وكالات – كتابات :
أشار بحث لـ “معهد السياسات والإستراتيجيا”، في مركز (هرتسليا) المتعدّد المجالات؛ إلى أن أحد الدروس المركزية لعملية: (حارس الأسوار) هو تحرُّك عناصر: “محور المقاومة” لأول مرة معًا وبصورة فاعلة لمساعدة أحد أعضاء المنظومة في معركته ضد “إسرائيل”. علاوة على ذلك، تشكل هذه المعركة إشارة مهمة إلى احتمال تكرار سيناريو من هذا النوع في أي معركة مستقبلية.
فعالية الميليشيات الإيرانية في المنطقة..
وتوصّل البحث، الذي أعده “دنيس سترينوفيتش”؛ إلى أن الأحداث المختلفة في “العراق واليمن وغزة” عمومًا، فتحت الباب أمام “إيران” لتعميق تأثيرها في هذه المناطق، في الأساس من خلال مساعدة الميليشيات الشيعية في “العراق”، وحركة (حماس)، و(الجهاد الإسلامي)، والحوثيين، على بناء قدرات عسكرية غير مسبوقة. ويأمل الإيرانيون بردع “إسرائيل” بواسطة هذه القدرات، وعند الحاجة مهاجمتها واستخدام هذه التنظيمات لترسيخ وتعميق نفوذها في الشرق الأوسط.
كما شهدت الأعوام الأخيرة تطوُّر علاقات متبادلة بين هذه التنظيمات التي تُشكل: “محور المقاومة”. وتجلى هذا في المساعدة التي قدمها (حزب الله) إلى الحوثيين في معركتهم في “اليمن” ضد “السعودية”، وفي عمليات الميليشيات الشيعية ضد القوات الأميركية في “العراق”، واستعداد الميليشيات الشيعية لدعم (حزب الله) في معركة مستقبلية ضد “إسرائيل”، والعلاقة الوثيقة بين (حماس) و(حزب الله)، على خلفية وجود كبار مسؤولي الحركة في “لبنان” وغيره.
في سياق مباشر، يمكن التشديد على العلاقة الخاصة لـ (حزب الله) بهذه التنظيمات، إذ أنه صحيح أن “إيران” تمنح هذه التنظيمات غطاءها اللوجيستي والعملياتي، لكن عمليًا، يُشكل (حزب الله)، بسبب القرب الثقافي ومعرفته العميقة بـ”إسرائيل”، مركز الثقل الحقيقي لنشاط هذه التنظيمات، وهو الذي يُدّربها، ويوحد سائر أعضاء المحور حوله، بحسب المعهد.
السمات البارزة..
ومن بين السمات البارزة للنشاطات المشتركة والمنسَّقة في: “محور المقاومة”؛ يمكن الإشارة إلى الحوادث التالية :
- أقيمت غرفة عمليات مشتركة ضمّت ضباطًا من (حزب الله)، ومن (الحرس الثوري)، ومن حركة (حماس)، عملوا على تنسيق القتال في “قطاع غزة”. وبحسب ما نُشر، زار قائد (فيلق القدس)، “إسماعيل قاآني”؛ الغرفة المشتركة في “بيروت”؛ خلال التصعيد وأشرف على عمل الغرفة التي قدّمت معلومات إلى (حماس) و(الجهاد الإسلامي) تتعلّق بتحرّكات الجيش الإسرائيلي.
- إطلاق مُسيّرة إيرانية محمّلة بالذخيرة من “العراق” أو “سوريا” اعترضها الجيش الإسرائيلي.
- وقوع 03 عمليات إطلاق صواريخ من “لبنان” في اتجاه “إسرائيل”. ومن الممكن الإعتقاد أن وراءها شبكة (حماس) في “لبنان”، وأن هذا جرى بتأييد (حزب الله)، ولو الصامت.
- إطلاق عدد من الصواريخ من “سوريا”، والتي أعلنت مجموعة مجهولة تحمل اسم: “تحرير فلسطين” المسؤولية عنها.
- تهديد الحوثيين بالإنضمام إلى المعركة، والذي تضمّن، بالاستناد إلى تقارير في وسائل الإعلام العربية، طلب الحوثيين من نشطاء (حماس) الحصول على إحداثيات تتعلق بأهداف في “إسرائيل”.
وبالاستناد إلى تقارير إعلامية، كان هناك هدف إضافي له علاقة برغبة “إيران” و(حزب الله) في التعلم من إطلاق (حماس) الصواريخ والعثور على نقاط ضعف في: “القبة الحديدية”؛ لاستغلالها في سيناريو تصعيد مستقبلي في مواجهة “إسرائيل”.
ولفت المعهد إلى أن المنطق العملياتي لهذه التنظيمات واضح، فهي تُدرك أن عليها أن تتحدى “إسرائيل” أمنيًا في عدد من الجبهات، وبالتالي جعل من الصعب على “إسرائيل” التركيز في المعركة على تنظيم واحد فقط. بالإضافة إلى ذلك، هناك محاولة: “لاستغلال الفرصة” على أساس أن “إسرائيل” ستُحاول عدم الرد للحؤول دون فتح جبهات أُخرى، حتى لو كانت هذه الجبهات بعيدة جغرافيًا عن “إسرائيل”.
كما ذكر أنه في ضوء تسلُّح هذه التنظيمات بأفضل ما تنتجه الصناعة العسكرية الإيرانية، والتجربة التي راكمتها في الأعوام الأخيرة، يمكن الافتراض أنه لو قرّرت هذه التنظيمات الإنضمام إلى المعركة المقبلة؛ فإنها ستستخدم المُسيّرات المزودة بالذخيرة، وإطلاق الصواريخ، بما فيها الدقيقة، ومحاولة القيام بهجمات في منطقة الحدود، (مثلاً في منطقة هضبة الجولان السورية). ومن المعقول الافتراض أن يحاول الشركاء في “المحور” توجيه ضربة ناجعة إلى منظومة الدفاع الجوي والفرض على سلاح الجو الحد من قدراته، وبالتالي المس بنجاعة عملياته.
من هنا، تُشكل عملية (حارس الأسوار) إشارة تحذير إلى “إسرائيل” أنّ عليها تحسين جهوزيتها العملياتية والتنفيذية في مواجهة عدو مشترك. وعدم رد “إسرائيل” على إطلاق الصواريخ من “لبنان” و”سوريا” والمُسيّرة الإيرانية خلال القتال؛ شدد على تعرُّف هذه التنظيمات على: “نقطة الضعف” في العمليات العسكرية الإسرائيلية، وفق المعهد.
التداعيات على السياسة الإسرائيلية..
أضاف أنه: “على الصعيد الأميركي – الخلاصة المركزية من هذه المعطيات، هي أنه من المنتظر أن تعمّق المواجهة الإقليمية المستقبلية الإرتباط الإسرائيلي بمساعدة أميركية الجبهات البعيدة والتحدي الذي تواجهه منظومة الدفاع الجوي والوجود الأميركي في كل أنحاء الشرق الأوسط، كل هذا يُزيد في حاجة إسرائيل إلى توثيق تحالفها الإستراتيجي مع الولايات المتحدة والاستعانة بها لتحسين قدرتها الدفاعية، وحتى الهجومية، في المواجهة المقبلة”.
ورأى أن: “الفصل بين الجبهات والتركيز على الجبهة اللبنانية – من بين الوسائل الأساسية لتقليص قدرات (محور المقاومة) على إيذاء دولة إسرائيل، هو من خلال (تفكيكها)، أي يتعيّن على إسرائيل إنتهاج عقيدة قتالية مترابطة تحدّ من قدرة محور المقاومة على العمل ضدها في زمن المواجهة. على سبيل المثال، تحركات من نوع ضرب عنيف لمركز الثقل في المحور (حزب الله) تُلحق ضررًا جسيمًا في قدرات التنسيق واستعداد أعضاء المحور في مواجهة إسرائيل؛ أو تحركات سياسية، مثل دفع الحكومة العراقية إلى وقف نشاط الميليشيات الشيعية”.
كما اعتبر أن تهديد عسكري موثوق به لـ”إيران” سيُشكل إحدى الأدوات المهمّة التي ستسمح ”بإغلاق” المعركة. وتدل تجربة الماضي على أن “إيران” ترتدع فقط عندما تفهم أن تحرّكاتها ستعرّضها لخطر وجودي، وهي تعتقد أن “الولايات المتحدة” وحدها قادرة على تحقيقه. لذا، ومن دون علاقة بالمفاوضات النووية، يتعيّن على “إسرائيل” و”الولايات المتحدة” التفكير في كيفية تحقيق الفكرة القادرة على دفع “إيران” إلى إعطاء تعليماتها للتنظيمات التي تدور في فلكها بالعمل على إنهاء المعركة.
تقديرات عملانية..
إضافة إلى ذلك، وبرأي المعهد؛ فإنه يتعيّن على “إسرائيل” الاستعداد عملانيًا لخوض مواجهة على الجبهتين العراقية واليمنية، في ضوء سيناريو تصعيدي مستقبلي، وقد يضطر الجيش الإسرائيلي إلى العمل في هذه المناطق. لذا، يجب على الجيش تطوير قدرات استخباراتية تسمح له بردع إنضمام الحوثيين والميليشيات الشيعية إلى المعركة.
في الخلاصة، تتوجّه إستراتيجية “محور المقاومة” نحو قطع الجهد الدفاعي للجيش الإسرائيلي، والمس بالردع، وتقويض الإحساس بالأمان في “إسرائيل”. والدرس الأساس من عملية (حارس الأسوار) أن سيناريو متعدّد الجبهات هو تهديد حقيقي يجب الاستعداد لمواجهته من خلال انتهاج عقيدة عمل ملائمة للتعامل مع هذا السيناريو المعقد، مع التشديد على الجهد الدفاعي، وعلى الجبهة الداخلية.
وختم بالتأكيد على أن الشراكة الإستراتيجية مع “الولايات المتحدة” تُشكّل أساسًا في نظرية الأمن القومي في “إسرائيل”، وعدم وجودها سيجعل من الصعب على “إسرائيل” تحقيق أهدافها من الناحية العسكرية والسياسية، بالتالي يجب على “إسرائيل” المحافظة على التعاون الإستراتيجي والعملياتي وتعزيز أرصدتها، والأخذ في الاعتبار: “الخطوط الحمراء ” للإدارة الأميركية فيما يتعلّق بالقضايا الجوهرية الإقليمية.