استقالة “بولتون” المفاجئة .. بين تقلبات “البيت الأبيض” وأوهام تغيير السياسات !

استقالة “بولتون” المفاجئة .. بين تقلبات “البيت الأبيض” وأوهام تغيير السياسات !

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

بشكل مفاجيء وبطريقة غير متوقعة، أعلن الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، إقالة مستشاره للأمن القومي، “جون بولتون”، على خلفية اختلاف بوجهات النظر.

وقال “ترامب”، في سلسلة تغريدات عبر حسابه في (تويتر)، الثلاثاء 10 من أيلول/سبتمبر 2019: “إن خدمات جون بولتون لم تعد مطلوبة في البيت الأبيض، لوجود خلاف في بعض وجهات النظر والمقترحات التي قدمها بولتون مؤخرًا”.

وأضاف: “طلبت من جون الاستقالة، أشكره على الخدمات التي قدمها”، مشيرًا إلى أنه سيعين مستشارًا جديدًا للأمن القومي، الأسبوع المقبل.

إلا أن مستشار الأمن القومي، “جون بولتون”، نفى عبر حسابه في (تويتر)، بحسب وكالات، رواية الرئيس الأميركي، وأوضح أنه هو من قدم استقالته لـ”ترامب”، وقال له الأخير: “دعنا نتحدث عنها غدًا”.

اتهمه بتوريط أميركا في أخطاء كبيرة..

ولم يصمت “ترامب” تجاه ذلك، فقال أمس؛ إن مستشاره السابق للأمن القومي، “جون بولتون”، شخصًا قويًا، “لكن لم يكن على علاقة جيدة بأفراد الإدارة”.

وبحسب صحيفة (الإندبندنت)، اتهم “ترامب”، “بولتون”، بتوريط “أميركا” في أخطاء كبيرة، منها حرب “العراق”.

واعتبر “ترامب” أن غزو “العراق” كان “خطأ جسيمًا” ساعد فيه “بولتون” وعمل عليه؛ خلال عمله في إدارة الرئيس، “جورج بوش” الابن.

كما لفت إلى أنه كان على خلاف مع “بولتون” أيضًا؛ فيما يخص الشأن الليبي والأوضاع في “فنزويلا”؛ وقال إن هناك 5 مرشحين لخلافته.

وتطرق “ترامب” إلى أزمة “إيران”، مشيرًا إلى أن “طهران” بإمكانها أن تكون دولة عظيمة، لكن تعاملها مع الأمور يعطل ذلك.

وحذر، “إيران”، من أن تخصيبها لـ (اليورانيوم) سيكون “خطيرًا للغاية” عليها، لكن عاد وأكد أن “واشنطن” لا تريد تغيير النظام في “إيران”.

من هو “جون بولتون” ؟

ويُعرف “جون بولتون”، الملقب بـ”الصقر”، بمواقفه المتشددة حيال “روسيا” و”إيران”، و”كوريا الشمالية” التي سعى “ترامب”، خلال الفترة الماضية، إلى تهدئة النزاع معها.

وطالب “بولتون” مرارًا بشن ضربة “وقائية” ضد “كوريا الشمالية” بسبب برنامجها النووي، في الوقت الذي توصل فيه “ترامب” إلى اتفاق مع زعيمها وعقدا أكثر من قمة.

كما يعتبر “بولتون” أن قصف إيران “مبرر”؛ وأن الخيار العسكري هو الوحيد لحل مشكلة توسع “إيران” في برنامجها النووي، بحسب مقال له في صحيفة (نيويورك تايمز)، عام 2015.

وكذلك طالب “جون بولتون” بالتعامل مع “روسيا” بقوة، وانتقد اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي بنظيره الروسي، عام 2017، وقال حينها إن بوتين “يكذب بفضل تدريبات الاستخبارات الروسية”.

ويُعتبر “بولتون” أحد أبرز رجال الإدارة الأميركية رغم تبدل الرؤساء المتعاقبين عليها، إذ بدأ مسيرته السياسية، عام 1981، حين عمل كمستشار عام لرئيس الجمهورية، “رونالد ريغان”، كما شغل منصب مساعد وزير الخارجية الأميركية في إدارة الرئيس، “جورج بوش” الأب في الفترة بين 1989 و1993.

وفي عام 2001؛ تولى “بولتون” منصب وكيل وزارة الخارجية لمراقبة الأسلحة والأمن الدولي، وعُيّن بمنصب المندوب الأميركي لدى “الأمم المتحدة”، وذلك بعهد الرئيس الأميركي، “جورج بوش” الابن، وأكتسب حينها لقب، “الصقر”، بسبب مواقفه المتشددة حيال “روسيا” و”إيران” و”كوريا الشمالية” و”كوبا”، كما أنه أيد حينها حرب “الولايات المتحدة” على “العراق”.

وحين أستلم “ترامب” إدارة “البيت الأبيض”، عيّن “جون بولتون” بمنصب مستشاره للأمن القومي، وذلك في آذار/مارس 2018.

استقالته لن تصحح العلاقات “الروسية-الأميركية”..

“روسيا” من جهتها؛ أعلنت على لسان الناطق باسم الرئاسة الروسية، “دميتري بيسكوف”، أن إقالة مسؤول أميركي رفيع مثل مستشار الرئيس للأمن القومي، “جون بولتون”، لن تصحح العلاقات (الروسية-الأميركية).

وردًا على سؤال صحافي حول إمكانية تأثير إقالة “بولتون” على العلاقات (الروسية-الأميركية)؛ قال “بيسكوف”، للصحافيين، أمس: “لا نعتقد أن وجود أو إقالة أي مسؤول، ولو مثل هذا المسؤول رفيع المستوى، قد يؤثر بصورة جدية على السياسة الخارجية الأميركية”.

فيما أعلن مدير القسم الثاني لشؤون آسيا بوزارة الخارجية الروسية، “زامير كابولوف”، أن بلاده تجد صعوبة في التنبؤ بتأثير استقالة “جون بولتون” من منصب مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي، على احتمالات التوصل إلى تسوية أفغانية واستئناف المفاوضات بين “الولايات المتحدة” و”حركة طالبان”.

وقال “كابولوف”، في تصريح صحافي أمس: “على حد علمي كانت هناك خلافات بين بولتون والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ليس فقط بشأن أفغانستان، ولكن أيضًا بشأن قضايا أخرى”.

وأضاف: “من الواضح أن بولتون كان من أنصار إتباع سياسة متشددة، ودعا إلى عدم توقيع اتفاق مع طالبان، وإذا تغير هذا الأمر حاليًا سنعتبر استقالته عملًا إيجابيًا”.

ترحب إيراني..

ورحبت “إيران” على لسان، “محمود واعظي”، مدير مكتب الرئيس الإيراني، “حسن روحاني”، باستقالة مستشار الأمن القومي الأميركي، “جون بولتون”، قائلًا إن: “الأخير كان متطرفًا، وأن استقالته تبرهن على عجز الولايات المتحدة عن تحقيق أهداف سياستها تجاه إيران”.

ونقل التليفزيون الإيراني، عن “واعظي”، قوله: “نحن سعداء لمغادرة بولتون لأن هذا التحول يعني إقتناع واشنطن بأنها لن تحقق أهدافها”، وتابع: “بولتون رحل دون أن يحقق أهدافه بشأن إيران، بينما الحكومة الإيرانية باقية”.

وأضاف “واعظي”: “الولايات المتحدة الأميركية كانت قد اختارت بولتون بهدف إعلان الحرب، ولكنها أجبرت على طرده بعدما أدركت أن الحرب ليست الحل”.

وتابع: “بولتون شخص متطرف، ومنذ البداية كان يبحث عن الحرب، لكنه لم يحقق أي هدف في فنزويلا وكوبا وأفغانستان وإيران”.

الإمبراطورية الأميركية تنحسر..

تعليقًا على ما يحدث، قال الأكاديمي وأستاذ علم الاجتماع السياسي، الدكتور “محمد سيّد أحمد”: “أعتقد أن ما يحدث في الولايات هو فشل مخططاتها في المنطقة والعالم؛ وفشل سياسياتها ومشاريع الإدارة الأميركية هو الذي أدى إلى هذا التضارب ويؤدي إلى التخبط داخل الإدارة الأميركية نفسها ما بين الفرق المختلفة، سواء كانوا الصقور أو من يتعاملون بنوع من الدبلوماسية وخدمة المخططات أو التعامل بشكل غير مباشر مع هذه المخططات، وأنا أعتقد أن الإمبراطورية الأميركية تنحسر الآن وفي مأزق شديد؛ لأن هزائمها ليست فقط على المستوى العسكري والاقتصادي بل وصلنا إلى مرحلة هزائم متتالية على المستوى السياسي، وهو ما لا تقبله الولايات المتحدة الأميركية”.

يؤثر على سياسة الولايات المتحدة في عدة ملفات..

وقال “أحمد”: “نحن نعلم أن الإدارة الأميركية لا تعتمد في سياساتها على الأفراد، ولكن الأفراد يؤثرون تأثيرًا كبيرًا، وفقًا لتوجهاتهم، وهذا واضح بشكل كبير في الخلاف بين مستشار الأمن القومي، جون بولتون، والرئيس، ترامب، وهذا ما دفع إلى الاستقالة أو الإقالة، ولكن الرجل خرج من منصبه بشكل مهين، وهذا سوف يؤثر على سياسة الولايات المتحدة الأميركية على عدة ملفات ساخنة هزمت فيها واشنطن، وخاصة إيران وسوريا واليمن، ومن هنا لابد من أن يكون هناك تغيير في سياسة الولايات المتحدة تجاه هذه الملفات وعدة ملفات أخرى، وأعتقد أن القادم سيكون الإطاحة باللذين تولوا الملفات التي تلقت فيها الولايات المتحدة هزائم واضحة”.

ترامب” يثبت أنه يحقق انتصارات من أجل الانتخابات..

عن حالة التخبط التي تعيشها “أميركا”، قال “أحمد”: “أعتقد أن هناك خلاف واضح وموضوعي في الإدارة الأميركية، خاصة أن الرئيس، ترامب، أوشكت ولايته على الإنتهاء والولايات المتحدة قادمة على فترة رئاسية جديدة، وهو يريد أن يوصل رسائل بأنه لن يقبل بأن تلقى السياسة الأميركية الخارجية كل هذه الهزائم، وهو بالتالي يريد أن يثبت أنه يحقق انتصارات حقيقية، ورغم كل فجاجته ورغم قيامه بأشياء غريبة مثل التغريدات الغريبة على الولايات المتحدة، أكبر دولة في العالم، هو برغماتي يريد أن يوصل رسائل بأنه قادر على تحقيق مكاسب حقيقة للدولة؛ ولذا نراه يطيح بالصقور الذين لهم سياسة مختلفة لأجل استمرار سياسته البرغماتية التي تحقق مصالح الولايات المتحدة، وهناك بوادر لحل وشيك لعدد من الملفات التي تلقت الولايات المتحدة خسائر فيها، خاصة أن ترامب عنده إستعداد للإعتراف بالهزائم على عكس الآخرين الذين يتعاطون بشكل آخر والصقور بشكل خاص”.

بولتون” يميل للمواجهة على عكس “ترامب”..

من جهته؛ وصف “رون براونستين”، محلل الشؤون السياسية بشبكة (CNN)، مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي، “جون بولتون”، بأنه شخصية تميل إلى المواجهة أكثر.

وقال: “أعتقد أن الجميع إنتبه لهذا الثنائي المتضاد، (ترامب وبولتون)، منذ البداية، بالنظر إلى الصورة التي قدم فيها ترامب نفسه كمرشح رئاسي وخلال رئاسته”.

وتابع المحلل السياسي؛ قائلًا: “كان بولتون يميل إلى التدخل، (المواجهة)، أكثر من ترامب، وأعتقد أن هذا، (استقالته)، تعديل للمسار الذي سلكه، (ترامب)، من معانقة كوريا الشمالية في الوقت الذي يواجه فيه إيران، وأعتقد أننا سنرى الآن المزيد من المعانقة للجانبين، (مع إيران وكوريا الشمالية)”.

محاولة للتخلص من بعض المتطرفين..

ويرى المحلل السياسي والخبير في الشؤون الإقليمية، “غسان محمد”: “إن السياسة الأميركية مأزومة منذ وصول، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، وقبل تعيين بولتون مستشارًا للأمن القومي الأميركي، ومعظم من يعمل في الإدارة الأميركية كانوا يحسبون على معسكر الصقور المتطرف، لكن هذه السياسة إزدادت تأزمًا مع ظهور بولتون وغيره من المتطرفين الأميركيين الذين سببوا حرجًا لسياسة الرئيس، ترامب، ليس على مستوى الشرق الأوسط فحسب؛ بل على المستوى الأوروبي، لذلك على ما يبدو أن ترامب يحاول التخلص من بعض المتطرفين، لكن لن تتغير سياسة الولايات المتحدة فيما يتعلق بالدعم غير المحدود للكيان الإسرائيلي”.

قد تتغير نبرة التصريحات..

فيما يقول المحلل السياسي الروسي، “أندريه أونتيكوف”، أنه ربما ستتغير نبرة التصريحات الأميركية بعد إقالة “جون بولتون”، ولكن لا أعتقد بأن السياسة ستتغير تجاه “روسيا”، بل وسنشهد فرض عقوبات وضغوطات جديدة على “روسيا”، لأن “ترامب” هو الذي يتخذ القرار بشأن السياسة الخارجية الأميركية، ولا ننسى أن هناك مراكز عديدة للقوة في “الولايات المتحدة” التي هي دولة مؤسسات، فهناك (سي. آي. إيه) و”الكونغرس” و(البنتاغون) و”الخارجية الأميركية”، ولدى كل مؤسسة رؤية خاصة بشأن السياسة الخارجية الأميركية، لذلك لن نرى تغيرًا جذريًا في سياسة “الولايات المتحدة” تجاه “روسيا” أو “فنزويلا” أو “إيران”.

لن تغير سياستها تجاه الشرق الأوسط بسبب إسرائيل !

وحول ما يمكن انتظاره من السياسة الأميركية تجاه كل من “سوريا” و”فلسطين” و”إيران”؛ بعد إقالة “جون بولتون”، الذي يحض “ترامب” على توجيه ضربات ضد “سوريا” و”إيران” و”فنزويلا”، أضاف “غسان محمد”: “إن الرهان على احتمال تغيير استراتيجي في السياسة الأميركية تجاه الوضع في الشرق الأوسط بشكل عام، وتجاه سوريا ومحور المقاومة، ما هو إلا وهم، والسبب هو العامل الإسرائيلي، لأن اللوبي الصهيوني هو الذي يتحكم في القررا الأميركي، وبالتالي فإن أي إدارة أميركية تصل إلى البيت الأبيض لن تكون على الإطلاق صديقة للعرب، وحتى أنها لن تتخذ مواقف حيادية في موضوع الصراع (العربي-الإسرائيلي)، لذلك لن يكون هناك تحول ما يصب في صالح القضية الفلسطينية أو الحقوق العربية، فكل السياسات الأميركية، منذ أول إدارة أميركية وحتى اليوم؛ كانت ولا زالت تصب في خدمة المصالح الإسرائيلية، لأنه لا توجد سياسة أميركية في الشرق الأوسط؛ بل هناك سياسة إسرائيلية تطبقها الإدارات الأميركية”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة