خاص : كتبت – نشوى الحفني :
اندلع قتال في العاصمة السودانية؛ “الخرطوم”، وفي مواقع أخرى في أنحاء البلاد، حيث يمكن وصف تلك التطورات المتلاحقة والاشتباكات بين الجيش النظامي ووحدات “قوات الدعم السريع” بالمواجهة المفتوحة على جميع الاحتمالات التي تُزيد من خطر اندلاع حرب أهلية في جميع أنحاء البلاد، التي ربما تُسّفر عن تغيير في خريطة القوى، في بلد هش يشهد تجاذبات بين جهات تتربص للانقضاض على العملية السياسية والوصول إلى السلطة أو العودة إليها مجددًا بالنسّبة لبعض الأطراف الأخرى.
لا يمكن إنكار أن الصدام الحالي هو صدام عسكري بحت لا يقبل التأويل؛ وخلال الأسابيع الماضية، لوحظ تفاقم التوترات بين العسكريين أنفسهم وما تردد في الشارع السوداني من رفض بعض القادة العسكريين في الجيش تسّليم السلطة للمدنيين؛ بحسّب الاتفاق الإطاري الموقّع.
ارتفاع عدد القتلى وتحول الخرطوم لـ”مدينة أشباح”..
وارتفع عدد قتلى الاشتباكات المستمرة؛ منذ السبت في الخرطوم و07 مدن أخرى في “السودان”، إلى نحو: 144 قتيلاً و1405 جريحًا، حسّبما أفادت “لجنة أطباء السودان”.
وتحولت “الخرطوم” إلى: “مدينة أشباح”؛ بعد 03 أيام من المعارك بين الجيش و”قوات الدعم السريع”، حيث بات من الصعب على السكان التحرك لقضاء احتياجاتهم في ظل القصف الجوي والاشتباكات العنيفة على الأرض.
ما الذي أطلق شرارة العنف ؟
يُذكر أن التوتر كان قد تصاعد منذ أشهر بين قوات الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع”؛ اللتين شاركتا في الإطاحة بحكومة مدنية في أحداث تشرين أول/أكتوبر.
وانفجر الخلاف بسبب خطة مدعومة دوليًا لبدء عملية الانتقال لمرحلة سياسية جديدة مع الأطراف المدنية. وكان من المقرر توقيع اتفاق نهائي؛ في وقت سابق من نيسان/إبريل، في الذكرى الرابعة للإطاحة بالرئيس السابق؛ “عمر البشير”، في انتفاضة شعبية.
بموجب الخطة، كان يتعين على كل من الجيش و”قوات الدعم السريع” التّخلي عن السلطة واتضح أن هناك مسألتين مثيرتين للخلاف بشكلٍ خاص. الأولى هي الجدول الزمني لدمج “قوات الدعم السريع” في القوات المسّلحة النظامية، والثانية هي توقيت وضع الجيش رسميًا تحت إشراف مدني.
حين اندلع القتال في 15 نيسان/إبريل، تبادل الطرفان الاتهامات بإثارة العنف. واتهم الجيش؛ “قوات الدعم السريع”، بالتعبئة غير القانونية في الأيام السابقة، وقالت “قوات الدعم السريع”، مع زحفها إلى مواقع استراتيجية رئيسة في “الخرطوم”، إن الجيش حاول الاستيلاء على السلطة بالكامل في مؤامرة مع الموالين لـ”البشير”.
مخاطر تفاقم النزاع..
يمكن أن يؤدي النزاع إلى تبّديد تلك الآمال؛ بالإضافة إلى زعزعة استقرار منطقة مضطربة على تخوم منطقة الساحل و”البحر الأحمر” و”القرن الإفريقي”.
كما يمكن أن يلعب دورًا في المنافسة على النفوذ في المنطقة بين “روسيا” و”الولايات المتحدة”؛ وبين القوى الإقليمية التي تتودد إلى قوى مختلفة في “السودان”.
السيناريوهات المتوقعة..
ودعت الأطراف الدولية إلى وقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة الحوار، لكن لا توجد مؤشرات تُذكر على التوصل لتسّوية من جانب القوى المتحاربة.
ووصف الجيش السوداني “قوات الدعم السريع”؛ بأنها قوة متمردة وطالب بحلها، بينما وصف “حميدتي”؛ “البرهان”، بالمجرم وحّمله مسؤولية الدمار الذي تشهده البلاد.
ورغم امتلاك الجيش السوداني لموارد متقدمة، منها قواته الجوية، فإن “قوات الدعم السريع”؛ التي يُقدر عددها بنحو: 100 ألف؛ انتشروا في جميع أنحاء “الخرطوم” والمدن المجاورة لها، وكذلك في مناطق أخرى، مما يُهدد بإطالة أمد الصراع في وقتٍ تُعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية وتزايد الاحتياجات الإنسانية في الوقت الحالي.
وتستطيع “قوات الدعم السريع” أيضًا الاستفادة من الدعم والعلاقات القبلية في منطقة “دارفور” الغربية، حيث خرجت هذه القوات من رحم الميليشيات التي قاتلت إلى جانب القوات الحكومية للقضاء على المتمردين في حرب دامية تصاعدت؛ بعد عام 2003.
تدخلات من فلول نظام “البشير”..
وذكرت صحيفة (العرب) اللندنية في تقريرٍ لها؛ أن الاشتباكات بين “قوات الدعم السريع” والجيش السوداني كشفت عن تدخلات لفلول من نظام الرئيس السابق؛ “عمر البشير”، وقيادات عسكرية محسّوبة على جماعة (الإخوان) داخل الجيش كانت تّعد العدة للقيام بانقلاب عسكري وقلب الطاولة على العملية السياسية برمتها.
وبحسّب الصحيفة؛ ربما أجهض تحرك “قوات الدعم السريع”، السبت، ما تردد بشأن محاولة انقلابية إخوانية جديدة رسّمت ملامحها بالتعاون مع بعض القيادات العسكرية في الجيش السوداني؛ وهي ذات القيادات التي ظلت تناور وتراوغ الفترة الماضية للتنصل من عملية تسّليم السلطة للقوى المدنية.
ومع استمرار الاقتتال واتسّاع نطاقه كل ذلك يضع “السودان” على فوهة بركان مع وجود حركات مسّلحة عديدة تنتشر في مناطق مختلفة وتملك معدات قتالية متباينة يمكن أن تنزلق أقدامها إذا انحازت لأيّ من الطرفين المتصارعين؛ ويقول مراقبون إن “السودان” أمام: “ربيع عسكري” يمكن أن يفض الاشتباك بين قيادة الجيش و”قوات الدعم السريع”؛ بعد معلومات متداولة حول وجود انقسام داخل الجيش السوداني، وممانعة بعض القيادات العسكرية لرغبة قائد الجيش وميوله ودعمه لتسّليم السلطة للمدنيين.
يمنح فرصة لعودة نظام “البشير”..
فيما ذكرت صحيفة (الراكوبة) السودانية؛ أن هناك عناصر كثيرة في الجيش أدركت أن الهدف من التسّويف والمماطلة التي ظهرت ملامحهما في ممارسات قيادات عسكرية يمنح الفرصة لعودة فلول نظام الرئيس السابق؛ “عمر البشير”، و(الإخوان)، من خلال تهيئة الأجواء لانقلاب عسكري.
رؤية مخالفة لمجريات الفضاء السياسي العام..
وقال المحلل السياسي السوداني؛ “شوقي عبدالعظيم”، إن ما يدور في “السودان” يرجع إلى أن أطرافًا داخل الجيش كانت لديها رؤية مخالفة لما يجري في الفضاء السياسي العام، وهي من دفعت نحو الانزلاق إلى الصراع المسّلح، وأن حديث بعض قيادات الجيش عن الهدوء والتفاهم لم يكن محل اتفاق داخل صفوفه.
وأشار لصحيفة (العرب)؛ إلى رصدت تحركات مريبة منذ فترة تتجه إلى تمهيد الطريق نحو الانقلاب على اللعبة السياسية، فلول نظام “البشير”، وقد يدفع ثمنه السودانيين الذين يهمهم توفير الأمن أولاً ودفع الطرفين للتهدئة.
ومع ظهور التحركات والوسّاطات من جانب أطراف داخلية وخارجية مبكرًا، غير أنها لم تتمكن من تقريب المسّافات بين الجيش و”الدعم السريع” بسبب تباعد الرؤى، لكنّ هناك توافق شعبي وسياسي يُريد: “تفويت الفرصة” ويرفض مؤامرات الانقلاب التي كان فلول نظام “البشير” و(الإخوان) يحضرون لها للاستيلاء على السلطة من جديد.
انقلاب عسكري تاريخي..
واعتبر الكاتب الصحافي والمحلل السياسي؛ الدكتور “طارق الشيخ”، ما يحدث في “السودان” انقلابًا عسكريًا من داخل الكتلتين العسكريتين الأكبر في البلد، وقال إنه من هذه الناحية لا يختلف عن أي انقلاب حدث في “السودان” تاريخيًا.
انفراط العِقد العسكري..
وذكرت أستاذة العلاقات الدولية بجامعة الخرطوم؛ “تماضر الطيب”، أن: “العِقد العسكري” ربما انفرط في “السودان”، بما يجعل من الصعوبة العودة إلى العملية السياسية، بعد أن وصلت الأوضاع إلى الصراع المسّلح الذي لا يعلم أحد متى سينتهي.
وأوضحت لصحيفة (العرب)؛ أن ما حدث انتصار للثورة السودانية، لكن قد يُمثل وبالاً على المكونات العسكرية، حيث برهن على مدى الخلاف الكبير داخل الجيش الذي كان يتّهم المدنيين بشكلٍ مستمر بأنهم من يُعرقلون عملية التحول الديمقراطي، وتأتي أهمية ما يحدث ليؤكد أن المؤسسة العسكرية لن تعود إلى الحكم.
وأكدت “الطيب” أن اشتباكات، السبت، هي بداية النهاية لكل الخارجين عن القانون داخل المؤسسة العسكرية، وسوف تقود إلى تصفية جديدة داخل قوات الجيش، وربما تكون لها تأثيرات سلبية على الحركات المسّلحة الموقعة على “اتفاق جوبا للسلام”.