خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
في السنوات الأولى من الحرب الأهلية السورية، كان هناك نوع من التوافق بين “الإمارات” و”قطر”؛ فيما يتعلق بمستقبل “سورية”، ولم يكن ذلك سوى الإطاحة بحكومة “بشار الأسد”. بحسّب ما استهل “محمد رضا بابايي”؛ الجزء الثاني من تحليله المنشور بصحيفة (اعتماد) الإيرانية.
في تلك الفترة؛ كانت الغالبية العظمى من المعارضة السورية المسلحة تتألف من جماعات علمانية ووطنية. لكن بعد مرور عام وبضعة أشهر على بداية الحرب الأهلية، نمت من جهة جماعات سلفية محلية وعابرة للحدود، وتيارات سياسية وعسكرية محسوبة على جماعة (الإخوان المسلمين) من جهة أخرى، وحققت نفوذًا كبيرًا في “سورية”، مع تهميش الجماعات السياسية والعسكرية العلمانية والمعتدلة.
“الإمارات” تعيد حساباتها في سورية..
هذه المسألة دعت “أبوظبي” إلى إعادة النظر في نهجها وتبّني موقف محافظ إزاء التطورات السورية.
واقتصرت في الفترة (2013-2017م)؛ سياسات “الإمارات” داخل “سورية” على مكافحة الإرهاب وتقديم المساعدات الإنسانية للنازحين السوريين.
جديرٍ بالذكر أن تنظيم (داعش) الإرهابي كان قد تمكن حتى العام 2015م، من السيّطرة على أكثر من نصف الأراضي السورية.
جرس إنذار لـ”أبوظبي”..
وفي الجبهة الشمالية حقق التحالف العسكري؛ المعروف باسم: (جيش الفتح)، المكون من جماعات سلفية مدعومة من “تركيا” و”قطر”، انتصارات كبيرة. وقد كان سقوط نظام “بشار الأسد”؛ بواسطة التيارات السلفية، جرس إنذار بالنسبة لـ”الإمارات”؛ التي تتخذ سياسات عدائية تجاه جميع التيارات السلفية والإخوانية.
ومن ثم يمكن الاستنتاج أن استراتيجية “أبوظبي” في مكافحة الإرهاب لا تقتصر على (داعش) والجماعات السلفية المتحالفة أو القريبة منها فحسّب، بل تشمل طيفًا واسعًا من الجماعات.
ففي العام 2015م، دفع التطور العسكري في “سورية”؛ نخب “أبوظبي” إلى إقناع “روسيا” بالتدخل في الحرب السورية. ومنذ بداية الوجود العسكري الروسي في “سورية”، شهد التوجه السياسي لـ”الإمارات” تحولًا ملحوظًا، حيث اتخذت خطوات لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع حكومة؛ “بشار الأسد”، ما أدى في النهاية إلى إعادة افتتاح سفارتها في “دمشق”.
و”أبوظبي” تعلم جيدًا أن انتصار الفصائل المسلحة التي هي في الغالب سلفية متحالفة مع “قطر”، هو بمثابة الحد من دور ومكانة “الإمارات” في المنطقة؛ ومن ثم فقد كانت سياسة الانحياز إلى جانب “الأسد” مُبررةً بالنسبة لنخبة “أبوظبي”.
وقد بذلت “الإمارات” جهودًا كبيرة لإعادة قبول الحكومة السورية في المحافل الدولية، لكن سقوط “الأسد”؛ في كانون أول/ديسمبر 2024م، أدى إلى تحقق ما كانت “أبوظبي” تخشاه، وهو ليس سوى النفوذ المتزايد لكل من “الدوحة وأنقرة” في “سورية”.
الإمارات وقطر: فصل جديد من المنافسات..
تُعتبر “الإمارات العربية المتحدة” و”قطر”؛ كلاهما لاعبين إقليميين مؤثرين، لكن وزنهما ومكانتهما الجيوسياسية لا يسمح لهما بالعمل بما يتجاوز موقعهما.
ومن هنا، تسعى “الدوحة” إلى تعزيز أهدافها من خلال مواءمة المجتمع الدولي لإلغاء العقوبات على “سورية” وإقناعه بقبول الحكومة الجديدة.
في المقابل، تُحاول “أبوظبي” الاستفادة من الثغرات السياسية والأمنية الموجودة في “سورية”، ودعم الميليشيات الكُردية في شمال شرق “سورية” إعلاميًا وسياسيًا، والتوافق مع الدروز والعلويين، وفرض تحديات على الحكومة السورية الجديدة.
وتتداخل سياسات “الإمارات” و”إسرائيل” في “سورية” إلى حدٍ كبير، حيث تشترك “أبوظبي” و”تل أبيب” في قلقهما من النفوذ المتزايد لـ”أنقرة والدوحة”، وتُشككان في أهداف ونوايا الحكومة الجديدة.
وعليه يُمكن تفسيّر المشهد السياسي والأمني الجديد في “سورية”، ونشاط “الإمارات وقطر” في هذا البلد، كفصل جديد من التنافس وتضارب المصالح بين “أبوظبي والدوحة”، حيث سيُحدد الوقت الفائز في هذه المنافسة.