28 نوفمبر، 2024 8:53 ص
Search
Close this search box.

الإشراف على “الكارثة” .. ليس “لبنان” وحده: دول أخرى على حافة “الإفلاس” !

الإشراف على “الكارثة” .. ليس “لبنان” وحده: دول أخرى على حافة “الإفلاس” !

وكالات – كتابات :

تُعاني الكثير من الدول العربية من أزمات ديون خانقة؛ أبرزها “لبنان”؛ الذي إنهار نظامه المالي عام 2019، و”مصر”؛ التي يُسجل فيها الدين العام نسبة مقاربة من: 100% من الناتج المحلي الإجمالي، والتي تقدمت بطلب جديد لـ”صندوق النقد الدولي” للمساعدة.

ضاعفت جائحة (كورونا) أزمات ديون الدول العربية؛ وجاءت الأزمة الأوكرانية وارتفاع الأسعار المرافق لها لتزيد الأمر سوءًا؛ بحسب إدعاءات التقارير الصحافية الغربية والأميركية. والتي تزعم أنه بسبب كل هذه الأحداث؛ من الممكن أن تضطر دول عربية لإعلان الإفلاس لاحقًا، والتعثر بشكل رسمي عن سداد الديون.

ماذا يعني إعلان الإفلاس ؟

في حال أصبح فرد أو شركة في حالة عدم قدرة على الوفاء بإلتزاماته بشكل حرج، وبحيث يجب تدخل الدولة والمؤسسات القانونية، لحماية حقوق الدائنين.

لذلك يُقرر المدينون أن يبدأوا بإجراءات الإفلاس، كما أن الدائنين أيضًا يستطيعون فعل ذلك؛ وإن لم تكن هذه حالة منتشرة.

يسبق الإعلان الكامل للإفلاس؛ إجراءات قانونية كثيرة، قد تهدف بعضها إلى عدم الوصول إلى تسييل الشركة المفلسة وإغلاقها، بل مساعدتها للاستمرار وسداد ما استحق عليها من مبالغ بشكل كامل، لتعود للعمل في وقت لاحق، بحسب قانون كل بلد وإجراءاته.

لكن إذا كان وضع الشركة لا يسمح بإنقاذها، أو نفذت محاولات إنقاذ ولم تستطع الشركة الوفاء بإلتزاماتها بكل الأحوال، فعندها يُعلن الإفلاس.

بمجرد إعلان الإفلاس، تتوقف قدرة الشركة على التحكم بأصولها المالية، وتُصبح هذه المهمة من شأن مؤسسات قانونية في الدولة، أو مؤسسات موكلة بذلك من قِبل المؤسسات القانونية، ويتم احتساب هذه الأصول المالية وتقييمها، لاستخدامها في دفع الديون القائمة على الشركة، أو جزء منها.

وشبيه بذلك ما يحصل للفرد في حالة الإفلاس، ولكن إذا كانت هي نفسها من يرغب بإعلان الإفلاس، أو الطرف الذي لم يستطِع الوفاء بديونه ؟.. فماذا يحصل حينها ؟

الإفلاس السيادي..

تُعلن الدولة إفلاسها رسميًا؛ عندما تُصبح غير قادرة على الوفاء بإلتزاماتها تجاه الدائنين، وقد يحصل تعثر عن سداد بعض الدفعات بداية، دون إعلان الإفلاس، بل قد يتم الاتفاق على جدولة هذه الدفعات، لكن يحصل الإفلاس أخيرًا عندما تقتنع الدولة بعدم قدرتها على الوفاء بإلتزاماتها، حتى بعد إجراءات الجدولة وغيرها.

بعكس الشركات؛ لا يمكن أن نُقرر تسييل دولة ما بسبب إعلان إفلاسها، وإنهاء وجودها بعد أن تتعثر في دفع مستحقاتها للخارج، كما أن الدول تستطيع أن تستمر في دفع ديون أكبر من ديون الشركات.

وقبل الوصول إلى حالة الإفلاس، يمكن للبلاد أن تستمر عقودًا في دفع مستحقات الديون، عن طريق تقليل الإنفاق والتخلي عن مسؤوليات الدولة تجاه المواطنين، مع رفع الضرائب عليهم، رغم أن الديون قد تُشكل عبئًا كبيرًا على الدولة والمواطنين طوال هذه السنوات.

لكن إعلان الإفلاس بشكل رسمي، يعني أن الدولة قد تكون مجبرة على نقل قوتها وقدرتها السيادية المحلية إلى جهات عالمية، لتتمكن الجهات الخارجية والمقرضون من التحكم تمامًا بالاقتصاد، لتحصيل ثمن الديون.

