انتهت تظاهرات العراقيين في 12 محافظة عراقية للمطالبة بالغاء تقاعد البرلمانيين وامتيازات الرئاسات الثلاث وكبار المسؤولين باطلاق سراح قادتها واحالتهم الى المحاكمة مع وعود بتنفيذ مطالبهم ورفض للعنف الذي واجهت السلطات به المتظاهرين وتسابق قوى السياسية الى دعم مطالبهم والوعد بتنفيذها .
اطلاق منظمي التظاهرات وأحالتهم الى المحاكمة
واعن احد منظمي التظاهرات اليوم الاحد ان السلطات اطلقت في وقت متأخر الليلة الماضية قادتها واحالتهم الى المحاكمة بتهمة التظاهر من دون ترخيص رسمي . واضاف ان السلطات اطلقت سراح قادة التظاهرات الثلاثة التي شهدتها بغداد امس حيث خرج الاف المتظاهرين في 12 محافظة للمطالبة بإلغاء الرواتب التقاعدية لكبار المسؤولين في الرئاسات الثلاث والبرلمان والحكومة والدرجات الخاصة والدعوة لمحاربة الفساد وذلك بالرغم من المنع الذي فرضته السلطات.
واشار الى ان اطلاق الناشطين الثلاثة تم من مركز شرطة “الشيخ عمر” حيث كانوا يحتجزون وذلك بكفالة مالية على ان يمثلوا امام قاضي التحقيق في وقت لاحق .. واكد ان من بين المطلق سراحهم عرف : أسيل الجواري وعلي هاشم وجلال تركي وعدد آخر من الناشطين . وطالب السلطات بمعاقبة عناصر الامن الذين اعتدوا على المعتقلين ودعا الى وقفة شعبية تدعم المتهمين حين مثولهم امام المحكمة في وقت لاحق .
وفي محاولة لامتصاص الغضب الشعبي من مواجهة المتظاهرين بالعنف فقد زعم قائد عمليات بغداد الفريق عبد الامير كامل انه مستغرب بشدة من حالات الضرب التي تعرض لها ناشطون ومتظاهرون في ساحتيْ التحرير والفردوس .. وقال أنّ القيادة ستقوم فتح مجالس تحقيقية بحق العناصر المتجاوزة.
وأشار في تصريح صحافي الى أن قرار منع التظاهرات أو السماح بإقامتها متعلق بالجانب لحماية المواطن مؤكداً على محاسبة المقصرين الذين لم يلتزموا بالتعليمات .
فقد واجهت السلطات في بغداد الظاهرات بالعنف واغلقت جميع الشوارع والجسور المؤدية الى ساحة التحرير في قلب بغداد مما اضطر المتظاهرين الى محاولة الانتقال الى اقرب ساحة عامة هي الفردوس لكنهم منعوا من ذلك ايضا فلجأوا الى ساحة الاندلس البعيدة نوعا ما عن وسط بغداد لينظموا تجمعهم فيها ويعلنوا عن مطالبهم.
وفي محافظة ذي قار (375 كم جنوب بغداد) واجهت قوات مكافحة الشغب المتظاهرين باستخدام خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع لتفريقهم بالقوة مما اسفر عن اصابة خمسة منهم. وقد تم اثر ذلك تشكيل لجنة
للتحقيق في وقوع هذه الاصابات وفض تظاهرهم بالقوة على الرغم من منحهم اجازة رسمية بالتظاهر.
وكان رئيس الوزراء نوري المالكي قد اعرب صباح امس فور انطلاق التظاهرات في بغداد والمحافظات الاخرى عن دعمه ومساندته لمطالب المتظاهرين .. وقال بيان صحافي انه “سيعمل على دعم هذا التوجه سواء في الحكومة او من خلال كتلته في مجلس النواب ولدى الراي العام” .
قوى سياسية ودينية تؤيد مطالب المتظاهرين وترفض العنف ضدهم
ومن جهتها فقد اكدت قوى سياسية ودينية دعمها لمطالب المتظاهرين و رفضها للعنف الذي جوبهت به من قبل قوات مكافحة الشغب وذلك في تصريحات مكتوبة وبيانات صحافية.
فقد دان رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي ما اسماها الاجراءات التعسفية والتجاوزات التي قامت بها الاجهزة الامنية على جموع المتظاهرين في بغداد والمحافظات. وقال “ندين وباشد عبارات الشجب والاستنكار ما قامت به الاجهزة الامنية من اجراءات وتجاوزات تعسفية ظالمة ضد المتظاهرين في بغداد والمحافظات، ونجدد تاكيدنا على ان حق التظاهر مكفول دستوريا ما دامت هذه التظاهرات ضمن اطارها السلمي والقانوني، كما نبدي رفضنا القاطع لكل ما من شأنه ان يمس ارادة الشعب والمواطن، وتعزيز حرية الرأي والتعبير”.
واضاف ان تحقيق ارادة الشعب وتطلعاته، وتلبية مطالبه المشروعة، انما هي مسؤولية تقع على عاتق الجميع، وان من واجبنا الاستماع لهذه المطالب حتى لو كانت عكس ارادتنا او تتقاطع معها كليا اوجزئيا، كما نشير الى ان تأييدنا لمطالب المتظاهرين يأتي في اطار المسؤولية التي منحنا اياها الشعب كسلطة تشريعية تدافع عنه وتطالب بحقوقه وليست ضمن الحملات الدعائية التي تسبق موعد اجراء الانتخابات”.
ومن جانبه بارك حزب الدعوة الإسلامية بزعاة المالكي “الجهود الطيبة التي بذلها جمع من أبناء شعبنا العزيز في تظاهراتهم السلمية التي خرجت اليوم السبت في مختلف محافظات العراق” .. مؤكدا ”تضامنه مع مطلبهم المشروع في إلغاء امتيازات أصحاب الرئاسات الثلاث وتقليل رواتبهم والغاء رواتبهم التقاعدية”. وشدد على ان “هذا المطلب سبق إن طالبنا بتحقيقه من قبل من دون أن يتضامن معنا احد، وقد اصبح اليوم مطلبا لكل العراقيين الشرفاء وسنعمل من اجل تحقيقه بقوة “.
اما ائتلاف العراقية الوطنية فقد حيا من وصفهم “الشباب الأبطال الذين خرجوا في محافظات العراق المختلفة في تظاهرات سلمية مطلبية لتحقيق العدالة المجتمعية .. مؤكدا “ان أصوات المتظاهرين وصلت عالية لكل الفاسدين والمتسترين على الفساد، بالرغم من منع التغطية الاعلامية والاعتداء على الاعلاميين والتجاوزعلى حرية الصحافة التي كفلها الدستور”.
واشار الى ان “منع التظاهرات في بغداد ومحافظات أخرى واستخدام القوات الأمنية لضرب المتظاهرين السلميين وتفريقهم بدلاً من حمايتهم ما هو الا دليل واضح على خوف أصحاب المناصب والعروش من صوت الشعب الأعزل وإرادته الحرة، أمام فشل الحكومة في استتباب الأمن ومحاربة الفساد وتوفير الخدمات وتحقيق المصالحة الوطنية”. وطالب الأجهزة الأمنية بالاصطفاف مع الشعب ومطالبه المشروعة والنأي بنفسها عن حماية مصالح فئة مستفيدة “سيطالها العقاب عاجلاً أم آجلاً” بحسب قوله.
ومن جهتها دانت الأمانة العامة لكتلة الاحرارالصدرية وبشدة “الاعتداء على المتظاهرين المسالمين العزل، داعية الجهات الامنية الى الافراج الفوري عن المعتقلين . وطالبت “جميع الكتل السياسية والفعاليات الجماهيرية ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني المطالبة بحقوق المحرومين من أبناء العراق بالضغط على الجهات الحكومية من أجل أن ينالوا تلك الحقوق ويحققوا مطالبهم المشروعة”.
اما حركة الوفاق الوطني فقد اكدت في بيان “تضامنها مع المطالب الشرعية والسلمية للشارع العراقي ورفضت بشدة القمع والإعتداء على المتظاهرين وكل التبريرات لهذا العمل الشائن مطالبة بالكف عن هذه الممارسات ومحاسبة مرتكبيها، كما تدعو مجلس النواب العراقي والإدعاء العام والقوى السياسية والمجتمع المدني والمنظمات والهيئات الحقوقية لوقف كل أشكال التجاوزات على الدستور وارواح المواطنين وحرياتهم”.
كما دعا النائب المستقل صباح الساعدي رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي الى إدراج مقترح قانون الغاء الرواتب التقاعدية للسلطتين التشريعية والتنفيذية على جدول اعمال الجلسة القادمة من اجل تشريعه وقال في بيان “لقد اثبت المتظاهرون أنهم على قدر المسؤولية عندما استمروا بتظاهراتهم السلمية رغم كل الاستبداد الأمني والقمع البوليسي الذي استخدم في بغداد وذي قار وبعض المحافظات الأخرى”.
ودعا الساعدي” نقابة المحامين والادعاء العام في العراق الى التحرك لرفع دعوى قضائية ضد القائد العام للقوات المسلحة وكل القيادات الأمنية التي قمعت التظاهرات في بغداد وذي قار وغيرهما من المحافظات بتهم انتهاك الدستور والشروع بالقتل العمد وقمع الشعب العراقي أمام المحاكم العراقية والقضاء العراقي”.
وعلى الصعيد نفسه فقد افتى المرجع الشيعي الشيخ قاسم الطائي بحرمة التعرض للمتطاهرين المطالبين بحقوهم بالقوة والسلاح من اي جهة رسمية او غير رسمية . وقال الطائي في بيان له اصدره على خلفية التظاهرات التي شهدها العراق ان ” مطالبة المواطنين بحقوقهم المشروعة بالغاء الرواتب التعاقدية والامتيازات المالية للسلطات الحكومية ، والزاما بايفاء من وعدوهم بتحسين الاوضاع المعاشية وصيانة انفسهم من العوز والحاجة المذلين امرا مطلوبا شرعا وهو ما تقرره كل الشرائع السماوية ومطلوبا عقلا وعقلائيا وعشائريا “.
واضاف ان ” التعرض للمواطنين بالقوة والسلاح من اي جهة كانت رسمية وغير رسمية محرم شرعا من الناحية التكليفية ومن الناحية الوضعية حيث تشتغل ذمة المتعرض لما يسببه من اتلاف الانفس والاضرار بها ، ناهيك عن دعم وكفالة الدستور لحق التظاهر والمطالبة بالحقول والمطالبات الانسانية لابسط شعوب الارض “.
وتشير الأرقام بشأن الرواتب والامتيازات لكبار المسؤولين في العراق الى أنه في الوقت الذي يبلغ فيه الراتب الشهري لرئيس الجمهورية 82 مليون دينار عراقي (75 ألف دولار) فإن راتب رئيس الوزراء هو 62 مليون دينار (57 ألف دولار) في حين يبلغ راتب رئيس البرلمان 57 مليون دينار (53 ألف دولار). أما راتب الوزير فيبلغ نحو 12 مليون دينار (10 آلاف دولار) وهو مقارب لراتب عضو البرلمان سوى أن الوزير يملك مخصصات ونثريات تزيد على العشرين مليون دينار (18 الف ولار) في حين أن عضو البرلمان لا يملك مثل هذه المخصصات.
وفيما يتعلق بالراتب التقاعدي فإنه يبلغ 80 في المائة من الراتب وهو ما يعني أنه إذا كان صافي راتب عضو البرلمان هو 10 ملايين دينار فإن راتبه التقاعدي هو 8 ملايين دينار (7 الاف دولار) وهو ما ينسحب بالتدريج على جميع أصحاب الدرجات الخاصة في وقت يبلغ فيه معدل الرواتب التقاعدية لباقي أصناف الموظفين في العراق ما بين 200 ألف دينار (150 دولارا) إلى 400 ألف دينار عراقي (300 دولار) شهريا.