خاص : كتبت – نشوى الحفني :
يعيش الشعب الإيراني مرحلة عصيبة؛ لا يجد سوى التظاهرات بديلاً للتعبير عن معاناته، إلا أنها تقابل بالتعتيم المتعمد من قِبل النظام الإيراني، الذي يجد في قطع “الإنترنت” وسيلة لمنع تلك التجمعات، ليس هذا فقط وإنما تقابل بتصفية النشطاء والمعارضين لهم، فمؤخرًا توسّع نطاق الاحتجاجات الإيرانية، على مقتل 10 من ناقلي الوقود على يد (الحرس الثوري) الإيراني، الأسبوع الماضي، إلى أجزاء أخرى من “إيران”، بينما أرسلت الحكومة الإيرانية تعزيزات إلى مدينة “سرافان” الحدودية المضطربة.
وأدى إطلاق النار، في بداية الشهر الجاري، عن مقتل ما لا يقل عن 10 أشخاص؛ كانوا يحملون وقودًا عبر الحدود، إلى احتجاجات أمتدت من مدينة “سرافان” إلى “زاهدان” و”إيرانشهر” و”خاش” و”كريم آباد” و”شيراباد” و”غلبيد”؛ ومناطق أخرى في مقاطعة “سيستان-بلوشستان”، الجنوبية الشرقية.
وأفاد شهود عيان بأن (الحرس الثوري) الإيراني فتح النار على مسيرات واحتجاجات سلمية في “زاهدان”.
وأشارت التقارير الإعلامية، إلى أنّ المتظاهرين الغاضبين أضرموا النار في عدد من المركبات الحكومية وخرّبوا المكاتب وأغلقوا الطرق، وكذلك أحرقوا مبنى إقليميًا تابعًا لقوات (الحرس الثوري) الإيراني، واحتلوا المباني الرسمية في “سرافان” و”زاهدان”.
وقد فتح “حرس الحدود” الإيراني؛ النار على متظاهرين في مركز للشرطة، في “تفتان”، جنوب غرب “بلوشستان”، ما أسفر عن مقتل أحد المتظاهرين وسقوط عدد من الجرحى.
وتحدث “محمد هادي مرعشي”، نائب محافظ “سيستان-بلوشستان”، للتلفزيون الإيراني الرسمي؛ عن الاشتباك الذي إندلع في مركز الشرطة، فيما دعت المعارضة الإيرانية، السكان المحليين، إلى مقاومة قسوة (الحرس الثوري) الإيراني ومساعدة الجرحى.
وفي أعقاب حملة القمع التي شنتها “طهران”، في مقاطعة “سيستان-بلوشستان”، أعلن الإيرانيون دعمهم للمتظاهرين “البلوش” الإيرانيين، داخل البلاد وخارجها.
احتجاجات على عدم تقاضي الرواتب..
كما تجمع، الثلاثاء الماضي، موظفو “شركة النفط الإيرانية” للاحتجاج أمام البرلمان في العاصمة، “طهران”، وذلك بالتزامن مع تظاهرات مماثلة في قطاعات الكهرباء، والسكك الحديدية، وكذلك قطاع الصحة الإيراني، وفق وكالة أنباء العمال الإيرانية، (إيلنا)، والتي تضيف أن: “موظفي العقود المؤقتة في وزارة النفط الإيرانية تجمعوا أمام البرلمان الإيراني وطالبوا بتغيير عقود توظيفهم”.
وتابعت الوكالة: “نظم متقاعدو مؤسسة الضمان الاجتماعي الإيرانية احتجاجات أسبوعية واعتصامات في جميع أنحاء إيران، احتجاجًا على عدم تقاضيهم رواتب متساوية”.
ولفتت وكالة أنباء، (هرانا) الإيرانية، المعنية بقضايا حقوق الإنسان، إلى قيام عمال “شركة السكك الحديدية”، في مدينة “كرج”، غرب “طهران”، بتنظيم وقفة احتجاجية على خلفية عدم حصولهم على مستحقاتهم، وحق التأمين من قبل الشركة المقاولة.
55 في المئة من الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر !
وذكر تقرير رسمي لـ”مركز الإحصاء الإيراني”، الصادر في آذار/مارس الجاري، إن نسبة الإيرانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر قد وصل إلى 55 في المئة، وذلك تبعًا للتأثيرات الناجمة عن “العقوبات الأميركية”، والتراجع الهائل في قيمة العُملة الوطنية، واستمرار معدلات التضخم المرتفعة، موضحًا أن: “ما لا يقل عن 50 في المئة من سكان إيران يعيشون تحت خط الفقر المطلق”، وهي النسبة التي تضاعفت عن الأرقام الواردة في بيانات عام 2011، والتي لم تتخط 18 في المئة، وارتفعت في عام 2018، إلى حوالي 24 في المئة، وفي عام 2019، وصل إلى 35 في المئة.
تسليم الإيرانيين المعارضين..
إلى ذلك، نظم مئات المعارضين الإيرانيين، من أصول كُردية، وقفة احتجاجية أمام ممثلية “الأمم المتحدة”، في “إربيل”، بـ”إقليم كُردستان العراق”، الإثنين الماضي، للمطالبة بتسوية أوضاعهم ونقلهم لدولة أوروبية؛ لتخوفهم من عمليات خطف واغتيالات قد تطالهم على يد الأجهزة الأمنية الإيرانية حال بقائهم في “العراق”.
وتأتي هذه التظاهرة، على خلفية مطالبة رئيس السلطة القضائية في إيران، “إبراهيم رئيسي”، لكبار مسؤولي “إقليم كُردستان العراق”، بتسليم الإيرانيين المعارضين الذين توجهوا إلى الإقليم.
ودعا خلال لقائه، الشهر الماضي، مع عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكُردستاني العراقي، “هوشيار زيباري”، إلى العمل مع القضاء الإيراني لتسليم من أسماهم: “المجرمين الإيرانيين الهاربين”.
مخاوف من الاغتيال..
وقال ممثل اللاجئين الأكراد الإيرانيين في العراق، “مسعود رسولي”: “إن هذه الوقفة الاحتجاجية جاءت على خلفية تخلي المنظمة الأممية عن واجباتها حيال تسوية أوضاع الفارين من بطش حكومة إيران، والخوف من تسليمهم لسلطات طهران، التي تواصل الضغط على الحكومة العراقية لاستعادتهم”.
وأضاف “رسولي”، في حديثه لموقع (سكاي نيوز عربية)، أنه منذ عام 1997، لم تقدم “الأمم المتحدة” على اتخاذ خطوات جادة تجاه المعارضين الإيرانيين، رغم أنهم في حكم المجردين من الجنسية، فهم يتخوفون العودة لبلادهم ومواجهة أحكام قضائية غير عادلة، خاصة أنهم هربوا بسبب تخوفهم من الملاحقات الأمنية لحكومة “طهران”، ولا يملكون سوى بطاقة إقامة تجدد سنويًا.
مشيرًا إلى أن “طهران” أقدمت على اغتيال 350 معارضًا، داخل “إقليم كُردستان”، وخلال الأعوام الثلاثة الماضية، تم قتل ثلاثة سياسيين من أكراد “إيران”، حيث تم تلغيم سيارة “صباح رجماني”، في منطقة قريبة من “إربيل”، وبعدها بثلاثين يومًا اغتيل في مدينة “رانية”، عضو “الحزب الديمقراطي” لكُردستان العراق، “قادر قادري”، وتلاه مقتل السياسي، “أحمد بيراني”، في قضاء “صوران”.
ممارسة القمع بضوء أخضر من “خامنئي”..
منظمة “هيومن رايتس ووتش”، أشارت في تقريرها العالمي لعام 2021، إلى أن النظام الإيراني يواصل ممارسة القمع ضد المواطنين، وذلك: بـ”ضوء أخضر” من المرشد، “علي خامنئي”.
وأوضح التقرير الأممي؛ أنه: “لم يظهر الرئيس، حسن روحاني، وإدارته استعدادًا لوقف الانتهاكات الحقوقية الخطيرة التي تمارسها الأجهزة الأمنية الإيرانية أو مواجهتها، بينما استمر المرشد في إعطاء الضوء الأخضر لهذه الانتهاكات المستشرية”.
القمع عبر الحدود..
وفي شباط/فبراير الماضي، أدانت منظمة “فريدوم هاوس”، في تقرير حمل عنوان: “القمع عبر الحدود”، قيام النظام الإيراني، باغتيال معارضيه في “تركيا والعراق وهولندا”، في السنوات الأخيرة.
وأشار التقرير، إلى اختطاف الصحافي، “روح الله زم”، مدير قناة (آمد نيوز) التلغرامية، في “العراق”، ونقله إلى “إيران”، وإعدامه لاحقًا.
وأوضح التقرير، أن حملات “القمع عبر الحدود”، ضد نشطاء حقوق الإنسان والمعارضين وعائلاتهم، الذين يأملون في الهروب من العنف في الخارج، تتزايد بإطراد.
استمرار التوجهات الخارجية..
حول الوضع الاقتصادي المذري، يرى الباحث الاقتصادي بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية، (رصانة)، “أحمد شمس الدين ليلة”، أنه لم يُعد خافيًا فداحة الوضع الاقتصادي الراهن، بعد قرابة ثلاث سنوات من “العقوبات الأميركية”، والتي أسفرت عن معدلات خطيرة من الكساد والتضخم والبطالة وعجز الميزانية، وقد تخللت تلك السنوات متغيرات دولية زادت الأمر تعقيدًا، كتراجع أسعار النفط والمعادن الأساسية والبتروكيماويات وانتشار فيروس (كورونا).
لافتًا إلى تأثيرات هذا الوضع المتأزم اجتماعيًا على الوضع المعيشي اليومي للإيرانيين، والذي: “تأثر وبشدة، خلال العام الماضي الذي شهد أكبر تراجع لقيمة العُملة المحلية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار كل شيء، وبخاصة الغذاء، ثم تراجع القوة الشرائية للإيرانيين لنحو عشرين عامًا إلى الوراء. وفق الإحصاءات الإيرانية الرسمية، فقدت الرواتب والمعاشات قيمتها الشرائية، ناهيك عن معاناة من ليس لهم دخل ثابت.
ولذلك، لا يستغرب تزايد الاحتجاجات الفئوية والعمالية في الآونة الأخيرة، في “طهران” وغيرها من المدن، بحسب المصدر ذاته، خاصة في ظل استمرار الإنفاق العسكري في الخارج، والذي لا يزال رغم التذمر والغضب الشعبي من أولويات النظام.
وتابع قائلاً: “على الرغم من شح إيرادات الموازنة والعجز المتزايد، إلا أن رفع الإنفاق العسكري بحوالي ملياري دولار على الأقل، كان من ضمن أولويات موازنة العام المالي الجديد في إيران، مما ينم عن استمرار التوجهات الخارجية ورهان القيادات على تحمل وصبر الشارع الإيراني، وهو رهان محفوف بالمخاطر”.
40 ألف إيراني يرون في “كُردستان” ملاذًا آمن..
حول قمع المعارضة الفارة إلي “كُردستان العراق”، يقول المختص في الشأن الإيراني، “عارف باوهجاني”، والذي يشغل منصب رئاسة حزب “سربستي كُردستان”: “إن إقليم كُردستان طالما كان الملاذ الآمن للفارين من المعارضين الإيرانيين”.
مضيفًا: “أن معظم اللاجئين للعراق ملاحقين من السلطات الإيرانية، منذ الحرب (الإيرانية-العراقية)، في ثمانينيات القرن الماضي، ومنهم من لجأ إلى كُردستان العراق وكنت واحدًا منهم”.
وبحسب إحصاءات غير رسمية؛ يبلغ عدد اللاجئين الإيرانيين في “العراق”، 40 ألفًا لا يملكون سوى ورقة طلب لاجيء من “المفوضية السامية لشؤون اللاجئين”، وبطاقة إقامة لمدة سنة واحدة.
ويقول “حسن رسولي”: “إن حكومة بغداد ترفض منحهم الجنسية أو الإقامة”، متسائلاً: “لماذا ترفض الحكومة المركزية منحنا الجنسية، والعديد من اللاجئين موجودين في العراق، منذ أكثر من 40 عامًا، بينما جنست مئات الإيرانيين الآخرين ؟”.