خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بعد مباحثات استمرت لمدة ثلاثة أيام في محاولة لإحتواء ما يمكن حدوثه بعد تهديد “أنقرة” بالقيام بعملية شمال “سوريا”، أعلنت “وزارة الخارجية التركية”، أمس الأول الأربعاء، أن “أنقرة” اتفقت مع “واشنطن” على إقامة مركز عمليات مشترك في شمال “سوريا”.
وسيكون هدف هذا المركز إدارة التوترات بين المقاتلين الأكراد والقوات التركية في شمال “سوريا”، بحسب بيان الوزارة.
وجاء في البيان؛ أن الجانبين اتفقا على “تطبيق أولى الإجراءات الهادفة إلى تبديد المخاوف التركية بدون تأخير”، مضيفًا: “في هذا الإطار إنشاء وبسرعة مركز عمليات مشترك في تركيا لتنسيق وإدارة تطبيق منطقة آمنة بالاشتراك مع الولايات المتحدة”.
ومن جانبها؛ قالت “السفارة الأميركية” في “تركيا” إنه: “تم الاتفاق مع أنقرة على إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا”، مضيفة أنه: “تم الاتفاق على إتخاذ إجراءات سريعة استجابة لمطالب تركيا الأمنية”.
وبيّنت السفارة أن المنطقة الآمنة “يجب أن تصبح ممرًا آمنًا في إطار الجهود المبذولة لإعادة المهجرين السوريين إلى بلادهم”.
وكان وزير الدفاع التركي، “خلوصي أكار”، قد أعلن في وقت سابق، أن المحادثات مع “الولايات المتحدة” بهدف تفادي تدخل عسكري تركي في شمال “سوريا” تجري بشكل “إيجابي”.
وقال “أكار”: “شركاؤنا اقتربوا أكثر من موقفنا. الاجتماعات كانت إيجابية وبناءة”، وفق ما نقلت (فرانس برس)؛ عن وكالة (الأناضول) الرسمية التركية.
وكان الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، قد جدد تهديده، الثلاثاء الماضي، بإطلاق عملية “للقضاء” على التهديد الذي تمثله “وحدات حماية الشعب” الكُردية المدعومة من “الولايات المتحدة”، في الشمال السوري.
لكن “واشنطن” حذرت من أن أي خطوة تركية كهذه ستكون “غير مقبولة”.
وأشار وزير الدفاع الأميركي، “مارك إسبر”، إلى أن “الولايات المتحدة” تعتزم منع أي غزو تركي أحادي الجانب في شمال “سوريا”.
وتقول “واشنطن” إنها تسعى إلى تهدئة مخاوف “أنقرة” الأمنية في “سوريا”، لكنها أيضًا ترى أن أي تدخل عسكري تركي أحادي الجانب في شمالي “سوريا” يمكن أن يعرقل استمرار هزيمة تنظيم (داعش) الإرهابي في المنطقة.
رفض سوري رسمي..
فيما أبدت “دمشق”، أمس، رفضها “القاطع” للاتفاق “الأميركي-التركي” الرامي إلى العمل على إنشاء “منطقة آمنة” في شمال “سوريا”، محمّلة الأكراد الذين أبدوا حذرًا في مقاربته بانتظار المزيد من التفاصيل، مسؤولية ذلك.
وأكد مصدر في “وزارة الخارجية السورية”، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية، (سانا): “رفض سوريا القاطع والمطلق للاتفاق الذي أعلن عنه الاحتلالان، الأميركي والتركي، حوال إنشاء ما يسمى بالمنطقة الآمنة”.
وحمّل المصدر، الأكراد، مسؤولية الاتفاق نتيجة تحالفهم مع الأميركيين.
وقال إن: “بعض الأطراف السورية من المواطنين الأكراد، التي فقدت البصر والبصيرة، وأرتضت لنفسها أن تكون الأداة والذريعة لهذا المشروع العدواني (الأميركي-التركي)، تتحمّل مسؤولية تاريخية في هذا الوضع الناشيء”.
ومع توسّع دور الأكراد في “سوريا”؛ وإنشائهم إدارة ذاتية في شمال “سوريا”، زادت خشية “تركيا” من أن يقيموا حكمًا ذاتيًا قُرب حدودها.
ولمواجهة توسّع الأكراد، شنّت “أنقرة”، منذ 2016، عمليتين عسكريتين في “سوريا”، سيطرت خلالها على مناطق حدودية. وتمكنت في العام 2018، من السيطرة مع فصائل سورية موالية لها على منطقة “عفرين”، ثالث أقاليم الإدارة الذاتية الكُردية.
ومنذ ذاك الحين؛ لم تهدأ تهديدات “أنقرة” بشنّ هجوم جديد على مناطق الأكراد في شمال وشمال شرق “سوريا”، والتي يطلق عليها تسمية، “شرق الفرات”، وينتشر فيها المئات من أفراد القوات الأميركية الداعمة للأكراد.
بداية أسلوب جديد..
وتعليقًا على الاتفاق؛ قال القيادي الكُردي البارز وأحد مهندسي الإدارة الذاتية، “ألدار خليل”، لـ (فرانس برس): “قد يكون هذا الاتفاق بداية أسلوب جديد، لكن نحتاج لمعرفة التفاصيل وسنقوم بتقييم الأمر حسب المعطيات والتفاصيل وليس إعتمادًا على العنوان”.
وأضاف “خليل”: “في جميع الأحوال لا يزال، (الرئيس التركي رجب طيب) إردوغان مصرًّا على إنهاء وجودنا”.
واشنطن تسعى لحل بين الأكراد وتركيا..
وخلال أشهر؛ سعت “واشنطن” إلى التوصل إلى حلّ بين حليفيها، “تركيا” شريكتها في “حلف شمال الأطلسي”، الـ (ناتو)، من جهة، والأكراد الذين هزموا “تنظيم الدولة الإسلامية” بدعم منها.
وأقترح الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، نهاية العام الماضي، إنشاء منطقة أمنة، لكن رؤية الأطراف لتلك المنطقة تختلف تمامًا؛ إن كان من حيث حجمها أو كيفية إدارتها.
وقدّمت “الولايات المتحدة” إقتراحات عدة، إلا أن “أنقرة” لم توافق على أي منها، واعتبرت أن ما تقوم به “واشنطن” هو مجرد محاولات لـ”كسب الوقت”.
وتطمح “أنقرة” إلى إنشاء منطقة آمنة بعرض أكثر من 30 كيلومترًا على طول حدودها داخل سوريا، على أن تسيطر عليها بالكامل وتنسحب منها وحدات حماية الشعب الكُردية، التي تصنّفها منظمة “إرهابية”.
ويرى مراقبون أن أحد أهداف “أنقرة” تكمن في محاولتها وضع يدها على مناطق جديدة في “سوريا” تعيد إليها اللاجئين السوريين لديها، وهي التي تستضيف 3,6 مليون منهم.
ومن هنا؛ كان البند المتعلق بالتأكيد على ضرورة عودة اللاجئين، أكثر ما لفت العديد من المراقبين في الاتفاق الأخير.
ويرى مراقبون أن وجود اللاجئين لعب دورًا في خسارة حزب “إردوغان” الحاكم في الانتخابات البلدية الأخيرة، ما جعله تحت ضغوط سياسية داخلية يسعى لتجاوزها. وقد ظهرت مؤخرًا مؤشرات عداء متزايد ضد اللاجئين السوريين في “تركيا”.
أما الأكراد فأكدوا أنهم أبدوا “مرونة” تجاه إنشاء المنطقة الأمنة بموافقتهم على أن تكون بحدود خمسة كيلومترات، لكن “تركيا” رفضت الطرح؛ كونها “تريد السيطرة على المنطقة وحدها”، وفق “خليل”.
ويرفض الأكراد أي وجود تركي في مناطقهم، بل كانوا طالبوا بنشر مراقبين دوليين.
ولم تثمر مفاوضات سابقة بين الطرفين، مع إصرار “دمشق” على إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل اندلاع النزاع، في العام 2011، وتمسّك الأكراد بإدارتهم الذاتية.
وحذّر الأكراد مرارًا من أنّ أيّ هجوم تركي قد يخرج الوضع الأمني عن السيطرة في مناطقهم ولن يتمكنوا بالنتيجة من حماية السجون والمخيمات التي تؤوي الآلاف من مقاتلي “تنظيم الدولة الإسلامية” الأجانب وأفراد عائلاتهم، ولا من مواجهة خلايا التنظيم النائمة.
أزمة مفتعلة من أجل سيناريو الإخراج..
وحول الاتفاق بين “الولايات المتحدة” و”تركيا” بإنشاء منطقة آمنة وهدف هذا الاتفاق، يقول الخبير في الشؤون الدولية، “عبدالله الأحمد”؛ أنه في حقيقة الأمر لا يوجد أي خلاف بين “الولايات المتحدة” و”تركيا” على المستوى الاستراتيجي، لكن تم إفتعال هذه الأزمة من أجل سيناريو الإخراج، لذلك استخدم الطرفان، (قسد) الانفصالية، فالتركي من أجل تضخيم هذا الخطر، والأميركي من أجل خلق واقع في الشرق السوري، وهذا مشروع فيدرلة وتقسيم وهو خطير جدًا، لفرض “مشروع الشرق الأوسط الكبير”، ويُعتبر “إردوغان” أحد قادته.
مضيفًا أن: “الولايات المتحدة وتركيا تريدان تكريس وضع في الشرق السوري، يشابه حالة البرزاني في العراق بإقليم كُردستان، وهذا هو المخطط (الأميركي-التركي)، الحالي والقديم الجديد”.
العلاقات تزداد تأزمًا..
من جهتها؛ تقول المستشرقة والمحللة السياسية، “كارين غيفوريان”، أنه: “من الواضح أن العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا معقدة وقد تأزمت أكثر مؤخرًا، ومع ذلك، لم يسرع البيت الأبيض في ممارسة الكثير من الضغط على إردوغان. تحاول الولايات المتحدة الحفاظ على سيطرتها على القوات الكُردية ومنع إردوغان من القيام بعملية عسكرية على الضفة الشرقية للفرات؛ والتي أعلن عنها الرئيس التركي مرارًا، لكنه لم يحدد توقيت إجراءها”.
تنسيق “أميركي-تركي” في الإرهاب..
فيما قال اللواء “محمد عباس”، الخبير العسكري السوري، إن: “الاتفاق بين واشنطن وأنقرة بشأن منطقة آمنة في سوريا” هو “تنسيق (أميركي-تركي) في الإرهاب”. ووصفه بأنه خطة بديلة بعد أن فشلت قطعان الإرهاب التي دخلت إلى الجغرافيا السورية في تنفيذ مخططاتها، وستكون هذه منقطة أمنية وليست آمنة تحت سيطرة الاحتلال التركي وستنفذ نفس العدوان ضد الدولة السورية.
واتهم “عباس”، الأكراد الاتراك المقيمون في تلك المنطقة من جذور تركية، بالتنسيق مع “أنقرة” وبتنفيذ عدوان وتنسيق غير معلن لإفساح المجال لدخول الأتراك إلى الجغرافيا السورية بهدف التمدد؛ ربما إلى منطقة “البوكمال” لمنع أي اتصال لاحق بين الدولة السورية والعراقية.
وأكد “عباس” على أن الدولة السورية هي الملاذ الأمن الوحيد للأكراد؛ والوحيدة القادرة على حمايتهم، مذكرًا بأن “تركيا” استغلت الأكراد تاريخيًا للقيام بأعمال عدائية، وأن “سوريا” لن تتخلى عن هويتها وتعتزم التنسيق مع السوريين في “شرق الفرات” والتنسيق بينهم وبين السوريين في المنطقة الجنوبية من “أدلب” وخطوط التماس لمنح الفرصة للتخلص من الوجود التركي في عموم البلاد.
الفجوة “التركية-الأميركية” تضيق..
أما الكاتب والمحلل السياسي، “ماجد عزام”، فقد قال إن: “تركيا سبق أن نفذت عمليات في الأراضي السورية، في 2016 و2018، وهناك قوات مراقبة أمنية في أدلب؛ ولم يحدث أن وقعت مواجهات مع الجيش السوري”. وإن: “النظام السوري أضعف من أن يواجه أنقرة، ولم يعد لاعبًا رئيسًا، والأمور تحسم في سوريا بين قوى إقليمية كبرى”.
وأعتبر “عزام” أن “تركيا” لديها “رغبة بالتفاهم”؛ و”هذا الممر التركي سيكون ممر سلام ونتحدث عن عودة طوعية للاجئين”، مؤكدًا أن الفجوة بين الرؤية التركية والرؤية الأميركية، بشأن عمق المنطقة الآمنة، تضيق.
وأشار “عزام” إلى أن “تركيا” لا تقوم بإجراءات إحادية، وهي عضو ناشط في آلية “آستانا” وتدعم عملية “جنيف” وتخوض حورات مع القوى الفاعلة في “سوريا”، لكنها تتعرض لأخطار في ظل “عجز النظام عن بسط سلطته”، وهي تدافع عن نفسها ضد جماعات تتبنى علانية خيارت تقسيمية.
وأضاف “عزام” أن هناك دعمًا للمطلب التركي بعودة المهاجرين إلى أراضيهم وإدارة هذه المناطق من قِبل سكان المنطقة؛ وهي خطوة بإتجاه حل سياسي وليس العكس، مشيرًا إلى أن الاقتصاد التركي كبير بما يكفي لتحمل هذه العملية الأمنية رغم المشكلات، خاصة إن اللاجئين يشكلون ورقة ضاغطة داخل “تركيا”.
“إردوغان” يؤسس لأمر واقع ليستخدمه كورقة تفاوضية..
وعن الموقف الروسي، قال مدير مكتب صحيفة (الحياة) في موسكو، الدكتور “رائد جبر”، إن: “موقف موسكو واضح ويرفض أي خطوات تهدد وحدة وسلامة الأراضي السورية، لذلك هناك فهم مشترك بين موسكو وأنقرة بضرورة مواجهة أي كيانات انفصالية مثل الكيان الكُردي، لكن الخطوات التركية أحادية الجانب تثير قلق موسكو، لأنها تفرض وجود قوات أجنبية بشكل غير واضح وغير قانوني بدون التنسيق مع دمشق”.
وأشار “جبر” إلى أن “موسكو” إقترحت تأمين ضمانات كاملة للأمن القومي التركي، الذي تتفهمة “موسكو”، لكنها تشدد على أن أي ضمانات يتعين أن تنتطلق على أساس “اتفاق أضنة”، فضلًا عن ضرورة وجود تنسيق مع الحكومة السورية.
مؤكدًا على أن “موسكو” تعتبر، الوجود الأميركي في “سوريا”، غير شرعي وتدعوهم إلى الانسحاب فورًا من “سوريا” في الوقت الذي يقوم حليفها، “إردوغان”، بالتنسيق معهم لإدارة غرفة عمليات، وقد أعربت “موسكو” عن أنه لا يمكن السماح بأن تجري الأمور في هذا الإتجاه.
وأوضح أن “إردوغان” يؤسس لأمر واقع ليستخدمه كورقة تفاوضية، مشيرًا إلى أن هناك نوع من تقسيم النفوذ في “سوريا” الآن؛ وهي معضلة تتشكل من عدة أزمات حول وضع “سوريا” النهائي، لكن السواد الأعظم من المجتمع الدولي مازال متفقًا على وحدة وسلامة الأراضي السورية رغم أن الوضع الميداني يختلف.
حل وسط لشراء الوقت لتسوية النقاط الخلافية..
وأوضح الدكتور “عاطف عبدالجواد”، المحاضر بجامعة “جورج واشنطن”، الاستراتيجية الأميركية الراهنة في الأزمة السورية هي رد فعل على مبادرات وتحركات الأطراف الأخرى، من بينها السياسات التركية، سواء في “منبج” أو التهديدات التركية للأكراد أو فيما يتعلق بالوجود الأميركي العسكري في الأراضي السورية.
وأوضح “عبدالجواد” أن خيار عودة الأكراد للتعاون مع الحكومة السورية قائم، لكن وزير الدفاع الأميركي أكد أن “واشنطن” ليس لديها أي نية للتخلي عن “قوات سوريا الديمقراطية”، إلا أن “واشنطن” تتعاطف مع الهواجس الأمنية لـ”أنقرة” والخلاف بينهما يقتصر على أبعاد المنطقة الآمنة، وستكون الغرفة المشتركة التي اتفق عليها الطرفان كحل وسط لشراء الوقت لتسوية النقاط الخلافية حول المنطقة الآمنة.
مؤكدًا على أن “واشنطن” تتحاشى أي اشتباكات مباشرة مع القوات التركية، مشيرًا إلى أن “تركيا” ليست من الغباء بأن تخاطر بمثل هذا الاشتباكات، ولنا مثال في “منبج” التي لم تجرؤ القوات التركية على الدخول إليها لوجود قوات أميركية بها، خاصة أن “تركيا” مازالت عضو في حلف الـ (ناتو) وستسعى لتحاشي أي احتمال ولو بسيط لمواجهة من هذه النوع.