وإن قررت الدولة إعلان إفلاسها، دون تمكين الأطراف الخارجية من التحكم بالاقتصاد، أو الرغبة بتطبيق الشروط اللازمة للتأكد من القدرة على جمع الأصول المالية الخاصة بالدولة، والكافية لسداد ثمن الديون؛ فإن ذلك يعني أن الدولة ستقع في خطر ألا تستطيع الاستدانة في المستقبل بالمطلق؛ أو بأسعار فائدة مرتفعة جدًا.

قد يظن البعض أن التخلص من عبء الديون الحالية، مع عدم التمكن من الاستدانة في الخارج حل جيد، لكنه فعليًا حل سييء جدًا، لأن الدولة تُراكم الدين خلال السنوات، عن طريق مراكمة عجوزات ميزانية الحكومة.

وتضطر الدولة إلى إقرار ميزانيات يكون الإنفاق فيها أعلى من موارد الدولة، وبالعادة ما تكون هذه الزيادة ضرورية جدًا للاقتصاد والتنمية، ولا يمكن ببساطة الاستغناء عنها، والإكتفاء بالصرف على قدر الموارد المتوفرة فقط.

لذلك تضطر الدولة لأن تستدين ما تبقى مما تحتاج إنفاقه؛ زيادة على ما تستطيع توفيره بمواردها المحلية فقط.

وعندما تصل الدولة إلى مرحلة إعلان الإفلاس؛ فإنها بالغالب تكون قد وصلت إلى حالة اقتصادية صعبة جدًا، تحتاج فيها إلى الاستدانة من الخارج أكثر مما مضى.

لكن وبشكل عام؛ فإن الدول تستطيع إعلان الإفلاس دون أن يترتب على ذلك أي آثار قانونية، لأن سيادة الدولة في القانون الدولي أعلى من حقوق الدائنين، لكن هل ستستطيع الدول التي تُريد مثل هذا الحل أن تُسّير اقتصادها مستقبلاً دون مساعدة الخارج ؟.. وإذا قررت أن تعود للجوء للخارج؛ فإن ذلك سيكون أعلى ثمنًا وتكلفة من قبل.

الدائنون المحليون والأجانب..

يقتصر أمر إعلان الإفلاس على الديون المقومة بعُملات أجنبية، فبالنسبة للديون المقومة بالعُملة المحلية، فالأمر مختلف؛ فـ”البنك المركزي” المحلي مخول بطباعة العُملة، ويستطيع في أي وقت أن يزيد من حجم المال في الاقتصاد، ليتأكد من سداد الديون المحلية، وإن كان في ذلك مخاطرة بالاقتصاد وارتفاع الأسعار.

أما بالنسبة للديون الأجنبية؛ فالأمر مختلف؛ فكلما طبعت أموالاً محلية أكثر؛ أصبحت قيمة العُملة المحلية أقل بالنسبة للعُملة الأجنبية، طالما أن طباعة النقد لم تترافق مع ارتفاع متناسب في الإنتاج وحجم الاقتصاد.

لذلك لا يمكن زيادة طباعة النقود المحلية بهدف سداد الديون الخارجية؛ والتي تقوم بالعمُلات الأجنبية.

أسباب وآثار إعلان الإفلاس..

من النادر أن تُعلن دولة إفلاسها، وليس هناك حالات كثيرة من التاريخ، وبالمجمل لا يُعلن الإفلاس إلا في حالات متطرفة جدًا.

وقد لا تقتصر أسباب الاضطرار للإفلاس على الأسباب الاقتصادية الخالصة فقط، بل قد يؤدي الاحتقان السياسي الشديد إلى الإفلاس أيضًا، خصوصًا إذا ما ترافق ذلك مع إنفاق حكومي كبير، وإدارة سيئة للدين العام، كما قد يُساعد الظرف الاقتصادي العالمي السييء على الوصول إلى تلك المرحلة أيضًا.

في الحالة الطبيعية؛ وقبل أن تحصل الدولة على أي قروض، يقوم المحللون الماليون بدراسة وضع البلد المتقدم للاقتراض، وعليه يعطونه سعر فائدة مناسب للمخاطر التي يحتملها القرض، وأحدها خطر أن تتخلف الدولة عن السداد مستقبلاً.

وعندما تبدأ حالة دولة ما بالتدهور اقتصاديًا؛ وقبل الوصول إلى مرحلة إعلان الإفلاس؛ يبدأ المقرضون برفع أسعار فائدتهم، لأنهم يرغبون بالحصول على ربح أكبر مقابل مخاطرتهم الأكبر باحتمالية الوصول إلى الإفلاس.

أما بعد الإفلاس، فإن المستثمرين لن يرضوا بإقراض البلد أصلاً، وربما يوافق بعض المقرضين على تقديم الديون ضمن أسعار فائدة تعجيزية، وشروط صعبة التطبيق، لضمان حقه في المستقبل.

أما ما بعد الإفلاس، فهو المزيد من العوامل التي أدت إلى الإفلاس أصلاً، فإعلان الإفلاس يعني زيادة سوء الأوضاع الاقتصادية، مع تضاعف التوتر السياسي داخل البلاد، وإذا قرر البلد عدم سداد ديونه فهذا يعني مشاكل مع الخارج، بينما لو قرر سداد الديون؛ فذلك يعني فرض إجراءات تقشفية، هي مجرد تعميق للإجراءات التي تم تطبيقها سابقًا في الغالب.

جزء من تاريخ الإفلاس والتعثر للدول المختلفة..

هناك دول قليلة فقط لم تُعلن في يوم ما تعثرها رسميًا عن دفع الديون في التاريخ المعاصر؛ بين هذه الدول كل من: “كندا، الدنمارك، بلجيكا، فنلندا، ماليزيا، موريشيوس، نيوزيلندا، النرويج، سنغافورة وبريطانيا”.

لكن ذلك لا يعني أن هذه الدول لم تُعانِ من أزمات مالية واقتصادية في السابق؛ فعلى سبيل المثال عانت “بريطانيا” من: 12 أزمة مصرفية؛ في الـ 200 عام الماضية، لكن الأزمات المالية لا تعني بالضرورة أن تضطر الدولة للتعثر وإعلان الإفلاس.

وبعكس المشهور؛ فقد تعثرت “الولايات المتحدة” عن دفع ديونها أكثر من مرة في التاريخ المعاصر، وإن اختُلف على إمكانية وصف بعض هذه الحالات بالتعثر.

في عام 1933، وفي قمة “الكساد العظيم”؛ الذي ضرب العالم، بدأ الكثير من المواطنين الأميركيين بتحويل السندات التي يملكونها إلى “الذهب”؛ لأن عقود هذه السندات كانت تحتوي على شرط ينص على أن الحكومة مُلزمة بالدفع بـ”الذهب”؛ إذا طلب صاحب السند ذلك.

لكن الحكومة لم تكن لتستطيع توفير كل “الذهب” الذي يُريده الناس في ذلك الوقت؛ فالنظام المصرفي لا يمكنه الصمود إذا أراد الجميع سحب أموالهم في نفس الوقت، لذلك قررت الحكومة أن هذا الشرط في السندات مخالف للسياسة العامة، ولذلك تم إلغاؤه، وفرضت قيودًا على التحويل لـ”الذهب”، وهو تعثر عن دفع الإلتزامات بشكل أو بآخر.

كما أن “الولايات المتحدة” قررت عدم الوفاء بإلتزاماتها ضمن نظام: “قاعدة الذهب”، والذي كان يقضي بأن تحتفظ “الولايات المتحدة الأميركية” بأغلب احتياطات العالم من “الذهب”، على أن يُثبت سعر “الدولار” بالنسبة إليه، وتُثبت العُملة الأخرى بالنسبة لـ”الدولار”.

وكان الشرط هو أن “أميركا” مُلزمة بأن تستبدل “الذهب”؛ بـ”الدولارات”، في أي وقت، وطالما كان هناك دولة تمتلك “الدولار”، وتُريد أن تستبدله بـ”الذهب”، فعلى “أميركا” الموافقة وفعل ذلك، لكنها في عام 1971 رفضت الأمر، معلنةً بذلك نهاية: “قاعدة الذهب”، وبدء نظام جديد يقوم على تحديد أسعار العُملة في السوق، وهو تعثر عن دفع الإلتزامات أيضًا، لكن بالطبع لن تكون حالة “أميركا” مشابهة لحال دولة عربية إذا قررت عدم إلتزاماتها.

عاشت “الأرجنتين واليونان”؛ في العقود الأخيرة، تجربة تعثر غير كاملة، فقد عرضت “الأرجنتين”؛ في عام 2001، دفع ثُلث قيمة ديونها للدائنين، أما مقرضو “اليونان” عن طريق السندات؛ فقد تحملوا خسارة وصلت إلى: 50% من قيمة استثماراتهم، بحسب موقع (The Independent).

لكن الدول العربية تمتلك اقتصادات أضعف بكثير من اقتصادات غيرها من الدول ذات التاريخ في التعثر، ولذلك فمن المتوقع أن تكون الآثار الاقتصادية والسياسية لإعلان الإفلاس ضخمة جدًا في حال حصلت، وهو أمر غير مستبعد اليوم في “لبنان” على سبيل المثال.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة