خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
تذبذبت العلاقات “التركية-المصرية”؛ خلال العقدين الماضيين، وتحولت في تلك الفترة من قالب الأخوة والتعاون إلى العداء والتوتر. بحسّب ما استهل “سيد علي نجات”؛ خبير شؤون غرب آسيا، في تحليله المنشور بصحيفة (اسكناس) الإيرانية.
وتعود نقطة الانعطاف في العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين؛ إلى فترة الثورات العربية والمظاهرات الشعبية في العام 2010م.
آمال إردوغانية سابقة في القاهرة..
وقد اتسم رد فعل الرئيس التركي؛ “رجب طيب إردوغان”، على الإطاحة بحكومة الرئيس المصري الإخواني الأسبق؛ “محمد مرسي”، عام 2013م، بالحدة؛ حيث كانت علاقات “تركيا” مع (الإخوان المسلمين) في تلك الفترة قوية جدًا، وكان “إدروغان” يسعى إلى بناء علاقات استراتيجية مع حكومة “مرسي”؛ في إطار محور (أنقرة-القاهرة).
من ثم كانت “تركيا” واحدة من الدول التي انتقدت بشدة انقلاب؛ “عبدالفتاح السيسي”، وحافظت على هذا الموقف مدة طويلة.
وفي فترة توتر العلاقات بين البلدين، وانقطاع الاتصالات الدبلوماسية، استهدف “إردوغان”، نظيره المصري؛ “السيسي”، في خطابات متكررة، معلنًا أنه لن يمد يده إلى قيادات من أمثال “السيسي” على الإطلاق.
وبالنظر إلى تغييّر الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة بشكلٍ ملحوظ، وصراع الطرفين الإقليميين خلال السنوات الماضية تحديات داخلية متعددة، فضلًا عن التغيّيرات الإقليمية والدولية المستمرة، والتي دفعت كلا الطرفين إلى إعادة النظر في سياساته الخارجية.
منعطف هام في علاقات البلدين..
على كل حال؛ كانت زيارة الرئيس المصري إلى “أنقرة”؛ بعد زيارة نظيره التركي إلى “القاهرة”، في شباط/فبراير الماضي، بمثابة منعطف هام في علاقات البلدين؛ حيث تبلورت أجواء تحول نمط العداء والتوتر إلى تعاون وإدارة التوتر في العلاقات بين “أنقرة” و”القاهرة”.
في غضون ذلك؛ لعبت عدة عوامل دورًا رئيسًا في ميول البلدين إلى ترميم العلاقات السياسية وتجاوز مرحلة العداء، أحدها حاجة البلدين الاقتصادية.
أزمات اقتصادية تطحن البلدين..
وتواجه “تركيا” مشكلات اقتصادية خطيرة من مثل تراجع قيمة الليرة وزيادة التضخم، في المقابل تصارع “مصر” تحديات اقتصادية مثل القروض الخارجية وتراجع الاحتياطي من العُملات الأجنبية.
وتعترف “تركيا” و”مصر” لبعضهما بمزايا اقتصادية محتملة لتحسّين العلاقات؛ حيث تُهييء “مصر” بما تمتلك من كثافة سكانية كبيرة، وموقع استراتيجي على “البحر الأبيض وإفريقيا”، فرص تجارية للحكومة التركية من مثل مجالات التعاون المرتقبة في الفترة الجديدة من العلاقات، وترميم العلاقات الاقتصادية، والعمل على زيادة حجم التجارة الثنائية والتي تقدر في القوت الحالي بنحو: (10) مليار دولار، وتستهدف البلدان زيادة حجم التبادل التجاري إلى: (15) مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة.
ليبيا وأزمات إقليمية أخرى..
في السيّاق ذاته؛ دفعت الأزمات الإقليمية كالوضع في “ليبيا”، البلدان إلى إدارة الخلافات والتوترات في العلاقات الثنائية، وقد كان الملف الليبي أحد ملفات الخلافات بين الجانبين، لا سيما بعد تقسيم “ليبيا” إلى شرق وغرب تحت وطأة الحرب الأهلية؛ حيث دعمت “تركيا”؛ “حكومة الوحدة الوطنية”، المدعومة من “الأمم المتحدة”، بينما قادت “مصر” تحالف مع: “روسيا والإمارات” يدعم الجنرال “خليفة حفتر” للإطاحة بحكومة “الوحدة الوطنية”.
والبيان المشترك للبلدين بعد زيارة “السيسي” إلى “تركيا”، يوحي بعزم البلدين على الدخول في مشاروات مكثفة في هذه المرحلة الجديدة بالعلاقات بحثًا عن حلول سياسية للأزمة الليبية وغيرها من الموضوعات الإقليمية الكثيرة.
وكشف “السيسي”؛ في كلمته، عن اتفاق الطرفين على إجراء مشاورات بين أجهزة البلدين للمحافظة على الأمن والاستقرار السياسي في “ليبيا”؛ حيث طرح الطرف المصري عددًا من النقاط المهمة مثل ضرورة إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة في “ليبيا”، وخروج القوات الأجنبية غير الرسّمية، وإنهاء ملف (المليشيات المسلحة).
وزيارة “إبراهيم قالين”؛ رئيس جهاز المخابرات الوطنية التركية، إلى “طرابلس”، ولقاء “عبدالحميد الدبيبة”؛ رئيس وزراء حكومة المصالحة الوطنية، وسائر الأطراف الليبية، بعد يوم من زيارة “السيسي”؛ “تركيا”، إنما يعكس سعي “أنقرة” للقضاء على المشكلات الليبية.
وفي الختام؛ فإن لقاء الرئيس المصري نظيره التركي في “أنقرة”؛ بعد (12) سنة من القطيعة، يُمثل منعطفًا في علاقات البلدين، ومؤشر إيجابي على تحسن العلاقات الدبلوماسية وتجاوز ملفات الخلاف، لكن الموضوع لا يرقى إلى بلورة علاقات أو تحالف استراتيجي بين البلدين، إذ ما تزال تقف بعض التحديات والعقبات المعقدة والمتعددة حجر عثرة على طريق تحسين العلاقات “التركية-المصرية” بشكلٍ كامل.