خاص: كتبت- نشوى الحفني:
كانت مؤشرات الإرهاب لعام 2023؛ منخفضة بشكلٍ ملحوظ بالنسّبة لنشاطه في عدة دول بالشرق الأوسط وإفريقيا، بعد تلقي تنظيماته ضربات موجعة من السلطات، لكنه انتعش في الدول الغارقة في صراعات داخلية وأزمات اقتصادية خانقة.
ويُعتبر تنظيما (داعش) و(القاعدة) هما الأبرز على الساحة في هذا العام في تنفيذ الهجمات، بينما جاءت “باكستان” ودول في منطقة “الساحل” و”الصحراء”؛ بـ”إفريقيا”، الأكثر تضررًا وتلقّيًا لهذه الهجمات، وجاء “الصومال والعراق” الأكثر نجاحًا في هزيمة الجماعات الإرهابية.
فقد انخفضت أنشّطة تنظيم (داعش) بمعدل أكثر من النصف؛ مقارنة مع العام المنصّرم، كما أن قادة التنظيم تكبدوا خسائر.
والتزم فرع التنظيم في “مصر” الهدوء هذا العام، لينضم إلى الفرعين النائمين الآخرين في: “ليبيا واليمن”. وفي غضون ذلك، تبنى فرعه في “أفغانستان” المسؤولية عن جزء يسّير فقط مقارنة بعدد الهجمات التي تبنّى المسؤولية عن تنفيذها العام الماضي.
كما أن عمليات التنظيم في “إفريقيا” تبنّت عدد هجمات أقل، باستثناء فرع “الساحل”، الذي توسّع في شرقي “مالي”، وتبّنى هجمات كبيرة في “النيجر”، وركز على أنشطة دعائية.
ووفقًا لبيانات جمعتها وحدة المتابعة الإعلامية؛ في (BBC)؛ تبّنى تنظيم (داعش) المسؤولية عما مجموعه: (838) هجومًا على المستوى العالمي في 2023، باستثناء شهر كانون أول/ديسمبر، مقارنة: بـ (1811) هجومًا خلال نفس الفترة من العام الماضي، وهو ما يعني انخفاضًا في الهجمات بنسّبة: (53 في المئة).
“داعش” في سورية والعراق..
في آب/أغسطس 2023؛ أعلن (داعش) مقتل زعيمه؛ “أبو الحسين الحسيني القرشي”، خلال اشتباكات في “إدلب”؛ شمال “سورية”.
ونفّذ التنظم في “سورية”: (336) عملية في شمال “سورية والعاصمة؛ “دمشق”، قتلت: (700) مدني وعسكري.
كما واجه التنظيم ردعًا من السلطات في “العراق”؛ حيث تم قتل واعتقال: (200) إرهابي، بينهم: (135) على مستوى قيادي، وفقًا لـ”جهاز مكافحة الإرهاب” العراقي.
وسبق وأن أكّد عضو “لجنة الأمن والدفاع” بالبرلمان العراقي؛ النائب “ياسر إسكندر وتوت”، في تصريحات صحافية، أن: “نشاط خلايا (داعش) تراجَع بنسّبة: (90 بالمئة) خلال النصف الأول من 2023، إلا أن خطر التنظيم لم ينتهِ، إذ إن هناك خلايا مبعثرة”.
الإرهاب في غرب إفريقيا..
برزت في غرب إفريقيا هذا العام؛ جماعة (نصرة الإسلام والمسلمين)، التابعة لتنظيم (القاعدة)، وتنظيم (داعش الصحراء الكبرى)، استغلالاً للفوضى الأمنية.
وزادت (نصرة الإسلام والمسلمين)؛ هجماتها على القوات الحكومية في “جاو” و”تمبكتو”؛ في “مالي”، مع فرض حصار حول “تمبكتو”؛ في آب/أغسطس.
تُمثّل منطقة “الساحل”؛ (وسط وغرب إفريقيا)، (43 بالمئة) من وفيات الإرهاب عالميًا، وفقًا لتقرير “مؤشر الإرهاب العالمي”، ويتركّز: (87 بالمئة) من العنف في “بوركينا فاسو” و”مالي”.
أكثر من ثُلثي عدد القتلى المبلّغ عنه: (14867) بسبب المعارك، وهو أعلى نسّبة حدثت خلال العقد الماضي، وفقًا لـ”مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية”؛ ومقره “واشنطن”.
كما عزّز (داعش) وجوده في المثُلث الحدودي بين: “بوركينا فاسو ومالي والنيجر”، منذ انسّحاب القوات الفرنسية من “مالي”؛ 2022.
متوسّط هجمات (نصرة الإسلام والمسلمين)؛ بلغ: (05) هجمات شهريًا؛ بين تشرين أول/أكتوبر 2022؛ وشباط/فبراير 2023، وتراجعت إلى: (05) في آذار/مارس ونيسان/إبريل مجتمعين، ثم عادت لزيادة الهجمات لتُصبح: (05) في آيار/مايو، خاصة في “بنين” و”توغو”، منها ذبح: (15) مدنيًا بـ”بنين”؛ في 01 آيار/مايو.
الإرهاب في القرن الإفريقي..
حقّق الجيش الصومالي نجاحات في طرد حركة (الشباب) الصومالية؛ من مناطق كانت رئيسة للحركة، منها محافظة “مدغ”؛ بولاية “غلمدغ”، في أيلول/سبتمبر.
ويُعد استعداد بعثة “الاتحاد الإفريقي” الانتقالية في “الصومال”؛ (أتميس)، لاستكمال انسّحابها في عام 2024، شهادة على التقدّم الذي أحرزته الحكومة في مكافحة الإرهاب.
في المقابل؛ زادت حركة (الشباب) نشّاطها في “كينيا” المجاورة، بالعبوات الناسّفة وقطع الرؤوس.
الإرهاب في أفغانستان..
نفّذ تنظيم (داعش خراسان)؛ في “أفغانستان”؛ خلال 2023، وهو أحد خصوم حركة (طالبان)؛ التي تحكم البلاد، هجمات أسّفرت عن مقتل: (68) شخصًا، بينهم: (21) من (طالبان)، وإصابة: (215) شخصًا، بعضها استهدف “وزارة الخارجية” ومدينة “مزار الشريف”.
الإرهاب في باكستان..
كان عام 2023؛ ثقيلاً على “باكستان”، بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة والهجمات الإرهابية المتتالية:
ففي 12 كانون أول/ديسمبر؛ اقتحم مسّلحون بشاحنة ملغومة مركزًا للشرطة في “إقليم خيبر”؛ بـ”ختونخوا”، مما أسّفر عن مقتل: (23) جنديًا على الأقل، وبعض المهاجمين، وأعلنت حركة (الجهاد) الباكستانية مسؤوليتها، وهي حركة ظهرت مؤخّرًا، وتقول إنها تابعة لحركة (طالبان باكستان).
في كانون ثان/يناير، فجّر انتحاري نفسه في مسجد داخل مجمع للشرطة في “بيشاور”؛ ما تسبّب في مقتل أكثر من: (80) من رجال الأمن.
واقتحم مهاجمون من (طالبان باكستان)؛ مبنى للشرطة في “كراتشي”، في شباط/فبراير؛ وقُتل: (05) أشخاص.
واستهدف تفجير انتحاري؛ في 31 تموز/يوليو، تجمّعًا لحزب (جمعية علماء الإسلام)؛ في “باجور”، أودى بحياة أكثر من: (50) شخصُا، وأعلن تنظيم (داعش) مسؤوليته.
وخلال احتفالات المولد النبوي في “بلوشستان”؛ في 29 أيلول/سبتمبر، استهدف تفجير موكبًا دينيًا خاصًا بالاحتفال؛ ما أسّفر عن مقتل: (58) شخصًا، وإصابة: (80) آخرين.
وحسّب تقرير “المعهد الباكستاني لدراسات الصراع والأمن”، فإن 2023؛ شهد أعلى معدل للهجمات من عام 2014.
الإرهاب في جنوب شرق آسيا..
عمَّ الهدوء جنوب شرق “آسيا” فيما يخص النشاط الإرهابي هذا العام، حتى فوجئت “الفلبين” بهجوم إرهابي بعبوة ناسّفة على قُداّس للروم الكاثوليك في مدينة “ماراوي”، يوم 03 كانون أول/ديسمبر.
