استقالة “غسان سلامة” .. السادسة في تاريخ الأزمة الليبية .. هل تؤثر على مسار الحل السياسي ؟

استقالة “غسان سلامة” .. السادسة في تاريخ الأزمة الليبية .. هل تؤثر على مسار الحل السياسي ؟

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

بشكل مفاجيء وبذريعة الدواع الصحية، أعلن المبعوث الأممي إلى ليبيا، “غسان سلامة”، مساء الإثنين، استقالته من منصبه، ليترك الأزمة الليبية “معلّقة”، ومخلّفًا وراءه تساؤلات عديدة حول الدوافع الحقيقية لانسحابه من الملف الليبي وتداعيات ذلك على مسار العملية السياسية في “ليبيا”، ودلالات توقيت الاستقالة، الذي يتزامن مع بدء المسارات السياسية والعسكرية والاقتصادية بين طرفي الصراع بالبلاد في “جينف”، وتدهور الوضع على الأرض.

وكان قد تم تعيين “غسان سلامة” مبعوثًا خاصًا لـ”الأمم المتحدة” إلى “ليبيا”، في الـ 16 من حزيران/يونيو 2017، خلفًا للألماني، “مارتن كوبلر”، لكن جهوده في إرساء السلام لم تنجح في هذا البلد الذي لا يزال يعاني فوضى أمنية وانقسامًا سياسيًا وصراعًا على السلطة، حيث واجه أداءه وطريقة إدارته للأزمة انتقادات عديدة داخل “ليبيا”.

وبعد قرابة 3 سنوات في المنصب، قرر “سلامة” إنهاء المسيرة، وكتب استقالته في تغريدة على (تويتر)، عازيًا السبب إلى: “الإجهاد”.

وتأتي استقالة “غسان سلامة”؛ بعد بدء محادثات في “جنيف” بين طرفي الصراع في ليبيا، “حكومة الوفاق الوطني”، بقيادة “فايز السراج”، المُعترف بها دوليًا ومقرها “طرابلس”، وبين خصمها الرئيس “قوات شرق ليبيا”، (الجيش الوطني الليبي)، بقيادة “خليفة حفتر”، التي تحاول السيطرة على العاصمة، غير أن المحادثات غاب عنها العديد من المسؤولين من الجانبين.

كما عقدت “ألمانيا”، “مؤتمر برلين”، الذي دعت إليه العديد من القوى الإقليمية لأجل محاولة حلّ الأزمة، وأصدر “مجلس الأمن”، القرار رقم 2510؛ القاضي بوقف إطلاق النار في “ليبيا”، بيدَ أن كل المحاولات لم تؤثر بشكل كبير على الأرض.

وكان طرفا الأزمة قد توصلا، قبل أسابيع، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، إلّا أن “غسان سلامة” صرّح، قبل أيام، أن: “هدنة السلام الهشة أوشكت على الإنهيار” أو “إنهارت تقريبًا”؛ إثر هجوم قادته قوات “حفتر” على العاصمة، “طرابلس”، مشيرًا إلى هذا العنف يُهدّد المحادثات الناشئة بين الطرفين.

فشل 6 مبعوثين أميين..

هذه الاستقالة كسابق عهد من تولى نفس المهمة؛ لم تكن الأولى وإنما يُشار إلى أنه منذ سقوط نظام، “معمر القذافي”، عام2011، توافد على “ليبيا” 6 مبعوثين أممين، فشلوا كلّهم في إيجاد سبيل يُخرج البلاد من حالة الاقتتال والانقسام، إلى تسوية عادلة تسهم في إعادة الاستقرار إلى البلاد، وتُعيد ترتيب الأمور، وهم الأردني، “عبدالإله الخطيب”، والبريطاني، “إيان مارتن”، واللبنانيين، “طارق متري” و”غسان سلامة”، وكذلك الإسباني، “برناردينو ليون”، والألماني، “مارتن كوبلر”.

يُذكر أنه باستقالة “سلامة”، تدخل المفاوضات بين الأطراف الليبية في حالة شلل في انتظار تعيين بديل له، وتذهب جلّ التوقعات إلى أن نائبته الأميركية، “ستيفاني ويليامز”، ستُخلفه على رأس البعثة الأممية إلى “ليبيا”.

بسبب مناورات الأطراف السياسية..

حول دوافع الاستقالة، رأى رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، “أحمد حمزة”، الذي وصف استقالة، “سلامة”، بالخسارة لـ”ليبيا”، أن المبعوث الأممي سئم مناورات أطراف الأزمة السياسية، التي تسعى جاهدة لإجهاض وإفشال جميع المسارات السياسية التي تمخضت عن “مؤتمر برلين” ونسف جميع أشكال الحل السياسي أو الحلول التوفيقية من خلال شروطها التعجيزية المسبقة، للدخول في المفاوضات السياسية والاقتصادية والعسكرية الأخيرة.

مضيفًا أنه: “يبدو أنه وصل معهم إلى طريق مسدود، جميع الأطراف السياسية الليبية، بالرغم من انقسامها وتشرذمها وإقتتالها، اتفقت على توجيه أسهم العداء إلى سلامة وإفشال مساعيه، وهذا فشل لليبيين بالدرجة الأولى الذين يسعون لإطالة أمد الأزمة من خلال التعنت والرفض لجميع أشكال الحلول، ولا تتحمل مسؤوليته لا البعثة الأممية ولا الأمم المتحدة ولا المبعوثون الأمميون السابقون”.

كما أشار إلى أن بعض الأطراف السياسية سعت لإفشال مهمة “غسان سلامة”، من أجل إطالة الأزمة، لأنها تعلم أنّه في إنتهاء الأزمة إنتهاء لوجودهم، مؤكدًا على أن أزمة “ليبيا” ليست في مبعوثي “الأمم المتحدة”، وإنما في سياسييها وفي كل مؤسساتها.

ووصف “حمزة”، رحيل “سلامة” عن الملف الليبي، بالخسارة لـ”ليبيا” باعتباره الشخص الأكثر قدرة وفهمًا في التعاطي مع الأزمة الليبية، خاصة أنه أتى من رحم أزمة سياسية وحرب أهلية طاحنة في “لبنان”، موضحًا أن المبعوث القادم لن يكون قادرًا على الحل في ظل تعنت الأجسام السياسية الليبية وعدم رغبتها في التوصل إلى الحل.

استمرار خطة سلامة للسلام..

فيما رأى المحلل السياسي الليبي، “فرج فركاش”، أنّ تنحي “سلامة” لا يعني فشله شخصيًا، بل فشل كل الليبيين، خاصة الأطراف الرافضة للتنازل التي كانت ولا تزال مُصرة على إقصاء الخصوم، سواء سياسيًا أو عسكريًا.

واعتبر أن تعيين بديل آخر لـ”سلامة” سيكون مهمة صعبة للأمين العام لملء الفراغ الذي سيتركه، كونه مُلمًا بالملف الليبي وناطقًا بالعربية وعلى تواصل مع عدة دول فاعلة في الملف الليبي، داعيًا البعثة الأممية إلى تدارك هذا الأمر في أقرب وقت ممكن بنشر بيان تؤكد فيه أن خطة “سلامة” للسلام مستمرة بوجود نائبته الأميركية، “ستيفاني ويلياميز”، قبل أن تتحول لغة التواصل بين الأطراف الداخلية إلى لغة أكثر تسليحًا وأكثر دموية، وتترجم استقالته على أنها إنتهاء للهدنة.

فشل في أداء مهمته..

فيما اعتبر أستاذ العلوم السياسية، “ناصر الإبراهيم”، أن “غسان سلامة”؛ فشل في أداء مهمته بشكل كبير، خاصة في المفاوضات الأخيرة في “جنيف”، التي غاب فيها الطرفان الرئيسان المؤثران في الأزمة عن طاولة الحوار، مشيرًا إلى أنه لم يُنتج أيّ حل منذ قدومه وتحوّل في بعض الأحيان إلى طرف في الأزمة بإنحيازه إلى “حكومة الوفاق”، المدعومة من المليشيات المسلّحة والمرتزقة، كما أنه وقع في عدة سقطات عندما أطلق وعودًا للأطراف الدولية بقدرته على إيجاد الحل، لكنه فشل فشلًا ذريعًا.

بسبب إصرار “إردوغان” على إفشال المحادثات..

ويرى الدكتور “إكرام بدرالدين”، أستاذ العلوم السياسية، بجامعة “القاهرة”، أن استقالة المبعوث الأممي، تعود إلى الضغوط التي يتعرض لها، بسبب عدم تحقيق مفاوضات المسار العسكري لحل الأزمة الليبية، والجارية بـ”جنيف” أي تقدم يُذكر، في ظل إصرار الرئيس التركي، المحرك الأساس لوفد “حكومة الوفاق”، على إفشال هذه المفاوضات، حتى يبقى قادرًا على نقل المرتزقة وإرهابيي (داعش) من الجبهة السورية، التي توشك على الإنهيار، إلى “ليبيا” ليضمن أن تبقى له شوكة في الشرق الأوسط يُساوم بها على تحقيق مصالحه، ونهب ثروات “البحر المتوسط”.

ولفت “بدرالدين”، إلى أن “إردوغان” نفذ تهديده بفتح حدوده للمهاجرين، وأطلق الآلاف منهم بالفعل نحو الشواطيء الأوروبية للضغط على دول “اليورو”، لكن رد فعل “الاتحاد الأوروبي”، وبخاصة “اليونان”؛ التي تعهدت بحماية الحدود الأوروبية، ووقف قبول طلبات اللجوء لمدة شهر، أفسد ورقة “إردوغان” للضغط في هذا الإتجاه.

وشدد “بدرالدين” على أن الأزمة الليبية مرشحة لمزيد من التفاقم، والعودة بالفعل لنقطة الصفر، لأن “إردوغان” لن يُقر بالهزيمة بسهولة، وهو ما يستدعي مزيدًا من الجدية لدى المجتمع الدولي لحل الأزمة.

نتيجة طبيعية ومتوقعة..

بينما رأى سفير ليبيا الأسبق في السعودية، الدكتور “محمد سعيد”، إن استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا، “غسان سلامة”، نتيجة طبيعية ومتوقعة لسياسات “الأمم المتحدة”؛ التي لم تؤدِ إلى أي نتائج إيجابية لحل الأزمة الليبية.

موضحًا أن أي مبعوث أممي جديد إلى “ليبيا”، سيفشل في مهمته بسبب فرض آراء الدول الكبرى وأجندات “الأمم المتحدة” عليه، لأنها لا تُحقق ما يريده الشعب الليبي، وتؤدي إلى الفشل السياسي في حل الأزمة من جذورها.

وأكد الدبلوماسي الليبي رفض الشعب الليبي لتحركات غير منطقية؛ مثل مبادرة الرئيس التونسي، “قيس سعيد”، الأخيرة، أو مشاركة “قطر” في حل الأزمة الليبية، وهي التي تدعم الإرهابيين بالمال والسلاح، مشيرًا إلى أن الشعب الليبي وحده قادر على حل أزمته.

واعتبر الدكتور “محمد سعيد”، اجتماع القبائل الليبية في “ترهونة” أخيرًا؛ خطوة على الطريق الصحيح لإنهاء المشاكل بين القبائل الليبية، لتشكيل حكومة وطنية، ولجنة تُشرف على الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وإعادة بناء مؤسسات الدولة بالتنسيق مع “الجيش الوطني الليبي”.

يصعب تحقيق المسارات الثلاثة..

من جانبه؛ قال المحلل السياسي، “محمود إسماعيل”: “إن غسان سلامة قدم استقالته بعد فشله في تنفيذ الوعود التي أطلقها لحل الأزمة الليبية”، مشيرًا إلى أن الليبيين يتجهون لوضع معايير بدلًا من وضع شخصيات، كما اقترح أن يضع المعايير شخصيات لها ثقل على مستوى العالم ومن “إفريقيا” أيضًا.

وأكد “إسماعيل” أنه من الصعوبة تحقيق المسارات الثلاثة، حيث لم يكن هناك وضوح من المجتمع الدولي ولم يكن هناك الزام، كما أن بعض الدول لازالت مترددة ومصالحها متضاربة، بالإضافة لاستمرار الخروقات على الأرض، وبالتالي هناك صعوبة في البدء بالمسار السياسي ما لم يتم حسم المسار الأمني، مؤكدًا على أن هناك قصفًا شبه يومي على “مطار معيتيقة”؛ وكذلك هناك هجوم شبه مستمر من قِبل قوات الجيش الليبي المتمركز على تخوم “طرابلس”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة