وكالات – كتابات :
في الحادي عشر من آذار/مارس 2022، تقدم مجلس (الدوما) الروسي؛ بطلب رسمي إلى “الأمم المتحدة” و”منظمة الأمن والتعاون” في “أوروبا”؛ بشأن التحقيق في أنشطة المعامل الحيوية التي تُديرها “الولايات المتحدة” في “أوكرانيا”، وقبلها بثلاثة أيام في الثامن من الشهر نفسه، اتهم المتحدث الرسمي لـ”وزارة الخارجية” الصينية؛ في مؤتمر صحافي، “الولايات المتحدة”، بإدارة تلك المعامل لأغراض مشبوهة، وأكد احتواءها على كميات كبيرة من الفيروسات الفتاكة التي يمكن استخدامها لأغراض عسكرية، فما هي وقائع تلك الاتهامات وما هي المواقف الأميركية منها على مدار الأيام الماضية ؟..
الدليل الروسي والتوجس الصيني..
في السادس من آذار/مارس 2022، أعلن المتحدث الرسمي باسم “وزارة الدفاع” الروسية؛ “إيغور كوناشنكوف”، أن “روسيا” قد تحصلت على دليل قاطع يُثبت تورط “الولايات المتحدة” في تمويل مشروع حيوي عسكري في “أوكرانيا”، جرى الكشف عنه في أثناء العملية العسكرية الروسية في البلاد.
وقالت المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية؛ “ماريا زاخاروفا”، إن “كييف” قد بدأت بالفعل في محو أي آثار للبرنامج الحيوي الأميركي من معاملها، وأن “روسيا” قد تحصلت على وثائق من موظفين أوكرانيين بتلك المعامل تؤكد احتواءها على فيروسات وبكتيريا خبيثة مثل: (الطاعون، والجمرة الخبيثة، والكوليرا) وغيرها من الأمراض الفتاكة، وذلك في الرابع والعشرين من شباط/فبراير 2022.
أما “الصين”، فوجهت اتهاماتها في صورة أسئلة مبنية على وثائق تقدمت بها “الولايات المتحدة” ذاتها إلى مجلس الدول الأطراف التابع لـ”الأمم المتحدة”؛ عام 2021، وفيه أن “الولايات المتحدة” تمتلك: 336 معملًا حيويًّا في: 30 دولة بالعالم، منها: 26 معملًا ومنشأة تعاونية مع الحكومة الأوكرانية؛ تعمل تحت مظلة الصحة العامة، كلها مشرف عليها مباشرة من “وزارة الدفاع” الأميركية؛ (البنتاغون)، وأضاف المتحدث أن بعضًا من المناطق التي تحتوي على تلك المعامل قد شهدت تفشيًا على مستوى واسع لأمراض معدية مثل: (الحصبة)، ما يجب أن يُنبه العالم لخطر تلك المعامل على الصحة العالمية، وهي التفشيات التي نشر عنها موقع (يو. إس. إيه توداي) تقريرًا صحافيًّا؛ عام 2015.
وما أثار التوجس الصيني هو أن الوثائق تحمل صفة: “السرية”، ما جعل المتحدث باسم “الخارجية الصينية” يوجه أسئلة إلى “الولايات المتحدة” بشأن تلك المعامل ونوع الأنشطة السرية التي تُمارس بها، وطالب بشرح لتلك الأنشطة بوصفها جزءًا من المسؤولية الأميركية تجاه العالم.
في البدء كان الإنكار.. كيف تلقت “الولايات المتحدة” الاتهامات ؟
لم يكن مستغربًا أن تهب “الولايات المتحدة” على أعلى مستوياتها الدبلوماسية؛ لإنكار تلك الاتهامات بشراسة ضارية، فقد نشرت المتحدثة باسم البيت الأبيض؛ “جين ساكي”، تغريدات تستنكر فيها الاتهامات “الروسية-الصينية”، وتصفها بنظرية المؤامرة، وأنها محض هراء روسي.
أيضًا؛ صرحت “ساكي” في تغريدة تابعة، أن “الولايات المتحدة” تلتزم إلتزامًا كاملًا بـ”المعاهدة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية”، وأن “روسيا” هي التي لديها تاريخ طويل في اتهام الآخرين بما تفعله هي، وأن استخدامها الأسلحة الكيميائية مُثبت بالأدلة، ونددت أيضًا بدعمها لـ”بشار الأسد”؛ في “سوريا”، واستخدامه الأسلحة الكيميائية على شعبه، حتى انتهت إلى التحذير بشأن احتمالية استخدام “روسيا” الأسلحة الكيميائية في “أوكرانيا” في المستقبل القريب؛ بحد زعمها.
“واشنطن” تعترف بوجود معامل حيوية في أوكرانيا..
ولكن سرعان ما انتقلت “الولايات المتحدة” من الإنكار التام لوجود أية منشآت حيوية في “أوكرانيا” تابعة لها؛ إلى القول بأن تلك المنشآت والمعامل موجودة، كما أعلنت “فيكتوريا نولاند”، وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، لكنها لأغراض دفاعية بحتة، وأنها بالفعل تحتوي على فيروسات وبكتيريا ممرضة، لكنها لأغراض بحثية وليست لأغراض عسكرية كما تصور حكومتا: “روسيا” و”الصين”.
ويُقر الموقع الرسمي لسفارة “الولايات المتحدة” في “أوكرانيا” بذلك الأمر؛ فيقول: “إن برنامج خفض التهديد الحيوي التابع لوزارة الدفاع الأميركية يتعاون مع الدول الصديقة لمحاربة تفشي أخطر الأمراض المعدية في العالم، سواء كان ذلك التفشي عن قصد أو حادثًا أو طبيعيًّا”.
وفي جلسة استجواب لمدير “وكالة الاستخبارات الأميركية”؛ (CIA)، في “مجلس الشيوخ” الأميركي، اعترف السيناتور الجمهوري؛ “ماركو روبيو”، بأن الجميع كان خائفًا من الإقرار بحقيقة أن “الولايات المتحدة” تمتلك معامل حيوية في “أوكرانيا”، ووصف تلك المعامل بأنها معامل بحثية وليست عسكرية، ما يجعلها بعيدة عن الاتهامات “الروسية-الصينية”، لكنه قدم تساؤلًا أيضًا إلى مدير الاستخبارات قائلًا: “كيف نقول إن تلك المعامل تحوي أشياء خطرة لا يجب على الروس أن يحصلوا عليها، ونقول في الوقت ذاته إن تلك المعامل ليست منشأة لأغراض عسكرية ؟”.
لا تزال الرواية الرسمية الأميركية تنكر الغرض العسكري لتلك المنشآت والمعامل؛ رغم ترددها في اعتبارها موجودة منذ البداية، وانضم إلى دعم إدعاءات تلك الرواية الرئيس الأوكراني؛ “فولوديمير زيلينسكي”، الذي زعم في تصريح له بخصوص ذلك الشأن: “أنا رئيس دولة عاقلة وشعب عاقل، وأب لطفلين، لا توجد أسلحة كيميائية أو أي أسلحة دمار شامل على أراضينا”.
ولم يختلف موقف “الأمم المتحدة” من الموقفين: الأميركي والأوكراني؛ إذ قالت الممثلة السامية لشؤون نزع الأسلحة التابعة للأمم المتحدة؛ “إيزومي ناكاميتسو”، في اجتماع لـ”مجلس الأمن”؛ إن “الأمم المتحدة” لا تعرف شيئًا عن تطوير أي برنامج للأسلحة الحيوية في “أوكرانيا”، ما يجعل الاتهامات “الروسية-الصينية” دون نتيجة عقابية ضد “الولايات المتحدة”؛ حتى الآن، نظرًا إلى عدم اعتبارها ذات قيمة؛ كما تدعي المسؤولة الأممية.
هل يشهد العالم جائحة جديدة بسبب تلك المعامل ؟
بالعودة إلى استجواب السيناتور “ماركو روبيو”؛ إلى مدير الاستخبارات الأميركي؛ “ويليام برنز”، نجد أنه يذكر وجود فيروسات وبكتيريا خطرة بتلك المعامل الحيوية الأميركية في “أوكرانيا”، والتي تتخوف “الولايات المتحدة” من سيطرة “روسيا” عليها واستخدامها أسلحة بيولوجية في الحرب الأوكرانية، لا يجد الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، ذلك السيناريو مستبعدًا، إذ إدعى في مؤتمر صحافي؛ في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، بأن الرئيس “بوتين”: “يزن فكرة استخدام أسلحة كيميائية في أوكرانيا”، فما الذي من المتوقع أن يحدث إذا سُربت الفيروسات والبكتيريا الخطرة بالمعامل الحيوية الأميركية في “أوكرانيا” ؟
لكن الرئيس الأميركي تغاضى عن إمكانية أخرى، فحتى إذا لم تستغل “روسيا” تلك المعامل في حرب بيولوجية (كما يحب “بايدن” وصحافته الزعم بذلك)، فإنه بالنظر إلى تاريخ المعامل الحيوية الأميركية؛ في “أميركا” والعالم، نجد أن الأخطاء القاتلة تُعد سمة من سماتها داخل “الولايات المتحدة” ذاتها (!).. ما يُثير الكثير من المخاوف على مصير العوامل الخطرة التي تحتويها معامل “الولايات المتحدة” حول العالم.
ففي التقرير الاستقصائي عن المعامل الحيوية داخل “الولايات المتحدة”؛ الذي نشرته صحيفة (يو. إس. إيه توداي) الأميركية عام 2015، وجد الفريق الاستقصائي أن عينات من “بكتيريا قاتلة” قد فُقدت، وأن فئران تجارب حاملة لفيروسات معدية وقاتلة قد هربت، لتوجد لاحقًا وقد نصبت أعشاشًا من المخلفات البحثية. أيضًا، وجدوا أن المواشي المريضة التي تستخدمها جامعة بحثية للتجارب تُرسل بشكل دوري إلى المذابح لتُباع في الأسواق بعد ذلك للاستهلاك الآدمي (!).. كما وجدوا أن معدات أمان تستخدم لحماية باحثين من فيروسات مثل: (الإيبولا وإنفلونزا الطيور) كانت معيبة بشكل متكرر.
كل ذلك كافٍ وحده أن يُعطي وزنًا ثقيلًا للغاية لسيناريو تفشي جائحة جديدة حول العالم من أحد المعامل الحيوية الأميركية.
ومع استمرار جائحة (كورونا) لعامها الثالث، وتأثيرها القاسي في الاقتصاد العالمي؛ الذي تراجع بنسبة: 4.4%، عام 2020، وهي النسبة الأسوأ منذ الكساد الكبير في الثلاثينيات من القرن الماضي، يُصبح سيناريو تفشي جائحة عالمية جديدة، مثل (الطاعون) أو (الجمرة الخبيثة) أو غيرها من الفيروسات والبكتيريا المعدية على نطاق واسع، أحد السيناريوهات القائمة التي قد تسبب هلعًا عالميًّا جديدًا، وحصادًا أكبر للوفيات، وتراجعًا أشد حدة للاقتصاد العالمي السقيم بالفعل.