خاص : ترجمة – آية حسين علي :
أدى اغتيال قائد (فيلق القدس)؛ التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني، “قاسم سليماني”، بأمر رئاسي من الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، إلى نشوب جدل قانوني واسع حول ما تنطوي عليه هذه الخطورة، أولًا بسبب الحدود الغامضة لما تسميها “الولايات المتحدة”، “الحرب ضد الإرهاب”، وهو المسمى الذي إبتدعته “واشنطن”، منذ نحو عقدين، وثانيًا حول الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط.
ويدور الجدل حول محاولة كشف ما إذا كانت العملية الأميركية التي نُفذت، الجمعة الموافق الثالث من كانون ثان/يناير الجاري، يمكن اعتبارها “إعلان حرب”، وهو الأمر الذي انتقده بعض الديموقراطيين، أم هو مجرد انتقام من شخص إرهابي، في الوقت الذي يؤكد فيه، “البيت الأبيض”، أن “سليماني” كان يمثل تهديدًا متزايدًا على المصالح الأميركية.
البيت الأبيض قدم تبريرًا يرضي الشعب..
لم يقدم “البيت الأبيض” بعد تفسيراته القانونية لأسباب اغتيال “سلمياني”، ومن خلال وسائل الإعلام، حاولت الإدارة الأميركية إدراج العملية ضمن إطار مفاهيمي يقبله الشعب، بالقول بأنه إرهابي؛ وإضافة أنه كان يدبر لإعتداءات ضد مصالح الأميركيين، لكن المعضلة تكمن في أن هذا الإرهابي الذي يتحدثون عنه كان في نفس الوقت رئيسًا لجيش دولة أخرى، بينما يشكك الديموقراطيون في الرواية الرسمية وفي صحة المعلومات التي تُصر عليها الإدارة دون الإتيان بأدلة.
وكشف زعيم “الحزب الديموقراطي” في مجلس الشيوخ، “شاك شومر”، أن “ترامب” لم يتشاور مع كبار القادة قبل إتخاذ قرار اغتيال “سليماني”، مضيفًا: “لا نحتاج لأن يورطنا هذا الرئيس في حرب بطريقة رديئة ومندفعة”، كما طالب رئيس لجنة الاستخبارات في “مجلس النواب” الأميركي، الديموقراطي، “آدم شيف”، في مقابلة مع صحيفة (واشنطن بوست)؛ بعقد عدة جلسات استماع لتحليل قرار اغتيال “سليماني” والتهديدات التي يمثلها “ترامب” في منطقة الشرق الأوسط، وبدا من تصريحاته أنه متشككًا في التبريرات التي يسوقها “البيت الأبيض” بشأن صدور معلومات استخبارية تفيد بأن “سليماني” كان يدبر لعمليات خطيرة ضد مصالح “الولايات المتحدة”.
إطار “الحرب ضد الإرهاب”..
أدى قرار “ترامب” إلى العودة إلى مناقشة ما أسمته إدارة الرئيس، “جورج بوش”، بـ”الحرب ضد الإرهاب”، باعتبارها إطار شرعي للرد على هجمات، 11 أيلول/سبتمبر 2001، وهو ما أُثير حوله جدل لم ينتهي منذ نحو عقدين، وكان الإطار الأساس لهذا الشكل الجديد للحرب هو الرغبة في تعزيز الصلاحيات التقديرية لـ”البيت الأبيض”، وإستحداث تصنيف: “عدو مقاتل”، لذا فإن حروب القرن الواحد والعشرون لن تكون ضد دول؛ وإنما ضد شخصيات معينة تعتنق إيديولوجية متعصبة، وبموجب هذه المباديء التوجيهية أنشأت سجون خارج إطار القانون، مثل “غونتانامو”، إلى جانب عشرات السجون التي أنشأتها المخابرات الأميركية حول العالم، وكان يسمح بتطبيق برامج التعذيب بها، ومع ذلك استمرت الحروب التقليدية بشكل نسبي، مثل غزو “أفغانستان”، عام 2001، واحتلال “العراق”، عام 2003.
وفعليًا، يمكن لـ”الولايات المتحدة” إتخاذ قرار تصفية أي شخص في أي مكان في العالم، سواء كان في منطقة تشهد صراعًا مفتوحًا أم لا، إذا ما اعتبر تهديدًا لمصالحها، وذكرت مديرة “المركز الوطني للأمن” بجامعة “فوردهام” الأميركية، “كارين غرينبرغ”، لصحيفة (نيويورك تايمز)؛ أن الرئيس الأسبق، “بوش”، صادق على تنفيذ عمليات اغتيال 50 شخصًا اعتبرتهم الإدارة أعداء لـ”الولايات المتحدة”، وأضافت أن استخدام هذه الأداة القانونية تزايد خلال فترة الرئيس السابق، “باراك أوباما”، ورغم أن رئاسته لم تعرف الحروب المباشرة، لكن البلاد تحت قيادته نفذت مئات الإعتداءات؛ قُتل خلالها الآلاف من الإرهابيين المحتملين والمدنيين.
واستخدم مصطلح، “الحرب ضد الإرهاب”، بطريقة متعمدة للتعامل مع شكل جديد من التهديدات، لكن في حالة “سليماني” فإنه لا خلاف على أنه عدو للأميركان، ويمكن بسهولة تصنيف أعماله بأنها إرهابية، لكنه مسؤول رفيع في بلد آخر لذا لا ينطبق عليه مسمى: “عدو قاتل”.
التاريخ الأميركي يبرر موقف “ترامب”..
وبحسب صحيفة (لوس أنغلوس تايمز)؛ فإن إدارة “ترامب” يمكنها التذكير بعمليات مماثلة لمقتل “سليماني” لتبرير موقفها، ومن العمليات الشبيهة؛ اغتيال قائد معركة “بيرل هاربر”، الياباني، “إيسوروكو ياماموتو”، بتفجير طائرته، وبررت “واشنطن” حينها، العملية، بأن “الولايات المتحدة” و”اليابان” في حالة حرب، وهناك مشاهد أخرى من التاريخ العسكري الأميركي يمكن للإدارة الحالية الاستعانة بها لتبرير موقفها من “سليماني”.