كتبت – ابتهال علي :
يتوجه الناخبون الفرنسيون في داخل البلاد اليوم، 23 نيسان/ابريل، لصناديق الإقتراع في الجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية وشبح الإرهاب وتحدياته الأمنية يخيمان على السباق نحو من سيشغل قصر “الإليزيه” خلال الخمس سنوات القادمة.. فقد أسفر الهجوم الإرهابي في شارع “الشانزليزيه”، الذى وقع قبل 72 ساعة من بدء السباق الانتخابي، عن مقتل شرطي وإصابة اثنين آخرين، وهو ما زاد من عمق الانقسامات السياسية في البلاد.
وأكد المراقبون على أن هجوم “الشانزليزيه” بلور أهمية قضايا المهاجرين والأمن الوطني والإسلام المتطرف أمام أنظار الفرنسيين وهم يتجهون لصناديق الاقتراع، خاصة أن برامج المرشحيْن ارتكزت أساسًا على الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، والإرهاب صفة عامة.
برز للعلن الصراع المرير بين المرشحين من مختلف التيارات، الذين يحملون رؤى سياسية متعارضة بشأن مستقبل فرنسا، كرد فعل لعملية “الشانزليزيه” الإرهابية.

فزاعة الإرهاب ما بين “لوبان” و”ماكرون” و”فيون”..
اتهم مرشح الوسط المستقل “إيمانويل ماكرون” أقرب منافسيه في حلبة السباق، وهما “مارين لوبان” – زعيمة الجبهة الوطنية اليمنية المتطرفة – ومرشح حزب الشعب الجمهوري المحافظ “فرانسوا فيون”، باستغلال العملية لاقتناص مكاسب سياسية قبيل الإنتخابات. واعتبر “ماكرون” أن غريماه سارعا إلى المزايدة بمشاعر الفرنسيين في أعقاب عملية داعش الأخيرة. وطالب “إيمانويل ماكرون” الفرنسيين بعدم الاستسلام “لاستغلال فزاعة الإرهاب” في الخطاب الإنتخابي.
وبالفعل، لعبت تصريحات “لوبان” و”فيون”، المتشددة، على وتر أن فرنسا في حالة حرب مع الإسلام الراديكالي، الذى نعتاه بأنه تنظيمي وتوسعي وشمولي ووحشي.
ورسمت “مارين لوبان” صورة مشرقة للحالة الأمنية في فرنسا إذا صارت رئيسة للبلاد، وأوضحت صراحة أنها ستتخذ إجراءات عملية لطرد من يشتبه بهم من الإرهابيين خارج فرنسا، وإلغاء إتفاقية “شينغن” التي تسمح لمواطني الدول الأوروبية الأخرى بالدخول لفرنسا دون قيود. ودعت “لوبان” إلى بلورة خطة هجومية ضد الإرهاب.
أما المرشح المحافظ “فرانسوا فيون”، فاعتبر أن المعركة ضد “الإسلام الشمولي” ينبغي أن تكون في قمة أجندة رئيس فرنسا القادم، وأكد على أنه سيضطلع بمهمة القضاء على تنظيم داعش. ووفقًا لصحيفة “لو نوفال أوبزرفاتور”، انطلق “فرانسوا فيون” بتصوير نفسه الفارس الوحيد الذي يملك أسرار الانتصار على التطرف الإسلامي من خلال إقتلاع جذور الإرهاب الديني من المجتمع الفرنسي.
ويظل السؤال: هل يحسم الإرهاب نتيجة الانتخابات الفرنسية لصالح اليمين المتطرف من الجولة الأولى، رغم أن البعض يتوقع بناء على نتائج استطلاعات الرأى، التي لم تفرز “مرشحًا أوفر حظًا”، أن الجولة الأولى لن تكون حاسمة، وتدور التكهنات لصالح كل من “مارين لوبان” و”فرانسوا فيون” في أنهما سيكونا فرسا السباق في الجولة الأخيرة في السابع من آيار/مايو المقبل.
والأهم.. تشير استطلاعات الرأي إلى أن أكثر من ثلث الفرنسيين يقبعون قبل ساعات من بدء الاقتراع في دائرة التردد بينما تتوقع استطلاعات الرأي ألا تتعدى نسبة التصويت 25% لما تكشفه من عزوف الكثير من الفرنسيين عن المشاركة في الإنتخابات. كما أن التكهنات تشير إلى عزم الفرنسيين من المهاجرين العرب والمسلمين الامتناع عن التصويت.
ويشير الخبراء إلى أن العملية الانتخابية في 2017 لم تفرز شخصية تتمتع بصفات قيادية والكاريزما السياسية؟
واستعرض تقرير لصحيفة “لوموند” الفرنسية نقاط الخلاف بين المرشحين فيما يتعلق بمحاور مكافحة الإرهاب، خصوصًا استمرار حالة الطوارئ وتعزيز القوات الأمنية وتصوراتهم تجاه إتفاقيات “تشينغن” ومراقبة حدود فرنسا في مواجهة طوفان الهجرة.

حالة الطوارئ.. والاستقطاب..
في أعقاب هجمات باريس الإرهابية في شهر تشرين ثان/نوفمبر عام 2015 أصدر الرئيس الفرنسي “فرانسوا هولاند” قرارًا بفرض حالة الطوارئ في البلاد وتم تمديدها ثلاث مرات ولاتزال سارية حتى اللحظة الراهنة، وتعزز حالة الطوارئ من صلاحيات وزير الداخلية الفرنسي تجاه قرارات الإقامة الجبرية وتفتيش منازل المشتبه بهم.
ولا يتفق المرشحون الفرنسيون بشأن مستقبل حالة الطوارئ، فيوجد عدد من المرشحين يرغبون في إنهاء حالة الطوارئ، بحجة أنها لم تثبت فاعلية في دحر الإرهاب عن فرنسا، مثل مرشح اليسار الراديكالي “جان- لوك ميلينشون”، ويذهب مرشحون آخرون إلى ضرورة إجراء استفتاء عام قبل تجديد حالة الطوارئ. ووعد مرشح الحزب الاشتراكي “بينوا هامون” بإجراء إصلاحات في قانون الطوارئ ترشد عملية استخدامها عبر مناقشات في “الجمعية العامة الفرنسية” في حال انتخابه.
أما “إيمانويل ماكرون”، مرشح الوسط، فقد أكد في المناظرة الرئاسية بين المرشحين الأحدى عشر بداية نيسان/أبريل الجاري، على أن إنهاء حالة الطوائ قضية “خارج نطاق المناقشة”، طالما كانت هناك تهديدات ذات طبيعة تبرر إتخاذ تحقيقات أمنية وتدابير إدارية طارئة، لذا يجب الحفاظ على فرض حالة الطوارئ حينها.
ومن الطبيعي أن يقف المرشح المحافظ “فرانسوا فيون” في صف تعزيز حالة الطوارئ ومنح رؤساء الأحياء والمدن سلطة إغلاق أماكن العبادة التي يعتقد أنها تسبب ضررًا خطيرًا للنظام العام وأمن فرنسا.
مزايدات تعزيز قوات الأمن..
يتفق أغلب المرشحين على أن البلاد في حاجة لزيادة قوتها الأمنية، وحتى عام 2014، كانت فرنسا تمتلك حوالي 140 ألف شخص من رجال الشرطة و95 ألف من رجال الدرك.
وعلى سبيل المثال، رغم أن مرشح اليمين الوسط “فرانسوا فيون” يؤيد خفض عدد الوظائف المدنية، إلا أنه يقترح زيادة عدد قوات الشرطة الفرنسية بنحو 10 آلاف فرد، ويشاركه الرأي مرشح الوسط “إيمانويل ماكرون”.
بينما تتجاوز وعود مرشحة “الجبهة الوطنية” مارين لوبان هذه الأرقام لتصل إلى 15 ألف من رجال الشرطة وزيادة رجال الجمارك بحوالي 6000 ضابط، وتعهدت “مارين لوبان” أن تستدعي قوات الاحتياط في الجيش الفرنسي فور وصولها للسلطة لإحكام السيطرة على حدود البلاد.
أسلاك الحدود الشائكة داخل أوروبا وخارجها..
وفقًا لإتفاقيات “تشنغن”، يحق لمواطني 26 دولة أوروبية، منها 22 دولة عضوة في الإتحاد الأوروبي، التنقل بحرية داخل منطقة تشنغن، وبالنسبة للحدود الخارجية تتولى وكالة خفر السواحل وحرس الحدود الأوروبية (فرونتكس) مراقبة حدود أوروبا في مواجهة تدفق المهاجرين إليها.
وتستدعي مسألة الحدود في الدعاية الإنتخابية الفرنسية مأساة اللاجئين الإنسانية وأيضًا تحدي مراقبة الحركات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم “داعش” وذئابه المنفردة.
ووعدت مرشحة اليمين المتطرف “مارين لوبان” بتعليق إتفاقات “شينغن”، التي تسمح بحرية تنقل الأفراد داخل دول الإتحاد الأوروبي، حال فوزها مع طرد الأجانب الذين يشتبه في تورطهم في عمليات إرهابية خلال شهرين من دخولها قصر “الإليزيه”.

وترى “لوبان” أن وكالة “فرونتكس” لم تعد جديرة بتنظيم عملية الهجرة إلى أوروبا بهدف تحقيق مبدأ “الحدود الوطنية” ولتعزيزه يجب خلق ستة آلاف وظيفة جديدة للجمارك والجوازات.
من جانبه، يدافع “فرانسوا فيون” عن مبدأ إزدواجية الحدود، فهو يؤيد الحفاظ على العمل بإتفاقيات “تشينغن” ومضاعفة ميزانية “فرونتكس” ثلاث مرات، ولكنه يطالب بإعادة مؤقتة لعمليات المراقبة على الحدود الداخلية” مثلما حدث بعد هجمات تشرين ثان/نوفمبر 2015.
وعلى النقيض، يعتقد مرشحون آخرون، وعلي رأسهم مرشح الوسط المستقل “إيمانويل ماكرون” ومرشح اليسار الراديكالي “جان- لوك ميلينشون”، أن الحدود الحالية وفقًا لإتفاقات “تشينغن”، وهنا يدعو “ميلينشون” لإنهاء ما اسماه “عسكرة سياسة الحد من الهجرة”.
نتابع الإنتخابات الفرنسية لنعرف: هل يمثل هجوم “الشانزليزيه” وتوقيته قبلة النجاة لليمين المتطرف، فينجح في الوصول إلى أعتاب قصر “الإليزيه” ؟.. وبالتالي يضع حجر عثرة جديد أمام مصير مسلمي فرنسا والمهاجرين من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ؟.. ينتظر العالم ما ستسفر عنه الساعات المقبلة في الجولة الأولى من الإنتخابات الفرنسية.