كتب عبود الجابري : لا يمكن الحديث عن المشهد الثقافي العراقي بعيدا عن العوامل التي تتحكم فيه بشكل مباشر أو غير مباشر، ولا سيما العامل الأمني وانشغال مؤسسات الدولة والمواطنين بتفاصيل إنسانية تتعلق بالمعاناة الإنسانية للنازحين من المدن التي تقع تحت سيطرة داعش ومن ثمّ التربص الحثيث لأخبار استعادة تلك المدن، واللغط الكثير الذي خلفته فعاليات بغداد عاصمة الثقافة العراقية 2013 من شبهات فساد وعدم ارتقاء بعض تلك الفعاليات إلى عنوان المناسبة وبؤس انتشار الكتاب المنتج في المؤسسة الثقافية الرسمية رغم الهدر الكثير للأموال وتعدّد الفعاليات التي تمّ تنفيذها في حينه.
تبدو الجهود الفردية للمبدعين العراقيين أكثر إخلاصا ودأبا في تحقيق الذات الإبداعية للفرد العراقي داخل العراق وخارجه، ويدل على ذلك أن الجوائز التي حصلت عليها أسماء مبدعة في المجالات كافة كانت نتاج جهود فردية أو جهود مؤسسات صغيرة تم إنشاؤها لخلق نوع من التوازن أو التعويض عن غياب الدور المنظم للمؤسسة الثقافية الحكومية رغم الفارق الكبير في الإمكانيات، كذلك أدّى ضعف توزيع الكتاب العراقي إلى تأسيس دور نشر حديثة تحاول أن تختط سياسات وتقاليد رصينة تفضي بالكتاب العراقي إلى أن يجد طريقه إلى القارئ العربي وأن يكون في متناوله من خلال المشاركات المنتظمة في معارض الكتاب وتوزيع الإصدارات عبر منافذ ثابتة تتولى ذلك في الأوقات الأخرى من السنة.
في كردستان العراق يبدو المشهد مختلفا، ربما بسبب الاستقرار الأمني الذي منح المنطقة بنية تحتية صالحة للتخطيط بشكل أفضل، الأمر الذي أدّى إلى خلق أجندة ثقافية ثابتة للمهرجانات ومعارض الكتب، هذا الثبات الذي تفتقر إليه الفعاليات الثقافية في بغداد والمحافظات والذي يمكن أن يكون نتاجا لخلافات تمويلية بين وزارة الثقافة والحكومات المحلية لبعض المحافظات وآخرها محافظة البصرة التي تتولى دعم مهرجان المربد الشعري، تلك الخلافات التي قادت إلى تأجيل المهرجان إلى مطلع العام القادم.
كما أن كثرة المهرجانات المحلية التي يتم عقدها في المحافظات، رغم سعيها إلى أن تكون متنفسا للمبدعين العراقيين وتنشيط الحراك الثقافي في البلد، إلا أنها تبدو نسخا مكررة يتمّ انتقالها من محافظة إلى أخرى، إضافة إلى ارتباط تسميات الكثير من تلك المهرجانات بمناسبات دينية، الأمر الذي يجعل موضوعاتها مرتبطة بتلك المناسبات.
مهرجانات ومعارض
لم يغب المسرح العراقي عن الساحة حتى في أحلك الظروف فهناك فرق مسرحية عاملة في جميع المحافظات العراقية تناضل لتأصيل ارتباطها بالمشاهد متحدية ما يحيط بها من تقاليد اجتماعية ودينية تمنعها من الانطلاق صوب ما يدور في أذهان القائمين عليها من مشهدية تتماشى مع تاريخ المسرح العراقي، وجاءت فعاليات الدورة الأولى من مهرجان المسرح العراقي على خشبة المسرح الوطني بعد تأهيله من آثار الدمار التي لحقت به، نتاجا حقيقيا لجهود الفنانين العراقيين هناك.
مثلما يبدو فإن مهرجان بغداد السينمائي في دورته السادسة مثل بؤرة ضوء مشعة، من خلال مشاركة 125 فيلما من 40 دولة. المهرجان الذي تنظمه منظمة سينمائيون عراقيون بلا حدود تضمن مسابقات: الفيلم الروائي الطويل، والفيلم الروائي القصير، والفيلم الوثائقي، بشراكة مستمرة منذ ثلاث سنوات مع مهرجـان كليرمون فيران الفرنسي.
كذلك انطلقت في محافظة بابل، خلال شهر أبريل، فعاليات الـدورة الرابعة لمهـرجان بـابل العالمي للثقافة والفنون بمشاركة عدد كبير من المثقفين العراقيين والعرب والأجانب.
وتمّ إهداء تلك الدورة إلى العاصمة بغداد تقديرا لتاريخها الفكري والثقافي تماشيا مع أعراف المهرجان بإهداء كل دورة إلى محافظة عراقية.
وكان لكردستان العراق نصيبها من المهرجانات كمهرجاني السليمانية ودهوك العالميين للأفلام السينمائية، لتأتي فعاليات مهرجان كلاويز الثقافي كختام للعام الثقافي العراقي في دورته الـ19، تحت شعار “الأفكار الجريئة شعلة للتنوير”.
كما كان للفن التشكيلي العراقي نشاط ملحوظ داخل العراق عبر المعارض الفنية التي كانت تقام في صالات العرض العراقية لجميع مفردات الفنون من رسم ونحت وخط، ويبدو كذلك نشاط التشكيليين العراقيين مشرفا في البلاد العربية والعالم عبر حضورهم الدائم في المعارض والمسابقات العالمية وصالات العرض.
لعلّ أهم ما يمكن الإشارة إليه في الفعل الثقافي المتعلق بالكتاب داخل العراق هو تلـك المبـادرة المهمـة التـي تحمـل عنـوان “أنا عراقي، أنا أقرأ” والتي تعتبـر من المبـادرات النادرة والهادفة إلى التشجيع على القراءة عبر الكتب التي تصل إليها كتبرعات من الكتـاب والقـائمين على صنـاعة الكتاب هناك.
وعدا معارض الكتب التي كانت تقام في المحافظات العراقية جميعها، كان هناك معرض بغداد الدولي الثالث للكتاب الذي نظمته وزارة الثقافة العراقية ومعرض أربيل للكتاب الذي تشرف على تنظيمه كل عام مؤسسة المدى الثقافية.
السينما رسول للعراق
كانت السينما العراقية خلال عام 2015 رسولا يحمل ما يمكن أن يقوله العراق في المحافل العالمية، ورغم حداثة عهدها واعتمادها على إمكانيات فردية أو دعم من مؤسسات صغيرة إلا أنها حصلت على جوائز مهمة في العديد من المهرجانات العالمية عبر تقديم صورة المشهد العراقي السياسي والاجتماعي الملتبس.
لقد فاز الفيلم العراقي “تحت رمال بابل” بجائزة مدينة فينيسيا (البندقية) في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي 2015، وفيلم “هدية أبي” للمخرج الشاب سلام سلمان، بجائزة “الدب الذهبي” كأفضل فيلم قصير من مهرجان برلين الدولي لعام 2015، أما فيلم “وطن: العراق سنة صفر” لمخرجه عباس فاضل فقد نال جائزة مهرجان السينما السويسري، وفيلم أوديسا عراقية للمخرج سمير جمال الدين حصل على جائزة نتباك التي تمنح للأفلام الآسيوية، وفيلم “صفعة” للمخرج صلاح منسي، على الجائزة الفضية في مهرجان قابس السينمائي بتونس، بعد أن حجبت الجائزة الذهبية، وحصد الفيلم العراقي “شعب بلا وطن” لمخرجه وارث كويش جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان “مزنة” للفيلم العربي الذي تحتضنه ولاية مينيسوتا الأميركية خلال النصف الأول من نوفمبر الحالي، وفاز فيلم “الرئيس” للمخرج العراقي الكردي رزكار حسين بأفضل فيلم في مهرجان دبي السينمائي في دورته الثانية عشرة في مسابقة المهر الخليجي القصير، وفاز الفيلم العراقي “صمت الراعي” لمخرجه رعد مشتت، بجائزة أحمد الحضري في مهرجان الإسكندرية السينمائي، كذلك حصل فيلم “خزان الحرب” للمخرج السينمائي يحيى العلاق على جائزة أفضل إخراج وأفضل تصوير وأفضل فيلم ثان في مهرجان أصوات السينمائي الدولي الذي أقيم في البحرين.
أبرز الراحلين
رحل الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد الذي أثار رحيله وجهات نظر متباينة في الوسط الثقافي العراقي والعربي، وجهات النظر تلك كانت تحتكم إلى علاقته برئيس النظام العراقي وتكريس شعره بمجمله لمديحه وعلاقته بالسلطة.
كما فارقنا الشاعر مؤيد الراوي أحد أبرز مؤسسي “جماعة كركوك الأدبية” وقد توفي عن سن 76 عاما في أحد مستشفيات العاصمة الألمانية برلين، بعد يومين على صدور مجموعته الشعرية “سرد المفرد”.
وتوفي أواخر هذه السنة الشاعر خالد جابر يوسف، الحائز على جائزة يوسف الخال في الشعر العربي بعد عزلة حياتية واجتماعية سببها ظروف اجتماعية واقتصادية ومعاناة طويلة مع المرض.