9 أبريل، 2024 11:02 ص
Search
Close this search box.

الإعلامي الراحل سامي حدّاد: دوّنت في مذكّراتي الكثير من أسرار كواليس السياسات العربية على مدى نصف قرن

Facebook
Twitter
LinkedIn

كتابات – عبدالرزاق الربيعي  

بعد رحلة طويلة في الإعلام، بدأها في الـ(بي بي سي) 1970، غادرعالمنا  الإعلامي الأردني سامي حداد في لندن عن ثمانين عاما، ليترك غصّة في قلوب محبّيه، وكان قد جمعنا أكثر من لقاء في مسقط  التي زارها ليلقي محاضرة في 28 /2/2012 بقاعة “عُمانتل” بالموالح في مسقط، حملت عنوان “تأرجح الحقيقة بين الإعلام الرسمي والإعلام الخارجي الموجه” أدارها الإعلامي موسى الفرعي، وحين اقتربت منه وجدته إنسانا بشوشا لا تفارقه الضحكة، وروح المرح، حاضر النكتة، تجوّلت معه في مسقط بصحبة الاعلامي موسى الفرعي، وزارني في بيتي، وخلال جولاتنا في شوارع مسقط لاحظت احتفاء الناس به في كل مكان يحلّ به، فكانوا يحيونه، ويلتقطون معه الصور التذكارية، فالجمهور عرفه من شعره الأشيب الذي صار علامة مميّزه له، فأعطى جماليّة للشعر الأبيض، وكان الجمهور العريض قد ألف وجهه من خلال قناة “الجزيرة”الإخبارية، التي ساهم بتأسيسها، والعمل بها منذ منتصف التسعينيات إلى نوفمبر 2009 من خلالبرنامج “أكثر من رأي” الذي استضاف فيه شخصيات سياسية من مختلف الآراء، والتوجهات، ولكنّ تجربته بدأت قبل ذلك، بسنوات طويلة تعود الى العام 1965 في الـ(بي بي سي) ومن ثم العام 1970، تخللت تلك السنوات انتقالة إلى تلفيزيون الأردن دامت عاما واحدا، ليعود إليها، ويمضي أربعة عقود في الـ (بي بي سي) القسم العربي، وشغل منذ العام 1978 منصب رئيس قسم البرامج الأخبارية السياسية،  وفيعام 1994 عيّن حداد إلى الـ(بي.بي.سي) رئيسا للقسم العربي، ومقدما للبرنامج الحواري “ما وراء الخبر”، ثم انتقل إلى الجزيرة عام 1995، ليصبح بعد عام منذلك الانتقال مديرا لقسم الأخبار بالقناة لمدة ثلاثة أعوام، ثم عاد إلى لندن ليعمل في مكتب قناة ” الجزيرة” فيها، حتى وافاه الأجل.
وفي كل لقاءاتنا تلك، وجدت الحديث معه لا يقتصر على الإعلام، وتجربته الطويلة معه التي تزيد على نصف قرن، بل تمتد الى الشعر، والمسرح، والصحافة ذلك، ولم يتطرق في الحديث إلى علاقته بالشاعرة فدوى طوقان التي كشف عنها كتاب” فدوى طوقان ..رسائل حب إلى سامي حداد” الصادر عن دار أزمنة 2020 وتضمن 24 رسالة قصيرة تلقاها منها ما بين الأعوام 1975،1976،1977، وقد اعتبرها الناقد المغربي الذي جمعها عبداللطيف الوراري أنها رسائل حب، وواضح أن الإعلامي الراحل كان متكتما ومترددا في الكشف عنها، ولكن هذا ليس من الغريب في محيط الشاعرة المحافظ، وواضح أن الذي جمعهما هو الشعر، فلحدّاد مجموعة شعريّة صدرت عام 1970 عنوانها”القلوع الشاردة” وله تجارب في المسرح الذي يعشقه، ويواظب على حضور العروض المسرحية التي تقدم في لندن حيث يقيم منذ 1971، حدّثني عن سبب اختياره الاعلام، فقال “في طفولتي كنت أشارك في البرامج المدرسية باذاعة عمّان وعام 1960 تقدمت بطلب للإذاعة لكون صوتي جيدا، ولغتي العربية سليمة، وعينت، وأكملت دراستي في 1965، وتلك الفترة كانت حرجة، فسافرت الى بريطانيا لاكمال دراستي، وطرقت أبواب البي بي سي، وعن تجربته مع البي بي سي قال ” في البي بي سي تشعر أنك لا تذيع تعليقات سياسية لهذا البلد، أو ذاك، وإنما للعالم كله، وكانوا يعلموننا ألّا نقرأ الأخبار،بل نتحدث بها للناس، فعرفت أن الاعلام الجيد هو الذي يتحلى بالموضوعية، والمهنية، والحيادية، والانصاف، وفسح المجال لكل الآراء،وحين عدت للأردن عام 1970 كانت أحداث أيلول قد بدأت، فعدت إلى لندن للعمل في البي بي سي حيث قدمت العديد من البرامج  ثم أصبحت عام 1977 رئيسا لقسم البرامج الاخبارية” وعن المحطات التي يعتز بها في تجربته الاعلامية قال” في حياتي الكثير من المحطات المضيئة التي أعتز بها ومنها عملي في قناة الجزيرة وبرنامجي”أكثر من رأي” وأعتز بلقائي بالعديد من الملوك والرؤساء العرب كالحسن الثاني وحسني مبارك، والملك حسين، وعلي عبدالله صالح والكثير من قادة الدول العربية، أما عن علاقته بالشعر فقال” منذ طفولتي كنت أقرض الشعر الموزون المقفى وحين انتقلت الى لندن للدراسة والتحقت للعمل في البي بي سي كنت أجمل قصائدي وكانت في الحنين الى الوطن، والغزل” وأردف بألم” لكنني شيئا فشيئا بسبب انشغالاتي بالعمل انقطعت عن كتابة الشعر لكنني مازلت أتعاطاه بين حين وآخر”
وحول واقع الاعلام العربي قال ” خرج الاعلام العربي من طور الجمود، وبدأت الحقيقة تخرج كالنبتة من الأرض، ولكن الثمرة لم تنضج بعد،وبعض الدول العربية التي لم يصلها طوفان مايسمى ب”الربيع العربي ” بدأت تتحدث عن أحلامها ,والأهم من ذلك بدأت تظهر على وسائل اعلامها المعارضة خاصة المدجنة ليس احتراما لحرية المواطن في الحصول على المعلومة وانما خشية أن يأخذها من مصدر آخر فتكون مشوهة أو محرفة أو متأخرة خاصة أن المتلقي أصبح عنده وعي اليوم ,وسائل الاعلام الحديثة ذات المد المتسارع والتي يسميها جوزيف نيه في مقال نشره بمجلة العلاقات الخارجية الأمريكية  “القوة الناعمة” هذه القوة الناعمة ووسائل الاعلام الحديثة خلقت مايسمى بالانسان الكوني الذي يتلقى المعلومة من الخارج،بما أن هذه التقنية  من الثورة الرقمية غربية،  فهي آتية بثقافة غربية” وعن كيفية امتلاكها لخصوصيتها قال “إن كان لدينا أي هاجس من هذه المقولة علينا انشاء مؤسسات اعلامية مستقلة  تتمتع بالمصداقية والمهنية والسماح باظهار الرأي الآخر، واحترامه بناء على مقولة فولتير” قد لا أتفق مع ماتقول ولكنني سأدافع حتى الموت مع حقك في التعبير عن رأيك حتى الموت”
ثم شخّص أسباب المشكلة بقوله “تحكم وزارات الاعلام بكل بلد عربي ووجود الرقابة الى جانب الرقابة الذاتية للمشتغلين بالحقل الاعلامي فجاءت ثورة المعلومات لتحدث انقلابا في الاعلام العربي فصارت الرسائل القصيرة التي كانت يتبادل أصحابها الفكاهات  تنقل الأخبار وما يجري في الشارع من أحداث وبعضها يبالغ ولم  تستطع الرقابة الحيلولة دون وصول الأخبار الى العالم  الخارجي  فحدثت فوضى اعلامية , والمعروف أن وسائل الاعلام الغربية عندما تنقل خبر تظاهرة تقول ” هذا الفيلم من المعارضة ولم نستطع التأكد من صحته” ومع ثورة المعلومات تراجعت سيادة الدولة على احتكار المعلومة ومقص الرقيب” ووجه رسالة لؤسائل الإعلام مفادها “على وسائل الاعلام العربية أن تنتبه ولا تنجر مع تيار هذا الزخم من المعلومات من جانب واحد” وقال عن زيارته تلك ” زرت السلطنة عدة مرات، ولفتت نظري في زيارتي الأخيرة الطفرة العمرانية، والاجتماعية، والثقافية، واحترام القوانين ونظافة الشوارع، لقد كنا نسمع بالكاد عن عمان، لكن السلطنة اليوم تقف في الواجهة، وأرى أن لدى العمانيين توجها نحو القراءة والتعلم،فحين زرت معرض مسقط الدولي للكتاب لاحظت الناس من مختلف الأعمار يحملون أكياسا مملوءة بالكتب  ليكسروا المقولة الرائجة في وسائل الاعلام الغربية من أن العربي لا يقرأ”، وفي نهاية الحديث سألته إن كانت لديه نية في كتابة مذكرات، وهو الذي التقى العديد من الملوك ورؤساء الدول، فأجاب” بالطبع، فأنا أعكف على كتابة مذكراتي أتحدث فيها عن لقاءاتي بهؤلاء القادة، بدءا من الستينيات، ولحد اليوم، ومن خلال تجربتي الاعلامية، سأتحدّث عن تطور الاعلام في العالم العربي، ودخول ثورة المعلومات، والاعلام الرسمي، ومستقبل الصحافة، والحروب التي غطيتها كاعلامي كحرب اليمن في الستينيات للبي بي سي وحرب السبعين في الأردن، واكتوبر 1973 والكويت 1991 وافغانستان 2001 وحرب العراق 2003، وقد ضمّنت تلك المذكّرات الكثير من أسرار كواليس السياسات العربية فضلا عن تجاربي مع الإعلام خلال نصف قرن”.
واليوم ونحن نودّع هذه القامة الإعلاميّة نتساءل عن مصير تلك المذكرات.
رحم الله الإعلامي سامي حداد.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب