18 أبريل، 2024 10:20 م
Search
Close this search box.

الأوضاع الصحية بالعراق .. تُنذر بكارثة حال تفشي “كورونا” !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتبت – هانم التمساح :

بات فيروس “كورونا” القاتل أكثر رعبًا من أهوال الحروب، حيث أمتد الوباء إلى أكثر من 180 بلدًا حول العالم مصيبًا أكثر من نصف مليون شخص ومتسببًا في وفاة ما يزيد عن 25 ألف شخص، خلال أربعة أشهر، ما استدعى تحذيرات دولية من “جحيم” قادم وسط توقعات بارتفاع أعداد الضحايا والمصابين في الأيام القادمة.

وحتى الآن لم يتفشى الوباء، بـ”العراق”، للدرجة التي نعتبرها كارثية، لكن مع استمرار حالة الإستهتار من قِبل الحكومة وتردي الأوضاع الاقتصادية، وعدم إلتزام المواطنين بحظر التجوال؛ علاوة على المناسبات الدينية التي تُعج بالزوار، كل ذلك يُعد من العوامل التي قد تؤدي إلى كارثة حقيقية، في ظل النقص في أجهزة التنفس الصناعي وغيرها من المعدات.

إهمال بالمستشفيات ونقص المعدات..

ومن المؤسف والعجيب أنه في دولة تتبوأ ثاني أكبر مركز للاحتياطات النفطية المثبتة في العالم، يموت الأطفال على أسرة المستشفيات بسبب نقص في المعدات الأساسية كأسطوانات الأوكسجين. وتعاني المستشفيات من نقص حاد في الموظفين، بحيث أن أمهات وذوي المرضى يقمن بعمل الممرضات، حيث لا يوجد عدد كاف من الممرضات !

وأشار تقرير من قِبل أطباء لمنظمات حقوق الإنسان من جنوب “العراق”؛ أن في عيادات الولادة المحلية تجرى العمليات القيصرية بواسطة مشارط غير معقمة، “إبر” تستعمل للمرة ثانية، ويضطر الأطباء تعليم بعض أمهات الأطفال للقيام ببعض المهام التي يفترض أن تقوم بها ممرضًا.

وتُعاني المستشفيات من عجز كبير في الغرف. إذ تزدحم كل غرفة بستة أسرة كلها مشغولة. ويتمثل تخلف “العراق”، عن باقي المنطقة، في معدل أسرة المستشفيات، إذ يبلغ 1.2 سرير فقط لكل ألف نسمة.

وتنام الأمهات على الأرض بجوار أسرة المرضى؛ أما الآباء فينامون في مقطورة قريبة يسميها العراقيون “الكارافان”. بل إن “غرف الطواريء” أعيد تجهيزها لكي تتسع لمزيد من المرضى.

ويشكو الآباء في مستشفيات علاج سرطان الأطفال من أن قلة المساحات المتاحة ليست في صالح أطفالهم الذين يعانون من نقص المناعة بسبب العلاج الكيماوي، لكنهم يدركون أنه لن يتم السماح بدخول أغلب الأطفال إذا شرع المستشفى في تقييد نسبة الإشغال.

وعلى سبيل المثال فـ”البصرة”، وهي أكبر مدن الجنوب، هي العاصمة الاقتصادية لـ”العراق” وتُصدر من “النفط” ما يوفر 90% من إيرادات الدولة. غير أن نظام الرعاية الصحية يُعاني من نقص مزمن في التمويل ويديره فريق قليل من الأطباء والممرضات، وفقًا لما يقوله أطباء ومرضى في المدينة، وحسب تحليل لبيانات “وزارة الصحة”.

ولا يمكن أن يُعزى نقص الأسرة وعدد العاملين إلى الحرب على “تنظيم الدولة الإسلامية”. فعلى النقيض من المحافظات التي شهدت دمارًا بسبب زحف المتطرفين عليها؛ لم تشهد “البصرة” أي اشتباكات.

ويُشير المرضى والأطباء إلى الفساد وسوء الإدارة على المستويين الاتحادي والمحلي.

وتُعاني “البصرة” من نقص شديد في معدات طبية حيوية، حيث لا يوجد بها سوى ثلاثة أجهزة للأشعة المقطعية ووحدة واحدة للفحص بالرنين المغناطيسي لكل مليون نسمة، وهي نسبة لا تُذكر مقارنة مع المتوسط العام في الدول المتقدمة، والذي يبلغ 26 جهازًا للأشعة المقطعية و16 جهاز رنين مغناطيسي.

إهمال الحكومة لقطاع الرعاية الصحية..

ويُعاني نظام الرعاية الصحية في “العراق” من أزمة. فثمة نقص في الدواء وفي أعداد العاملين القائمين على الرعاية الطبية. ويعمد الأطباء للهرب إلى الخارج بالآلاف؛ كما أن متوسط الأعمار ومعدلات وفيات الأطفال أقل بكثير منها في باقي أنحاء المنطقة.

وهذا العام ظهر خطر جديد على الجانب الآخر من الحدود مع “إيران”؛ يتمثل في وفاة العشرات بعدما أصيبوا بفيروس “كورونا” المُستجد، كان أحدهم نائب وزير الصحة، الأمر الذي دفع الحكومة العراقية إلى إغلاق الحدود. وأعلن “العراق”، في الأيام الأخيرة، عن ظهور المرض في أراضيه.

فخلال الثلاثين عامًا الماضية تعرضت البلاد للخراب بفعل الحروب والعقوبات الدولية والصراع الطائفي وصعود نجم “تنظيم الدولة الإسلامية”.

لكن حتى في أوقات الاستقرار النسبي ضاعت على “العراق” فرص توسيع نظام الرعاية الصحية وإعادة بنائه.

ففي عام 2019، على سبيل المثال، وهو عام شهد هدوءًا نسبيًا، خصصت الحكومة 2.5 في المئة فقط من موازنة الدولة، البالغة 106.5 مليار دولار، لـ”وزارة الصحة”. وهذا مبلغ ضئيل مقارنة بما يتم إنفاقه في دول أخرى بالشرق الأوسط.

وفي المقابل حصلت قوى الأمن على 18 في المئة و”وزارة النفط” على 13.5 في المئة.

وتظهر بيانات “منظمة الصحة العالمية” أن الحكومة المركزية في “العراق” أنفقت، خلال السنوات العشر الأخيرة، مبلغًا أقل بكثير على الرعاية الصحية للفرد من دول أفقر كثيرًا، إذ بلغ نصيب الفرد من هذا الانفاق 161 دولارًا في المتوسط، بالمقارنة مع 304 دولارات في “الأردن”، و649 دولارًا في “لبنان”.

وتراجع الوضع الصحي في “العراق” بشكل كبير جدًا، خلال العقود الأربعة الماضية. وأحد أسباب هذا التراجع، هو عدم إعطاء أولوية من قِبل الحكومات المتعاقبة للصحة في “العراق”.

وتفجرت احتجاجات شعبية في “بغداد” وفي مناطق كثيرة من جنوب “العراق”، في أواخر العام الماضي، واستمرت حتى ظهور فيروس “كورونا”، بـ”العراق”، طالب فيها الآلاف بإصلاح النظام السياسي الذي يقولون إنه أهدر موارد الدولة ودفع بالمواطنين العاديين إلى صفوف الفقراء.

وسوء الرعاية الصحية أحد المظالم الرئيسة التي رفعها المحتجون، كما أن نقص فرص العلاج من السرطان قضية ساخنة. وتمتليء البرامج الإخبارية على شاشات التليفزيون كل يوم تقريبًا بقصص الآباء الملتاعين لأطفال مصابين بالسرطان.

نقص الدواء والسوق السوداء..

بعض الأدوية التي تُباع بـ”العراق” تجاوز بعضها تاريخ الصلاحية أو أصبح استخدامه غير مأمون العواقب.

ولا يستطيع “العراق” أيضًا التعويل على الصناعة المحلية في إنتاج الأدوية. فقد اختلف الوضع اختلافًا كبيرًا عما كان عليه في الستينيات والسبعينيات؛ عندما كانت الرعاية الصحية بـ”العراق” موضع حسد في منطقة الشرق الأوسط.

فقد كان “العراق” ثاني دولة، بعد “مصر”، تدخل مرحلة تصنيع الدواء. أما الآن فيقف مصنعان كبيران مملوكان للدولة شاهدًا على مدى الإنحطاط الذي حل بالصناعة.

وقال وزير الصحة السابق، “علاء الدين علوان”، في تصريح سابق لـ (رويترز)؛ إن نسبة تتجاوز 85 في المئة من أصناف الدواء على قوائم الأدوية الأساسية في “العراق” كانت إما موضع نقص في الإمدادات أو غير متوفرة على الإطلاق في 2018.

وتتجنب بعض الشركات الدولية إبرام تعاملات مباشرة مع الحكومة العراقية بسبب الفساد وعدم الاستقرار. وتستورد الحكومة الدواء والمعدات الطبية من خلال الشركة العامة لتسويق الأدوية والمستلزمات الطبية المعروفة باسم “كيماديا”. وأصر مدير عام الشركة على أن العلاقة مع شركات الأدوية طيبة، لكنه سلم بأن “كيماديا” شركة عتيقة ولا تحظى بتمويل كاف وتفشل في كثير من الأحيان في تلبية الطلب.

وتمتليء الصيدليات بالأدوية المهربة التي ربما تجاوز بعضها تاريخ الصلاحية أو أصبح استخدامه غير مأمون العواقب.

نقص في الكوادر الطبية والتمريض !

ويُعاني “العراق” من نقص حاد في الكوادر الطبية والتمريضية، مما يجعلنا نتخوف من تفشي وباء “كورونا” بأعداد أكبر قد لا تجد من يُعالجها وما قد يُنهك الكوادر الطبية ويستذفها، حيث يبلغ عدد الأطباء والممرضات في “العراق” مقارنة بعدد السكان أقل بكثير من دول أخرى، بل إن عددهم أقل بكثير من دول أفقر مثل “الأردن” و”تونس”، نظرًا لاستهدافهم في عمليات إرهابية وهروب كثير منهم للخارج بعد الغزو الأميركي.

ففي 2018، كان “العراق” لديه 2.1 ممرضة؛ وقابلة لكل ألف نسمة مقارنة مع 3.2 في “الأردن”، و3.7 في “لبنان”، وذلك وفقًا لتقديرات كل بلد.

وبلغ عدد الأطباء 0.83 فقط لكل ألف نسمة، أي أقل بكثير من الدول المماثلة في الشرق الأوسط. فقد بلغ العدد في “الأردن”، على سبيل المثال، 2.3 طبيب لكل ألف نسمة.

ويُسارع الأطباء للإشارة إلى أن حياتهم لم تكن وردية في عهد “صدام حسين” أيضًا. وكان برنامج “النفط مقابل الغذاء”، الذي أدارته “الأمم المتحدة”، يزود “العراق” بكمية كبيرة من المساعدات الإنسانية بما في ذلك الأدوية مقابل “النفط العراقي”. ومع ذلك فقد كانت البلاد تُعاني من نقص الأدوية والأطباء يُعانون من ضعف المرتبات. وكان الأطباء يُعتبرون سلعة قيمة ويُمنعون من مغادرة البلاد.

لكن أحد الأطباء قال: “بس على الأقل كان أكو (هناك) حماية، ماكو إعتداء على الأطباء”.

تقول “نقابة الأطباء” العراقية؛ إن 320 طبيبًا على الأقل سقطوا قتلى، منذ العام 2003، الذي أطاحت فيه القوات الأميركية بـ”صدام”، لتبدأ سنوات من العنف الطائفي وتمرد المتشددين الإسلاميين. وتعرض آلاف غيرهم للاختطاف أو التهديد.

وفي ظل حكم “صدام” ظل العاملون بالمهن الطبية يرحلون عن البلاد ودفع كثيرون منهم أموالًا لمهربين أو قاموا برحلات محفوفة بالخطر.

وبعد الاجتياح الأميركي بدأ العاملون بالقطاع الهجرة بأعداد كبيرة، الأمر الذي جعل نظام الرعاية الصحية العام غير مهييء لمعالجة أمراض سكان “العراق”، البالغ عددهم 38 مليون نسمة.

وقالت النقابة إن حوالي 20 ألف طبيب، أي حوالي ثُلث الأطباء المسجلين في “العراق”، البالغ عددهم 52 ألفًا، فروا من البلاد منذ التسعينيات.

وقال طبيب، حاورته (رويترز)؛ إن نصف 300 طبيب تخرجوا في دفعته عام 2005؛ رحلوا عن “العراق”.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب