وكالات – كتابات :
كتب الصحافي، “علي لمرابط”، عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، مقالًا تحليليًا نشره موقع (ميدل إيست آي) البريطاني الإخباري، سلَّط فيه الضوء على إنهيار العلاقات الدبلوماسية بين: “الجزائر” و”المغرب” وأسبابه، مشيرًا إلى أن “المغرب” لم يكن ينقصه أزمة جديدة مع جيرانه، لا سيما أنه يحارب في عدة جبهات خارجيًّا وداخليًّا.
خطوة متوقعة !
يستهل “لمرابط” تحليله؛ بالتنويه إلى أن قطع “الجزائر”، للعلاقات الدبلوماسية مع “المغرب”، الأسبوع الماضي، لم يكن مفاجأة. إذ أقرت “وزارة الخارجية” المغربية، في بيان لها صدر في مطلع الأسبوع، أنها كانت تتوقع ذلك. وبدا أن الخطاب الملكي الأخير، في 20 آب/أغسطس 2021، والذي لم يُشر فيه الملك “محمد السادس”؛ إلى “الجزائر”، ينبيء عن توقُّع “الرباط” لمثل هذه الخطوة.
ويُشير الكاتب إلى أن “الجزائر”؛ كانت قد استدعت سفيرها لدى العاصمة المغربية، “الرباط”، في يوم 18 تموز/يوليو الماضي؛ بسبب الخلافات القائمة بشأن “الصحراء الغربية”. وبعد اعتراف “عمر هلال”، رئيس البعثة الدبلوماسية المغربية لدى “الأمم المتحدة”، شبه الرسمي: بـ”الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل”، طلبت “وزارة الخارجية” الجزائرية تفسيرًا لهذا الاعتراف؛ لكن “المغرب” لم يُقدم إجابة عن هذا الطلب.
ويوضح “لمرابط”؛ أن هذه كلها كانت مؤشرات على الأوقات العصيبة القادمة. وحدد الاجتماع الأخير لـ”المجلس الأعلى للأمن الجزائري”، برئاسة الرئيس الجزائري، “عبدالمجيد تبون”، وتيرة هذه المرحلة الصعبة. وبدا أنه قد سبق السيف العذل. وأعلنت “الجزائر” رسميًّا قرارها: “بمراجعة” العلاقات مع “الرباط”؛ وتكثيف: “الضوابط الأمنية على الحدود الغربية”، نظرًا لـ”الأعمال العدائية المستمرة”. وبدا أن مثل هذه التصريحات الرسمية وعسكرة الحدود تُشبه دقَّ طبول الحرب.
الوصول إلى نقطة الإنهيار..
أفاد تحليل الكاتب الصحافي، “لمرابط”؛ أن الجميع كان يعرف مسبقًا أن العلاقات الدبلوماسية بين “المغرب” و”الجزائر” وصلت إلى “نقطة الإنهيار”. وتضمنت القائمة الطويلة من الشكاوى، التي أثارها وزير الخارجية الجزائري، “رمطان لعمامرة”، هذا الأسبوع خلال مؤتمر صحافي، أي نزاع أو خلاف حدث بين البلدين؛ منذ “حرب الرمال”، (1963 – 1964)، (صراع مسلح اندلع بين المغرب والجزائر، في تشرين أول/أكتوبر من عام 1963، بسبب مشاكل حدودية).
وشملت هذه الشكاوى مسألة الاعتراف: بـ”الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل”، والأزمة المستمرة المتعلقة بـ”الصحراء الغربية”، بالإضافة إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين: “المغرب” و”إسرائيل”. وتنظر “الجزائر”، إلى خطوة التطبيع مع “إسرائيل”؛ على أنها إدخال طليعة: “صهيونية”، في منطقة المغرب العربي، بينما يُروج لها “المغرب”؛ على أنها ممارسة للسيادة، على الرغم من أن الغالبية العظمى من الشعب المغربي يُعارضها، بمن فيهم رئيس الحكومة المغربية نفسه.
ويُنوه الكاتب إلى أن الخطأ الفادح الذي ارتكبه، “يائير لبيد”، وزير خارجية إسرائيل، عندما انتقد “الجزائر” علنًا، خلال زيارته الرسمية إلى “الرباط”، كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. إذ كان من الواضح أن أيَّ شخص في “المغرب” لم يرضَ عن هذه الخطوة الإسرائيلية المؤسفة جدًّا. ومع ذلك، لم يتضح هل كانت “وزارة الخارجية” المغربية، التي يُشرف عليها مجلس الوزراء الملكي، المحرِّضة عن قصد لهذه الانتقادات أم أنها غضت الطرف عنه بكل بساطة.
“بيغاسوس” وأشياء أخرى !
يلفت الكاتب الصحافي؛ إلى أن هذه الاستفزازات أدَّت بلا شك إلى صبَّ الزيت على النار، في وقت كانت فيه “الجزائر” تُفكر بالفعل في ردة فعلٍ على قضية برنامج (بيغاسوس) للتجسس، التي كشفت من خلالها، “منظمة العفو الدولية” ومنظمة “قصص محظورة”؛ عن تورط “وكالة الاستخبارات المغربية” في التجسس على: 06 آلاف هاتف خلوي؛ من بينها هواتف خاصة بعدد من كبار المسؤولين الجزائريين، باستخدام برامج التجسس المصنوعة في “إسرائيل”.
وأكد كاتب المقال أن الاتهامات الجزائرية الأخيرة؛ بشأن تواطؤ “المغرب” مع نشطاء “الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل”، المصنفة حاليًا على أنها: “منظمة إرهابية”، والتي تُحمِّلها “الجزائر” مسؤولية حرائق الغابات؛ التي شهدتها البلاد مؤخرًا، بالإضافة إلى الوجود المزعوم لمسلحين من القبائل في معسكرات تدريب الجيش المغربي، لم تؤدِ إلا إلى تفاقم الأوضاع المتوترة بالفعل.
ويُعرب “لمرابط”؛ عن قلقه قائلًا: أما الآن؛ وبعد قطع العلاقات الرسمية الدبلوماسية بين البلدين، فلا يسعني إلا القلق بشأن ما يُخبئه المستقبل للبلدين. وكيف سيكون مصير الجزائريين الذين يعيشون في “المغرب”، وما مصير المغاربة الذين يعيشون في “الجزائر”، وخاصة الأعداد الغفيرة من المهاجرين غير الشرعيين ؟
وإذا كان هذا السيناريو، المشابه لما حدث، في سبعينيات القرن الماضي؛ والذي شهد عمليات طرد جماعية ومتبادلة، بعد قطع العلاقات الثنائية بين البلدين، في عام 1976، في أعقاب اعتراف “الجزائر”، بـ”الجمهورية الصحراوية العربية الديمقراطية”، لا يبدو مطروحًا على جدول أعمال البلدين، فليس هناك ما يضمن استمرارية هذا الوضع؛ إذا ما جرى تصعيد الموقف، وهذا الذي سيحدث، بحسب الكاتب.
ويُرجح “لمرابط”؛ أن يكون خط أنابيب الغاز “المغاربي-الأوروبي”؛ هو الضحية الأخرى لهذه الأزمة الدبلوماسية، لا سيما أن الخط يربط “الجزائر” بـ”إسبانيا”، عبر “المغرب”؛ وينتهي عقده، في تشرين أول/أكتوبر المقبل. وخلال مؤتمره الصحافي، ألقى “لعمامرة” بالكرة في ملعب “شركة النفط الجزائرية”، (سوناطراك)، لكن تجديد العقد سيكون صعبًا إذا استمر الإنهيار في جسور العلاقات بين البلدين.
وقت غير ملائم لـ”الرباط”..
ألمح كاتب المقال إلى أن قطع العلاقات الدبلوماسية بين “الجزائر” و”المغرب”؛ جاء في وقت غير مناسب تمامًا لـ”الرباط”. إذ يمر النظام المغربي بأوقات عصيبة وغير مواتية، ويعيش القصر الملكي والأجهزة الاستخباراتية السرية في حالة من الضعف، على عدة جبهات؛ تحارب فيها خلال الأشهر الأخيرة. ورسمت الانتهاكات المنتظمة لحقوق الإنسان والاتهامات المزيفة للصحافيين المستقلين؛ صورة قاتمة عن “المغرب” بوصفه حليفًا للغرب وداعمًا له.
كما باءت الحملات المغربية الدبلوماسية؛ ضد “ألمانيا” و”إسبانيا”، بالفشل. ولم تستسلم “برلين” لضغوط “الرباط”؛ بشأن النزاع الدائر في “الصحراء الغربية”، ورفضت أن تضغط على جهازها القضائي لمتابعة دعاوى جنائية مرفوعة ضد الناشط الألماني/المغربي، “محمد حجيب”، الذي يُعد بمثابة: “بعبع”؛ تخشاه أجهزة الاستخبارات المغربية.
ويُبرز “لمرابط”؛ أن “حجيب” لا يزال يدعو إلى انتفاضة سلمية ضد النظام المغربي، عبر قناته على منصة (يوتيوب)؛ وعدد من وسائل التواصل الاجتماعي. وبالإضافة إلى ذلك، أغلق مكتب المدعي العام في “دويسبورغ”، حيث يُقيم “حجيب”، أيَّ دعوى قضائية رفعتها ضده “المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني”، (وكالة المخابرات الداخلية للمغرب)، بالاستناد إلى: “المادة (5) من القانون الأساس لحرية التعبير”، في “ألمانيا”.
كما رُفضت الدعاوى القضائية المرفوعة ضد “حجيب” مؤخرًا، وهي مجموعة مثيرة من المواد المكونة من سبعة أقراص مدمجة؛ و22 مقطع فيديو؛ وحوالي: 200 صفحة من الاتهامات المضادة، وحدث ذلك مرتين؛ إحداها في آذار/مارس، والأخرى في آيار/مايو 2021. وقبل أسابيع قليلة، ونظرًا لعدم إحراز أي تقدم فيما يتعلق بالمطالب المغربية، لم يجد “المغرب”؛ سوى أن يُعيد سفيرته في برلين، “زهور العلوي”، إلى العاصمة الألمانية، خالية الوفاض، بعدما كان قد استدعاها للضغط على “ألمانيا”. وتصاعد الغضب من هذه القضية في “الرباط”؛ لدرجة أن ملك المغرب أدان بشدة، في خطابه الأخير المتلفز؛ بعض: “الدول الأوروبية” بسبب تآمرها ضد “المغرب”. وكان يقصد “ألمانيا” بهذه العبارة.
إخفاقات متكررة..
وينتقل “لمرابط” في تحليله؛ إلى جبهة أخرى يحارب فيها “المغرب”، موضحًا أن “إسبانيا” انتصرت أيضًا في هذه المواجهة، سواء بشأن دخول، “إبراهيم غالي”، زعيم جبهة (البوليساريو)، إلى أحد مستشفيات “إسبانيا”، أو بشأن تشجيع “الرباط” لموجة المد البشري من مواطنين مغاربة على اقتحام مدينة “سبتة”، (عن طريق الحدود البحرية بين البلدين). وكان ينبغي على ملك “المغرب” أن يُعلن، قبل أيام؛ عن بداية: “مرحلة غير مسبوقة”؛ في العلاقات “الإسبانية-المغربية”. ولا تطالب “المغرب” بمزيد من المطالب.
ومن ناحية أخرى، كان الإسبان يُطالبون، منذ عدة أشهر: “بإعادة تعريف” كامل للعلاقات بين البلدين. وقبل الدخول في المفاوضات، تحاول “إسبانيا”، التي تُريد تجاوز إصلاح الوضع الراهن فحسب، ضمان عدم تكرار أعمال الشغب كتلك التي حدثت في مدينة “سبتة”.
ويتساءل الكاتب عما يعنيه هذا الأمر ؟.. وهل: “المرحلة غير المسبوقة”؛ و”إعادة تعريف” العلاقات؛ تعني أن “إسبانيا”، التي أعلنت أنها على استعداد للدخول في مفاوضات: “لا حدود لها أو محظورات” مع “الرباط”، مستعدة للاستسلام لمطالب جارتها الجنوبية والاعتراف بـ”الصحراء الغربية”، بوصفها منطقة تخضع للسيادة المغربية ؟.. وقد أشتُهر رئيس الوزراء الإسباني، “بيدرو سانشيز”، بمناوراته العديمة الضمير من أجل تحقيق أهدافه. فهل سيكون قادرًا على التخلي عن: “سياسة الحياد”، المعروفة عن “إسبانيا”، في الصراع، وينحاز إلى مطالب “المغرب” ؟.. لا يوجد شيء مستحيل في السياسة، خاصةً من جانب “سانشيز”.
“بايدن” يدير وجهه..
وانتقل “لمرابط”؛ إلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، موضحًا أنه على الرغم من الإيماءات الودية تجاه “المغرب”، لا تعتزم إدارة، “بايدن”، تنفيذ وعد الرئيس الأميركي السابق، “دونالد ترامب”، بفتح قنصلية في مدينة “الداخلة”، بالإضافة إلى أنها لن تعترف رسميًّا بالسيادة المغربية على “الصحراء الغربية”. وفي الآونة الأخيرة، أطلق “نيد برايس”، الناطق باسم “الخارجية الأميركية”، العنان للانتقادات العلنية للسلطات المغربية؛ بشأن حرية الصحافة في المملكة، مستشهدًا بقضيتي الصحافيين: “عمر الراضي” و”سليمان الريسوني”، والتي شابت محاكمتهما عدة مخالفات تناولتها وسائل الإعلام المغربية.
ويُشدد الكاتب على أن الأخطر من ذلك؛ هو أن “الرباط” تنتظر حكمًا يُصدر قريبًا من “محكمة العدل الأوروبية” يُؤكد بصورة نهائية، كما قال محامي جبهة (البوليساريو)، عدم شرعية اتفاق الصيد بين “المغرب” و”الاتحاد الأوروبي”. وفي هذا الصدد، يُهدد استئناف الأعمال العدائية ضد جبهة (البوليساريو)، على الرغم من اقتصارها حاليًا على بعض الاشتباكات، بالتحول إلى صراع دموي مفتوح إذا قدَّم الجيش الجزائري الدعم الحقيقي للصحراويين.
ولم تقتصر التحديات التي يواجهها النظام المغربي على ما ذكرناه، بل إن “المغرب” يعاني كذلك؛ من ظروف اجتماعية متفاقمة لا يمكن إنكارها، والتي تتدهور شيئًا فشيئًا، بالإضافة إلى تلاشي احتمالات تعافي البلاد سريعًا من الأزمة الاقتصادية الراهنة مع استمرار ارتفاع أعداد الإصابات بمرض (كوفيد-19) بمعدل يُنذر بالخطر.
أزمة صحية ملحوظة..
وفي نهاية المطاف، يُلقي “لمرابط”؛ الضوء على الحالة الصحية لملك المغرب، “محمد السادس”، التي تُثير القلق. إذ بدا الملك هزيلًا ومنهكًا أثناء إلقائه خطاب العرش، في نهاية شهر تموز/يوليو الماضي. وعندما عُزف النشيد الوطني، لاحظ الجميع أن العاهل المغربي؛ كان يضغط بإصبعين من يده اليمنى على مكتبه ربما لكي لا يفقد توازنه. وخلال خطابه المتلفز، في 20 آب/أغسطس، بدا على وجه الملك الإرهاق نفسه والعيون المنتفخة نفسها. وهربت منه الكلمات واضطر عدة مرات إلى البدء من جديد لكي يكمل جُمَل الخطاب.
وفي ختام تحليله، يستشهد الكاتب بما ذكره الصحافي، “إغناسيو سيمبريرو”، أول مراسل أجنبي أجرى مقابلة مع، الملك “محمد السادس”، في عام 2005، (الصحافيون المغاربة لا يحصلون على هذا الشرف)، أن العاهل المغربي تخلى عن إجازته الصيفية الممتعة في شمال “المغرب” هذا العام. موضحًا أنه كان يعيش منعزلًا عن العالم في قصره، في مدينة “فاس”، منذ كانون أول/ديسمبر 2020.