استراتيجية جديدة لتنظيم داعش في مصر تعتمد على ضرب مكونات النسيج المجتمعي ومحاولة إحداث فتنة بين المسيحين والمسلمين باستهداف الكنائس والمصلين.. بدأ في تنفيذها في الحادي عشر من كانون أول/ديسمبر 2016 بتفجير طال مقر “الكنيسة البطرسية” بالعاصمة القاهرة والملاصقة لأهم مبنى مسيحي في مصر وهو “كاتدرائية العباسية”، ما خلف 25 قتيلاً وجرح 50 آخرين.
سلسلة متلاحقة..
الأمر لم يتوقف عند تفجير كانون الأول، بل تبعه عمليات استهداف للمسيحيين في مساكنهم هي الأولى من نوعها في مصر وتحديداً شمال سيناء بمدينة العريش التي تقع على البحر المتوسط في شباط/فبراير 2017، ما أسفر عن مقتل 7 منهم وتهجير أكثر من 80 أسرة مسيحية خارج سيناء.. فهل انتهى استهداف المسيحيين في مصر؟
تفجيرين متزامنين !
بالطبع لم ينته.. إذ استيقظ المصريون في صباح التاسع من نيسان/ابريل 2017، وبعد أقل من شهرين على تهجير المسيحيين من سيناء، على تفجيرين استهدف أولهما كنيسة كبيرة وهامة وهي “ماري جرجس” في مدينة طنطا التابعة لمحافظة الغربية والتي تبعد عن القاهرة نحو 95 كيلو متراً، ما تسبب في مقتل 30 مصلٍ بالكنيسة بينهم رئيس محكمة مصرية وجرح أكثر من 70 آخرين، فيما استهدف التفجير الثاني – الذي لم يكتمل – مقر “الكاتدرائية المرقسية” بالأسكندرية شمال مصر، ما أسفر عن مقتل 7 أشخاص بينهم ضابط وضابطة شرطة وجرح نحو 30 آخرين.
دماء وأشلاء في كل مكان..
المشهد بات مؤلماً في جميع وسائل الإعلام والصفحات المصرية على مواقع التواصل الاجتماعي، فالدماء والأشلاء في كل مكان لم تفرق بين الصغير والكبير والطفل والمرأة، وتفسيرات أجهزة الأمن سارعت لتؤكد على أن التفجيرين نتيجة أعمال انتحارية نجح الأول في اختراق كنيسة طنطا، فيما أصر ضابط – قتل على الفور- على عبور انتحاري الأسكندرية من بوابة كشف المعادن والمتفجرات وهو ما دفعه لتفجير نفسه أمامها ليأخذ الضابط وضابطة أخرى معه وآخرين إلى بوابة أخرى لكن خارج حدود الدنيا!
تقصير أمني..
خبراء ونشطاء على الفور سارعوا بلوم أجهزة الأمن، واعتبروها مقصرة، خاصة في تفجير طنطا الذي نجح الانتحاري فيه باختراق بوابة الكنيسة وتفجير عبوته في الداخل أثناء احتفالات “أحد الشعانين” عند مسيحي مصر، وهو ما لاقى استجابة سريعة من وزير الداخلية المصري “مجدي عبد الغفار” بإقالته لمدير أمن الغربية – أعلى قيادة شرطية بالمحافظة – وكذلك نقل قيادات الأمن الوطني من المحافظة رداً على هذا التقصير الذي تسبب في سقوط ضحايا كثر.
مصادرة جريدة تطالب بإقالة وزير الداخلية..
لكن هناك من ذهب للمطالبة بإقالة الوزير نفسه، خاصة أنها ليست الحادثة الأولى في عهده، بل وكان المطلب في طريقه للنشر على الصفحات الأولى لجريدة “البوابة” المصرية لصاحبها “عبد الرحيم علي” والذي يحظى بدعم وتمويل خليجي، لولا تدخل “الرقيب” ومصادرة العدد بالكامل قبل توزيعه على المصريين!
داعش: نفذناها بسترات انتحارية..
بدوره سارع “تنظيم داعش” بإعلان مسؤوليته عن التفجيرين عبر حسابات له على مواقع التواصل الاجتماعي، وأن العملية نفذها كل من “أبو براء” المصري و”أبو إسحاق” المصري بسترات انتحارية مجهزة!
زيارة بابا الفاتيكان..
ما أقلق الأجهزة الأمنية المصرية والقيادة السياسية هو توقيت الحادث الذي يسبق زيارة تاريخية لـ”بابا الفاتيكان” إلى مصر قبل نهاية نيسان/ابريل 2017، خوفاً من تداعياته أو أن يكون هناك مخطط أكبر لعناصر انتحارية لم يتوصل إليها الأمن بعد، كما أن تفجير الأسكندرية كاد أن يطال “بابا أقباط مصر” الأرثوذكس “البابا تواضروس” الذي تواجد داخل مقر الكنيسة.. فهل كان الانتحاري يعلم بتواجد البابا؟.. ومن أمده بهذه المعلومة؟
هزات سياسية واقتصادية..
بالتأكيد للتفجيرين تبعاتهما، أولهما دعوة السيسي لانعقاد “مجلس الدفاع الوطني” بتشكيله الكامل لاجتماع طاريء ضم وزراء الحرب “الدفاع والمخابرات والداخلية” والاقتصاد والمالية والحكومة، وبعدها خرج السيسي ليعلن تشكيل “مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب” له كل الصلاحيات المطلقة لـ”مجابهة التطرف”، كما أعلن سريان حالة الطوارئ بجميع أنحاء مصرلمدة 3 أشهر!!
فرض الطوارئ هل يوقف التفجيرات ؟
التفجيران يشكلان خطورة على استقرار مصر واقتصادها.. لكن هل فرض حالة الطوارئ لثلاثة أشهر وإعادة الجيش مرة أخرى للشوارع في بعض المواقع يعطي مؤشراً اقتصادياً إيجابياً لأي مستثمر قد يرغب في الاستثمار بمصر؟.. هل يوقف فرض الطوارئ العمليات الإرهابية الانتحارية التي أصبحت تشبه إلى حد كبير مثيلاتها في العراق؟.. هل تضمن السلطات المصرية عدم استغلال الإجراءات الاستثنائية في فرض حالة من القمع وتضييق الخناق على الحريات؟.. أو أن يستغلها بعض المسؤولين استغلالاً خاطئاً في إحكام الرقابة على الصحف والمطبوعات؟
مراجعة التدابير الأمنية..
أليست مصر في حاجة لمراجعة تدابيرها الأمنية.. خاصة في محيط الكنائس والمواقع السياحية والمواقع المستهدفة؟.. أليست القاهرة في حاجة لمواجهة التطرف الفكري بأساليب علمية بعيداً عن الفكر الأمني الصدامي العنيف؟
هل فرض الطوارئ في مصر والاستعانة بالجيش يبين أن السيسي لا يثق في اجهزة الشرطة وإحكامها للسيطرة الأمنية، أم أنه إجراء متبع حتى في أوروبا مع العمليات الإرهابية بضرورة الاستفادة بخبرات الجيش وآلياته وقواعده الصارمة في التعامل؟.. ولكن يبقى السؤال.. أليس من حق المصريين أن يتجنبوا كل تلك الفوضى الأمنية ويهنئوا بما اعتادوا عليه من استقرار أمني طالما عاشوا فيه.. أم أن الإرهاب استوطن محافظات مصر المختلفة ولم يجد سبيلاً إلا العمليات الانتحارية؟