خاص: كتبت- نشوى الحفني:
في حوادث قد تُعيد تنظيم (داعش) الإرهابي إلى الواجهة من جديد، تعرضت “فرنسا وألمانيا وبوركينا فاسو والكونغو الديمقراطية” لهجمات أُعلن أنها إرهابية، وهو ما يطرح التساؤلات حول استمرارية وجود فلول للتنظيم تجعل العالم في خطرٍ مستمر ؟ ولماذا يجد التنظيم في دولة إفريقية صغيرة مثل “بوركينا فاسو”؛ البعيدة عن الشرق الأوسط ملاذًا وأرضًا خصبة لعملياته ؟
ففي منتصف الأسبوع تعرضت “بوركينا فاسو”؛ في غرب “إفريقيا”، لهجومٍ إرهابي بالأسلحة أسّفر عن مصرع: (200) شخص وإصابة نحو: (300) أخرين أغلبهم مدنيون في منطقة “بارسالوغو”، التي تنشّط فيها عناصر متطرفة موالية لتنظيم (داعش)، أو (القاعدة).
وتتعرض “بوركينا فاسو”؛ منذ 2015، لموجات من الهجمات الإرهابية ما أسّفر عن سقوط أكثر من: (20) ألف قتيل، بينهم قُرابة: (04) آلاف قتيل هذا العام (2024)، وفِرار أكثر من من مليوني شخص من منازلهم.
هجوم طعن بـ”ألمانيا”..
وليلة الجمعة الماضية؛ هاجم شاب بسكين رواد احتفال بمدينة “زولينغن”؛ غربي “ألمانيا”، بمناسبة ذكرى مرور (650) عامًا على تأسيس المدينة، ما أدى لمقتل: (03) أشخاص وإصابة: (08) آخرين، في هجوم تبناه تنظيم (داعش)؛ وأعلن المدعي العام الفيدرالي أن منُفذ الطعن لاجيء سوري من “دير الزور” ويبلغ من العمر: (26 عامًا). ووصل لـ”ألمانيا” عام 2022.
وعلى الفور؛ أعلن تنظيم (داعش) مسؤوليته عن عملية الطعن في بيان عبر حسابه على (تلغرام) مؤكدًا أن منُفذ الهجوم جندي من (داعش) ونفّذه انتقامًا للمسلمين في “فلسطين” وكل مكان – بحسّب البيان.
انفجار يستهدف معبد يهودي في “فرنسا”..
وانتقل المشهد لـ”فرنسا” بعدها بساعات؛ حيث استهدف مشُّتبه به يحمل العلم الفلسطيني معبدًا يهوديًا بمدينة “غراند-موت” الساحلية؛ جنوب “فرنسا”، مشعلًا حرائق عدة وتسبب بانفجار، وهو هجوم اعتبره الرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، عملًا إرهابيًا ومعاديًا للسامية، وأدانت الحكومة الفرنسية مرات عدة تزايد ما وصفته بالأعمال المعادية للسامية في البلاد منذ أن شّنت حركة (حماس) هجومًا في جنوب إسرائيل؛ في 07 تشرين أول/أكتوبر 2023، اندلعت على أثره الحرب في “قطاع غزة”.
وأمس الأول؛ قُتل ثلاثة مدنيين في هجوم شنته ميليشيات (القوات الديمقراطية المتحالفة)؛ التابعة لتنظيم (داعش) الإرهابي على مركز طبي وعدد من المنازل بإحدى المناطق التابعة لمقاطعة “إيتوري”، بشمال شرق “جمهورية الكونغو الديمقراطية”.
تحذير من وقوع المزيد من الهجمات..
وحذر خبراء أمنيون من وقوع مزيد من الهجمات الإرهابية بتوقيع تنظيم (داعش)؛ في “أوروبا وألمانيا” بوجهٍ خاص، حيث يتناسب الهجوم بالسكين في مدينة “زولينغن” الألمانية مع استراتيجية التنظيم التي تعتمد منذ سقوطه على تنفيذ عمليات إرهابية بأسلحة بسيطة متوفرة للجميع عبر تجنيد عناصر ضالة، يُطلق عليها: “ذئاب منفردة”، للقيام بهجمات مثل الطعن بالسكاكين والدهس بالسيارات في الشوارع والأماكن المزدحمة، ما يُنذر بتصاعد هجماته في “أوروبا”.
ولا يُعد هجوم “زولينغن” هو الهجوم الأول على أراضى أوروبية؛ منذ أواخر 2023، ففي نيسان/إبريل 2024، تعرض يهودي أرثوذكسي لهجوم في “زيورخ”؛ بـ”سويسرا”، ونشر الجاني البالغ من العمر: (15 عامًا)، في وقتٍ لاحق، مقطع فيديو نقل فيه رسالة من (داعش).
وخلال أقل من عام، تم تنفيذ ستة عمليات إرهابية أوقعت ضحايا في دول غرب “أوروبا الغربية”، بينما فشل (20) هجوم آخر، في حصيلة تضاعفت وتيرتها (04) مرات عن 2022، وهو مؤشر يُنذر أن التنظيم يستجمع أنفاسه من جديد، لكن في مناطق بعيدة عن مسقط رأسه بالشرق الأوسط.
“حرب غزة” فرصة لتجنيد “الذئاب المنفردة”..
ووجد (داعش)؛ في هجوم الاحتلال الإسرائيلي على “غزة” وفظائعه ضد المدنيين الفلسطينيين؛ ذريعة جديدة وسببًا لتبرير الهجمات الإرهابية التي يتبناها، وأضحت “حرب غزة” بالنسبة لـ (داعش) فرصة هامة لآلته الدعائية لتجنيد “الذئاب المنفردة” عبر وسائل الاتصال الاجتماعي واستغلال الحرب لمصلحته الخاصة وأهدافه.
ورُغم ذلك؛ لا يمكن الجزم أن السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023، والعدوان الإسرائيلي على “غزة” سببًا مباشرًا لتزايد وتيرة تهديد (داعش)، لكن هذا التاريخ كان بمثابة رسالة تحفيزية لعديد من الإرهابيين خاصة “الذئاب المنفردة” في “أوروبا”، وتلقي دول غرب “أوروبا”؛ خاصة “فرنسا وألمانيا وبريطانيا”، باللوم على المهاجرين وغياب الاندماج في المجتمعات الغربية.
إرهاب الفضاء الإلكتروني..
تعكس أعمار منفذي الهجمات الذين تم اعتقالهم في الغرب؛ منذ تشرين أول/أكتوبر 2023، حقيقة صادمة، حيث أن ثُلثهم من المراهقين وبدايات العشرينيات وأن تجنيدهم يتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي داخل جدران غرفهم الخاصة. وليس عبر مؤسسات دينية أو حلقات تعليمية شيخهم الرئيس هو الـ (فيس بوك وتلغرام)، ويفرض الفضاء الإلكتروني على دول “أوروبا” صعوبة شديدة في مراقبته وتتبع شبكة علاقات الإرهابيين إن الإنترنت لا تقل أهمية عن مراقبة الشوارع وأماكن العبادة.
وتُسلط تلك العمليات الإرهابية الضوء على خطر محتمل يتمثل في عودة هجمات الإرهاب في العالم على صهوة الفضاء الإلكتروني مجندًا “ذئاب ضالة” تدهس وتطعن وتُطلق الرصاص.
تعزيز مناخ الخوف الاجتماعي..
في أوائل العام الجاري؛ حذَّر تقرير لـ (يورو نيوز)، من وقوع هجمات إرهابية مُحتملة في “أوروبا” خلال فترة الأعياد، مشيرًا إلى أن الدول الأوروبية عززت إجراءات الأمن خلال تلك الفترة.
وقال التقرير إن استمرار الحرب الإسرائيلية على “غزة” قد يُسهم في جذب مجندين لـ (داعش) في “أوروبا”، سواء كان ذلك يعني حشد عناصر مرتبطة بهم على المستوى العملياتي أو حشد عناصر عشوائية عبر الإنترنت باستخدام دعايتهم.
وأشار التقرير إلى أن هناك إجماعًا داخل أجهزة الاستخبارات في جميع أنحاء “أوروبا”، على أن هذه التنظيمات ستُحاول حشد عناصر في “أوروبا” لتنفيذ هجمات إرهابية، لافتًا إلى أن تعزيز مناخ الخوف الاجتماعي هو الاستراتيجية الأساسية للجماعات الإرهابية، وهو ما يُحاول (داعش) القيام به في “أوروبا”.
خطر انتشار إيديولوجية “داعش” يُهدد “أوروبا”..
وفي أواخر آذار/مارس الماضي؛ قالت شبكة (CNN) الأميركية إن الهجوم الذي استهدف قاعة حفلات في “موسكو”، ذكَّر العالم بالخطر الدائم المتمثل في تنظيم (داعش) الإرهابي، حيث يعتقد المحللون أن التنظيم سيُركز بشكلٍ متزايد على “أوروبا”.
وفي هذا الصّدد؛ قال “إدموند فيتون براون”، المستشار الأول لمشروع (مكافحة التطرف) ومقره “نيويورك”، لـ (CNN)، إن تنظيم (داعش) لديه الرغبة والقدرة المتزايدة على التوسع وتنفيذ هجمات إقليمية، ويهدف إلى استهداف “روسيا وأوروبا الغربية” وحتى “الولايات المتحدة”.
وأشار التقرير الأميركي إلى أن وكالات الأمن الأوروبية تولي اهتمامًا متزايدًا بتهديدات (داعش)، حتى لو كانت قدرات التنظيم لا تزال غير قادرة على مواكبة طموحاته.
وحذَّر تقرير (CNN) من أن خطر انتشار (داعش) في الدول الغربية لا يمكن تجاهله، وقد ينجذب أفرادٌ من الدول الغربية إلى إيديولوجيتها.
أكبر تهديد إرهابي للقارة العجوز..
وفي أعقاب إحباط مخطط إرهابي لاستهداف حفل “تايلور سويفت” في “فيينا”، وصف مسؤول “الأمم المتحدة”، (داعش)، بأنه: “التهديد الإرهابي الأعظم” لأوروبا.
ووفقًا لتقرير (ABC news)؛ قال “فلاديمير فوروكوف”، وكيل الأمين العام لـ”الأمم المتحدة” لمكافحة الإرهاب، إن تهديد (داعش) أصبح ظاهرًا في “فيينا”، وأن التنظيم تتزايد قوته ونفوذه، محذرًا من أن (داعش) بات أكبر تهديد إرهابي خارجي للقارة.
كذلك اعتبرت صحيفة (فايننشيال تايمز) البريطانية؛ في مقال رأي نشرته في تموز/يوليو الماضي، أن تنظيم (داعش) الإرهابي لا يزال يُمثل تهديدًا لا ينتهي أبدًا وذلك بعدما عاد مؤخرًا على ساحة الإرهاب العالمية من خلال هجمات عديدة شنها مؤيدوه في دول عديدة لتُذكر العالم بمدى الخطر الذي كان يُشكله التنظيم قبل سنوات قليلة.
واستشهدت الصحيفة في بداية مقالها؛ الذي كتبته رئيسة تحريرها؛ “رولا خلف”، على استمرار تأثر المؤيدين لـ (داعش) بالرسالة الأخيرة التي وجهها “أبوبكر البغدادي”، قبل ستة أشهر من مقتله في غارة أميركية عام 2019، حث فيها أتباعه على مواصلة سعيهم ضد ما وصفهم من الأعداء، قائلاً: “معركتنا اليوم هي معركة استنزاف، عليهم أن يعلموا أن الجهاد والحرب مستمر حتى يوم القيامة، وأمر من تبقى من المؤيدين بمهاجمة فرنسا الصليبية وحلفائها”.
استجابة المؤيدون لدعوة “البغدادي”..
وأكدت (فايننشيال تايمز) أنه رُغم انحسار (داعش) في السنوات التي تلت ذلك إلى حدٍ كبير من الصفحات الأولى في صحف وإعلام الغرب، إلا أن العام الجاري قدم بالفعل تذكيرًا صارخًا بأن المؤيدين ما زالوا يستجيبون لدعوة “البغدادي”.. مشيرة إلى الهجوم الأخير الذي تبنّته (داعش) على قاعة للحفلات الموسيقية في “موسكو”؛ في آذار/مارس الماضي، وأدى إلى مقتل: (143) شخصًا، كما أعلنت السلطات الروسية هذا الشهر مقتل: (06) عناصر تابعين لـ (داعش) احتجزوا موظفين اثنين كرهائن بمنطقة “روستوف”؛ بجنوب البلاد، وقالت “فرنسا” إن فرعًا لـ (داعش) حاول أيضًا شن هجمات متعددة على أراضيها.
ولقي ما لا يقل عن: (20) شخصًا حتفهم في نفس الوقت، في منطقة “داغستان” الروسية، بعد أن هاجم مسلحون كنائس ومعابد يهودية في مدينتين، وفي حين لم تُعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجوم فقد تم الإشادة بإطلاق النار على بعض قنوات التواصل الاجتماعي التابعة لـ (داعش).
وحذر مسؤولون في “برلين”؛ مع استضافة بلادهم بطولة كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم 2024، من أن “ألمانيا” قد تشهد هجومًا على نفس النطاق الذي شهدته “موسكو”.
وبحسب الصحيفة؛ فإن (داعش) بقيادة “أبوحفص”، تعمدت إلى نقل المعارك إلى الأتباع والمؤيدين خاصة بعدما أصبحت بدون خلافة تجذب المقاتلين من جميع أنحاء العالم ولا تربط الإيديولوجية بالمظالم المحلية.
وتعليقًا على ذلك.. قال “أليكس يونغر”، الرئيس السابق لـ”جهاز المخابرات البريطاني”؛ (MI6)، في إشارة إلى (داعش): “لقد كان تنظيم (داعش خراسان) دائمًا فعالاً جدًا في نشر إيديولوجيته ما دفعنا إلى تسّميته بنهج نايكي”.. مشيرًا إلى أن التنظيم قام بتوسيع شبكة فروعه بشكل كبير وأن فرع (خراسان) يعمل حاليًا على زيادة هجماته الخارجية حتى تم ربطة هذا العام بتفجيرات في “إيران” أدت إلى مقتل ما يقرب من: (100) شخص وهجوم على كنيسة في “تركيا” ومؤامرة فاشلة لشن هجوم ضد “برلمان السويد”.
وسيلة للفّت الانتباه..
وتأسست (داعش) قبل عقد من الزمن وسط تنامي التمرد ضد الاحتلال الذي قادته “الولايات المتحدة”؛ لـ”العراق”، وحكمت فيما بعد مساحات واسعة من “العراق وسورية” وفرضت قوانين صارمة على ملايين الأشخاص حتى اصبح اسم التنظيم مرادفًا للوحشية الشديدة والفظائع الجماعية، ولكن بحلول عام 2019، تم الإعلان عن الهزيمة الإقليمية للتنظيم، لكنه عاد إلى تكتيكات المتمردين وانقسمت إلى فروع إقليمية.
ورأى خبراء أن الهدف من الهجمات الأخيرة؛ بعد مرور عقد من الزمن على فظائع (داعش) التي احتلت العناوين الرئيسة للأخبار مع تزايد وتيرة الهجمات الكبيرة في “أوروبا”؛ وقطع رؤوس الصحافيين واستعباد آلاف النساء والفتيات، معظمهن من الأقلية الإيزيدية، في “العراق”، هو فقط للفّت الانتباه.
وقال “شيراز ماهر”؛ مدير المركز (الدولي) لدراسة التطرف، في تصريح خاص للصحيفة: “في نظر الشخص العادي في الشارع، (داعش) انتهت وانتهت منذ سنوات، ومثل هذه الهجمات تجعلهم يقولون: لا تنسونا، نحن مازلنا هنا وما زلنا نشكل تهديدًا”.
تزايد الثقة بين “داعش” وتنظيم “القاعدة“..
ويقول مسؤولون أمنيون حاليون وسابقون: إن هناك دلائل على تزايد الثقة بين (داعش) وتنظيم (القاعدة) لأن التركيز المتصور للأجهزة الأمنية الغربية ربما يكون قد تحول على الرغم من أن تحذير المخابرات الأميركية قبل هجوم “موسكو”؛ أظهر أن الوكالات الغربية ظلت على اطلاع بالتهديد.
وقال أحد هؤلاء المسؤولين – ممن لم تكشف الصحيفة عن هويتهم: “عندما ننظر في خطر المؤامرات ضد أوروبا التي يتم توجيهها أو تمكينها من الخارج، فإن (داعش خرسان) في طليعة أذهاننا”.
وتهدف الجماعة التابعة إلى إنشاء خلافة خاصة بها في “خراسان”، وهي منطقة تمتد عبر أجزاء من شبه القارة الهندية و”آسيا الوسطى”، وبعد أن استعادت حركة (طالبان) السلطة في “أفغانستان” في عام 2021، أصبح تنظيم (داعش خراسان) ألد خصم لها، حيث قاتل تمردًا دمويًا واستخدم “أفغانستان” كقاعدة لشن هجمات في أماكن أخرى. ولا تزال شراسة (داعش) أكثر وضوحًا في “إفريقيا”.
ووفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي، فقد تحول بؤرة الإرهاب بشكل حاسم، ولم يُعد “العراق” من بين الدول العشر الأكثر تضررًا.