خاص / بغداد – كتابات
في نيسان/ أبريل 1980، عمد نظام صدام حسين إلى مصادرة آلاف المنازل والعقارات منأصحابها بتهم معارضة نظامه، أو كونها تابعة لعشرات الآلاف من المواطنين الذين تم تسفيرهم قسراً بذريعة أصولهم الإيرانية، حين اسقطت عنهم الجنسية العراقية ومصادرةأموالهم المنقولة وغير المنقولة.
وتلك الوقائع الظالمة التي تضمنها قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 518 الصادر فينيسان 1980، ما لبث النظام السابق أن كررها في حربه الثانية، فبعد دخول القوات العراقية إلى الكويت في الثاني م آب/أغسطس 1990، قرر حجز أملاك الكويتيين في بغداد والبصرة وعدد من المحافظات الجنوبية والوسطى، وهي غالبا تتمثل في مشروعات استثمارية تتنوع بين فنادق وأراض زراعية ومنازل ومنتجعات سياحية ومقرات شركات تجارية ومصانع خاصة ومكاتب نقل البضائع والأشخاص.
وكانت ثمانينيات القرن الماضي، شهدت دخول مستثمرين كويتيين وسعوديين من خلالالبصرة، ضمن التسهيلات المقدمة من قبل الحكومة العراقية آنذاك لرجال الأعمال العرب والخليجيين على نحو خاص “دعما للعراق الذي تأثر اقتصاده إلى حد كبير خلال حربه مع إيران“.
وفي عام 1993، أصدرت الحكومة العراقية “تعليمات خوَلت بموجبها المحافظين، حرية التصرف في الأملاك العائدة للكويتيين والمستثمرين الخليجيين، حيث قامت الإدارات المحلية بتأجير تلك البنايات عبر مزادات علنية، كما استولت الحكومة على بعض منها“.
معارضو صدام ليسوا أفضل منه
وكانت الآمال الكبيرة معقودة، على إن نهاية النظام السابق ستعيد الحقوق إلى أهلها، وإن سياسة اغتصاب منازل المواطنين وعقاراتهم انتهت وطويت صفحتها، بوجود من عارض النظام الجائر على سدة السلطة بعد 2003. غير إن الحقائق بدأت تتكشف عن استمرار الجريمة على نحو واسع على يد الذين بدأوا الحكم تحت راية الحرية والدستور والعدل.
وبعد العام 2003 بدأت عملية الاستيلاء على الأراضي والمنازل والعقارات وبيعها دون علم أصحابها، عبر مجموعات مسلحة مدعومة من الأحزاب الإسلامية التي تسيطر على السلطة وبالتنسيق مع عدد من موظفي دوائر العقارات الذين صار الفساد هو الحكم عندهم وليس القانون والعدل والحق.
ويورد مصطفى عيسى، وهو رجل عراقي من الطائفة الشيعية، لموقع “رصيف22“ تفاصيل من قصة هي واحدة من الآلاف التي كان أبطالها معارضو النظام السابق “إحدى المجموعات المسلحة استولت على أرض اشتريتها منذ تسعينيات القرن الماضي شرق بغداد وتبلغ مساحتها 10 آلاف متر”، مبيناً أن “ضعف تطبيق القانون نتيجة استفحال الفساد داخل دوائر الحكومة جعل دور المجموعات المسلحة يتنامى، واستفحل بالاستيلاء على الأراضي“.
وبحسب المصدر ذاته “المجموعة المسلحة الشيعية قسّمت الأرض إلى مساحات صغيرة وباعت المائة متر بسعر 15 مليون دينار (11.700 دولار) بينما قيمتها الحقيقية تبلغ 120 مليون دينار (93.6 آلاف دولار)”، مؤكداً “محاولاتي فشلت في إرجاع الأرض بالرغم أن ملكيتها تابعة لي حتى الآن، ولكن من الصعب جداً أن نقوم بهدم المنازل التي شيدت عليها”.
ويقول الضابط في الجيش العراقي السابق، محمد القره غولي، وهو من الطائفة السنية، للموقع ذاته “امتلك قطعة أرض منذ ما يقارب العشرين عاماً في منطقة المحمودية جنوب بغداد. ولكن سيطر عليها أحد الأشخاص التابعين للمليشيات المسنودة من الدولة“.
من جهة أخرى، قال النائب عن الطائفة المسيحية في البرلمان العراقي، جوزيف صيلوا، إن “ضعف القانون وراء انتشار المجموعات المسلحة، التي قامت بتهديد المسيحيين والاستيلاء على منازلهم وبيعها وتحويل ملكيتها”، مشيراً إلى أن “عدد المنازل التي جرى الاستيلاء عليها تقدر بالآلاف“.
الحواسم .. الحواسم
وتقدّر أمانة بغداد وجود 300 منطقة أنشئت في بغداد بشكل غير قانوني عبر التجاوز على أراضي الحكومة والمواطنين، يبلغ عدد الساكنين فيها 2.4 مليون شخص.
ويطلق العراقيون على هذه المناطق اسم “الحواسم” تخليداً لذكرى الفوضى التي أصابت البلد بعد معركة “الحواسم” عام 2003 كما سماها النظام السابق لكنها هي التي أسقطتهومهدت للنظام السياسي الحالي.
وتجري عملية بيع وشراء المنازل التي استولى عليها المسلحون بشكل علني بأسعار أقل بكثير من المنازل الرسمية. ويرفض عدد من المواطنين شراء أرض كاستثمار خوفاً من الاستيلاء عليها.
مصدر في القضاء العراقي يشرح لموقع “رصيف 22” طريقة الاستيلاء على المنازل من قبل المجموعات المسلحة بقوله إن “المجموعة المسلحة تقوم بتهديد صاحب المنزل الذي يترك المنزل بعد أيام، وتقوم بالتنسيق مع موظفين في دائرة العقارات لنسخ سند العقار وهوياته”، مضيفاً أن “المسلح يقوم بتزوير الهوية ويقدمها إلى دائرة كاتب العدل ويحصل على وكالة عامة بإدارة أملاك صاحب الدار أو الأرض”.
وأوضح أنه “يقوم ببيع الدار والأملاك الأخرى باعتباره حصل على وكالة عامة بالإضافة إلى اقتراض ملايين الدنانير من المصارف الحكومية والأهلية باسمه“.
استباحة المسيحيين
وكانت التهديدات الأمنية اليومية واستهداف العراقيين المسيحيين، بعد عام 2003، سببا لترك الكثير من أبناء الطائفة لمنازلهم في العاصمة العراقية والتوجة إلى الأردن، حيث استقر مؤقتاً كثير منهم حتى وصولهم إلى بلدان اللجوء.
فادي ألبير، يروي لـموقع “العربي الجديد” تفاصيل ما وقع معهم “أغلقنا المنزل في حي الوحدة بمنطقة الكرادة بالعاصمة العراقية والبالغ مساحته 1000، سلمنا مفاتيحه إلى إحدى العوائل التي تسكن بجوارنا، منذ فترة طويلة، فوجئنا باتصال منهم أخيراً، بوجود أعمال ترميم وصيانة وتأثيث تجري في بيتهم، وأن المهندس المشرف على الأعمال قدم لهم سند تحويل ملكية جديد صادر باسم المالك الجديد الذي لا يعرفه، أي شخص من سكان المنطقة”.
وفي عام 2017 وبينما كانت آلة الدمار الداعشية قد قضت تقريبا على الوجود المسيحي في مناطقه الأصلية في سهل نينوى، كانت آلة الميليشيات الشيعية تستولي على ممتلكات العراقيين المسيحيين في بغداد، تحديداً الذين هاجروا من العراق بفعل الوضع الأمني المتردي واستهدافهم من قبل جهات عدة خلال الفترة الماضية.
ولم يقتصر الأمر على مصادرة المنازل والعقارات والبساتين وقطع الأراضي أو حتى الدكاكين، بل تعدّى ذلك إلى بعض الأديرة وأماكن العبادة القديمة. وتُعتبر مناطق الكرادة وبغداد الجديدة والجادرية والحارثية والمنصور وعقد النصارى وكرادة مريم، ملاذ المسيحيين في بغداد، وأغلب تلك المناطق تمثل بغداد القديمة.
وحول ذلك، أفاد النائب في البرلمان عن المكون المسيحي، جوزيف صليوا، في حديث لـموقع“العربي الجديد”، بأن “المشكلة ما زالت قائمة”، مبيّناً أن “عملية الاستيلاء على بيوت المسيحيين في بغداد ومدن عراقية أخرى مستمرة، وليست هناك أي إجراءات صارمة بهذا الخصوص إلا ما ندر “.
وكشف أن “هناك ثلاث مجاميع استطاعت أن تستولي على بيوت المسيحيين. المجموعة الأولى عبارة عن مافيا تتستر باسم الدولة وتعمل من خلال دوائر العقارات والتسجيل لتزوير هذه المستندات. المجموعة الثانية هي مليشيات ترفع أعلاماً دينية وأعلام الحشد الشعبي. والمجموعة الثالثة عبارة عن تصرف فردي من الناس عبر استخدام القوة“.
غدا: الاستيلاء على عقارات الدولة.. جريمة النظام السابق يواصلها معارضوه