خاص : ترجمة – محمد بناية :
شهد “العراق”، مطلع تشرين أول/أكتوبر الجاري؛ احتجاجات واسعة واضطرابات وقمع المسؤولين الشديد للمتظاهرين. وإنطلقت المظاهرات في “العراق” تحت سلطة الشباب الغاضب غالبًا، في المناطق ذات الأغلبية الشيعية؛ مثل “بغداد” وكذلك سائر المدن الكبرى كـ”البصرة”، في المقابل تسعى الحكومة العراقية لإحياء النظام والقضاء على مصادر الغضب والاستياء التي تسببت في خروج المظاهرات.
وتكافح كل الأطراف الداخلية والخارجية على السواء، ومن بينها دول الخليج، لإدراك أسباب الاستياء والاستقرار على أسلوب معين يخدم أهدافهم في المحيط الجديد. ويبدو أن المظاهرات بدأت عفوية دون أن تتبناها أي من الحركات السياسية أو الأطراف الداخلية أو الخارجية. بحسب موقع (الدبلوماسية الإيرانية)؛ المقرب من وزارة الخارجية الإيرانية.
صعوبة الواقع العراقي..
والواقع؛ يمكن فهم أسباب الشكوى والاحتجاجات العامة: فالكثافة السكانية في “العراق” كبيرة وشبابية، ناهيك عن معاناة العراقيين من ارتفاع معدلات البطالة، وضعف المستوى التعليمي، ونقص الخدمات الصحية والعلاجية وسائر الخدمات الاجتماعية. والغالبية تبحث عن فرصة عمل في القطاع الحكومي الفاسد، لكن عدد المتقدمين أكبر بكثير من فرص العمل المتاحة، ناهيك عن أن التعيين في هذه الوظائف يقوم على العلاقات وليس الصلاحية.
من ثم؛ يبدو أن صبر الشباب العاطل، الذي فقد أي أمل في المستقبل، قد إنتهى.
جدير بالذكر؛ أن نقص الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والمياه، خلال العام المنصرم؛ تسبب في اندلاع احتجاجات مشابهة في “البصرة”. ويبدو أن التظاهرات الأخيرة هي بمثابة نموذج كبير وقوي لاحتجاجات “البصرة”.
كما أن هذه التظاهرات لم تكن ظاهرة تقتصر على الكتلة الشيعية في “العراق”، ولكن قلما تخرج مثل هذه التظاهرات الاحتجاجية في المناطق ذات الأغلبية السُنية التي ما تزال تصارع البقاء بعد الاحتلال الداعشي.
وبالنسبة للكتلة الكُردية، شمال البلاد، فهي منقسمة بالأساس، يملكون دولتهم واقتصادهم الخاص، ولذا لم يشاركوا في الاحتجاجات الأخيرة.
العراق بين الوضع الإقليمي والداخلي..
ومع أنه لا يمكن القول إن جميع المتظاهرين يتطلعون إلى هدف سياسي مشترك، لكن يمكن توضيح هدفين رئيسيين..
الأول: أن تلك الاحتجاجات خرجت ضد القيادة السياسية الشيعية في الدولة، بقيادة رئيس الوزراء، “عادل عبدالمهدي”، الذي يتعرض لضغوط شديدة من الكتلة الانتخابية الشيعية بشأن مكافحة الفساد وتوصيل الخدمات إلى المواطنين.
ثانيًا: هذه الاحتجاجات تعكس الغضب الواضح تجاه تسلط القوى المؤيدة لـ”الجمهورية الإيرانية”، داخل “العراق”، على الحياة السياسية والاجتماعية والدينية للشيعية في مرحلة ما بعد “صدام حسين”.
ومع أن المتظاهرين لم يشيروا بوضوح إلى التدخل الإيراني، لكن المليشيات المحلية، التي تساعد “إيران” في تحقيق أهدافها الإستراتيجية داخل “العراق”، تعرضت للهجوم.
لكن الجدير بالاهتمام هو معدل العنف في قمع المتظاهرين.
طبقًا للتقارير؛ فقد لقي ما لا يقل عن 100 شخص مصرعهم وإصابة الآلاف مع احتمالات أن تكون الإحصائيات الحقيقة أكبر من المنشور. كما أعلن المسؤولون قطع خدمات الإنترنت عن أجزاء كبيرة من البلاد والحيلولة دون استخدام الشبكات الاجتماعية، مثل (فيس بوك) و(تويتر) وغيرها. ورغم أن القوى السياسية والعسكرية الموالية لـ”إيران” هي، على ما يبدو، أحد المخاطبين بالتظاهرات، لكن هناك من سعى للاستفادة من هذه الاضطرابات، لا سيما أولئك الذين يرفضون “عادل عبدالمهدي”، على خلفية علاقاته الوطيدة مع “الولايات المتحدة” وبعض الدول الخليجية، كـ”السعودية” و”الكويت”، والعمل على تقديم “العراق” باعتباره طرف محايد. إذ سعى إلى دمج (الحشد الشعبي) في الجيش العراقي والحيلولة دون تحول هذه المنظمة إلى مجموعة مستقلة على غرار “حزب الله” اللبناني.
ورغم قلق “الولايات المتحدة” والدول العربية من الضغوط على، “عبدالمهدي”، خوفًا من احتمالات أن يأتي رئيس وزراء جديد لا يعبأ بالأوضاع الإقليمية، لكن يعتبر غضب واحتجاجات الشباب ضد المليشيات الشيعية العراقية فرصة بالنسبة لدول المنطقة تستهدف تحفيز الإتجاه القومي ودور القومية العراقية ذات الشخصية العربية في المنطقة.
إذ إتضحت حاجة الدول الخليجية لخلق مكانة داخل “العراق” وإقامة علاقات جيدة مع الحكومة، لا سيما بعد الإطاحة بـ”نوري المالكي”، عام 2014. مع هذا لم تحقق جهود هذه الدول أي نتيجة حتى الآن..
والسؤال : هل تستأنف الاحتجاجات في “العراق” ؟.. الحقائق السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية ما تزال كما هي على حالها. والمتظاهرون العراقيون، وربما معظم العراقيون، يصارعون مشكلات اقتصادية واجتماعية وسياسية شديدة، ويبحثون عن إجابة مناسبة. وتستطيع الأطراف الأجنبية القادرة على تقديم المساعدة لتلبية هذه المطالب، تستطيع تحقيق مكاسب من هذه الاحتجاجات وقد ينتهي الأمر بخدمة مكاسب دول الخليج بالنظر إلى “العقوبات الأميركية” والقيود الاقتصادية على “إيران”.