وأعلن (داعش)؛ في بيان على (تلغرام)، مسؤوليته عن الهجوم الذي قتل: (04) أشخاص وأصاب: (50) آخرين، ووفق وزير الدفاع، فإن الهجوم جاء بعد عملية عسكرية استهدفت جماعات مؤيّدة لـ (داعش)؛ جنوب البلاد.
توقعات بزيادة الهجمات..
وحول ما يمكن أن يحدث خلال 2024؛ يتوقع “معهد أبحاث السياسة الخارجية”؛ (مقره فيلادلفيا في الولايات المتحدة)، أن يظل مركز الإرهاب هو “الساحل”؛ بـ”إفريقيا”، في غياب الرادع اللازم واستمرار الاضطرابات الداخلية.
كما توقع زيادة قوة (داعش) في “النيجر”؛ ستسّمح له بتعزيز علاقاته مع جماعات متطرّفة في “نيجيريا” وتنفيذ هجمات هناك، وأن تتمدّد جماعة (الإسلام والمسلمين) جنوبًا في “بنين” و”توغو”.
كذلك يُرجّح المعهد أن تظل حركة (الشباب) أقوى الجماعات في “القرن الإفريقي”، وتُمثّل تهديدًا لـ”كينيا وإثيوبيا والصومال”.
وقد يشهد مستقبل الإرهاب في الشرق الأوسط تحوّلاً؛ ربما مؤقّتا، من النموذج الذي تُهيمن عليه الجماعات السّلفية؛ (السُنية)، إلى الجماعات الشيعية التي ترعاها “إيران”.
وفي “باكستان”؛ قد تتزايد الهجمات ما لم تستطِع قوات الأمن قمع الجماعات المتطرّفة.
ما هو تأثير الحرب في “غزة” ؟
يُعتقد أن العمليات العسكرية ضد تنظيم (داعش)، والمنافسة من التنظيمات الأخرى في بعض الدول؛ ومن بينها “الصومال” ومنطقتي “الساحل” و”بحيرة تشاد” و”سورية”، هما من بين العوامل المسّاهمة في تراجع نشاطات التنظيم.
ويستغل تنظيم (داعش) الحرب في “غزة”؛ للتحريض على شّن هجمات على مستوى العالم، وتُعتبر الخسائر في صفوف القيادة – والغموض النسّبي حول هوية القيادة الحالية – عاملاً رئيسًا أيضًا.
لكن لا تزال هناك المئات من هجمات تنظيم (داعش)، وبخاصة في “إفريقيا”، كما يواصل التنظيم عمله في العديد من الدول من خلال استغلال نقاط الضعف السياسية والأمنية والمجتمعية.
وقد يُنظرُ إلى الحرب في “غزة” باعتبارها واحدة من هذه: “الفرص” من قبل تنظيم (داعش) وغيره من التنظيمات المتطرفة الأخرى، التي قد تسّعى لإيجاد طرق لاستغلال الصراع في إعادة توجيه الغضب إلى أعدائها؛ بحسب الآلة الدعائية الأميركية والغربية المضللة.
وتُفيد التقارير الآن؛ بأن قرابة: (21) ألف شخص قُتلوا وأكثر من: (52) ألفًا جرحوا في “قطاع غزة” منذ بداية الحرب، التي جاءت بعد أن أدى هجوم (حماس) على “إسرائيل”؛ في 07 تشرين أول/أكتوبر، إلى مقتل: (1200) إسرائيلي؛ (وأسر 240 آخرين واحتجازهم كرهائن).
وبينما دعا تنظيم (القاعدة) المسلمين إلى المشاركة في القتال إلى جانب المسلحين الفلسطينيين، فإن استجابة تنظيم (داعش)، المنشورة في جريدة (النبأ) الأسبوعية التابعة للتنظيم، لم تحمل أي إشادة بالفصائل الفلسطينية، ولم تدعُ المسلمين إلى دعم (حماس).
وكان التنظيم قد اتهم (حماس)؛ في السابق، بقمع أتباعه في “قطاع غزة”. وبدلاً من ذلك، ركز تنظيم (داعش) على التحريض على تنفيذ هجمات انتقامية على مستوى العالم، من بينها هجمات ضد الحكومات العربية التي اتهمها: بـ”حماية” إسرائيل.