خاص : ترجمة – سعد عبدالعزيز :
يرى كثير من المحللين الإستراتيجيين أن الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، يحمل الكراهية الشديدة لـ”الأكراد”، سواء الذين يعيشون في “تركيا” أو حتى الذين يعيشون في الدول المجاورة.
لذا فإن “إردوغان”، بعد قرار انسحاب القوات الأميركية من “سوريا”، لن يرحم “الأكراد” هناك، بعدما أطلق له الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، العنان كي يفعل في “سوريا” ما يشاء !
القضاء على الطموح القومي للأكراد..
يقول المستشرق الإسرائيلي، “مردخاي كيدار”، إن كل من يتابع شاشات التلفاز التركية، يشاهد أرتال الدبابات والمدفعية وناقلات الجند المدرعة ومركبات الدعم اللوجيستي، وهي تشق طريقها جنوبًا نحو الحدود “التركية-السورية”.
وليس الهدف من كل تلك التحركات؛ هو مهاجمة “سوريا”، بل القضاء على طموحات “الأكراد” السوريين في إقامة كيان مستقل في أماكن تواجدهم جنوبي الحدود.
“إردوغان” يحصل على الضوء الأخضر..
بحسب “كيدار”؛ فإن هذه التحركات العسكرية التركية ليست بالجديدة، حيث قامت القوات التركية، قبل عامين تقريبًا، بإقتحام الحدود السورية، إلى أن وصلت للمنطقة الواقعة شمال شرق “مدينة حلب”، وأستولت على “مدينة جرابلس” الحدودية؛ بهدف إيقاف زحف “الأكراد” نحو الغرب، وعدم تمكينهم من الحصول على منفذ يُطل على “البحر المتوسط”.
والآن تهدد “تركيا” بالإستيلاء على “مدينة منبج”، لتعزيز قبضتها على المنطقة الكُردية والقضاء على الكيان الذي يتمتع بحكم ذاتي، والذي يرجع الفضل في نشأته إلى إحتدام الحرب الأهلية التي إجتاحت “سوريا”، منذ أذار/مارس 2011.
ولقد إزدادت رغبة الأتراك في غزو “سوريا”، قبل أسبوعين فقط، بعدما أعطى الرئيس الأميركي، “ترامب”، لنظيره التركي، “إردوغان”، الضوء الأخضر كي يفعل في “سوريا” ما يشاء.
الأكراد يشكلون خطرًا ديموغرافيًا..
يرى “كيدار”؛ أن الرئيس التركي، “إردوغان”، لديه نوايا خطيرة ضد “الأكراد”، سواء الذين يعيشون في “تركيا” أو في البلدان المجاورة. علمًا بأن “الأكراد” يشكلون ما بين خُمس إلى رُبع السكان في “تركيا”، ولكن هذه النسبة في تزايد مستمر، بسبب معدل الإنجاب المرتفع بين “الأكراد”؛ مقارنة بمعدل الإنجاب بين الأتراك، إضافة إلى الرغبة المتزايدة عند الأتراك للهجرة إلى الدول الأجنبية.
وتكاد لا تخلو مدينة تركية من وجود حي كُردي أو أكثر، وعلى الرغم من الانقسامات الداخلية بين “الأكراد”، إلا أنهم يشكلون تهديدًا ديموغرافيًا وأمنيًا للدولة التركية، التي تعتبر “حزب العمال الكُردستاني” تنظيمًا إرهابيصا، وتحاربه بلا هوادة.
وحتى يومنا هذا؛ فقد سقط قرابة أربعين ألف مواطن من الأتراك والأكراد نتيجة لذلك الصراع المُحتدم بين الطرفين، والذي لا يُتوقع له نهاية في المستقبل القريب.
معوقات استقلال الأكراد..
يعيش معظم “الأكراد” في منطقة واحدة، ألا وهي منطقة “كُردستان”، التي تقاسمتها “تركيا” و”سوريا” و”العراق” و”إيران”، بعد الحرب العالمية الأولى.
ويواجه “الأكراد”، في “تركيا”، وكذلك أشقائهم في “سوريا والعراق وإيران”، مشكلتين جوهريتين تعوقهم عن نيل التحرر والاستقلال عن تلك الدول الأربع.
المشكلة الأولى؛ هي أنهم يعيشون في منطقة مُحاصرة، ليس لها منفذ إلى البحر، مما يسمح للدول المُحيطة أن تحاصرهم، وتخنقهم سياسيًا واقتصاديًا. أما المشكلة الثانية؛ فتكمن في الانقسامات الداخلية بين “الأكراد” أنفسهم، مما يجعلهم عاجزين عن التوصل إلى قرار جامع.
فشل استقلال “كُردستان العراق”..
لقد بدت الخلافات الداخلية واضحة، في أيلول/سبتمبر عام 2017، عندما قرر زعيم كُردستان العراق، “مسعود البارزاني”، إجراء استفتاء بين “الأكراد” بشأن الانفصال عن الدولة العراقية.
حيث صوت معظم المشاركين في الاستفتاء لصالح الانفصال، لكن جزءًا آخر من الشعب الكُردي، الذي كان يخضع لزعامة، “جلال طالباني”، لم يشارك في التصويت، لأنه كان يُعارض إجراء الاستفتاء ويرفض نتائجه.
وفي نهاية المطاف؛ اضطر “البارزاني” للتراجع عن فكرة الانفصال وإقامة دولة كُردية مستقلة، بعد الحصار الذي فرضته الدول المحيطة، وهي “العراق وسوريا وإيران وتركيا”.
العالم لا يعبأ بمصير الأكراد..
يؤكد المستشرق الإسرائيلي على أن حالة “أكراد سوريا” تُشبه حالة أشقائهم في “العراق”، بإستثناء الاستفتاء. ففي أعقاب الحرب الأهلية والشلل الذي أصاب مفاصل الدولة السورية، بدءًا من أواخر عام 2011، شعر “الأكراد”، في الشمال الشرقي للبلاد، بأنهم على يقين من إمكانية إنشاء منطقة حكم ذاتي خاصة بهم، على الرغم من غضب “تركيا”.
وقاتل “أكراد سوريا” ضد تنظيم (داعش)، مما جعل الدول الغربية تتعاطف معهم إلى حد كبير. ولكن بمرور الوقت، وخاصة منذ أن خسر تنظيم (داعش) معظم المناطق التي كان يسيطر عليها، تراجعت أهمية القوى الكُردية في نظر صناع القرار في الساحة الدولية. ولم يعد أحد يتذكر تضحياتهم في القتال ضد تنظيم (داعش)، لأن العالم في واقع العمر يقيم وزنًا للرئيس، “إردوغان”، ولا يعبأ كثيرًا بمصير “الأكراد”.
في نظر الأكراد: “الأسد” أرحم من “إردوغان”..
لقد تأكد “الأكراد” بأنهم تعرضوا للخديعة والخيانة؛ بعدما قرر الرئيس “ترامب” سحب القوات الأميركية، وتقديم “سوريا” على طبق من فضة للرئيس، “إردوغان”، حتى يتعامل بنفسه، وبطريقته الخاصة، مع ما تبقى من “إرهابيين” في ذلك البلد المنكوب.
ولكن “الإرهابيين”، في نظر “ترامب”، هم الدواعش؛ أما في نظر “إردوغان” فهم “الأكراد”.
وخوفًا من غضب الأتراك وبطشهم، أخذ “الأكراد” يتوسلون إلى الرئيس السوري، “بشار الأسد”، لعله ينقذهم من جيش “إردوغان”.
هل تتخيلوا ؟.. إن “الأسد” – ذلك السفاح الذي قتل أعدادًا ضخمة من شعبه – أصبح في نظر “الأكراد” أقل بشاعة من “إردوغان”. ولقد أحتضنهم “الأسد”، رغم علمه بأنهم لا يريدون يقينًا العيش في ظل حُكمه.
نار “الأسد” أهون من جنة “إردوغان”..
في الختام؛ يرى “كيدار”، أن هناك بالفعل خطورة على “الأكراد السوريين” من بطش “تركيا”، ولكن تلك الخطورة ليست بالقدر الذي يعتقده البعض. فبقدر من الحكمة السياسية والتعامل الواقعي مع موازين القوى الإقليمية، سيمكن لـ”أكراد سوريا” أن يواصلوا العيش في ظل حكم “الأسد”.
وعلى الرغم من أن هذا الطرح ليس مُريحا بالنسبة لهم، إلا أن أي حل بديل سيكون أسوأ بكثير من أية تسوية مع “الأسد” المنتصر، حتى لو كانت تسوية محدودة أو مُهينة.