استفزازات أميركية تُغضب الشعور الوطني الصيني .. لماذا تستعمل واشنطن تايوان كـ”مسمار جحا” ؟

استفزازات أميركية تُغضب الشعور الوطني الصيني .. لماذا تستعمل واشنطن تايوان كـ”مسمار جحا” ؟

وكالات – كتابات :

تُظهر أزمة “تايوان”؛ بما فيها زيارة رئيسة “مجلس النواب” الأميركي؛ “نانسي بيلوسي”، للجزيرة مؤخرًا، حجم التناقضات الغربية، ولا سيما الأميركية في التعامل مع “الصين”، بل تناقضات الغرب في التعامل مع القانون الدولي والتعهدات التي وضعتها دوله الرئيسة بما في ذلك اعترافهم بمبدأ: “الصين الواحدة”.

خلال الاتصال الهاتفي بين الرئيسين الأميركي؛ “جو بايدن”، والصيني؛ “شي جين بينغ”، الخميس الماضي، والذي تناول زيارة “بيلوسي” المُثيرة للجدل لـ”تايوان”؛ قال “بايدن” لنظيره الصيني إن سياسة “الولايات المتحدة” بشأن “تايوان” لم تتغير، وأنه أيضًا أكد معارضة “واشنطن” لأي جهود أحادية لتغيير الوضع الراهن أو تقويض السلام بـ”مضيق تايوان”.

ورغم أن النص قد يبدو غامضًا، إلا أن تعبيري: “الوضع الراهن”، و”سياسة الولايات المتحدة بشأن تايوان لم تتغير”، تعنيان بمنتهى البساطة أن “أميركا” مثلها مثل “بكين” نفسها لا تعترف سوى بوجود “صين واحدة”، وأن هذه “الصين” هي: “الصين الشعبية”، وليس “الصين الوطنية”؛ كما كانت تُسمى “تايوان”.

يُظهر ذلك الموقف تناقضات الغرب، ولا سيما “أميركا” الكاملة، ففي الأصل كانت سياسة: “الصين الواحدة”، سياسة غربية، وتايوانية مثلما هي سياسة صينية.

فعندما نشأت “تايوان” ككيان يحكم بشكل منفصل عن بقية “الصين”، إثر فرار حكومة حزب (الكومينتانغ)؛ بعد إنهيار سلطتها في البر الرئيس لـ”الصين”؛ عام 1949، أمام قوات “الحزب الشيوعي”، لم يُقرر حزب (الكومينتانغ)، الذي كان قبل ذلك الحزب الحاكم الرئيس في “الصين”، إنشاء دولة مستقلة، بل أعلن أنه يُمثل “الصين” الرسمية، وأن حكومة “تايوان” الجزيرة؛ التي تبلغ مساحتها: 36 ألف كيلومتر، أي نحو: 3.76% من مساحة “الصين”، ويسكنها في ذلك الوقت بضعة ملايين؛ هي الممثل الرسمي لـ”الصين”، أكبر دولة في العالم من حيث السكان.

بمنتهى البساطة أكسب الغرب هذا الوضع الكوميدي حالة شرعية تامة؛ لدرجة أن “تايوان” كانت عضوًا دائمًا في “مجلس الأمن”؛ باعتبارها “الصين” الرسمية، واستمرت هذه العضوية قائمة إلى أن صوت أعضاء “الأمم المتحدة”؛ في عام 1971، للاعتراف بـ”جمهورية الصين الشعبية” بدلاً من ذلك.

وتبادلت “تايوان” و”الصين” الإدعاء بأن كلاً منهما، الممثل الشرعي الوحيد لـ”الصين” وأراضيها بما فيها “تايوان”، ولكن في الوقت الحالي يعترف أغلب دول العالم، بما فيها كل الدول الغربية تقريبًا، على رأسها “الولايات المتحدة”، تعترف بحكومة “بكين” ككمثل رسمي لـ”الصين”، ولا ترتبط الدول الغربية، بما فيها “واشنطن”، بعلاقات رسمية مع “تايوان”، على الرغم من الدعم القوي العسكري والسياسي الذي تُقدمه للجزيرة؛ بحسب تقرير لصحيفة (الغارديان) البريطانية.

“تايوان” كانت تعترف بمبدأ “الصين الواحدة”..

تستند “الصين” في مطالبتها بضم “تايوان” إلى ما يُعرف بمبدأ: “الصين الواحدة”، والمفارقة هنا أن “تايوان” و”الصين” أنفسهما كان يتفقان منذ انشقاق الجزيرة؛ بسياسة: “الصين واحدة”، ولكن يختلفان على من يُمثلها، إلا أن “تايوان” بدأت في التخلي عن هذا المبدأ.

قبل التعديلات الدستورية لعام 1991، وإرساء الديمقراطية في “تايوان”، اعتبرت حكومة “تايوان” التي يُهيمن عليها حزب (الكومينتانغ)، هي الحكومة الشرعية الوحيدة لـ”الصين” وأراضيها المحددة دستوريًا، بما في ذلك حدود أسرة “تشينغ” السابقة؛ في البر الرئيس لـ”الصين”، وأيضًا تم تصنيف “الحزب الشيوعي الصيني”؛ على أنه: “جماعة متمردة”.

وبصفة عامة ظلت سياسة: “الصين الواحدة”؛ هي السياسة الرسمية لـ”تايوان”، حتى بداية التسعينيات.

في عام 1992، أكد حزب (الكومينتانغ)؛ الذي أسس “تايوان”، على أن كلاً من “جمهورية الصين الشعبية” و”جمهورية الصين” قد اتفقتا على وجود: “الصين واحدة”، لكنهما اختلفتا حول ما إذا كانت “الصين” ممثلة من قبل “جمهورية الصين الشعبية”، أم “جمهورية الصين”؛ (تايوان)، هذا التفسير لتوافق عام 1992 لم تقبله “جمهورية الصين الشعبية”.

حدثت تغييرات داخل “تايوان” بشأن سياسة: “الصين الواحدة”، وظهرت قوى سياسية تعتبر البلاد دولة مستقلة، ولكنها القضية مازالت مسألة خلافية داخل “تايوان”؛ حتى لو تراجع زخم مبدأ: “الصين الواحدة”.

كان أول مظاهر التغيير، في عام 1991، عندما أشار الرئيس التايواني في ذلك الوقت؛ “لي تنغ هوي”، إلى أنه لن يتحدى السلطات الشيوعية لحكم “الصين” القارية. هذه نقطة مهمة في تاريخ العلاقات عبر المضيق، حيث لم يُعد رئيس “تايوان” يُطالب بالسلطة الإدارية على البر الرئيس لـ”الصين”.

بعد ذلك، اكتسبت حركة استقلال “تايوان” دفعة سياسية، وتحت إدارة التايواني؛ “لي”، لم تُعد القضية هي من يحكم “الصين”، بل من يدعي السلطة الشرعية على “تايوان” والجزر المحيطة بها.

وأصبحت سياسة: “الصين الواحدة” قضية خلال الانتخابات الرئاسية لـ”تايوان”؛ عام 2004. حيث تخلى “تشين شوي بيان”؛ عن غموضه السابق ورفض علنًا مبدأ: “الصين الواحدة”، زاعمًا أنه يعني ضمنًا أن “تايوان” جزء من “جمهورية الصين الشعبية”. أيد خصمه “ليان تشان” علنًا سياسة: “الصين الواحدة، مع تفسيرات مختلفة”، في نهاية انتخابات 2004، أعلن “ليان تشان” وزميله في الترشح؛ “جيمس سونغ”، لاحقًا أنهما لن يطرحا التوحيد النهائي، باعتباره هدف سياستهم عبر المضيق، ولن يستبعد احتمال استقلال “تايوان” في المستقبل.

في مقابلة صحافية قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2004، استخدم “تشين” نموذج “ألمانيا” و”الاتحاد الأوروبي”؛ كأمثلة لكيفية توحيد البلدان، و”الاتحاد السوفياتي” لتوضيح كيف يمكن أن تتفتت دولةٍ ما.

في عام 2008؛ انتخب “ما ينغ غيو”؛ رئيسًا لـ”تايوان”، ونشأت حقبة جديدة من العلاقات الأفضل بين جانبي “مضيق تايوان”. وزار مسؤولو حزب (الكومينتانغ) البر الرئيس لـ”الصين”، والتقوا المسؤولين الصينيين في “بكين” وتم إنشاء رحلات الطيران العارض المباشر.

ولكن التوجهات الانفصالية إزدادت قوة في البلاد مؤخرًا بدعم من الغرب، وتسخين الأجواء باستمرار بين الطرفين من قبل “واشنطن” وأجهزتها الاستخبارية.

لماذا غيرت “تايوان” سياستها بشأن “الصين الواحدة” ؟

ظل حكام “تايوان” لعقود ينتمون لمجموعة بشرية تُدعى: (Waishengren)، تُمثل حاليًا نحو: 10% من السكان، وهم النخبة التي جاءت إلى “تايوان”؛ من “الصين” القارية، في الفترة بين الاستسلام الياباني في نهاية الحرب العالمية الثانية؛ في عام 1945، ونهاية الحرب الأهلية الصينية؛ في عام 1949، بينما تم تهميش فئة الـ (Benshengren)؛ وهم الصينيون الذين وصل أسلافهم إلى “تايوان”؛ قبل عام 1945، وعادةً ما ينتمون إلى عرقيتي: “هوكلو” و”هاكا”، الذين عاشوا تحت الحكم الاستعماري الياباني، وتعود جذورهم للجنوب الصيني، حيث جاءوا لـ”تايوان” بدءًا من القرن السابع عشر بتشجيع من الاستعمار الغربي، ولغتهم الأصلية مختلفة عن لغة “الماندرين”، اللغة الرسمية في “تايوان” و”الصين”.

كما عومل السكان الأصليون لـ”تايوان”، والمختلفون تمامًا عرقيًا عن الصينيين، كمواطنين من الدرجة الثالثة، رغم أنهم جاءوا للجزيرة قبل آلاف السنين.

غير أن أمورًا كثيرة تغيرت، فمع تولي أجيال جديدةٍ السلطة في “تايوان”؛ إثر ترسيخ الديمقراطية في البلاد وصعود “الصين”، وفقدان النخبة التي أسست البلاد، الأمل في استعادة حكم “بكين”، تخلت “تايوان” عن اعتبار نفسها ممثلة رسمية لـ”الصين” بُرمتها.

وتقدم جيل جديد من الساسة ينتمون في أغلبهم إلى قومية “هوكلو”، أكبر مجموعة عرقية؛ (70% من إجمالي السكان)، الذين هاجر أسلافهم من منطقة “فوغيان” الجنوبية الصينية الساحلية عبر “مضيق تايوان” بدءًا من القرن السابع عشر، ويُشجع الغرب هذه التوجهات أو لا يُعارضها علنًا على الأقل.

وبات سكان “تايوان” يدعمون بشكلٍ متزايد، فصل العلاقات الثقافية مع البر الرئيس لـ”الصين”، حيث كشفت الدراسات الاستقصائية التي أجريت؛ في عام 2019، أن معظم سكان الجزيرة يعتبرون أنفسهم تايوانيين وليسوا صينيين، علمًا بأنه ما زالت هناك اختلافات كبيرة بين أطياف الشعب التايواني بشأن مسألة الانتماء لـ”الصين”؛ حسب العرقية والعمر وتاريخ الهجرة والانتماء الحزبي.

حاليًا تحتفظ “تايوان” بعلاقات دبلوماسية رسمية مع نحو: 13 من أصل: 193 دولة عضو في “الأمم المتحدة”؛ أغلبها دول صغيرة جدًا وحليفة للغرب، وتتلقى مساعدات من “تايبيه”.

وحدة البر الرئيس لـ”الصين” مهدَّدة إذا انفصلت “تايوان”..

مما يجعل الأمر مُثيرًا للقلق بالنسبة لـ”بكين”، أن التوجهات المؤيدة: لـ”سياسة الصين الواحدة”؛ أقوى بين التايوانيين المنحدرين من أصول المهاجرين الذين جاءوا من البر الرئيس لـ”الصين”؛ عام 1949، وأغلبهم من شمال “الصين”، وخاصة من “بكين” ومحيطها، بينما التوجهات الانفصالية تبدو أقوى بين أوساط التايوانيين الذين ينحدرون من أصول مهاجرة جاءت من جنوب “الصين”؛ قبل بضعة قرون.

يعني ذلك أن تزايد قوة التوجهات الانفصالية في “تايوان”، لا يُنذر بخطر فقط انفصال الجزيرة الدائم عن “بكين”، ولكنه قد يكون مُلهمًا لبعض شعوب جنوب “الصين”؛ التي ينحدر منها أغلب التايوانيين، فـ”تايوان” المنفصلة بدعم من عرقيتي: “هوكلو” و”هاكا”؛ اللتين تعود جذورهما لجنوب “الصين” يُمثل إلهامًا للعرقيتين في موطنهما الأصلي في جنوب البلاد للانفصال أو التعبير عن الهوية الذاتية، يعني ذلك أن إنفصال “تايوان” قد يُهدد وحدة “الصين” البر الرئيس نفسها.

موقف “الولايات المتحدة” من مبدأ “الصين الواحدة”..

أما “الولايات المتحدة”؛ فهي لم تعترف يومًا بأن هناك أكثر من “صين”، مما يعني اعترافًا بمبدأ: “الصين الواحدة”، ولكنها غيرت موقفها بشأن من يُمثل هذه “الصين”؛ “تايبيه” أو “بكين”.

من الناحية النظرية، وتعترف “الولايات المتحدة” حاليًا بـ”جمهورية الصين الشعبية”، باعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة لـ”الصين”، وقبل ذلك كانت تعترف بأن حكومة “تايوان”؛ هي بمثابة حكومة “الصين” الشرعية الوحيدة.

وبدأت عملية إقامة العلاقات الدبلوماسية مع “الولايات المتحدة”؛ في شباط/فبراير 1972، عندما زار الرئيس؛ “نيكسون”، “الصين”. أنتجت تلك الزيارة “بيان شنغهاي”، الذي كان اعترافًا من “الصين” و”الولايات المتحدة”؛ بأن البلدين يواجهان عقبات في إقامة العلاقات الدبلوماسية، ولكنهما سيعملان أيضًا على: “تطبيع” العلاقات بينهما.

تم ذكر سياسة “صين واحدة” من قِبل “الولايات المتحدة” بشكلٍ صريح لأول مرة في “بيان شنغهاي”؛ بين “بكين” و”واشنطن”، الذي صُدر عام 1972، وجاء فيه: “تُقر الولايات المتحدة بأن الصينيين على جانبي مضيق تايوان يُصرون على أنه لا يوجد سوى صين واحدة، وأن تايوان جزء من الصين، وأن الولايات المتحدة لا تتحدى هذا الموقف”.

وكان موقف “بكين” رفضها لإقامة “الولايات المتحدة” لعلاقة مع “جمهورية الصين الشعبية” و”جمهورية الصين” و”تايوان” – لأن ذلك يعني أن “الولايات المتحدة” تعتقد أن هناك “صينين”، وليس صينًا واحدة فقط.

علاوة على ذلك، طالبت “الصين”؛ “الولايات المتحدة”، بسحب قواتها المتمركزة في “تايوان”، لكن رفضت “جمهورية الصين الشعبية” تقديم وعد بأنها لن تستخدم القوة: “لإعادة توحيد” جزيرة “تايوان” مع البر الرئيس لـ”الصين”، وهو ما طلبت “الولايات المتحدة” من “جمهورية الصين الشعبية” أن تتعهد به.

استغلال أميركي لتايوان كـ”مسمار جحا”..

هنا تظهر نقطة مهمة بشأن وضع “تايوان” وعلاقة “الولايات المتحدة”.

فخلال المباحثات الرامية لإقامة علاقات بين “بكين” و”واشنطن”؛ قالت حكومة “جمهورية الصين الشعبية” أن “قضية تايوان” مشكلة: “داخلية”. إنها تعني فقط الصينيين في “تايوان” والصينيين في البر الرئيس، ولا ينبغي لـ”الولايات المتحدة” أن تتدخل. بينما قالت “الولايات المتحدة”؛ في “بيان شنغهاي”، إنها لم تطعن في الإدعاء بوجود “صين واحدة”، ولكنها ستُصر على: “تسوية سلمية لمسألة تايوان”.

وفي عام 1979، أقامت “الولايات المتحدة” علاقة رسمية مع “الصين”، وبالتالي اعتبرت أن “الصين الشعبية”؛ هي الممثل الوحيد لـ”الصين” بما في ذلك “تايوان”.

إثر إقامة “الولايات المتحدة” و”الصين”؛ علاقات دبلوماسية كاملة في عام 1979، رد “الكونغرس” الأميركي بسرعة بإقرار “قانون العلاقات مع تايوان”؛ الذي أكد على العلاقات مع “تايوان”، لكنه توقف عن الاعتراف الكامل بها. كما طالب القانون؛ “الولايات المتحدة”، بتزويد “تايوان” بأسلحة كافية للحفاظ على دفاعها عن النفس، لكنه لم يُلزمها بالدفاع عن “تايوان” في حالة حدوث غزو.

موقف “الولايات المتحدة” من سياسة: “الصين واحدة”، كما هو موضح في تقرير سياسة “الصين-تايوان”: تطور “الصين الواحدة” لخدمة أبحاث “الكونغرس”؛ (التاريخ: 09 تموز/يوليو 2007)، يعترف بسياسة “الصين الواحدة”، ولكن لم تعترف السياسة الأميركية بسيادة “جمهورية الصين الشعبية” على “تايوان”، ولا بـ”تايوان” كدولة ذات سيادة؛ واعتبرت السياسة الأميركية أن وضع “تايوان” غير مُستقر.

ظلت هذه المواقف دون تغيير في تقرير 2013؛ لخدمة أبحاث “الكونغرس”.

في 06 كانون أول/ديسمبر 2016، قال الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترامب”، إن “الولايات المتحدة” ليست مُلزمة بالضرورة بسياسة: “صين واحدة”، ولكن في 09 شباط/فبراير 2017، في مكالمة هاتفية مطولة، ناقش الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترامب”، وزعيم جمهورية الصين الشعبية؛ “شي جين بينغ”، العديد من الموضوعات ووافق الرئيس “ترامب”، بناءً على طلب “شي جين بينغ”، على احترام سياسة: “الصين الواحدة”.

في 23 آيار/مايو 2022، أعلن الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، أن “الولايات المتحدة” ستتدخل عسكريًا إذا قامت “الصين” بغزو “تايوان” من جانب واحد. في حديثه في “اليابان”، صرح الرئيس “بايدن”: “هذا هو الإلتزام الذي قطعناه على أنفسنا”، في إشارة واضحة إلى “قانون العلاقات مع تايوان”، الذي يضمن الدعم العسكري لـ”تايوان”، على الرغم من أن القانون لا يضمن على وجه التحديد العمل العسكري المباشر من قبل “الولايات المتحدة” في “تايوان”.

صرح “بايدن” لاحقًا أن ملاحظاته لا تُمثل تغييرًا عن الوضع الراهن وموقف “الولايات المتحدة” من الغموض الإستراتيجي، كما ألقى وزير الخارجية الأميركي؛ “آنطوني بلينكن”، خطابًا ذكر فيه أن سياسة “الولايات المتحدة” بشأن الجزيرة لم تتغير، وقامت “وزارة الخارجية” الأميركية بتحديث صحيفة الحقائق الخاصة بها لإعادة سطر يقول: “نحن لا ندعم استقلال تايوان”.

ماذا تغير بشأن سياسة “الصين الواحدة” واقعيًا ؟

من الناحية الرسمية لم يحدث تغيير كبير في موقف “الولايات المتحدة” من: “سياسة الصين الواحدة”، ولكن هناك تناقضات وغموض في الموقف الأميركي من هذه السياسة والتفسيرات اللاحقة التي أضيفت لها والأسوأ التصرفات على الأرض.

ففعليًا “سياسة الصين الواحدة”؛ من وجهة نظر أميركية، تعني أن “تايوان” جزء من “الصين”، ولكن ليست خاضعة لـ”الحزب الشيوعي”، وتُركز وسائل الإعلام الغربية حاليًا؛ عند حديثها بشأن أزمة “تايوان”، على فكرة أن “الحزب الشيوعي” يدعي حقه في حكم “تايوان”؛ التي لم يحكمها يومًا.

ويُمثل هذا التفسير الغربي إشكالية كبيرة، لأنه يفترض بما أن الغرب يعترف بـ”الصين الشعبية”؛ التي يحكمها “الحزب الشيوعي” وبأن “تايوان” جزء من “الصين”، فإنه يعترف بأن حكومة “الصين” الشرعية هي من حقها حكم “تايوان”، وإذا اتخذ موقفًا معاكسًا، فإنه يُقلل من شرعية حكم “الحزب الشيوعي”؛ لـ”الصين” نفسها.

ولكن إضافة للتفسيرات الأميركية الغامضة، فإن ما يحدث واقعيًا أن “الولايات المتحدة” تُشجع الحكومة التايوانية الحالية التي تدعو لتشكيل هوية تايوانية مستقلة وتلغي النظير التايواني لـ”سياسة الصين الواحدة”، وهو أمر يجعل “الولايات المتحدة” لا تتحدى فقط “الحزب الشيوعي”، بل أيضًا الأمة الصينية برمتها، والتي يؤمن أغلبها بأن “تايوان” جزءًا من “الصين”؛ بما في ذلك قطاع كبير من التايوانيين.

“بكين” اقترحت إعادة التوحيد مع احتفاظ “تايوان” بنظامها..

وبدلاً من تشجيع الطرفين على بناء “صين واحدة” منفتحة وديمقراطية وقابلة لاستيعاب مكونات البلاد المختلفة، فإن “الولايات المتحدة” تتحدى الشعور الوطني الصيني؛ فضلاً عن تحديها لنظام حكم “الحزب الشيوعي” المنتخب الشرعي للبلاد في تناقض معهود لما تروج له الآلة الدعائية الأميركية والغربية من مناصرة الديمقراطية وحرية الشعوب.

واللافت أنه سبق أن أبدت “الصين”؛ استعدادًا للتساهل في مسألة طرق الوحدة مع “تايوان”، وروجت لنموذج دولة واحدة ونظامين، الذي تبنته في حالة “هونغ كونغ”، حيث سمحت بقدر هائل من الإدارة الذاتية بما في ذلك امتلاك “هونغ كونغ”؛ لعُملة مستقلة؛ وإبرامها اتفاقات تجارة حرة مع دول غربية مثل “الولايات المتحدة”.

وسبق أن صرحت “جمهورية الصين الشعبية” بأنها مرنة بشأن معنى: “صين واحدة”، وأن: “صين واحدة” قد لا تكون بالضرورة مرادفًا لـ”جمهورية الصين الشعبية”، وقد عرضت التحدث مع الأحزاب والحكومة في “تايوان” على أساس إجماع عام 1992؛ في “تايوان”، الذي ينص على وجود “صين واحدة”، مع اختلاف التفسيرات حول ماهية هذه “الصين”.

على سبيل المثال، في تصريحات رئيس مجلس الدولة الصيني؛ “تشو رونغجي”، قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2000، في “تايوان”، ذكر أنه ما دامت أي سلطة حاكمة في “تايوان” تقبل مبدأ: “الصين الواحدة”، يمكنها التفاوض ومناقشة أي شيء بحرية.

سياسة “الولايات المتحدة” الحالية تجاه أزمة “تايوان”، هي بمثابة إدارة بالأزمة وليس إدارة للأزمة بهدف حلها، فهي لا تُقدم مقاربة لإنهاء الخلاف، بل هي تواصل تسعيره، مع تحديها الشعور الوطني الصيني وليس “الحزب الشيوعي” فقط.

في الوقت الحالي تُلمح “الولايات المتحدة” إلى إمكانية إشعالها حربًا مع “الصين” إذا هاجمت الأخيرة “تايوان”، حرب قد يموت فيها آلاف الجنود الأميركيين للدفاع عن بلد لا تعترف “واشنطن” باستقلاله من الناحية الرسمية، بل تُعده جزءًا من “الصين”.

لا يبدو هذا أمرًا مستفزًا للصينيين فقط، بل حتى للجنود الأميركيين الذين يُفترض أن يُدافعوا عن “تايوان” مع تعهد “بايدن” الأخير بالدفاع عن الجزيرة إذا هاجمتها “الصين”.

كانت فترة الانفتاح بين النخب الحاكمة في “الصين” و”تايوان”؛ خلال مطلع الألفية، والتعاون الاقتصادي الوثيق في ذلك الوقت أداة لاستطلاع آفاق لحل الأزمة ووضع تصورات لشكل التوحيد المقترح، حيث تؤدي تعزيز الروابط ليس فقط لتسهيل حل الأزمة، بل توفير عوامل مانعة لانفجارها أيضًا.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة