خاص : كتبت – نشوى الحفني :
حركت عملية “نبع السلام” التركية المياه الراكدة بين النظام السوري والأكراد في إتجاه إجراء المفاوضات بينهما، حيث رحبت الإدارة، التي يقودها الأكراد في شمال “سوريا”، أمس الأربعاء، بدعوة “روسيا” للحوار مع “دمشق”، وحثت “موسكو” على أن تلعب دور الضامن لهذا الحوار.
وقالت الإدارة، في بيان، إنها: “تنظر بإيجابية لتصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بشأن الحوار مع الحكومة السورية”، مضيفة: “أنها تتطلع إلى أن تلعب روسيا دورًا كداعم وضامن للحوار”، وذلك حسب وكالة (رويترز).
وذكرت الإدارة، التي يقودها الأكراد، أن: “موقفها الثابت هو أن أفضل سبيل لحل الصراع السوري يكون عبر الحوار بين السوريين”.
وكان وزير الخارجية الروسي، “سيرغي لافروف”، قد دعا، في وقت سابق أمس، “دمشق” والأكراد إلى الحوار لحل مشكلة شمالي “سوريا”، بما في ذلك على الحدود (السورية-التركية).
وقال “لافروف”، في مؤتمر صحافي عقب لقاء نظيره الكازاخي: “لقد أعلنا موقفنا أكثر من مرة بشأن ما يحدث في شمال شرقي سوريا، بما في ذلك في منطقة الحدود السورية التركية. وموقفنا ينطلق من أساس الحاجة إلى حل جميع مشاكل هذا الجزء من الجمهورية العربية السورية من خلال الحوار بين الحكومة المركزية في دمشق وممثلي المجتمع الكُردي الذين تعيش على الأرض”.
وأضاف: “اتصلنا بممثلي الجانب الكُردي وممثلي الحكومة السورية، وأكدنا أننا نشجعهم على بدء حوار لحل مشاكل هذا الجزء من سوريا، بما في ذلك مشاكل ضمان الأمن على الحدود (التركية-السورية)، حيث أننا ما زلنا نعتبر أن هذه هي الطريقة الوحيدة لتحقيق التهدئة واستقرار الوضع”.
وتابع وزير الخارجية الروسي: “سمعنا بالأمس تصريحات كل من المسؤولين في دمشق وممثلي الأكراد، بأنهم مستعدون لمثل هذا الحوار. سنحاول قدر الإمكان تسهيل بدء مثل هذه المحادثة الموضوعية المباشرة. نأمل أن يتم دعمه من قِبل جميع اللاعبين الخارجيين الرئيسيين”.
تنديد سوري رسمي..
وما ساعد على تقبل الحوار؛ التصريحات الأخيرة من جانب السلطات السورية التي نددت بنوايا “أنقرة”، “العداونية”، مع استعدادها لشن عملية عسكرية وشيكة على مناطق سيطرة الأكراد في شمال البلاد، متعهدة بالتصدي لأي هجوم تركي.
وأعلن، أمس، مصدر رسمي في “وزارة الخارجية” السورية، في بيان نقله الإعلام الرسمي، أن بلاده “تدين بأشد العبارات التصريحات الهوجاء والنوايا العدوانية للنظام التركي والحشود العسكرية على الحدود السورية”، مؤكدًا في الوقت عينه “التصميم والإرادة على التصدي للعدوان التركي بكافة الوسائل المشروعة”، ومنددًا بـ”الأطماع التوسعية التركية في أراضي” سوريا.
ولطالما أكدت “دمشق” عزمها استعادة كافة المناطق الخارجة عن سيطرتها؛ وبينها مناطق سيطرة الأكراد عن طريق التفاوض أو العمل العسكري. فيما تعتبر “أنقرة” المقاتلين الأكراد “إرهابيين” وترغب بإبعادهم عن حدودها.
وسبق أن نفذت “تركيا” عمليتين عسكريتين في “سوريا”، الأولى ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” سنة 2016، والثانية ضد الوحدات الكُردية في 2018.
التقارب يمهد لدخول القوات السورية في الشمال..
تعليقًا على ذلك، قال الدكتور “طالب زيفا”، الكاتب والمحلل السياسي السوري، إن “أميركا” ورطت “إردوغان” بالسماح له بالدخول في الشمال السوري لمساحة تصل لمساحة بلد مثل “لبنان”، وهو ليس أكثر من احتلال لأراض “سوريا”، وهذا ما يفسر التخبط الأميركي والاختلاف فيما بينهم داخل “الكونغرس” و”وزارة الدفاع” من مسألة العملية التركية.
وأضاف “زيفا” أن الدخول التركي سيصنع تقاربًا بين الحكومة السورية والأكراد في الشمال السوري؛ وهو ما سيمهد لدخول القوات السورية في الشمال، مؤكدًا أن العملية ذات هدف انتخابي لتعزيز موقع “إردوغان” الانتخابي في الداخل، فضلًا عن أن “إردوغان” يريد توظيف المعتقلين من (داعش) في الشمال كورقة ضغط على “أوروبا” لإبتزازها مرة اخرى.
سينتج معادلات تغير موازين المنطقة..
وأكد الدكتور “أديب السيد”، المحلل السياسي من “موسكو”، أن الموقف الروسي ثابت ومعروف من مثل هذه العملية؛ وهو الحفاظ على الوحدة السورية كوطن واحد وتراب واحد، مشيرًا إلى أن “موسكو” تود لو أن هناك وسيلة اخرى تحقق لـ”تركيا” أهدافها من وراء هذه العملية مثل “اتفاق أضنة” مثلًا، الموقع بين “تركيا” و”سوريا”، عام 1989.
وأشار “السيد” إلى أن هذه العملية ستجعل الأكراد يلجؤون للحكومة السورية، وهو ما سينجم عنه معادلات تؤثر على موازين القوى في المنطقة.
تحركات مسبقة من قِبل الأكراد نحو دمشق..
فيما أجاب “نواف خليل”، مدير المركز الكُردي، عن سؤال؛ ما الذي يمنع القيادات الكُردية من الذهاب إلى “دمشق” مباشرة من أجل إجراء محادثات لتفادي دخول قوات تركية إلى الشمال السوري، حتى لا يتكرر سيناريو “عفرين”، طالما أن “روسيا” تستطيع لعب دور إيجابي في هذا الشأن ؟.. قائلًا: “لا يوجد أي شيء يمنع لأن تتوجه وفود من مجلس (سوريا الديمقراطية) أو الإدارة الذاتية إلى دمشق، فليس هناك من الاحتلال والغزو التركي الذي يعيث فسادًا وتغييرًا ديموغرافيًا في إعزاز وجرابلس ومنبج وعفرين التي تتعرض إلى همجية لا مثيل لها، ونحن كسوريين يجب أن نتنازل إلى بعضنا البعض أفضل من التنازل إلى أي طرف دولي”.
وأضاف “نواف خليل”: “إن القيادات الكُردية توجهت إلى دمشق قبل قرار ترامب بسحب القوات الأميركية، وهذا لم ولن يحظى برضى أميركا، لكن هكذا كان الخيار، ونحن ككُرد ننتظر موقف آخر، وإن موقف السيد لافروف هو موقف جديد ولافت، وما تحدث به لافروف مشجع ومبشر”.
الأكراد والحكم الذاتي..
ويشكل الأكراد الموجودون بشكل رئيس في شمال “سوريا”، نحو 15 في المئة من إجمالي السكان. ومعظمهم من المسلمين السُنة مع وجود نسبة ضئيلة من غير المسلمين، كما أن أحزابهم غالبًا ما تكون علمانية.
وفي أعقاب إحصاء مثير للجدل، جرى في العام 1962، تم سحب الجنسية من عدد كبير من الأكراد الذين عانوا إثر ذلك من عقود من التهميش والاضطهاد من جانب الحكومات السورية المتعاقبة، فحرموا من تعليم لغتهم والاحتفال بأعيادهم وممارسة تقاليدهم.
وعندما إندلع النزاع في “سوريا”، في العام 2011، تبنى معظم الأكراد موقفًا محايدًا ولم يدخلوا في صدامات مع قوات النظام، الأمر الذي جعلهم عرضة لانتقاد المعارضة السورية السياسية والمقاتلة التي أخذت عليهم عدم محاربتهم قوات النظام.
وفي محاولة لكسب ودهم، بادر الرئيس السوري، “بشار الأسد”، في بداية النزاع؛ الى منح الجنسية لـ 300 ألف كُردي بعد انتظار استمر نصف قرن.
وانسحبت قوات النظام السوري، في العام 2012، تدريجيًا من المناطق ذات الغالبية الكُردية في شمال وشمال شرق “سوريا”. واعتبر هذا الانسحاب أنه يهدف بشكل أساس إلى تشجيع الأكراد على عدم التحالف مع الفصائل المسلحة.
وفي العام 2013، أعلن الأكراد، وعلى رأسهم “حزب الاتحاد الديموقراطي” الكُردي الذي تُعد “وحدات حماية الشعب” الكُردية جناحه العسكري، إقامة إدارة ذاتية في مناطق سيطرة الأكراد.
وتسلموا المؤسسات في هذه المناطق، وأعادوا إحياء لغتهم وتراثهم.
وأعلن الأكراد، في آذار/مارس 2016، النظام الفيدرالي في مناطق سيطرتهم التي قسموها إلى ثلاثة أقاليم هي: “الجزيرة”، (محافظة الحسكة، شمال شرق)، و”الفرات”، (شمال وسط، تضم أجزاء من محافظة حلب وأخرى من محافظة الرقة)، و”عفرين”، (شمال غرب، تقع في محافظة حلب)، التي خسروها في العام 2018؛ إثر هجوم شنته “تركيا” وفصائل سورية موالية لها.
وأثار هذا الاعلان، بحكم الأمر الواقع، غضب المعارضة و”تركيا” التي تخشى إقامة حكم ذاتي كُردي على حدودها على غرار “إقليم كُردستان العراق”.
وفي أواخر العام 2016، أقر الاكراد دستورًا أطلقوا عليه تسمية “العقد الاجتماعي” لتنظيم شؤون المنطقة، ثم في أيلول/سبتمبر 2017، انتخب سكان المناطق الكُردية مجالس بلدية.
حربها ضد “داعش”..
منذ العام 2014، تحولت “الوحدات الكُردية” إلى أبرز القوى المحاربة لـ”تنظيم الدولة الإسلامية”، وبدأت بتلقي الدعم من “التحالف الدولي” بقيادة “الولايات المتحدة”.
في مطلع العام 2015، طرد الأكراد بدعم من “التحالف الدولي”، “تنظيم الدولة الإسلامية”، من مدينة “كوباني”، (عين العرب)، على الحدود التركية بعد أكثر من أربعة أشهر من المعارك.
وفي تشرين ثان/أكتوبر 2015، أنضموا إلى تحالف فصائل كُردية وعربية مدعوم من “التحالف الدولي” أطلق عليه اسم “قوات سوريا الديموقراطية”.
كان عديد هذا التشكيل 25 ألفًا من الأكراد وخمسة آلاف من العرب وجميعهم من السوريين.
تلقت “قوات سوريا الديموقراطية”، التي تهيمن عليها “وحدات حماية الشعب”، مساعدة كبيرة من “الولايات المتحدة” في مجال الأسلحة والتدريب، فضلًا عن الدعم الجوي.
ومنذ ذلك، تمكنوا من طرد الجهاديين من مناطق واسعة من شمال وشمال شرق البلاد؛ بينها مدينة “منبج”، في العام 2016، ومدينة “الرقة”، معقل التنظيم الأبرز سابقًا، في العام 2017.
وفي 23 آذار/مارس 2019، أعلنت “قوات سوريا الديموقراطية”، “القضاء التام”، على “خلافة” تنظيم الدولة الإسلامية مع سقوط “الباغوز”، آخر معاقل التنظيم المتشدد.