خاص : ترجمة – محمد بناية :
بالأمس القريب كانت قضايا “بحر قزوين” هي العامل المشترك الوحيد بين إيران وروسيا.. لكن ومع اندلاع التطورات في العالم العربي وتناغم المصالح الروسية الإيرانية، بلغت العلاقات بين البلدين مستوى العلاقات الاستراتيجية، ولم يعد من الممكن – كما يقول “محمد رضا مرادي” في مقالته المعنونة: (الأبعاد الاستراتيجية وراء زيارة بوتين إلى طهران) التي نشرتها حديثاً وكالة أنباء (فارس) الإيرانية – في حل أي ملف إقليمي بدون التنسيق الإيراني الروسي. ولذا تحمل لقاءات مسؤولي البلدين في المنعطفات الإقليمية المهمة الكثير من الدلالات المهمة.
زيارة مصيرية..
لطالما حملت زيارة الرئيس الروسي إلى طهران أبعاداً وتبعات مهمة.. لأنه في العادة، واستناداً للعرف الدبلوماسي، لا تحدث مثل هذه اللقاءات إلا لاتخاذ قرارات مصيرية مهمة. على سبيل المثال زيارة الرئيس الروسي إلى طهران في وقت سابق، بغرض المشاركة في اجتماعات الدول المصدرة للغاز، إلا أن الأزمة السورية كانت حاضرة بقوة في اللقاء.
في هذه الزيارة قد توجه “بوتين”، بمجرد الوصول إلى مطار “مهرآباد”، لمقابلة المرشد آية الله “علي خامنئي”، وهو إجراء غير مسبوق في عرف قيادات الكرملين. وقد وصف مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، “علي أكبر ولايتي”، الزيارة باللقاء الأهم في تاريخ الجمهورية الإيرانية، والذي سوف تتضح أهميته مع مرور الوقت.
بعدها بأسابيع أعلن الروس المشاركة بشكل مباشر في الحرب السورية، ودخلت العلاقات بين البلدين مرحلة جديدة بعد تشكيل قيادة عسكرية مشتركة. وبعد بعام بلغ التعاون العسكري بين الجانبين مداه باستعمال الروس قاعدة “نوژه” الجوية بهمدان، لاسيما أنها المرة الأولى التي تجيز فيها إيران لقوة أجنبية الاستفادة من قواعدها الجوية في شن هجوم على عدو أجنبي.
الأزمة السورية أنهت فرص السياسات الأميركية في المنطقة..
الحقيقة، كما يقول “محمد رضا مرادي”، أن زيارة “بوتين” إلى طهران تخط بشكل ما التطورات الإقليمية بالشكل الذي يتعارض والخطط الأميركية والسعودية. وقد أثبتت الأزمة السورية أنهيار الأنظمة الأميركية بالمنطقة، وأن واشنطن لم تعد الطرف المُحدد بالمنطقة.
لقد أدى التعاون الإيراني الروسي إلى عودة الأخيرة مدداً للشرق الأوسط، وقد أضحت ضلعاً مهماً بالنظم الإقليمية الجديدة. من جهة أخرى ستكون إيران أهم طرف بالمنطقة.
والآن يعود “بوتين” في مرحلة ما بعد “داعش” إلى طهران، ويبدو أن أحد أهم أهداف خطط الطرفين، هذه المرة، هو رسم تفاصيل النظم الجديدة بالمنطقة. إذ يعتزم الروس بالتزامن مع إنتهاء “داعش” جمع الفصائل السورية في موسكو ودعم إطلاق العملية السياسية في دمشق، وهو الموضوع الذي سيخط فصلاً جديداً من العلاقات بين البلدين.
علاوة على العملية السياسية في سوريا، يبدو أن الطرفان دخلا مرحلة التعاون فيما يخص النظم الأمنية الجديدة في سوريا. وهى النظم التي أثارت مخاوف الصهاينة خلال الأشهر الأخيرة. وتقول المصادر الأمنية إن الإسرائيليين يتخوفون بشدة من الوجود الإيراني بسوريا في مرحلة ما بعد “داعش”، وقد عرضوا هذه المخاوف على الروس. ففي زيارته الأخيرة إلى موسكو قال رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” إلى الرئيس “بوتين”: “الوجود الإيراني في سوريا مقلق”. لكن الصحيفة الروسية “پراودا” أكدت على إن إيران حليف استراتيجي بالنسبة لروسيا في الشرق الأوسط، بينما إسرائيل شريك مهم فقط. وبالتالي فالزيارة الجديدة تثبت وتدعم الائتلافات التي تكونت بالمنطقة خلال السنوات الأخيرة.
الخلاصة..
يضيف “محمد رضا مرادي”: “ربما أمكن القول إن هزيمة (داعش) في سوريا والعراق؛ هو أحد ثمرات زيارة “بوتين” إلى طهران عام 2015، إذا ترتب على هذه الزيارة تشكيل إئتلاف إقليمي ضد (داعش) وأحرج نوعاً ما الائتلاف الدولي لمكافحة (داعش) بزعامة أميركا. وقد بدأت عملية انحسار (داعش) بعد تشكيل هذا الائتلاف، والآن تأتي زيارة بوتين إلى طهران مجدداً في مرحلة ما بعد (داعش). لأن الترتيبات الأمنية في مرحلة ما بعد داعش تتطلب تعاون روسيا وإيران. وهو ما يعني فشل الاستثمارات الأميركية والسعودية لتشكيل نظم إقليمية جديدة تخدم أهدافهما”.
في جهة أخرى تسهم الزيارة في إفشال مساعي الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” لفرض العزلة على إيران والتقليل من حيثية الاتفاق النووي.
عموماً يجب انتظار بعض التغييرات الملموسة في العملية السياسية بسوريا وكذلك اليمن. لأن السعودية لها حالياً علاقات قوية مع روسيا، ولذا من غير المستبعد أن زيارة الملك “سلمان” إلى موسكو تناولت نوعاً ما الحد من التوتر مع طهران فيما يتعلق ببعض الملفات الإقليمية المهمة.