16 أبريل، 2024 6:23 ص
Search
Close this search box.

الاحتلال يصر على تحويلها إلى أرضٍ خربه لا تصلح للعيش .. تفاصيل خطة إسرائيل لتهجير الفلسطينيين للأبد !

Facebook
Twitter
LinkedIn

وكالات- كتابات:

أدت حرب “إسرائيل” على “قطاع غزة” إلى أزمة نزوح تاريخية للفلسطينيين، بعد (100 يوم)، فكيف يمكن منع وقوع نكبة أخرى أسوأ من نكبة 1948 ؟

مجلة (فورين بوليسي-The Foreign Policy) الأميركية؛ نشرت تقريرًا يشرح خطوات منع وقوع نكبة أخرى للفلسطينيين في القطاع، تتحمل إدارة “جو بايدن” فيها الجانب الأهم؛ إذ تُشير التقديرات الدولية إلى أن عدد النازحين من بيوتهم في “غزة” قد بلغ نحو: (1.9) مليون فلسطيني، أي: (85%) من سكان القطاع.

كانت “إسرائيل” قد شنَّت، منذ عملية (طوفان الأقصى) العسكرية، يوم السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023، قصفًا جويًا وبحريًا على “قطاع غزة”، تبعه اجتياح بري، معلنةً عن هدفين رئيسيين هما: “تدمير المقاومة، وتحرير الأسرى بالقوة العسكرية”.

و(طوفان الأقصى)؛ هو الاسم الذي أطلقته “حركة المقاومة الإسلامية”؛ (حماس)، على العملية العسكرية الشاملة، التي بدأت فجر ذلك اليوم، ردًا على: “الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني”. ففي تمام الساعة السادسة صباحًا بالتوقيت المحلي في “فلسطين”، شنَّت (حماس) اجتياحًا فلسطينيًا لمسّتوطنات “الغلاف” المحاذية لـ”قطاع غزة” المحاصَر؛ حيث اقتحم مقاتلون من (كتائب عز الدين القسّام) البلدات المتاخمة للقطاع، في ظل غطاء جوي من آلاف الصواريخ التي أُطلقت من “غزة” باتجاه “تل أبيب” و”القدس” ومدن الجنوب.

ووسط حالة الذعر والصدمة التي انتابت الإسرائيليين، وانتشار مقاطع فيديو وصور لدبابات ومدرعات تابعة لجيش الاحتلال؛ إما محروقة أو تحت سّيطرة المقاومين الفلسطينيين، وأسر العشرات من جنود جيش الاحتلال والمسّتوطنين، وسّيطرة فلسطينية كاملة على مسّتوطنات “الغلاف”، أعلنت دولة الاحتلال أنها: “في حالة حرب”، للمرة الأولى منذ حرب تشرين أول/أكتوبر 1973.

وبعد (100 يوم) من الحرب، ارتقى أكثر من: (24) ألف شهيد فلسطيني، غالبيتهم السّاحقة من الأطفال والنساء، إضافةً إلى إصابة عشرات الآلاف وتدمير كامل لغالبية مباني القطاع وبُنيته التحتية المدنية، بخلاف الحصار المطبق وحرمان أكثر من: (2.3) مليون فلسطيني فيه من أساسيات الحياة، فيما يصفه خبراء قانون دولي بأنه: “عقاب جماعي” بحق سكان القطاع ترتكبه “إسرائيل”.

تهجير سكان “قطاع غزة”.. سياسة إسرائيلية..

أجبرت “إسرائيل” أكثر من مليون فلسطيني؛ في شمال “غزة” فقط، على النزوح من أراضيهم. وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي منذ بداية الحرب صور وقصص ومقاطع فيديو تظهر فيها العائلات الفلسطينية وهي تهرب من بيوتها بما تستطيع حمله من أمتعة خفيفة، ولاح لكثيرين في هذه المشاهد أنها عودة لـ”النكبة الفلسطينية”. وكانت “النكبة الأولى” قد وقعت حين هجَّرت “إسرائيل” نحو: (750) ألف فلسطيني خلال حرب  1948، وكان لهذه المأساة أثرٍ عظيم جعلها تضرب بجذورها في ذاكرة الفلسطينيين ووعيهم بتاريخهم.

لم يتوانَ كبار المسؤولين الإسرائيليين عن الإدلاء بتصريحات تُزيد المخاوف من أن تُفضي الأزمة الحالية إلى تكرار فاجعة “النكبة”. فقال “آفي ديختر”، وزير الزراعة الإسرائيلي، إن التهجير الذي ستُلحقه “إسرائيل” بالفلسطينيين في “غزة”؛ خلال هذه الحرب، سيُعرف بعد ذلك باسم: “نكبة غزة عام 2023”.

كان كثير من السياسيين اليمينيين في “إسرائيل” قد بدأوا في الحديث عن “النكبة” خلال السنوات الماضية، باعتبارها سابقة حسّنة وسياسة مفيدة، يُجدر بالإسرائيليين أن يسّتعيدوها في المستقبل. وفي عام 2017، نشر “بتسلئيل سموتريتش”؛ وزير المالية الإسرائيلي من حزب (الصهيونية الدينية) اليميني المتطرف، برنامجه المعروف باسم: “خطة الحسّم”، والذي اقترح فيه استيلاء “إسرائيل” على “الضفة الغربية”، وتخيّير الفلسطينيين بين الوقوع تحت ولاية “إسرائيل” من دون جنسية كاملة ولا حقوق تصّويت، وإما التهجيّر إلى خارج البلاد.

يرى بعض المراقبين أن “غزة” تشهد نكبة أخرى بالفعل، لا سيما أن التهجير الحالي للفلسطينيين يتجاوز نطاقه نكبة عام 1948، والتهجير الجماعي الذي حدث في أعقاب نكسة عام 1967، ومع ذلك فإن المجتمع الدولي لا يزال بإمكانه أن يدرأ وقوع هذه النكبة، وأن يحّولَ دون رسّوخها إلى واقع دائم.

شدَّد كبار المسؤولين الأميركيين في تصريحاتهم وخطاباتهم على أنهم لن يُجيزوا لـ”إسرائيل” احتلال أي منطقة من “غزة”، وقالوا إنه على الحكومة الإسرائيلية أن تسمح للفلسطينيين بالعودة إلى أراضيهم في مختلف أنحاء القطاع. وصرحت نائبة الرئيس الأميركي؛ “كامالا هاريس”، في أوائل كانون أول/ديسمبر 2023، بأن: “الولايات المتحدة لن تسمح – بأي حال – بالترحيل القسّري للفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربية، ولن تقبل بحصار غزة، ولا تغيّير حدودها”.

لكن السؤال هنا هو: هل إدارة الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، جادة حقًا في تنفيذ هذه الأهداف ؟.. إذا كانت الإجابة نعم، فينبغي عليها أن تدفع الحكومة الإسرائيلية عن هذا المسّار الآن، بحسّب تقرير (فورين بوليسي).

كيف تُنفذ “إسرائيل” سياسة التهجير القسّري ؟

إذ ينطوي مسّار الحرب الإسرائيلية على “غزة” على احتمال خطير، وهو أن تتوالى الأحداث والتغيّرات على الأرض بسّيرورة مشابهة لما حدث في حربي عام 1948 وعام 1967. ففي الحربين، استغلت “إسرائيل” انتصارها لإعادة ترسّيم الأراضي الفلسطينية وحصار المزيد من الفلسطينيين في مساحة أقل.

والواقع أن الهجوم الإسرائيلي الحالي أكثر عدوانية من أي حرب سابقة لها على “غزة”؛ خلال العقدين الماضيين؛ إذ استُشهد أكثر من: (24) ألف فلسطيني حتى يوم 15 كانون ثان/يناير 2024، معظمهم من النساء والأطفال.

