني ملتهب بشدة. لذا فالوصول إلى وفاق واتحاد كان أمرًا محالاً تقريبًا في أفغانستان، ما لم تتمكن الشخصيات الجديدة من خلق نشاط يترتب عليه التحفيز على المشاركة السياسية الفعالة.
الانتخابات أو الحرب..
“الدبلوماسية الإيرانية” : في الإلتهاب الذي تفضلتم بالإشارة إليه، هل سيتجه الشعب الأفغاني بإتجاه الحرب الأهلية ؟
“عبدالمحمد طاهري” : لا.. الشعب لن يقبل مجدداً بالحرب الأهلية، ما لم تُفرض عليه الحرب.
“الدبلوماسية الإيرانية” : لو تفشل المفاوضات مع “طالبان” هل يمكن أن نشهد فرض الحرب على أفغانستان ؟
“عبدالمحمد طاهري : البعض من “طالبان” كانا عاشقًا للسلطة؛ والغالبية التي كانت مع طيف “حكمتيار” تم إسيعابها حاليًا في “كابل”. لكن باقي فصائل “طالبان” المتطرفة لا تريد هذا النوع من التطبيع مع الحكومة الأفغانية على الأقل.
وفي حواري سابقًا، مع موقع (الدبلوماسية الإيرانية)، قلت إن الأوضاع بلغت مرحلة أن تقبل “طالبان” بالمفاوضات فقط مع “الولايات المتحدة الأميركية” وليس “حكومة الوحدة الوطنية”. لأن “طالبان” تعتبر الحكومة المركزية فاقدة للشرعية والقوة اللازمة.
لذا لو تفسل المفاوضات مع أميركا ربما يبدو أن الانتخابات البرلمانية المقبلة، وكذلك سلطة الحكومة المركزية، سوف تتعرض للخطر بشكل حقيقي. وحاليًا لم تعد المدن والمناطق الهامشية بأفغانستان محل تهديد، وإنما “كابل” نفسها ومقارها الأمنية تتعرض يوميًا لهجمات إرهابية من “طالبان” و(داعش)، لذا فإن خيار الحرب قد يبدو قريبًا رغم أن الشعب الأفغاني لا يريدها.
“الدبلوماسية الإيرانية” : إذًا هل يمكن أن نصف منذ الآن المفاوضات مع “طالبان” بالمشروع الفاشل ؟
“عبدالمحمد طاهري” : أنا شخصيًا لا أرى، على المدى القصير وحتى المتوسط، أي آفاق مضيئة للمفاوضات مع “طالبان” على مستقبل أفغانستان. لأن “طالبان” ليست جماعة يمكن الإجماع على التفاوض معها.. لذا أكرر من جديد أن “طالبان” تدرك هذا الموضوع، وهي تسعى للمزيد من توتير الأوضاع الأفغانية على مشارف الانتخابات حتى تستطيع الحصول على إمتيازات أكبر.