اعتراف الأمم المتحدة الرسمي بحدوث المجاعة في “غزة” .. هل يُلزم كيان الاحتلال بالخضوع للمحاسبة ؟

اعتراف الأمم المتحدة الرسمي بحدوث المجاعة في “غزة” .. هل يُلزم كيان الاحتلال بالخضوع للمحاسبة ؟

خاص: كتبت- نشوى الحفني:

في سابقة لم تحدث من قبل؛ أعلنت “الأمم المتحدة” رسميًا حدوث مجاعة في “قطاع غزة”، مؤكدة أن نصف مليون شخص يواجهون خطر الجوع الكارثي، بعد تحذيرات مستمرة من منظمات الإغاثة والخبراء.

ويُشّكل إعلان “الأمم المتحدة” ضغطًا قانونيًا وسياسيًا على كيان الاحتلال الإسرائيلي لضمان وصول الغذاء والمساعدات إلى “غزة” دون عوائق.

وأثار الإعلان الكثير من التساؤلات حول معناه في القانون الدولي؟ وهل سيؤدي إلى عقوبات أو إجراءات ملموسة ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي؟

ما تعريف “المجاعة” في النزاعات المسلحة ؟

وفقًا للقانون الدولي الإنساني؛ تُعرّف حالة “المجاعة” بأنها: “النقص الحاد في الغذاء والمواد الأساسية الذي يُهدّد حياة المدنيين”.

وتتفاقم هذه الحالات غالبًا نتيجة عرقلة وصول المساعدات الإنسانية، ما يجعل المدنيين معرَّضين لخطر الموت والجوع.

ويحظر القانون الدولي صراحة استخدام التجويع كسلاح حرب.

وتُشيّر المادتان (54) من البروتوكول الإضافي الأول و(14) من البروتوكول الإضافي الثاني لـ”اتفاقيات جنيف” لعام 1977؛ إلى هذا الحظر، ويُعدّ أي إخفاق في الالتزام به جريمة حرب يُمكن محاسبة مرتكبيها أمام “المحكمة الجنائية الدولية” أو المحاكم الوطنية التي تُطبّق الولاية القضائية العالمية.

تحديات تطبيق القانون.. 

ورغم وضوح النصوص؛ يبقى التطبيق العملي للقانون الدولي رهنًا بالاعتبارات السياسية.

وفي تصريح لشبكة (بي. بي. سي)؛ تقول “إنجي أبو العيون”، المستشارة القانونية الرئيسة بمركز (القانون الدولي الإنساني) لمنطقة الشرق الأوسط، قولها: “التحدي الحقيقي يكمَّن في المساءلة والتنفيذ، غياب الإرادة السياسية، لا سيّما عند دعم أطراف فاعلة دوليًا لأحد أطراف النزاع، غالبًا ما يُعرقل تطبيق القانون ومحاسبة المسؤولين”.

التزامات طرفي النزاع..

وبحسّب تصريحات “أبو العيون”؛ لـ (بي. بي. سي)، لا يترتب على تقرير “الأمم المتحدة” التزامات قانونية جديدة على أطراف النزاع، إذ أن الالتزامات قائمة أصلًا بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي العرفي، وتشمل: حماية المدنيين، ضمان وصول الغذاء والمساعدات الإنسانية دون عوائق، منع استخدام التجويع كسلاح حرب، وحماية الموارد والأعيان الضرورية لبقاء السكان.

مضيفة أن العرقلة المتَّعمدة أو المستَّمرة للمساعدات الإنسانية، سواء عبر القيود أو الهجمات أو الرفض الإداري، تُعدّ انتهاكًا جسيّمًا لـ”اتفاقيات جنيف” وقد ترقى إلى جريمة حرب وفق “نظام روما الأساس”.

وتشمل المسؤولية الجنائية القادة السياسيين والعسكريين؛ ومن يضع السياسات أو يأمر بتنفيذها أو يتغاضى عنها، وصولًا إلى الأفراد الميدانيين الذين يمنعون مرور الإغاثة.

طريقة المعاقبة..

توضح “أبو العيون”؛ أن إثبات استخدام التجويع كوسيلة ضغط أو كسلاح في النزاع يُمثّل: “واحدًا من أخطر انتهاكات القانون الدولي الإنساني” ويُعدّ جريمة حرب بموجب “نظام روما الأساس”.

ويكون القاضي المختص مسؤولًا عن إثبات تعمّد استخدام التجويع بالاستناد إلى تقارير “الأمم المتحدة” وأي تقارير ميدانية داعمة، سواء أممية أو مستقلة.

وأكدت أن المسؤولين عن هذه الأفعال يمكن ملاحقتهم قانونيًا أمام “المحكمة الجنائية الدولية” أو المحاكم الوطنية، بالإضافة إلى آليات تحقيق تابعة لـ”الأمم المتحدة”؛ مثل لجان تقصي الحقائق، وختمت بالقول: “التجويع ليس تكتيكًا مشروعًا في الحرب، بل جريمة تترتب عليها مسؤولية جنائية شخصية على جميع المستويات”.

وثيقة يمكن تقديمها لـ”مجلس الأمن”..

وقال أستاذ القانون الدولي في جامعة (القدس)؛ الدكتور “أمجد شهاب”، إن الإعلان عن وقوع مجاعة كاملة في “قطاع غزة” يحمل تبعات قانونية خطيرة، ويُعدّ خطوة تاريخية غير مسبّوقة صادرة عن “منظمة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي” بالتعاون مع وكالات “الأمم المتحدة”.

وأوضح “شهاب”؛ في حديثه لـ (العين الإخبارية)، أن هذا الإعلان يُمثّل وثيقة رسمية يُمكن تقديمها إلى “مجلس الأمن الدولي”، ويُشّكل تحولًا قانونيًا في توصيف الكارثة وخطورتها، ما يستوجب موقفًا واضحًا من المجتمع الدولي تجاه مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي عن فرض المجاعة على سكان القطاع.

وشدّد على أن المجاعة في “غزة” تُعتبر جريمة حرب بموجب المادة الثامنة من “نظام روما الأساس” لـ”المحكمة الجنائية الدولية”، إذ إن تجويع المدنيين وحرمانهم من المواد الأساسية لبقائهم على قيّد الحياة يُعدّ أحد أساليب الحرب المحظورة التي يُعاقب عليها القانون الدولي.

وأضاف أن “اتفاقية جنيف” الرابعة، في مادتيها (55) و(56)، تُلزم “إسرائيل” بصفتها قوة احتلال بضمان الإمدادات الغذائية والطبية للسكان والسماح بدخول المساعدات الإنسانية دون عوائق، بينما تنتهك هذه الالتزامات بفرض العوائق وتعقيّد وصول المساعدات، في إطار سياسة: “قتل بطيء” لسكان “غزة”.

مؤكدًا أن هناك مسؤولية تقع على المجتمع الدولي بموجب مبدأ: “مسؤولية الحماية” الذي اعتمدته “الجمعية العامة للأمم المتحدة” عام 2005، والذي ينص على أنه في حال فشل أي دولة أو سلطة مسيَّطرة على الأرض في حماية السكان من الجرائم الفظيعة، فإن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية التدخل. وشدّد على أن المطلوب اليوم هو اتخاذ خطوات قانونية مُلزمة لوقف المجاعة، وفرض إدخال المساعدات، والتحقيق مع المسؤولين عنها، وصولًا إلى إحالة هذه الانتهاكات إلى “المحكمة الجنائية الدولية”.

الإبادة والالتزامات الدولية..

من جهتها؛ قالت الخبيرة القانونية الأميركية؛ “جينغر تي. تشابمان”، عضو الحزب (الجمهوري)، إن التردد في استخدام مصطلح: “الإبادة الجماعية” عند توصيّف ما يجري في “غزة” يعود إلى ما يترتب عليه من التزامات قانونية دولية مُلزمة.

وأوضحت أن إعلان “الإبادة الجماعية” لا يكتفي بوصف جريمة، بل يُفرض على الدول الأطراف في “اتفاقية جنيف” لمنع جريمة الإبادة والمعاقبة عليها القيام بإجراءات ملموسة لمنع هذه الجريمة ومعاقبة مرتكبيها، مشيَّرة إلى أن: “الاتفاقية لا تكتفي بمطالبة الدول بعدم التواطؤ، بل تُلزمها باتخاذ خطوات إيجابية لمنع الإبادة ومعاقبة مرتكبيها”.

وأضافت: “الولايات المتحدة، على سبيل المثال، وقّعت على الاتفاقية عام 1949؛ وصادقت عليها عام 1988، وبالتالي فهي مُلزمة قانونًا بالتحرك”.

وأشارت الخبيرة الأميركية إلى أن مشهد التهرب من الاعتراف بالإبادة ليس جديدًا؛ فقد شهد العالم الأمر ذاته خلال “إبادة رواندا” عام 1994، حين امتنعت إدارة الرئيس؛ “بيل كلينتون”، عن استخدام المصطلح، قبل أن يعترف لاحقًا بندمه الشديد على ذلك الموقف.

كما أوضحت أن الاتفاقية نفسها تدعو إلى سنّ تشريعات وطنية تتضمن عقوبات فعّالة، ومقاضاة الجناة، وتفعيل إجراءات تسليم بتهم “الإبادة الجماعية”، والتعاون على نطاقٍ واسع عبر مؤسسات وأجهزة مثل “الجمعية العامة للأمم المتحدة”.

وأضافت أن المحاكم الدولية، وتحديدًا “محكمة العدل الدولية” و”المحكمة الجنائية الدولية”، يُمكنها مقاضاة الأفراد بتهمة “الإبادة الجماعية”.

وتابعت قائلة: “العائق الأكبر أمام إعلان دولي صريح لمنع الإبادة الجماعية هو الولايات المتحدة نفسها، فالإدارة الأميركية باتت رهينة لنفوذ إسرائيل، تستخدم المال والقوة لإسكات الدول الأخرى. لكن هذه الاستراتيجية فاشلة، إذ يزداد الرأي العام الأميركي اقتناعًا بأن ما يحدث في غزة إبادة جماعية يجب وقفها فورًا”.

التزام قانوني صريح..

بدوره؛ رأى الدكتور “محمد محمود مهران”، أستاذ القانون الدولي العام وعضو الجمعيتين الأميركية والأوروبية للقانون الدولي، أن الإعلان الرسمي عن المجاعة في “قطاع غزة” يُحدث تحولًا جذريًا في الوضع بالقانوني الدولي، ويفتح ملفات قانونية متعدَّدة ومعقدَّة تتطلب فهمًا دقيقًا لآلياتها وتداعياتها.

وأكد “مهران” أن المجاعة المَّعلنة رسميًا تُشّكل قرينة قانونية قاطعة على تحقق الركن المادي للجريمة، بينما الأدلة على النية الإجرامية متوفرة من خلال التصريحات الرسمية الإسرائيلية وسياسات الحصار، مشددًا على أن هذا يضع المدعي العام لـ”المحكمة الجنائية الدولية” أمام التزام قانوني صريح بإصدار مذكرات توقيف فورية ضد المسؤولين الإسرائيليين، إذ لم يُعدّ هناك مجال للتقدير أو التأخير في ظل وجود هذا الدليل القاطع.

الآثار المترتبة..

وفيما يتعلق بالتزامات الدول الأخرى؛ أكد الخبير الدولي أن إعلان المجاعة يحوّل الموقف من دعوة أخلاقية للمساعدة إلى التزام قانوني صريح بالتدخل الإنساني، مشيرًا إلى أن المادة الأولى المشتركة في “اتفاقيات جنيف” تُلزم جميع الدول الأطراف بضمان احترام هذه الاتفاقيات في جميع الظروف.

وأوضح أن هذا الالتزام يشمل وقف أي شكل من أشكال الدعم العسكري أو اللوجستي للدولة المنتهكة، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة للضحايا، وممارسة كافة أشكال الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية لوقف الانتهاكات.

وأشار إلى أن من بين الآثار المترتبة استدعاء تطبيق العديد من الآليات الدولية مثل عقوبات “مجلس الأمن”، والعقوبات الاقتصادية الأحادية، وتعليق العضويات في المنظمات الدولية، ووقف الاتفاقيات التجارية والثقافية، وصولًا إلى عُزلة دولية شاملة.

تحمَّل جميع الدول المسؤولية.. 

من جانبه؛ أكد الدكتور “مجيد بودن”، أستاذ القانون الدولي، أن من أهم الآثار المترتبة على إعلان “الأمم المتحدة”؛ هو إلزام جميع الدول بتحمَّل المسؤولية عن “جرائم الحرب والإبادة الجماعية”، لافتًا إلى أن أي إهمال في منع هذه الجرائم يُعدّ مشاركة فيها.

مضيفًا أن الإعلان يُعتبّر دليلًا قانونيًا على الجريمة وفقًا للمعايير الدولية، ما يمكّن “فلسطين” ودولًا أخرى من اللجوء إلى “محكمة العدل الدولية” لتقديم قضايا ضد “إسرائيل” لوقف التجويع وإجبارها على تأمين المعونات.

وكشف “بودن” أن صدور حكم من “محكمة العدل الدولية” وتوجّيهه إلى “مجلس الأمن” يأخذ مسّارين: الأول إذا كان على شكل لائحة، يُمكن لأي دولة من الدول الخمس الدائمة العضوية استخدام حق النقض؛ (الفيتو)، ومنع تنفيّذه، أما الثاني فيكون عبر طلب تنفيذّ قرار المحكمة مباشرة، وهو ما لا يخضع عادة لـ (الفيتو).

وشدّد على أنه لم يحدث تاريخيًا أن اعترضت أي دولة باستخدام (الفيتو) على قرارات “محكمة العدل الدولية”، إذ يُعتبر “مجلس الأمن” سلطة تنفيذية مُلزمة بتنفيذ أحكامها.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة