يهدد اقتحام متظاهرين المنطقة الخضراء وسط بغداد للمرة الثانية للمطالبة بإصلاحات سياسية بتصاعد وتيرة العنف مع قوات الامن.
واضطرت الحكومة العراقية لنفي استخدامها للرصاص الحي ضد المحتجين الذين اقتحموا المنطقة شديدة التحصين، بعد ان اتهمها أنصار الصدر بأنها أصبحت تتصرف مثل تنظيم الدولة الإسلامية في ممارسة الترويع ضد المواطنين.
وبينما يقول خبراء إن الصدريين لم تعد لهم جسور وعلاقات جيدة مع باقي القوى السياسية في البلاد، تتزايد حدة الانقسامات السياسية في العراق إلى درجة استعدادها للتقاتل في ما بينها.
وقال كيرك سويل الخبير في شؤون العراق وناشر “انسايد ايراك بولتكس” ومقره عمان، ان “الصدريين احرقوا الجسور مع باقي القوى السياسية”.
وقالت كمبرلي كاغان رئيسة معهد دراسات الحرب ان “اقتحام مباني الحكومة في بغداد كان خاضعا للسيطرة وموجها، لكن الشغب قد يتحول الى اعمال عنف ونهب غير قابلة للسيطرة”.
وتشير كاغان الى “خطر كبير لأعمال عنف محتملة بين الصدريين والمليشيات المناهضة لهم، كجزء من عملية التنافس السياسي”.
وتابعت “لقد قاتلوا جنبا الى جنب في السابق، لكنهم على خلاف الآن”.
وانخفضت حدة الاحتجاجات خلال الشتاء، لكنها عادت اثر دعوة اطلقها الصدر بداية العام 2016، مطالبا بحكومة تكنوقراط، احد مقترحات المشروع الاصلاحي الذي قدمه العبادي.
ولم يعقد مجلس النواب اي جلسة منذ اقتحام المنطقة الخضراء المرة الاولى في ابريل/نيسان، كما أن تصرف الصدريين يعمق الانقسام بينهم وبين الاحزاب السياسية الأخرى.
وحذرت الامم المتحدة من تصاعد محتمل في أعمال العنف.
وقال ممثل الامم المتحدة في العراق جان كوبس “ما جرى الجمعة يكشف بأن الأحداث قد تأخذ منحى آخر وتصعيد قد يتسبب بسقوط ضحايا”.
وتضمنت مظاهرات الجمعة أنصار رجل الدين الشيعي القوي مقتدى الصدر إلى جانب محتجين من جماعات أخرى تشعر بالاستياء من فشل الحكومة في إقرار إصلاحات لمكافحة الفساد والحفاظ على الأمن في المدينة.
واحتشد المتظاهرون امام احدى البوابات الرئيسية للمنطقة الخضراء حيث اطلقت قوات الامن النار في الهواء من اجل تفريقهم وقنابل غاز مسيلة للدموع قنابل صوتية بشكل متقطع وفتحت خراطيم المياه باتجاههم ما دفع بمعظمهم الى الفرار خارجا.
وقال شهود إنها أطلقت أعيرة نارية في الهواء لكنها فتحت النار على المدنيين مباشرة في وقت لاحق.
وقتل متظاهران نتيجة اصابتهما بجروح جراء اطلاق النار، بحسب مسؤولين، فيما اصيب عشرات بينهم عناصر من قوات الامن خلال اعمال العنف.
وقالت مصادر من أربعة مستشفيات والمشرحة المركزية في بغداد إن أربعة محتجين قتلوا وأصيب 90 بسبب أعيرة نارية يوم الجمعة في المنطقة الخضراء التي يوجد فيها مقر الحكومة ومجلس النواب وسفارات اجنبية بينهما الاميركية والبريطانية، ودخلوا كذلك مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي.
وأدان سياسي من حركة الصدر استخدام الذخيرة الحية بوصفها نهجا “قمعيا”. وأظهرت صور لم يجر التحقق من صحتها نشرت على الانترنت عشرات من مظاريف الرصاص الفارغة.
ونفت بغداد الأحد أن تكون قوات الأمنية قد استخدمت الرصاص الحي ضد المحتجين وأغلبهم من أنصار الصدر، الذيناقتحموا المنطقة الخضراء شديدة التحصين في العاصمة العراقية يوم الجمعة.
لكن سعد الحديثي المتحدث باسم رئيس الوزراء حيدر العبادي، قال إن تحقيقا أوليا أظهر أنه لم تقع سوى حالتي وفاة ولم يكن هناك إطلاق نار مباشر.
وقال في خطاب بثه التلفزيون الرسمي “إن نتائج التحقيقات الأولية تدلل على عدم وجود إطلاق نار مباشر وإن هناك حالتي وفاة لا دليل على إصابتهما بإطلاق نار مباشر على المتظاهرين ولا توجد حالات غيرها مع وجود معطيات بحمل المندسين للأسلحة”.
وقال الحديثي إنه جرى اعتقال ثلاثة محتجين لاستجوابهم لكن أفرج عنهم في وقت لاحق.
ويواجه العراق اليوم مخاطر مواجهات بين المليشيات المسلحة التي اكتسبت خبرات قتالية فاعلة خلال محاربتها تنظيم الدولة الاسلامية، ما يهدد باشتباكات مع الصدريين.
ويرى زيد العلي الباحث في جامعة برستون ومؤلف كتاب عن العراق “حتى الآن، لا يوجد الكثير من التقدم في اي ناحية”.
واوضح “لم يتم تمرير تشريعات مهمة، والحكومة في حالة فوضى في حين ان البرلمان متوقف اساسا عن الالتئام”.
ولفت العلي الى ان “الصدريين منحوا المتظاهرين مزيدا من القوة، لكنهم يعملون على تسييس حركتهم”.
ويبدو ان فترة التسامح مع هذه الاعمال قد انتهت، خصوصا بعد مقتل بعض المتظاهرين واصابة اخرين الجمعة وهو امر قد يقود الى مزيد من العنف بين الجانبين.
وأدان العبادي اقتحام المنطقة الخضراء وحذر من الفوضى والفتنة فيما تسعى قوات الحكومة للحفاظ على الزخم في معركتها لطرد الجهاديين من المناطق الواسعة التي سيطروا عليها في 2014 في شمال العراق وغربه.
وكانت الإجراءات التي اتخذتها قوات الأمن العراقية اكثر حزما من تلك التي واجهها المتظاهرون اثناء اقتحامهم المنطقة الخضراء قبل ثلاثة اسابيع، ودفعتهم الى رشق عناص الامن بالحجارة.
واتهم بعض المتظاهرين الغاضبين السياسيين العراقيين بالتصرف مثل “تنظيم الدولة الإسلامية” الذي يرتكب اعتداءات ضد المدنيين في بغداد.
وقد اتخذت قوات الامن جانب الحياد المرة السابقة عندما اقتحم متظاهرون المنطقة الخضراء وسيطروا لعدة ساعات على مبنى مجلس النواب.
وتعهد مقتدى الصدر باستمرار التظاهر السلمي، وهدد كذلك بالتصعيد اذا حاول احدهم منع ذلك، مشددا في نفس الوقت على أن الهجوم على مؤسسات الدولة أمر “لا يمكن قبوله”.
وتبنى انصار التيار الصدري موجة الاحتجاجات التي اندلعت صيف 2015 وتدعو الى تحسين الخدمات العامة خصوصا الكهرباء.
وحظي المتظاهرون بدعم المرجع الشيعي الكبير علي السيستاني ما دفع العبادي الى إعلان خطته الإصلاحية.
لكن بعد مرور عام، لم تتحقق سوى بعض الامور المحدودة من التغيير.
واقتحم مدنيون محيط المنطقة الخضراء مرتين في ثلاثة أسابيع الأمر الذي أثار تساؤلات بشأن مدى قدرة الحكومة على تأمين العاصمة التي شهدت أيضا ارتفاعا في وتيرة التفجيرات التي أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عنها هذا الشهر.