خاص : كتبت – نشوى الحفني :
يعود تنظيم (داعش) الإرهابي من جديد ليُهدد أمن واستقرار “العراق” مجددًا؛ بعد خروقات أمنية بمحافظتي: “كركوك” و”ديالى”.
الحادث الأول؛ وقع السبت الماضي، عند ناحية “الرياض” في أطراف “كركوك”، شمال “العراق”، بتفجير عبوة ناسفة استهدفت رتلاً لقوة من الشرطة الاتحادية؛ مما أسفر عن مقتل: 08 عناصر بينهم ضابط، فضلاً عن إصابة أكثر من: 12 آخرين.
والحادث الثاني؛ وقع ليل الإثنين، حيث هاجم عناصر من تنظيم (داعش) الإرهابي قرية “التحويلة”؛ عند محافظة “ديالى” الحدودية، باستهداف مركبات مدنية أسفر عن مقتل: 06 مدنييّن؛ وإصابة: 09 آخرين، بحسب مصادر أمنية.
عقبة أمنية متواصلة..
ويُمثل الإرهاب أحد أهم التحديات المعقدة التي تواجهها الحكومات المتعاقبة على “العراق”؛ ما بعد 2003، مع الاختلاف النسّبي ما بين حقبة وأخرى في مستوى التهديد والمعالجات المتخذة.
ورغم إنتهاء “العراق” من خوض أشرس حرب في تاريخه الحديث باسترجاع آخر المدن التي اجتاحها (داعش)؛ في خريف 2014، إلا أن ذلك لم يُنهِ ملف الإرهاب بشكلٍ نهائي ببسّط الأمن والاستقرار بشكلٍ تام.
وبعد نحو شهور على إعلان “العراق” الانتصار على (داعش)، عادت خلايا الإرهاب بالاصطفاف والتجمع وشن الهجمات مجددًا، ولكن بإستراتيجيات محددة وأساليب أقل حدة.
وغالبًا ما كانت تتحدث تقارير أمنية واستخبارية، عن أهمية تعضّيد الجهد الفني واللوجستي وتحديث العقلية العسكرية باعتماد خطط تسّتند على المعلومة والتقنيات الحديثة لرصد حركة الإرهابيين ووأدها في معاقلهم.
محاولة فاشلة لإثبات وجوده..
عن أحداث “كركوك” و”ديالى”، يقول المتحدث الرسمي باسم العمليات المشتركة؛ اللواء “تحسين الخفاجي”، لـ (العين الإخبارية)؛ إن: “ذلك لم يكن خرقًا أمنيًا بقدر ما كان تحركًا لعصابات (داعش)؛ تُحاول من خلاله أن تناور على الأرض وتستغل أي فرصة لتفريغ إرهابها وإثبات وجودها المتلاشي والزائل”.
وأوضح “الخفاجي”، أن: “القوات الأمنية العراقية استطاعت؛ وبعد جهود كبيرة على مستوى التخطيط والاستعداد العسكري والتهيئة وفق آليات متعددة؛ من بسّط الاستقرار ودحر (داعش) بشكلٍ كبير جدًا”.
ولفت إلى أن: “تلك العصابات باتت غير قادرة تمامًا على تهديد أمن الدولة؛ وما يحدث محاولات لتنظيم ميت سريريًا وتكتيكيًا بعد أن فقد كل قدراته ومصادر قوته”.
وتابع: “استطاعت الأجهزة الأمنية؛ خلال العام الجاري، وبضربات سلاح الجو العراقي، قتل أكثر من: 200 عنصر من تنظيم (داعش)؛ خلال العام الحالي، بينهم الكثير من قيادات الخط الأول”.
وعن المناطق الرخوة التي يستغلها التنظيم؛ يؤكد “الخفاجي” أن: “تلك التسّمية لا تنطبق على تلك الأماكن كون أن القوات الأمنية قادرة على الوصول إلى أبعد نقطة؛ سواء في التواجد الميداني أو من خلال أجهزة الرصد والكاميرات الحرارية والتقنيات الحديثة”.
تصاعد نشاط “داعش”..
وكان نائب رئيس البرلمان العراقي؛ “شاخوان عبدالله”، دعا التشّكيلات الأمنية إلى شن حملات مباغتة ونوعية لوقف مخططات (داعش) وهجمات الغفلة الأمنية بين الحين والآخر.
ووصف مناطق: (الرشاد والرياض وأطراف العباسي)، بأنها: “قنابل موقوتة” تُهّدد أمن “كركوك” والمحافظات المجاورة.
محذرًا من أن: “النشاط الإرهابي لـ (داعش)؛ جنوب وجنوب غربي كركوك، يشهد تصاعدًا ملحوظًا مستغلاً الفراغات والغفلة الأمنية لشن ضربات تستهدف القطاعات الأمنية وتُخلف خسّائر بشرية لا يمكن تعويضها”.
وأشار “عبدالله” إلى أن: “عناصر (داعش) نفذت خلال الفترات الماضية؛ هجمات مباغتة وغير متوقعة، وقسم منها طال مناطق لم تشهد حوادث أمنية طيلة فترات التدهور الأمني جنوبي كركوك، ما يتطلب إعادة النظر بالخطط الأمنية وإغلاق الفراغات وطرق التسّلل الممتدة من تلال حمرين ومخمور، وصولاً إلى مناطق قراجوغ وحدود (كركوك-صلاح الدين)”.
احتياج لمعالجات تتبع خطط حديثة..
من جهته؛ قال المحلل الأمني؛ “سرمد البياتي”، إن: “المعركة ضد الإرهاب تحتاج إلى وقتٍ طويل؛ ولا يمكن ادعاء الحسّم فيها في الوقت القريب”، موضحًا أن: “التنظيم الإرهابي قد انتقل؛ وبعد خسارته للمدن التي احتلها قبل سنوات إلى إستراتيجية العصابات المنظمة التي تضرب وتنسحب دون خيار الصدام والمواجهة، وعادة تلك الإستراتيجية تفرض المزيد من الوقت حتى تستطيع القوات الأمنية من وقف خطر تلك التحركات”.
ويؤكد “البياتي” أن المعالجات تكمن في: “إتباع خطط حديثة تبتعد عن العقلية الكلاسيّكية التي تُدار فيها الحروب والمعارك التقليدية باعتماد الجهد الاستخباري والغطاء الجوي”.
أسباب انتعاش فلول “داعش”..
كما يقول الباحث السياسي والأمني العراقي؛ “رعد هاشم”، في حديث مع موقع (سكاي نيوز عربية): “وقوع مثل هكذا حوادث مؤلمة يعود بالدرجة الأولى مع الأسف إلى الغفلة والتهاون بالنسبة لبعض القطعات العسكرية، مما يُتيّح حصول ثغرات ينفذ منها إرهابيو (داعش) لتنفيذ عملياتهم الدموية هذه، فضلاً عن عدم تنشيط المعلومات والمتابعة الاستخبارية والأمنية الحثيّثة وباستمرار وجدية في مساحات واسعة من المناطق التي كان يتواجد فيها الإرهاب”.
أضاف “رعد هاشم”: “أي أن عدم تتبع تحركات (داعش)؛ كما يجب ورصد خطوط إمداداته، أنعش تواجده في مناطق عراقية عديدة مثل محافظة كركوك، علاوة على أن تحرير الصفرة وهي المنطقة التي وقع فيها هذا الهجوم، وكما هي حال مختلف مناطق قضاء الحويجة، تم على يد فصائل مسلحة وليس على يد قوات أمنية مهنية وحرفية، لذلك بقيت العديد من تلك المناطق تُعاني من وجود بقايا شراذم الإرهاب، حيث يتحرك عناصرها بأريحية فيها، كونهم كانوا مختبئين كخلايا نائمة وقنابل موقوتة، وهكذا فوجود ثغرات أمنية يمكن الإرهابيين من التحرك والمناورة والمباغتة، خاصة وأن ثمة مناطق تضاريسية وعرة ورخوة أمنيًا، توفر لهم إمكانية للاختباء والتخفي عن الأنظار ومن ثم الرصد وشن هجمات غادرة على العسكريين والمدنيّين العراقيين”.
“تزخيم” مكافحة الإرهاب..
ويختم الباحث الأمني والسياسي العراقي؛ “رعد هاشم”، بالقول: “علمًا أن العراق شهد هذه الأيام احتفاليات (يوم النصر) والقضاء على (داعش)، لذلك كأن (داعش) عبّر هذا الهجوم الدموي يتحدى الدولة والأجهزة الأمنية، ويوصل رسالة مفادها أنه موجود ولم يتم القضاء عليه تمامًا، وهذا مؤشر خلل وتقصير يُحسّب على الجهات الأمنية التي لم تُكمل مهمتها بشكلٍ تام في القضاء على نقاط تواجد الإرهاب على كامل مساحة العراق، حيث لا زال خطره محدقًا بين الفينة والأخرى، مما يتطلب توخي الحذر ومضاعفة جهود مكافحة الإرهاب ومتابعة تحركات الدواعش وخلاياهم النائمة في كل مكان لاستئصال مكامن الخطر”.
يحتاج لتحالف دولي وإقليمي..
وفي هذا الصدد؛ يرى خبير التنظيمات الإسلامية؛ “حسن أبوهنية”، أنه: “إذا كان الإرهاب في أقل مستوياته وليست له ارتباطات خارجية، فمن الممكن مواجهته بإمكانيات دولة واحدة، لكن عندما يكون العمل الإرهابي في أعلى مستوياته؛ مثل تنظيم (داعش) أو (القاعدة) فيحتاج إلى تحالف دولي وإقليمي”.
وبحسب “أبوهنية”؛ فإنه: “عندما ظهر تنظيم (داعش)؛ العام 2013، لم يتمكن العراق أو سوريا من مواجهته وحدهما، حيث تمكن (داعش) من السّيطرة على مساحات واسعة من الدولتين، لكن بعد تشكيل التحالف الدولي الذي ضم: 84 دولة، تم إنهاء مشروع الخلافة لدى التنظيم وتحرير المناطق والمدن التي سّيطر عليها وقتل معظم قيادييه”.
مشيرًا إلى أن: “ما نشهده الآن في مناطق السّاحل والصحراء في إفريقيا، حيث يُسيّطر التنظيم على مساحات واسعة، كما لا تستطيع الأنظمة المحلية مواجهته بمفردها بل تحتاج إلى دعم دولي وإقليمي لاستئصال التنظيم وخلاياه”.
ويوضح أن: “تنظيم (داعش) الإرهابي و(القاعدة)؛ لديهما قوات منتشرة على شكل خلايا نائمة أو نشطة في أكثر من دولة، كما أن عملياتهما الإرهابية عابرة للحدود، فالتخطيط للعملية يجري في دولة، والأيدي المنفذة من دولة أخرى؛ وكذلك التمويل، وإمكانياتهما التنظيمية العسكرية والمادية تتجاوز ما لدى دول بأكملها أحيانًا، كما أنهما يحترفان استغلال الشبكة العنكبوتية كوسيلة اتصال بين أعضاء التنظيم”.
تحالف بنوايا سياسية صادقة..
بينما يرى خبير الحركات السلفية؛ “أسامة شحادة”، أن الأمر: “لا يحتاج فقط تحالفًا دوليًا أو إقليميًا لمواجهة تنظيم إرهابي، بل يحتاج أيضًا إلى تحالف ذي نوايا سياسية صادقة من الدول المشاركة في التحالف، وأن لا تكون المشاركة صورية أو مرتبطة بأجندات سياسية لبعض الدول”.
وأضاف “شحادة” أن التنظيمات الإرهابية؛ هي: “أكبر من المافيات في أساليبها الإرهابية، وبالتالي تحتاج إلى تعاون دولي على عدة أصعدة، منها الاستخباري، والمعلوماتية، ومنها العسكري والسياسي”.
تحفظ على فكرة “التحالف الدولي”..
بدوره؛ رحب خبير الإستراتيجيات الدفاعية؛ اللواء “محمود ارديسات”، بفكرة التعاون الدولي؛ لكنه تحفظ على فكرة “التحالف الدولي”، مشيرًا إلى أن التحالف له أثمان على بعض الدول المشاركة.
وأضاف أن مكافحة الإرهاب تحتاج إلى فريق دولي بكامل تجهيزاته العسكرية والاستخباراتية للتغلب على التنظيم ومنعه من السّيطرة والانتشار، مشيرًا إلى أن الحروب والنزاعات المسّلحة قائمة على المعلومات والترسانة العسكرية.
يُذكر أن البيان الختامي لـ”مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة”؛ في دورته الثانية، أكد إدانته التطرف والإرهاب بكل أشكاله، وذلك في سياق وقوف الدول المشاركة إلى جانب “العراق” في مواجهة جميع التحديات، بما في ذلك تحدي الإرهاب، الذي حقق فيه نصرًا تاريخيًا بتضحيات كبيرة وبتعاون دولي وإقليمي.