في الأسابيع الأولى من العدوان؛ أمر جيش الاحتلال؛ الفلسطينيين في شمال “غزة”، بالنزوح جنوبًا إلى ما أسماه: “المناطق الآمنة” للمدنيّين. إلا أن إمعان “إسرائيل” في توغلها البري وقصفها الجوي أجبر الفلسطينيين النازحين في الجنوب على الفرار إلى مدينة “رفح”، التي تقع على الحدود مع “مصر”. وتمسّكت السلطات المصرية بإغلاق المعبر أمام حركة النزوح؛ حتى الآن، إلا أن تدهور الأوضاع الإنسانية للنازحين وتزايد أعدادهم قد يُرغمان “مصر” على تمكّينهم من الفرار إلى “شبه جزيرة سيناء”، حتى وإن كان هذا الأمر لا يحظى بأي تأييد بين المصريين.

لكن عددًا من المسؤولين الإسرائيليين تداولوا بالفعل مقترحات تُحثّ على نقل الفلسطينيين إلى “سيناء”، إلا أن هذه الدعوات لم تُصبح بعدُ سياسة حكومية رسّمية، لأن الأمر فيه مجازفة بخلخلة اتفاق السلام مع “مصر”.

ومع ذلك؛ فإن دخول الفلسطينيين إلى “مصر” بأعداد كبيرة سيظل احتمالاً قائمًا ما دام أن أزمة التهجير الجماعي داخل “غزة” لم يُقطع دابرها؛ ولذلك، فإن التدخل الدولي بقيادة “الولايات المتحدة” لكبح المجاعة وإيقاف الأزمة الإنسانية في جنوب “غزة” أمرٌ ذو أهمية بالغة، ليس فقط لإنقاذ الناس في “غزة”، بل ولمنع النزوح الجماعي من التحول إلى مصير دائم.

في الوقت الراهن؛ تتفاقم الأزمة الإنسانية في “قطاع غزة”، وأدَّى سوء الظروف الصحية وتلوث إمدادات المياه في جنوب “غزة” إلى زيادة أخطار الانتشار السّريع للأمراض. وتتهم منظمة (هيومن رايتس ووتش)؛ “إسرائيل”، بانتهاك القانون الدولي وممارسّة سياسات التجويع المتعمد للفلسطينيين في القطاع.

ومن ثم؛ يجب على “الولايات المتحدة” أن تسّعى للحصول على ضمانات من الحكومة الإسرائيلية بأنها ستسمح للفلسطينيين بالعودة إلى جميع أنحاء “قطاع غزة”. ويجب أن يشمل ذلك عودة الفلسطينيين إلى شمال “غزة”، الذي تحول جزءٍ كبير منه إلى منطقة نزاع عسكري، ويزعم الجيش الإسرائيلي أنه يُسّيطر على معظم أراضيه.

ولا بد كذلك من التصدي لخطط “إسرائيل” الرامية إلى إنشاء منطقة عازلة داخل “قطاع غزة”، ودرء سّعيها لتعزيز قدراتها من أجل الحفاظ على سيطرتها الأمنية في المنطقة مهما كان من سيحكمها بعد ذلك. فالحقيقة أن هذه المنطقة العازلة تقوِّض مسّعى إدارة “بايدن” المتعلق بتمكيّن الفلسطينيين من حقهم في العودة إلى منازلهم وممتلكاتهم.

كذلك؛ فإن كبح التهجير يقتضي مراقبة القرارات القانونية الإسرائيلية خطوة بخطوة، فنكبةُ الفلسطينيين الأولى لم تقتصر وسائلها على تهجيرهم خلال الحرب، بل شملت أيضًا سلسلة ممتدة من الإجراءات القانونية التي ابتغت منعهم من العودة إلى أراضيهم.

إذ أنشأت “إسرائيل”، بعد حرب 1948، نظامًا عسكريًا فرضته على السكان الفلسطينيين الذين بقوا داخل حدود دولة الاحتلال الإسرائيلية وحصلوا على الجنسية. ومنعَ هذا النظام العسكري الفلسطينيين من العودة إلى أراضيهم. ثم أصدرت “إسرائيل”؛ في عام 1950، قانون “أملاك الغائبّين” الذي أولى السلطات الإسرائيلية حق التصرف في أملاك الفلسطينيين المسافرين والنازحين قسّرًا خلال الحرب، ومكَّن هذا القانون الحكومة الإسرائيلية من السّيطرة “القانونية” على أراضي الفلسطينيين وأملاكهم.

ومع أن الحكومة الإسرائيلية لم تكن إلا وصية على هذه الأملاك من الناحية الرسّمية، فإنها استخدمت هذه الأراضي والبيوت لتوطين المهاجرين اليهود الجُدد في ما يُسّمى: بـ”الممتلكات المهجورة” على مدى العقود التالية. وكان هذا القانون أداة أساسية في استيلاء الحكومة على الممتلكات الفلسطينية في “القدس الشرقية” المحتلة. وأصبح هذا القانون في السنوات الماضية عنصرًا بارزًا في المسّوغات القانونية التي احتجت بها “إسرائيل” لإجلاء العائلات الفلسطينية من بيوتهم في “حي الشيخ جراح”؛ بـ”القدس”، وغيره.

تسّميم “غزة” فوق الأرض وتحتها..

وحتى لو سمحت “إسرائيل”؛ للفلسطينيين، بالعودة إلى أراضيهم في “غزة”، فإن القطاع لا يزال يحتاج إلى تدابير هائلة لإعادة الإعمار، فقد دمرت الغارات الإسرائيلية: (70%) من المنازل في “قطاع غزة”؛ ولذلك فإن تمكّين أهالي “غزة” من إعادة بناء معايشّهم يحتاج إلى استثمارات كبيرة. ومع ذلك، فإن قواعد الحصار الذي فرضته “إسرائيل” على “غزة”؛ على مدى أكثر من (16 عامًا)، تُشير إلى أن السلطات الإسرائيلية كانت تفرض قيودًا مشّددة على دخول مواد البناء بالكمية المطلوبة، ومن ثم يجب أن يأخذ المجتمع الدولي على الحكومة الإسرائيلية تعهدات موثوقة بأنها ستسّمح للهيئات الفلسطينية والدولية بالحرية اللازمة والإمدادات الكافية لإنجاز إعادة الإعمار على النحو المرجو.

لقد أخفقت “الولايات المتحدة” والمجتمع الدولي بالفعل في التصدي لتهجير: (1.9) مليون فلسطيني، وفي كبح الأزمة الإنسانية التي أعقبت هذا التهجير. ومع ذلك، لا تزال هناك فرصة لمحاصرة بعض الآثار الممتدة لهذه الأزمة، والحيلولة دون رسّوخها.

والواقع أن التدخل الدولي يستطيع أن يمنع وقوع نكبة أخرى في “غزة”، وأن يكف أيدي “إسرائيل” عن إنشاء إطار قانوني آخر يمنع الفلسطينيين من العودة إلى أراضيهم، وأن يُمكِّن أهالي “غزة” من إعادة إعمار مدنهم وبلداتهم المدمرة.

نشر موقع (Responsible Statecraft) الصادر عن معهد (كوينسي) الأميركي؛ تقريرًا أشار فيه إلى أن “إسرائيل” لا تكتفي: بـ”إفساد” سُبل المعيشة في “غزة” فوق الأرض فقط، وإنما تُسّمم كذلك سُبل اسّتدامة الحياة تحت الأرض، وتجعل القطاع مكانًا لا يصلح للعيش لأجيال قادمة.

أشار التقرير إلى أن “إسرائيل” وضعت خطة لإغراق شبكة الأنفاق والممرات التي أقامتها فصائل “المقاومة الفلسطينية” تحت الأرض في “غزة”، وقد أظهرت صورة نشرها الجيش الإسرائيلي عشرات الجنود وهم ينقلون خطوط أنابيب، ومحطات ضخ متنقلة ستأخذ المياه من “البحر الأبيض المتوسط”، وتضخُّها في الأنفاق.

وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي؛ “هرتسي هاليفي”: “لن أتحدث عن تفاصيل (الخطة)، لكن أدواتنا تشمل متفجرات للتدمير، ووسائل أخرى لمنع مقاتلي (حماس) من استخدام الأنفاق في إيذاء جنودنا”، و”نحن لا نتردد في تقصي (أي) وسيلة تمنحنا الأفضلية على العدو الذي (يستخدم الأنفاق)، وتُحرمه هذه الموارد. وغمرُ الأنفاق بالمياه إحدى الأفكار الجيدة”.

ليست هذه أول مرة تتعرض فيها أنفاق “المقاومة الفلسطينية” للتخريب بمياه البحر. ففي عام 2013، شّرعت “مصر” في إغراق الأنفاق بين “شبه جزيرة سيناء” و”قطاع غزة”، وظلت مياه “البحر الأبيض المتوسط” تتدفق طيلة عامين إلى شبكة الأنفاق، وقد أحدث ذلك إفسادًاً كبيرًا في بيئة “غزة”، إذ سُرعان ما تلوثت إمدادات المياه الجوفية بالمحلول الملحي، وتشبَّعت التربة واضطربت مكوناتها، ووقعت انهيارات أرضية وقُتل عدة أشخاص، وأفضى الأمر إلى بوار كثيرٍ من الحقول الزراعية التي كانت خصبة بعد أن تحولت إلى حفر مملحة من الطين، ولم تسّلم مياه الشرب العذبة القليلة من التلوث أيضًا.

ولا شك أن خطة “إسرائيل” الحالية لإغراق الأنفاق سيكون لها أضرار مماثلة وآثار لا يمكن إصلاحها. وقد حذرت “جوليان شيلينغر”، الباحثة في جامعة “توينتي” الهولندية، من هذه العواقب، وقالت: “يُجدر بنا أن نأخذ في الاعتبار أن مياه البحر ليست ملوثة فقط بالأملاح، بل وبمياه الصرف الصحي غير المعالجة، التي تُصّرف طوال الوقت في البحر المتوسط من نظام الصرف الصحي المتردي في غزة”.

أقرَّ المسؤولون الإسرائيليون علنًا بأن هدفهم هو أن تُصبح “غزة” مكانًا غير صالح للعيش بعد الحرب. “عبدالرحمن التميمي”، مدير جمعية (الهيدرولوجيين الفلسطينيين)، قال لـ (فورين بوليسي)؛ إن غمّر الأنفاق بالمياه الملوثة: “سيتسّبب في تراكم الأملاح وانهيار التربة، ثم تهدُّم آلاف من منازل الفلسطينيين في القطاع المكتظ بالسكان”، والنتيجة أن: “قطاع غزة سيُصبح منطقة خالية من السكان، وسنحتاج إلى مئة عام للتخلص من الآثار البيئية لهذه الحرب”، وخلاصة الأمر أن “إسرائيل”: “تقتل البيئة” في “غزة”.

كانت “غزة” تنُتج أكثر من: (05) آلاف طن من “زيت الزيتون” من أكثر من: (40) ألف شجرة زيتون في القطاع. ويرتبط “الزيتون” وزراعة أشجاره وحصاده بتقاليد راسّخة في الوجدان الفلسطيني، وتُمثل هذه الأمور ارتباطهم العميق بأراضيهم، فضلاً عن أن “الزيتون” مورد اقتصادي مهم. وقد بلغت عوائد محصول “الزيتون”؛ العام الماضي، نحو: (30) مليون دولار، أي أكثر من: (10%) من اقتصاد “غزة”.

توقف حصاد “الزيتون”؛ منذ 07 تشرين أول/أكتوبر، وأدت خطط: “الأرض المحروقة” التي اتَّبعتها “إسرائيل”؛ إلى تدمير عدد لا يُحصّى من بساتين “الزيتون”. وتُبيِّن صور الأقمار الاصطناعية التي نُشرت في أوائل كانون أول/ديسمبر، أن: (22%) من الأراضي الزراعية وبساتين “الزيتون” في “غزة” قد أتى عليها الخراب.

لطالما كان لتجريف بساتين “الزيتون” عواقب كارثية على البيئة. وأشار تقرير لدورية (ييل) للدراسات الدولية في عام 2023، إلى أن: “إزالة الأشجار أحد العوامل التي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالآثار المسّتدامة للتغيّر المناخي، وتآكل التربة، وقلة المحاصيل”، لا سيما أن: “اللُحاء الخشبي المعمِّر (لأشجار الزيتون) هو مخزن للكربون.. وتمتص شجرة الزيتون: (11) كيلوغرامًا من ثاني أكسيد الكربون لكل لتر من زيت الزيتون المنتج”.

ولا تكتفي “إسرائيل” بتلويث المياه الجوفية واقتلاع بساتين “الزيتون”، بل تُفسّد تربة “غزة” وسماءها أيضًا. فقد نشرت “منظمة العفو الدولية” وصحيفة (واشنطن بوست) الأميركية مقاطع فيديو لقنابل مضيئة وأعمدة من “الفسفور الأبيض” تنهمر على المناطق الحضرية المكتظة بالسكان.

ومن المعروف أن “الفسفور الأبيض” سّام وخطير على صحة الإنسان، ويحظر القانون الدولي استخدامه في قصف البيئات الحضرية. وفي هذا السياق، قالت “لما فقيه”، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة (هيومن رايتس ووتش): “متى استُخدم الفسفور الأبيض في مناطق مدنية مزدحمة، ينشأ عن استخدامه عواقب خطيرة، منها الحروق الشديدة لمن يتعرضون له، فضلاً عن المعاناة الممتدة طوال حياتهم”.

“الفسفور الأبيض” ليس مضرًا بالإنسان فحسّب، فالتركيزات الكبيرة منه لها أيضًا آثار ضارة على النباتات والحيوانات، مثل الإخلال بتكوين التربة، وزيادة حمضيتها، وإفقادها الصلاحية للزراعة. ومع ذلك، ينبغي الإشارة إلى أن “الفسفور الأبيض” ليس إلا سلاحًا واحدًا من وابل الذخائر المتنوعة التي استخدمتها إسرائيل في قصف “غزة”؛ خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

حرب تتجاوز آثارها كل التوقعات..

قال “روبرت بيب”، المؤرخ في جامعة “شيكاغو” الأميركية: “إن (الحرب على) غزة إحدى أشد حملات العقاب المدني ضراوة في التاريخ”. ولا يزال من الصعب الوقوف على حجم الخسائر التي تحدث في “غزة” يومًا بعد يوم، وأسبوعًا بعد أسبوع، ليس فقط على البُنية التحتية والحياة المدنية، بل على البيئة أيضًا. فكلُّ مبنى ينفجر يترك سّحابة باقية من الغبار السّام والأبخرة المسّببة للاحتباس الحراري.

وقال الدكتور “إيروم ظاهر”، أستاذ الكيمياء في جامعة “كراتشي” الباكستانية: “تفجير المواد المتفجرة في مناطق النزاع يؤدي إلى إطلاق كميات كبيرة من الغازات الدفيئة (التي ترفع من درجة حرارة الأرض وتُزيد الاحتباس الحراري)، مثل ثاني أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والجسّيمات العالقة في الغلاف الجوي”.

كشفت  دراسة أجريت عام 2020؛ إلى أن رجال الإنقاذ الذين شاركوا في إغاثة الناس في أحداث 11 أيلول/سبتمبر، بـ”الولايات المتحدة”: “كانوا أكثر عُرضّة بنسّبة: (41%) للإصابة بسرطان الدم بالقياس إلى سائر الناس”. ولا شك أن قصف المباني في “غزة” ستكون له آثار أفدح بكثير من آثار أحداث 11 أيلول/سبتمبر على مدينة “نيويورك”. وتعتقد “نسرين التميمي”، رئيسة سلطة جودة البيئة الفلسطينية، أن التقديرات البيئية لآثار ما حدث في “غزة” من المتوقع أن: “تتجاوز كلَّ التوقعات”.

إن العنف الذي تُمارسّه “إسرائيل” على الفلسطينيين في “غزة”، والدعم المذهل من قبل الرئيس الأميركي؛ “بايدن”، وفريق السياسة الخارجية التابع له، ليس لهما مثيل من قبل، لا سيما أن العالم يشهد ذلك كله لحظة بلحظة في البث المباشر في وسائل الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. وهكذا فإن “غزة” وشعبها والأراضي التي اعتاش الناس عليها طيلة قرون ما انفكت تنتهك، ومآل ذلك أن هذه الأرض ستتّحول إلى جحيم لا يمكن العيش فيه، ولا شك أن عواقب ما حدث ستبقى حاضرة لأجيال قادمة.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب