خاص: كتبت- نشوى الحفني:
في غضون خمسة أيام؛ تعرضت الشركات الأجنبية العاملة في العاصمة العراقية؛ “بغداد”، إلى (05) هجمات، أي بمعدل هجوم واحد في اليوم.
وتعرض فرع شركة (كاتر بيلر) في منطقة “الجادرية”؛ وسط “بغداد”، فجر أمس الخميس، إلى استهداف بعبوة صوتية، كما تم استهداف معهد (كامبرج) “البريطاني-الأميركي” بعبوة محلية الصُّنع ضمن منطقة “شارع فلسطين”؛ شرقي العاصمة.
وتأتي هذه الهجمات بعد أن استهدف مجهولون، الاثنين الماضي، مطعم (ليز غلي هاوس)؛ ضمن منطقة “شارع فلسطين”، بعد يوم من استهداف مطعمين تابعين لسلسلة مطاعم (KFC) الأميركي الأول في منطقة “شارع فلسطين” أيضًا، والآخر ضمن منطقة “الكرادة-62” في “بغداد”.
إساءة لسُّمعة “العراق”..
وأفادت “خلية الإعلام الأمني” في بيان؛ أن: “هكذا أفعال تُحاول يائسة أن تسُّيء إلى سمعة العراق والتوجه الملموس للإعمار وخدمة المواطنين، وكذلك إلى مكانة وتضحيات قواتنا الأمنية”.
وشّدد على أن: “القطاعات الأمنية بمختلف عناوينها وأجهزتها الاستخبارية ستُلاحق وستصل إلى كل من يعبث بالأمن والسّلم المجتمعي ويتجاوز على القانون والممتلكات العامة والخاصة”.
وأعلنت “وزارة الداخلية” أنها تمكنت من تتبع واعتقال المسُّلحين الذين استهدفوا مطعمًا يحمل علامة (ليز غلي هاوس) الأميركية، لكنها لم تُفصح بعد عن نتائج التحقيق وسط مخاوف من وقوف أطراف سياسية مناوئة لرئيس الوزراء؛ “محمد شيّاع السوداني”، وراء الهجمات.
إدانة أميركية ومطالب بفتح التحقيق..
وبعد ساعات من انفجاري؛ الخميس، قالت السفيرة الأميركية لدى العراق؛ “ألينا رومانوسكي”، في منشور عبر منصة (إكس): “نُدين الهجمات العنيفة الأخيرة ضد الشركات الأميركية والدولية، ونُحث الحكومة العراقية على إجراء تحقيق شامل، وتقديم المسؤولين عن الهجمات إلى العدالة، ومنع أي هجمات مستقبلية”.
ورأت السفيرة أن الهجمات تعُّرض: “حياة العراقيين وممتلكاتهم للخطر، ويمكن أن تُضعف قدرة العراق على جذب الاستثمارات الأجنبية”. وزادت: “لا نزال مُلتزمين بالشراكة (الأميركية-العراقية) الشاملة لبناء الفرص الاقتصادية والازدهار لجميع العراقيين”.
ووسّط تلك الهجمات، كان زعيم (التيار الصدري)؛ “مقتدى الصدر”، قد دعا إلى طرد السفيرة؛ “رومانوسكي”، من “العراق”، لكن: بـ”طريقة سّلمية”، على خلفية الحرب الإسرائيلية على “غزة”. وقال “الصدر” في تغريدة مطولة إن: “إسرائيل دولة شغب وتدعمها أميركا”.
لا علاقة بين دعوة “الصدر” واستهداف المصالح..
ويسّتبعد بعض الخبراء والسياسيون العراقيون؛ أن تكون هناك علاقة بين الاستهدافات التي تبدو منسُّقة ودعوة زعيم (التيار الصدري)؛ “مقتدى الصدر”، مؤخرًا إلى طرد السفيرة الأميركية من “بغداد”، ارتباطًا بموقف بلادها الداعم لـ”إسرائيل” في حربها ضد “قطاع غزة” الفلسطيني.
فيقول الأكاديمي العراقي وأستاذ الرأي العام في (جامعة أهل البيت)؛ في “كربلاء”؛ الدكتور “غالب الدعمي”، في تصريح لصحيفة (الشرق الأوسط)، إنه: “لا يوجد ربط بين استهداف بعض المصالح الأجنبية، ودعوة زعيم (التيار الصدري)؛ لأن الصدر ربطها بالمسّار السّلمي، وشّدد على ذلك”.
ويعتقد “الدعمي” أن: “المطلوب من القوات الأمنية والجهات الرسّمية العراقية تحقيق الردع في مثل هذه الأمور عن طريق القبض على الجناة وتقديمهم إلى العدالة”، موضحًا أن: “هذه الأفعال هي بلا أدنى شك خارجة عن القانون وتستهدف مصالح عراقية خالصة، وليس لها علاقة مباشرة بالولايات المتحدة الأميركية”.
في السيّاق؛ يرى المحلل والدبلوماسي السابق؛ الدكتور “غازي فيصل”، أن الدعوات لطرد السفيرة وقطع العلاقات الدبلوماسية والشعارات التي ترفع لمناهضة “الولايات المتحدة الأميركية”؛ في “العراق”: “هي جزء من مطالب التيارات الراديكالية التي وُجدت في العراق؛ منذ عام 1958، فصاعدًا، وحتى عام 2003 ويومنا هذا”.
وقال “فيصل” إن: “الموقف من الولايات المتحدة الأميركية وعلاقات التعاون الاستراتيجي بين واشنطن وتل أبيت، يُذكران في الواقع بموقف الدول العربية بعد هزيمة حزيران/يونيو 1967، حيث ذهبت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا”.
ويعتقد “فيصل” أن: “تلك الدعوات (قطع العلاقات) أدت إلى نتائج كارثية في العراق، وهي شكل من أشكال التنافس الداخلي بين التنظيمات والفصائل والأحزاب السياسية المختلفة المتشُّددة القريبة من منهج ولاية الفقيه الإيرانية”، مضيفًا أنها: “نوع من التنافس فيما بينها للإعلان عن معاداة الولايات المتحدة الأميركية بوصف تلك المعاداة موقفًا وطنيًا وإسلاميًا يُعبر عن مناهضة الإمبريالية الغربية وإسرائيل، من وجهة نظر هذه الجماعات”.
هجمات منظمة تستهدف تدمير الاقتصاد..
من جهته؛ قال النائب السابق في البرلمان العراقي؛ “حيدر الملا”، في تدّوينةٍ له على موقع (إكس)، إن: “الاستثمارات الأجنبية في العراق تتعرض إلى هجمة منظمة ومدروسة ودنيئة”، وعدّ أن: “الهدف منها تقويض الاقتصاد وتدميره، وإيقاف عجلة الإنجاز في حكومة السوداني وإرباكها، بعد أن تم وضع حجر الأساس للاستقرار السياسي والاقتصادي، والعمل على خلق بيئة جاذبة للاستثمار”.
وعلى النهج نفسه؛ جاء رأي الخبير الأمني؛ “سرمد البياتي”، الذي قال إن: “مثل هذه الأعمال أيًا كان حجمها ونوعها ففي النهاية هي أعمال تُعرقل كل أشكال الاستثمار في البلاد ما دامت تستهدف المصالح ورؤوس الأموال الأجنبية، لا سيما أن هناك حركة بناء واضحة واستقرارًا سياسيًا وأمنيًا، مع خطط واعدة لجذب الاستثمارات، طبقًا لما تخطط له الحكومة الحالية”.
مضيفًا أن: “هذه الأعمال سوف تترك تأثيرًا واضحًا في الواقع، وهو الهدف الذي على ما يبدو يعمل عليه من يقف وراء مثل هذه الأعمال”.
وأشار إلى أن: “استهداف الوكالات التجارية والمصالح الأجنبية محاولة لخلط الأوراق، وطالما أن هناك بدائل لمن يُعتبر أن بعض هذه العلامات والوكالات مؤيدة لإسرائيل، فيمكنه مقاطعة بضائعها”.
دليل على العجز الحكومي..
بينما يرى الخبير الاستراتيجي؛ “د. أحمد الشريفي”، إن: “مثل هكذا عمليات لها تأثير كبير على الحكومة العراقية من جهة والدولة العراقية من جهة أخرى، لأن للحكومة استحقاقات وللدولة تعهدات، وما حصل سيؤثر بشكلٍ كبير على حسُّن أداء الحكومة التي قدمت تعهدات للولايات المتحدة بأنها سترعى وتهتم وتُحافظ على المصالح (الأميركية-العراقية)”.
ويُضيف “الشريفي”؛ لوكالة (شفق نيوز)، أن: “الاستهداف الأول ربما يكون فيه عنصر مباغتة، وكان هناك رد فعل حكومي وإدانة، واعتبرت الولايات المتحدة أن هذا الرد كافٍ؛ والذي تضمن (الإدانة ووعد بعدم تكرار مثل هكذا عمليات فضلاً عن إجراءات احترازية)”.
ومن تلك الإجراءات ما كشفه مصدر أمني مطلع، الثلاثاء الماضي، عن فرض عقوبات طالت ضباط القوة الماسّكة للمناطق التي حدثت فيها عمليات استهداف المطاعم في “بغداد”.
وأبلغ المصدر وكالة (شفق نيوز)؛ أن العقوبات تضمنت إعفاء آمر (اللواء الثالث/ الفرقة الأولى) شرطة اتحادية وإيداعه التوقيف لمدة (30) يومًا، وحجز آمر (الفوج الثاني اللواء الثالث) شرطة اتحادية وضباط الفوج أعلاه مع آمر (فوج طواريء بغداد السادس) وضباط الفوج لمدة (30) يومًا.
كما طالت العقوبات أيضًا آمر قاطع “نجدة الكرادة” وضباط القاطع وأمر قاطع “نجدة الكندي” وضباط القاطع بالحجز لمدة (30) يومًا، بالإضافة إلى حجز ضابط استخبارات “الكرادة” وضباط استخبارات (فوج طواريء بغداد السادس) لمدة (30) يومًا.
لكن وبعد تلك العقوبات تكررت الاستهدافات، وهذا يدل – وفق “أحمد الشريفي” – على: “عجز الحكومة لردع مثل هكذا عمليات، فضلاً عن عجز المؤسسات الأمنية عن الحفاظ على مصالح الدول الصديقة والحليفة للعراق؛ وفي مقدمتها الولايات المتحدة، لذلك ستؤثر تلك العمليات بشكلٍ كبير على طبيعة العلاقة بين الحكومة العراقية والولايات المتحدة”.
تنعكس في عدم القدرة على الانفتاح الدولي..
أما انعكاساتها على مستوى الدولة العراقية فهي ستُظهر – بحسّب “الشريفي” – حالة من الضعف والوهن في قدرة “العراق” على الانفتاح دوليًا، ومسألة الإعمار والاستثمار هي مسألة أساسية في البرنامج الحكومي لـ”السوداني”، فضلاً عن أنها استحقاق وطني، على اعتبار أن الشعب يرى أن ضعف القطاع الخاص وعدم وجود نشاط تجاري يُحرك عجلة الاقتصاد في “العراق” أثر على واقع العراقيين في البطالة.
ويُكمل “الشريفي” حديثه، أن: “مثل هكذا عمليات تدفع الشركات المستثمرة؛ وحتى التي تتصدى لعمليات الإعمار، إلى الانسّحاب من العراق، فضلاً عن أنها ستؤخر تفعيل القطاع الخاص الذي يحتاج إلى تفاعل إقليمي ودولي لتحريك عجلة الاقتصاد ويحتاج إلى رؤوس أموال تفّد إلى العراق”.
ويُزيد: “وإذا كان الوضع غير آمن بهذا الشكل، والحكومة ومؤسساتها عاجزة عن الردع، معنى ذلك أن رأس المال لن يدخل إلى العراق وكذلك الاستثمار وعمليات البناء ستتأخر، وفي الوقت ذاته ستدخل البلاد في دوامة نزاع جديد لا تستطيع الحكومة إيجاد الآليات لردعه”.
ويُحذر الخبير الاستراتيجي؛ أن: “المرحلة المقبلة قد تكون خطرة؛ لا سيما وأن الاستحقاقات الإقليمية تشّي إلى أن التصعيد قادم، حيث إن الاستقرار الإقليمي بالتقارب (السعودي-الإيراني) بدأت بوادر انتهائه تُظهر، ما يُنذر بحدوث تصعيد واصطفافات جديدة لسياسة محاور إقليمية ستُعيد العراق إلى دائرة الصراع الداخلي، لتأثر الأحزاب والأجنحة المسلحة لها بسياسة صراع المحاور إقليميًا، ما سيؤثر بشكلٍ واضح على الدور الدولي الذي يرعى المشروع السياسي في العراق وتحديدًا الولايات المتحدة”.
كسّر لإرادة الدولة العراقية ورسالة سلبية..
من جهته؛ يصف الخبير الأمني؛ “مخلد الدرب”، استهداف الشركات الأجنبية: “عمليات تحدي وكسّر لإرادة الدولة العراقية والحكومة وجهات إنفاذ القانون، في وقتٍ يبحث العراق فيه عن فتح آفاق جديدة مع الدول والشركات الخارجية لزيادة الاستثمارات لغرض تطوير البُنى التحتية في البلاد”.
ويُضيف “الدرب”؛ لوكالة (شفق نيوز)، أن: “الشركات المعروفة والعملاقة لا يمكن أن تذهب إلى أي مكان دون توفير أرضية أمنية خصبة لها، وهذا ما تعهد به رئيس الوزراء عند توقيع مذكرات التفاهم سواء في واشنطن أو في دول أخرى، لكن ما يحصل حاليًا يُعطي رسالة سلبية للشركات الراغبة بالاستثمار في العراق”.
ويُشير الخبير الأمني؛ إلى أن: “النوايا الحقيقية لمن يقوم بهذه العمليات هي إرسال رسالة سلبية عن الداخل العراقي، وهي نوع آخر من الإرهاب، أما مسألة التعاطف مع غزة وأن تلك الشركات تابعة للولايات المتحدة، فإن هناك خيارات أخرى غير التخريب كما لجأت إليها دول العالم منها المقاطعة، لكن يبدو أن الهدف أكبر من موضوع الشركات الأميركية وأن هناك صراعًا بين مجموعات مسُّلحة للقيام بهكذا أعمال وقد يكون الموضوع المالي أو الاقتصادي جزءًا من هذا الصراع”.
دور القوات الأمنية..
وعن دور الأجهزة الأمنية في الحفاظ على تلك الممتلكات وتداعيات تلك الاستهدافات، يقول عضو “لجنة الأمن والدفاع” النيابية؛ “محمد المحمدي”، إن: “هناك حرصًا على وجود مصالح للدول في العراق لكي يكون هناك حماية دولية أو يكون مصيرهم مرتبطًا مع البلاد، حيث إن الدول المستقرة أمنيًا فيها مصالح مشتركة مع دول أخرى سواء استثمارات أو شركات تحقق إيرادات لدولهم من خلال الضرائب، لذلك يكونوا مهتمين بأن يكون البلد الذي يتواجدون فيه مستقرًا”.
ويؤكد “المحمدي”؛ لوكالة (شفق نيوز)، أن: “العراق انعزل عن دول العالم من عام 1991 وإلى اليوم؛ يدفع ضريبة هذا الانعزال سواء على المستوى الثقافي أو الاجتماعي أو الأمني، ومن غير الممكن يبقى العراق منعزلاً، لذلك نحن ضد أي اعتداء”.
ويُشير النائب إلى أن: “القوات الأمنية تحتاج إلى التقنيات الحديثة من أجهزة (سونار) وكاميرات، حيث إن نصب الكاميرات كفيلة بتشخيص أي مجرم ومن ينفذ العمليات، لذلك نطالب بتوفير الدعم الحقيقي والمتطور للأجهزة الأمنية دون الاعتماد على التواجد في الشوارع عبر السّيطرات فقط”.
غير قادرة على حماية الشركات الأميركية..
وكان ائتلاف (دولة القانون)؛ بزعامة “نوري المالكي”، قال أمس الخميس، إن الحكومة العراقية غير قادرة على حماية كل الشركات الأميركية في “بغداد”.
وقال القيادي في الائتلاف؛ “سعد المطلبي”، إن: “قضية استمرار استهداف الشركات الأميركية في بغداد قضية معقدة، ففي ظاهر الأمر هو استهداف للشركات المؤيدة إلى إسرائيل، وتأتي ضمن المقاطعة العالمية لهذه الشركات، لكن للأسف بدل المقاطعة أصبح هناك اعتداءات سافرة على تلك الشركات”.
وأضاف أن: “باطن الأمر، قد يُشير إلى جهات تعمل على الإساءة للاقتصاد العراقي وضرب عملية الاستثمار وضرب الأموال العراقية في الاستثمارات، والتأثير بشكلٍ خطير على الاستثمارات الأجنبية ولهذا الموضوع معُّقد”.
وبيّن أن: “هذه العمليات ليس فيها أي إحراج لحكومة السوداني؛ وهي تحصل في كل دول العالم الآن، وإسرائيل هي المسؤولة عن هذا الموضوع بسبب ما ترتكبه من مجازر في فلسطين، خاصة أن الحكومة العراقية لا تستطيع أن تحمي كل شركة أميركية في بغداد وغيرها، فالحكومة تعمل على توفير الحماية العامة والتوفير الحماية الخاصة لكل الشركات هو أمر صعب جدًا”.