الاقتصاد التركي .. سر عبور “إردوغان” إلى السعودية !

الاقتصاد التركي .. سر عبور “إردوغان” إلى السعودية !

وكالات – كتابات :

أدى مقتل الكاتب الصحافي السعودي؛ “جمال خاشقجي”، على يد عملاء سعوديين داخل قنصلية المملكة في “إسطنبول”؛ عام 2018، إلى تحوُّل العلاقة المتوتِّرة والمزعزعة بالفعل بين “تركيا” و”السعودية” إلى إنهيارٍ كامل. وبعد نحو 04 أعوام، يبدو أن “تركيا” و”المملكة السعودية” تحاولان بناء جسرٍ والمُضيّ قُدُمًا في علاقاتهما. فما الذي يدفعهما لذلك ؟

تركيا والسعودية.. ماذا وراء التحوُّل الدبلوماسي الكبير في الشرق الأوسط ؟

في أول رحلةٍ له إلى “المملكة العربية السعودية”؛ منذ خمس سنوات، احتضن الرئيس التركي؛ “رجب طيب إردوغان”، وليّ العهد؛ الأمير “محمد بن سلمان”، واحتسى القهوة العربية التقليدية مع؛ الملك “سلمان”، قبل مأدبة عشاء رسمية ومحادثات مباشرة استمرت حتى الساعات الأولى من يوم الجمعة، 29 نيسان/إبريل، كما تذكر صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية.

وبحسب الصحيفة، فإن مكتب “إردوغان” لم يُصدر أيَّ إعلانٍ مُسبَّق عن الزيارة. وفي “مطار إسطنبول” قبل مغادرته، قال “إردوغان” للصحافيين؛ إن رحلته: “ستفتح الأبواب لعصر جديد من علاقاتنا”.

وقال: “يعيش حوالي: 40 ألف مواطن تركي في المملكة السعودية بأعمالٍ أنشأوها، ويُساهمون في الاقتصاد السعودي. بالنسبة لتركيا، تتمتع المملكة السعودية بمكانةٍ خاصة للتجارة والاستثمارات والمشاريع واسعة النطاق التي نفَّذها مطورونا لسنواتٍ عديدة بنجاح”.

يتزامن التوجُّه الدبلوماسي لـ”تركيا” مع أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد منذ عقدين. يمكن أن يُساعد وجود دول الخليج العربية الثرية كحلفاء في جذب الاستثمارات. وقد اتَّخذت “تركيا” خطواتٍ لتحسين العلاقات مع “مصر” و”إسرائيل”.

بعد إصلاح العلاقات مع “الإمارات”، أعلنت “أبوظبي” عن صندوقٍ بقيمة: 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في “تركيا”، واتَّخذت خطوات أخرى لدعم الاقتصاد.

بلغ معدل التضخم الرسمي في “تركيا”: 61%، بينما تراجعت قيمة “الليرة” نسبة: 44% مقابل “الدولار”؛ العام الماضي. لا تُبشِّر هذه النسب بالخير لـ”إردوغان”، خاصةً أنه من المُقرَّر عقد الانتخابات في “تركيا”؛ العام المقبل.

يقول دبلوماسيون ومحللون إن المساعي الدبلوماسية الحثيثة مطلوبة لمساعدة “تركيا” على تخفيف الضغوط الاقتصادية والسياسية، وقال دبلوماسي غربي لوكالة (رويترز) البريطانية: “إردوغان رجل عملي، وتحركه الدوافع السياسية، واستطلاعات الرأي قد لا تصمد لصالحه لعام ما لم يتمكن من دعم الوظائف”. وأضاف: “بالتالي هو يسعى جزئيًا لصفقات وتمويل في السعودية، وخط تبادل (عُملة) ربما بعشرة إلى: 20 مليار دولار قد يكون أمرًا يستحق العناء”.

في غضون ذلك، تتمتَّع “المملكة السعودية” بعامٍ اقتصادي مزدهر مع توقُّع ارتفاع احتياطياتها الأجنبية. ومن المُتوقَّع أن تُدر أسعار الطاقة المرتفعة على المملكة أكثر من: 400 مليار دولار من العائدات هذا العام. بمعنى آخر، لدى “المملكة السعودية” رأس مالٍ للاستثمار في “تركيا”.

ما مصلحة السعودية من التقارب مع تركيا الآن ؟

بالنسبة لـ”السعودية”، يأتي تغيير موقف “المملكة العربية السعودية”؛ في الوقت الذي تسعى فيه إلى توسيع تحالفاتها في وقت تتوتَّر فيه العلاقات بين “الرياض” و”واشنطن”.

لم يُجر وليّ العهد؛ حتى الآن، مكالمة مباشرة مع الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، منذ أن تولَّى منصبه قبل أكثر من عام. طالب عددٌ من المشرعين من الحزب (الديمقراطي)، الذي ينتمي إليه “بايدن”، علنًا بمزيدٍ من الصرامة مع “المملكة السعودية”. ووصفوا المملكة بأنها شريكٌ إستراتيجي سييء، لأنها تلتزم باتفاقٍ تقوده (أوبك) مع “روسيا”؛ يقول منتقدون؛ إنه أدى إلى تفاقم أزمة إمدادات “النفط” في ظلِّ الهجوم الروسي على “أوكرانيا”.

أصبح توقيت المصالحة أكثر منطقية الآن. أنهت “المملكة السعودية” حظرًا دام سنوات على “قطر”؛ بسبب دعمها لـ”جماعة الإخوان المسلمين” وجماعات المعارضة الأخرى. على الرغم من استعادة العلاقات بين “المملكة السعودية” و”قطر”، لم تُصلَح هذه العلاقات مع حليف “قطر” الراسخ – “تركيا” – حتى الآن.

من المُحتَمَل أن يكون الدافع الأقوى للمصالحة هو أن وليّ العهد يُريد وضع حد نهائي لفضيحة مقتل؛ “خاشقجي”، التي ألقت بظلالها عليه وعلى سمعته؛ على حد وصف (رويترز).

ظلَّ المستثمرون والسياسيون الغربيون البارزون بعيدين عن “الرياض” في أعقاب قتل “خاشقجي”، رغم أن بعضهم عاد منذ ذلك الحين للقيام بأعمالٍ تجارية مرةً أخرى في المملكة.

ما هي التداعيات الأوسع نطاقًا الآن لهذا التقارب ؟

تقول صحيفة (The Independent) البريطانية، إن “المملكة السعودية” و”الإمارات” أصبحتا أكثر قلقًا من “إيران”، التي تتَّجه ببطءٍ نحو اتفاقٍ نووي مع “الولايات المتحدة”؛ يمكن أن يرفع العقوبات الرئيسة من عليها.

تنافست “تركيا” و”إيران”، رغم أنهما ليستا خصمين، في “سوريا والعراق”، مع الحفاظ على علاقاتٍ اقتصادية وحدودٍ مشتركة. وقد يؤدي تحالف “تركيا” الوثيق؛ مع “السعودية” ودول الخليج، إلى زيادة الضغط على “إيران”.

ويمكن أن يؤدي الانفراج أيضًا إلى نزع فتيل التوترات في “ليبيا”، حيث اندلعت معارك بالوكالة بين “الإمارات” و”تركيا”. ويمكن أن يؤدي إلى مزيد من تبني نهج سياسي خارجي أكثر براغماتية من قبل دول الخليج العربية ويُساعد في تخفيف العزلة الدبلوماسية التي واجهتها “تركيا” عن بعض الدول الغربية.

ومع ذلك، من شبه المؤكد في النهاية أن انعدام الثقة سيظهر تحت السطح بين وليّ العهد السعودي و”إردوغان”، كما تقول الصحيفة البريطانية.

كيف كانت تركيا تضغط على وليّ العهد ؟

أثارت السلطات التركية موجة الغضب والشكوك العالمية الموجهة؛ للأمير “محمد بن سلمان”. ونشرت “تركيا” تسجيلاً صوتيًا لعملية القتل المروِّعة إلى وكالات الاستخبارات الغربية. وخلُصَت الاستخبارات الأميركية؛ في وقتٍ لاحق، إلى أن العملية لم تكن لتحدث بدون موافقة وليّ العهد، الذي بدوره نفى أيَّ تورُّطٍ له.

وبينما لم يتَّهم “إردوغان”؛ وليّ العهد السعودي بالاسم، قال إن عملية قتل “خاشقجي” تمَّت بأوامر من: “أعلى المستويات” في الحكومة السعودية. وكان “خاشقجي” قد دخل القنصلية؛ في تشرين أول/أكتوبر 2018، في موعدٍ من أجل الحصول على أوراقٍ تسمح له بالزواج من خطيبته التركية؛ التي كانت تنتظره في الخارج. لم يخرج ولم يُعثَر على جثته حتى اليوم.

وفي مقالٍ نشرته صحيفة (واشنطن بوست)، تساءل “إردوغان”: “أين جثة خاشقجي ؟.. من أعطى الأمر بقتل هذه الروح الطيبة ؟.. للأسف، رفضت السلطات السعودية الإجابة عن هذه الأسئلة”.

رفعت “تركيا” قضية مفتوحة ضد: 26 مشتبهًا سعوديًا غيابيًا، ولكن قبل ثلاثة أسابيع من وصول “إردوغان”؛ لـ”المملكة السعودية”، أوقف المدَّعي العام التركي القضية عن طريق إحالتها إلى المملكة، التي لديها بالفعل محاكمةٌ تُوجَّه إليها انتقاداتٌ واسعة، فيما لم تتم إدانة أيُّ مسؤولٍ أشرف على العملية بعد، بحسب الصحيفة الأميركية.

تركيا تُطلق لأول مرةٍ رحلات بَحرية لأداء مناسك العمرة..

قالت صحيفة (يني شفق) التركية، الجمعة 29 نيسان/إبريل 2022، إن “تركيا” تعتزم إطلاق رحلات عن طريق السفن من مدينة “إسطنبول” إلى “جدّة” السعودية، لأداء مناسك العمرة، خلال عام 2023.

ونقلت الصحيفة عن عضو مجلس إدارة مجموعة “كوستا”؛ (Costa Grup)، ورئيس مجلس إدارة “أي كروز”؛ (Ay Cruise)، “تشتين آي”، قوله: “نُخطط لإطلاق رحلات بحرية في 2023، بين إسطنبول وجدّة، حيث سيكون بإمكان كثيرين حول العالم الإسلامي القدوم إلى إسطنبول والإنطلاق منها عبر السفن إلى السعودية لأداء العمرة”.

واعتبر المتحدث التركي أن هذه الطريقة ستكون بمثابة قضاء رحلة ممتعة عبر السفن، وأداء العمرة في الوقت ذاته.

ولفت إلى أن “تركيا”: “تمتلك إمكانيات مهمة في مجال السياحة البحرية، لكنها لا تُستغل بالقدر الكافي، ولذلك سنتخذ من اليوم خطوة كبيرة في هذا الشأن”.

وأضاف: “واصلنا التحضير لهذا المشروع طيلة عام ونصف. وستبدأ رحلاتنا البحرية بين إسطنبول وجدّة في نطاق السياحة الحلال”.

وقال المتحدث التركي؛ “آي”، إنه يشعر بغصة في نفسه بسبب توقف الرحلات إلى الأراضي المقدسة عبر القطارات؛ والتي كانت تتم في عهد الدولة العثمانية.

رحلة تستغرق 07 أيام..

في السياق ذاته؛ أشار “آي” إلى أن كثيرين حول العالم الإسلامي سيقصدون مدينة “إسطنبول”، للإنطلاق من هناك عبر السفن إلى “السعودية”، لأداء مناسك العمرة.

وأضاف: “ومن الممكن لضيوفنا الذين ينتهون من أداء مناسك العمرة العودة إلى إسطنبول عبر السفن أيضًا، أو الذهاب إلى بلدان أخرى من مواقعهم”.

يُذكر أن العلاقات بين “تركيا” و”السعودية” تشهد تحسنًا في الآونة الأخيرة، تكلل بزيارة للرئيس التركي؛ “رجب طيب إردوغان”، الخميس 28 نيسان/إبريل 2022، وأنهى قطيعة دبلوماسية دامت لسنوات.

واستقبل ولي العهد السعودي؛ “محمد بن سلمان”، نظيره التركي، فيما وثقت فيديوهات تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي اللحظات الأولى من اللقاء.

كما تداولت مواقع تركية صورًا وفيديوهات للرئيس التركي وهو يؤدي مناسك العمرة في سياق زيارته للمملكة، وقد رافق الرئيس؛ “رجب طيب إردوغان”، في أثناء أدائه مناسك العمرة، وزيرُ الداخلية؛ “سليمان صويلو”، والدفاع؛ “خلوصي أكار”، ووزير الصحة؛ “فخر الدين قوجة”، ووزير التجارة؛ “محمد موش”، وذلك بعد ساعات فقط من وصولهم إلى “المملكة العربية السعودية”.

وكانت آخر زيارة يقوم بها “إردوغان”؛ لـ”السعودية”، منذ نحو 05 سنوات، في حزيران/يونيو 2017، قبل أن تتوتر العلاقات، ويتفاقم التوتر؛ إثر مقتل الصحافي؛ “جمال خاشقجي”، في القنصلية السعودية بـ”إسطنبول”؛ في تشرين أول/أكتوبر عام 2018.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة