خاص : كتبت – نشوى الحفني :
تُظهر القرارات العراقية، في الفترة الأخيرة، سيطرة “إيران” الفعلية عليها، وما حدث مؤخرًا هو موافقة “وزارة الداخلية” العراقية، أمس، على تعيين صديق قائد (فيلق القدس) الإيراني، “قاسم سليماني”، “حيدر يوسف”، المعروف، بـ”أبوضرغام المطوري”، قائدًا للفرقة الخامسة.
وذكرت وثيقة قيادة الشرطة الاتحادية أنه: “بغرض النهوض بواقع قيادة قوات الشرطة الاتحادية؛ ولأجل إحداث التغييرات في القيادات بما تتطلبه المصلحة العامة يرجى الموافقة على إسناد منصب قائد الفرقة الخامسة بالشرطة الاتحادية من الضباط المدرجة أسماؤهم”.
وتظهر الوثيقة أسماء: العميد “حيدر يوسف عبدالله”، والعميد “محمد عبدالوهاب سكر”، والعميد “محمد جواد جعفر”.
يُذكر أن “حيدر يوسف”؛ كان آمر اللواء الخامس الخاص في قوات (بدر)، ثم نُقل إلى “وزارة الداخلية”، وترفيعه إلى عميد في “الشرطة الاتحادية” إبان فترة ولاية وزير الداخلية السابق، “محمد الغبان”.
وأثار تعيينه جدلًا واسعًا في “العراق” وسط مخاوف متزايدة من مخططات “طهران” لإضعاف المؤسسة العسكرية في “بغداد”.
مخاوف من مخططات إيرانية لإضعاف المؤسسة العسكرية..
وعبر مسؤولون عراقيون مؤخرًا عن مخاوفهم من مخططات إيرانية لإضعاف المؤسسة العسكرية العراقية؛ بعد قرار نقل الفريق الركن “عبدالوهاب الساعدي”؛ من “جهاز مكافحة الإرهاب” إلى “وزارة الدفاع”.
وتسعى “إيران” للسيطرة بشكل كلي على الملف الأمني العراقي حتى يتسنى لها تنفيذ مخططاتها في المنطقة؛ بعد أن إنتهت من تهيئة مناطق تابعة لها في “سوريا” مؤخرًا وتسليح وكلائها في كل من “لبنان” و”اليمن”.
“منظمة بدر”..
وتم إنشاء (فيلق بدر)، سنة 1982، كذراع عسكري لـ”المجلس الأعلى للثورة الإسلامية”، في “العراق”، الذي أسسه، “محمد باقر الحكيم”، بدعم إيراني، حيث بدأ بتجنيد العراقيين المنفيين في “إيران” وأسرى الجيش العراقي، خلال الحرب (العراقية-الإيرانية) لخدمة مصالحها هناك.
وبعد سقوط نظام “صدّام حسين”، عام 2003، واغتيال مؤسسها؛ تغير اسم الميليشيا الإيرانية إلى (منظمة بدر).
وكانت المنظمة، الموالية لـ”طهران”، أول من سارع للسيطرة على “وزارة الداخلية” و”وزارة الدفاع” العراقية بعد الإطاحة بـ”صدام حسين”، وقد استفادت تلك الميليشيات بفضل نظامها الطائفي من الاحتلال الأميركي لـ”العراق”، حيث استطاعت أن تسيطر على أغلب قيادات الدفاع والاستخبارات لتقوم بخدمة الأجندة الإيرانية في “العراق”.
ويترأس (منظمة بدر)، “هادي العامري”، الوزير السابق في حكومة، “نوري المالكي”، وإنخرط غالبية المقاتلين فيها في صفوف الأجهزة الأمنية العراقية، ويتولون مناصب قيادية في “وزارة الدفاع” و”جهاز الاستخبارات”، ويرتبط أغلبهم بالقيادة الإيرانية، ولا سيما بـ”قاسم سليماني”.
ويأتي تعيين “المطوري” على رأس جهاز عسكري مهم، بعد أيام قليلة من قرار رئيس الوزراء العراقي، “عادل عبدالمهدي”، استبعاد قائد قوات مكافحة الإرهاب، الفريق “عبدالوهاب الساعدي”.
القرار أثار ضجة وغضبًا كبيرًا في “العراق” بسبب الدور الكبير الذي أضطلع به “الساعدي”، خلال المعارك ضد “تنظيم الدولة الإسلامية”، وسط علامات استفهام عن أسباب القرار.
بسبب الانقسام الداخلي والتدخل الخارجي..
المراقبون رأوا إن قرار الاستبعاد جاء نتيجة الانقسام الداخلي بين القوى والأحزاب النافذة، إلى جانب التدخل الخارجي في شؤون الأمن والدفاع، خصوصًا بين حليفتي “العراق” الكبيرتين، “الولايات المتحدة” و”إيران”.
وتندد أصوات عراقية، بانتظام، التدخل الذي يطاول القوات الأمنية، وتحديدًا من جانب الإيرانيون عبر قوات (الحشد الشعبي)؛ التي صارت اليوم نظامية بفصائلها الشيعية وميليشيات أخرى موالية لها، والأميركيون عبر “قوات مكافحة الإرهاب”؛ التي أسستها وسلحتها ودربتها “واشنطن”.
ويخشى العراقيون من أن تتحول بلادهم إلى مسرح للحرب المقبلة بين “الولايات المتحدة” و”إيران” على وقع التصعيد الجاري بين البلدين في الآونة الأخيرة.
“سليماني” يسعى لإضعاف المؤسسة العسكرية بتصفية الضباط..
حول ذلك، كشف مسؤول في الاستخبارات العراقية عن مخطط إيراني للسيطرة على المؤسسة العسكرية في بلاده يقوده الإرهابي، “قاسم سليماني”، قائد ما يسمى بـ (فيلق القدس)، التابع لميليشيات (الحرس الثوري) الإيرانية.
وقال المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه خشية استهدافه من قِبل ميليشيات (الحشد الشعبي) التابعة لـ”إيران”، لموقع (العين) الإخباري، إن: “سليماني يسعى لإضعاف القوات المسلحة العراقية من خلال تصفية الضباط عبر إحالة المئات منهم للتقاعد وتنفيذ عمليات اغتيال ضد آخرين”، محذرًا من “سيطرة إيرانية كاملة على الملف الأمني”.
ولم تتوقف “إيران”، منذ سقوط نظام “حزب البعث” في “العراق” عام 2003، عن عمليات تصفية الضباط العراقيين من خلال تنفيذ عمليات اغتيال في صفوفهم لا تزال مستمرة حتى الآن.
مضيفًا أن: “سليماني يواصل منذ نحو أسبوعين اجتماعاته في بغداد مع قادة الميليشيات والمسؤولين العراقيين التابعين لإيران، ويشرف على غرفة عمليات مهمتها إقصاء الضباط العراقيين في الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب والقوات الأمنية الأخرى وتسليم الملف الأمني بالكامل للحشد الشعبي”.
ورجح أن تستمر سلسلة تصفية الضباط والقادة العسكريين والسياسيين والشخصيات العراقية المناهضة لـ”إيران” خلال المرحلة المقبلة.
خطوة لجعل العراق ساحة حرب ضد أميركا وحلفائها..
وأشار المسؤول إلى أن: “القوات الأمنية العراقية ستكون بكل صنوفها تحت سيطرة، أبومهدي المهندس، زعيم كتائب (حزب الله) العراق المقرب من، سليماني، بعد الإنتهاء من تصفية القادة والضباط الوطنيين وتعيين شخصيات مقربة من إيران في مناصبهم”.
ولفت إلى أن: “هذه الخطوات تأتي في إطار جعل العراق ساحة حرب ضد أميركا وحلفائها”.
وكشف المسؤول عن أن: “التدخلات الإيرانية وصلت إلى حد إلغاء بث مقابلة وزير الدفاع العراقي، نجاح الشمري، مع قناة (العراقية)، شبه الرسمية، التي كان من المقرر بثها في 22 أيلول/سبتمبر الجاري”.
وبحسب المسؤول العراقي فإن: “الوزير أكد خلال المقابلة أن الجيش العراقي والقوات المسلحة هي القوات الرئيسة، وأن (الحشد الشعبي) ليس سوى هيئة ستدمج في الجيش”، ملمحًا إلى أن دور الحشد إنتهى ولم يعد هناك حاجة له.
وتابع: “لكن إدارة القناة تلقت اتصالًا من، المهندس، قبل بثها بأسبوع؛ طلب خلالها إيقاف المقابلة فورًا وعدم عرضها، فاضطرت القناة إلى عرض مقتطفات قصيرة من المقابلة في نشراتها الإخبارية”.
أفرغت الجيش من أسلحته وأغرقته بالفساد..
ويرى السياسي العراقي، “مثال الألوسي”، إن: “النظام الإيراني وضع، منذ عام 2003، كل مؤسساته وخلاياه وعملائه لاستهداف القوات المسلحة العراقية التي ذاق من خلالها المر وتجرع السم”.
وأضاف أن: “نظام ولاية الفقيه الإيراني يدرك أنه جيش الدولة العراقية وليس جيش الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، فهم يخشون القدرات العراقية رغم ما وصلت إليه الدولة من ضمور وفشل”.
واستطرد “الألوسي”؛ أن: “النظام الإيراني يدرك أيضًا أن المواجهة العراقية القادمة ستكون بين زبانية المحتل الإيراني وميليشياته الإرهابية وبين أحرار العراق وما تبقى من القوات المسلحة العراقية داخل وخارج المؤسسة النظامية، وهذا الخوف خلق استمرارية استهداف القوات المسلحة وبشكل أساس استهداف ضباط وخبراء الجيش”.
وأشار إلى أن: “ميليشيات إيران نفذت، منذ الدقيقة الأولى في 2003، اغتيالات مستعجلة بحق الضباط اللامعين؛ وعلى رأسهم ضباط القوات الجوية، إضافة إلى مطاردة واغتيال ضباط الاستخبارات الضالعين في شأن النظام الإيراني وشبكاته و(الحرس الثوري) الإيراني و(فيلق القدس) الإرهابي”، مضيفًا أن: “أتبع نظام طهران آليات أخرى لتصفية الضباط العراقيين؛ منها زرع التعصب الطائفي الذي لم يستجب له إلا مجموعة من العناصر الفاسدة والوصولية مقابل مناعة ذاتية لأبناء القوات المسلحة الوطنيين”.
ولفت إلى أن: “النظام الإيراني زرع منظومات الفساد الإداري والمالي وسارع بالإعتماد على وزراء فاسدين واستغلال الأمر لبسط نفوذ لقيط على وزارة الدفاع، كل هذا في أجواء مريضة سياسية”.
وأوضح “الألوسي”؛ أن: “إيران استهدفت القوات المسلحة العراقية من خلال إفراغ الجيش من الأسلحة الطبيعية للجيوش وإغراقه بصفقات فاسدة مالية مولت إيران بهذا بمليارات الدولارات نفسها وشبكاتها الإرهابية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، بل وذهبت بعض هذه الأسلحة مباشرة إلى (القاعدة) و(داعش)؛ من خلال فساد مرعب لما يسمى بزعماء ووزراء السُنة في العراق”.
مخاوف من قدرة القوات المسلحة العراقية..
وأكد “الألوسي”؛ أنه: “مع تسارع الصراع الدولي الأميركي مع النظام الإيراني وشبكاته الإرهابية إزدادت مخاوف الثنائي، سليماني والسفير الإيراني في بغداد مسجدي، من قدرة القوات المسلحة العراقية الكامنة على كسر ظهر عملاء طهران في العراق”.
واعتبر أنه: “من السذاجة ألا نتخيل حملات منظمة بالإحالة على التقاعد أو تجميد أو تشويه سمعة الضباط الأحرار أو فتح ملفات تحقيقية؛ ناهيك عن وسائل قذرة منحرفة بغية السيطرة على القوات المسلحة العراقية التي هي فقط الآلية الوطنية القادرة على محاربة الإرهاب والشبكات المشبوهة”.
وتمكنت ميليشيات (الحشد الشعبي)، خلال السنوات الماضية، التي سبقت الإعلان عنها في عام 2014، رسميًا من التغلغل في الجيش العراقي ووزارات “الدفاع” و”الداخلية”، وإزداد هذا التوغل خلال المعارك ضد (داعش)؛ وبعد إعلان الحكومة تحرير الأراضي العراقية من التنظيم، في كانون أول/ديسمبر من عام 2017.
ولعل قرار رئيس الوزراء العراقي بتعيين عدد من قادة الميليشيات، في آب/أغسطس الماضي، بمناصب حساسة في وزارتي “الدفاع” و”الداخلية”؛ كان الدليل الأبرز على حجم التوغل الإيراني الكبير في مفاصل الدولة العراقية وسعي “طهران” إلى السيطرة على الملف الأمني بعد أن تمكنت من فرض سيطرتها على العملية السياسية وعلى الملف الاقتصادي في “العراق”.
مخطط إيراني لضرب سمعتها أمام الرأي العام..
ليس هذا الأمر فقط؛ وإنما يتحكم المفتش العام لوزارة الدفاع القيادي في ميليشيا (بدر)، “زياد خليفة خزعل التميمي”، الذي عُين من قِبل “عبدالمهدي”، في آب/أغسطس 2019، بالوزارة، حيث أحال “التميمي”؛ منذ تسلمه منصبه العشرات من كبار الضباط العراقيين إلى المحاكم العسكرية بعد تلفيق تهم فساد لهم.
المراقبون العراقيون اعتبروا إحالة “التميمي”، هذا العدد الكبير من الضباط إلى المحاكم؛ جزءًا من المخطط الإيراني لضرب المؤسسة العسكرية العراقية والإساءة لسمعتها أمام الرأي العام الداخلي والخارجي.
وأشار المراقبون إلى أن الهدف من ذلك إبراز صورة ميليشيات (الحشد) أمام العراقيين كقوة محاربة للفساد خصوصًا أن “التميمي” لا يزال يمارس مهامه كزعيم ميليشيا رغم توليه منصبًا عسكريًا حكوميًا.